فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (4):

{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)}
فإن قلت: مم استثنى قوله {إِلاَّ الذين عاهدتم}؟ قلت: وجهه أن يكون مستثنى من قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض} [التوبة: 2] لأن الكلام خطاب للمسلمين. ومعناه: براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فقولوا لهم سيحوا، إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم والاستثناء بمعنى الاستدراك، وكأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين، ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم، ولا تجروهم مجراهم، ولا تجعلوا الوفيَّ كالغادر {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} يعني أنّ قضية التقوى أن لا يسوّي بين القبيلين فاتقوا الله في ذلك {لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً} لم يقتلوا منكم أحداً ولم يضروكم قط {وَلَمْ يظاهروا} ولم يعاونوا {عَلَيْكُمْ} عدوّاً، كما عدت بنو بكر على خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهرتهم قريش بالسلاح حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشد:
لاَهُمَّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ** حِلْفَ أبِينَا وَأبِيكَ الأتْلَدَا

إن قُرَيْشاً أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ** وَنَقَضُوا ذِمَامكَ الْمُؤَكَّدَا

هُمْ بَيَّتُونَا بِالْحَطِيمِ هُجَّدا ** وَقَتَلُونَا رُكَّعاً وَسُجَّدَا

فقال عليه الصلاة والسلام: «لا نصرت إن لم أنصركم» وقرئ: {لم ينقضوكم}، بالضاد معجمة أي لم ينقضوا عهدكم. ومعنى {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ} فأدّوه إليهم تامّاً كاملاً. قال ابن عباس رضي الله عنه: بقي لحيّ من كنانة من عهدهم تسعة أشهر، فأتمّ إليهم عهدهم.

.تفسير الآية رقم (5):

{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
انسلخ الشهر، كقولك انجرد الشهر، وسنة جرداء. و{الاشهر الحرم} التي أبيح فيها للناكثين أن يسيحوا {فاقتلوا المشركين} يعني الذين نقضوكم وظاهروا عليكم {حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} من حلٍّ أو حرم {وَخُذُوهُمْ} وأسروهم. والأخيذ: الأسير {واحصروهم} وقيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: حصرهم أن يحال بينهم وبين المسجد الحرام {كُلَّ مَرْصَدٍ} كلّ ممرّ مجتاز ترصدونهم به، وانتصابه على الظرف كقوله {لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} [الأعراف: 16]. {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} فأطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر. أو فكفوا عنهم ولا تتعرّضوا لهم كقوله:
خَلِّ السَّبِيلَ لِمَنْ يَبْنِي الْمَنَارَ بِهِ

وعن ابن عباس رضي الله عنه: دعوهم وإتيان المسجد الحرام {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)}
{أَحَدٌ} مرتفع بفعل الشرط مضمراً يفسره الظاهر، تقديره: وإن استجارك أحد استجارك ولا يرتفع بالابتداء، لأنّ (إن) من عوامل الفعل لا تدخل على غيره. والمعنى: وإن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق، فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن، وتبين ما بعثت له فأمّنه {حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر {ثُمَّ أَبْلِغْهُ} بعد ذلك داره التي يأمن فيها إن لم يسلم. ثم قاتله إن شئت من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت.
وعن الحسن رضي الله عنه: هي محكمة إلى يوم القيامة.
وعن سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى عليّ رضي الله عنه فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام الله، أو يأتيه لحاجة قتل؟ قال: لا، لأنّ الله تعالى يقول: {وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك} الآية.
وعن السُدّي والضحاك رضي الله عنهما: هي منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]. {ذلك} أي ذلك الأمر، يعني الأمر بالإجارة في قوله: {فَأَجِرْهُ}. {ب} سبب {أَنَّهُمْ} قوم جهلة {لاَّ يَعْلَمُونَ} ما الإسلام وما حقيقة ما تدعو إليه، فلا بدّ من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.

.تفسير الآيات (7- 8):

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}
{كَيْفَ} استفهام في معنى الاستنكار والاستبعاد؛ لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أضداد وغرة صدورهم، يعني: محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا في ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا في قتلهم. ثم استدرك ذلك بقوله: {إِلاَّ الذين عاهدتم} أي ولكن الذين عاهدتم منهم {عِندَ المسجد الحرام} ولم يظهر منهم نكث كبني كنانة وبني ضمرة، فتربصوا أمرهم ولا تقاتلوهم {فَمَا استقاموا لَكُمْ} على العهد {فاستقيموا لَهُمْ} على مثله {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} يعني أن التربص بهم من أعمال المتقين {كَيْفَ} تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل لكونه معلوماً كما قال:
وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ بِالْقُرَى ** فَكَيْف وَهَاتَا هَضْبَة وَقَليبُ

يريد: فكيف مات. أي: كيف يكون لهم عهد {و} حالهم أنهم {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ} لا يراعوا حلفاً. وقيل: قرابة. وأنشد لحسان رضي الله عنه:
لَعَمْرُكَ إنَّ إلَّكَ مِنْ قُرَيْش ** كَإلِّ السَّقْبِ مِنْ رَأَلِ النَّعَامِ

وقيل: {إِلاًّ} إلها وقرئ: {إيلا}، بمعناه وقيل: جبرئيل، وجبرئل، من ذلك. وقيل: منه اشتق الآل بمعنى القرابة، كما اشتقت الرحم من الرحمن، والوجه ان اشتقاق الإلّ بمعنى الحلف، لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه، من الأل وهو الجؤار، وله أليل: أي أنين يرفع به صوته. ودعت ألليها: إذا ولولت، ثم قيل لكل عهد وميثاق: إلّ. وسميت به القرابة، لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق {يُرْضُونَكُم} كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن، مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد. وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} متمرّدون خلعاء لا مروءة تزعهم، ولا شمائل مرضية تردعهم، كما يوجد ذلك في بعض الكفرة، من التفادي عن الكذب والنكث، والتعفف عما يثلم العرض ويجرّ أحدوثة السوء.

.تفسير الآيات (9- 10):

{اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}
{اشتروا} استبدلوا {بآيات الله} بالقرآن والإسلام {ثَمَناً قَلِيلاً} وهو اتباع الأهواء والشهوات {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} فعدلوا عنه أو صرفوا غيرهم. وقيل: هم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان وأطعمهم {هُمُ المعتدون} المجاوزون الغاية في الظلم والشرارة.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
{فَإِن تَابُواْ} عن الكفر ونقض العهد {فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين} فهم إخوانكم على حذف المبتدأ، كقوله تعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم} [الأحزاب: 5]، {وَنُفَصّلُ الايات} ونبينها. وهذا اعتراض، كأنه قيل: وإن من تأمّل تفصيلها فهو العالم بعثاً وتحريضاً على تأمّل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين، وعلى المحافظة عليها.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
{وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} وثلبوه وعابوه {فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر} فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم: إشعاراً بأنهم إذا نكثوا في حال الشرك تمرّداً وطغياناً وطرحاً لعادات الكرام الأوفياء من العرب، ثم آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاروا إخواناً للمسلمين في الدين، ثم رجعوا فارتدوا عن الإسلام ونكثوا ما بايعوا عليه من الإيمان والوفاء بالعهود، وقعدوا يطعنون في دين الله ويقولون ليس دين محمدبشيء، فهم أئمة الكفر وذوو الرياسة والتقدم فيه، لا يشق كافر غبارهم. وقالوا: إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعناً ظاهراً، جاز قتله؛ لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمّة {إِنَّهُمْ لا أيمان لَهُمْ} جمع يمين: وقرئ: {لا إيمان لهم، أي لا إسلام لهم} أو لا يعطون الأمان بعد الردّة والنكث، ولا سبيل إليه، فإن قلت: كيف أثبت لهم الإيمان في قوله: {وَإِن نَّكَثُواْ أيمانهم} ثم نفاها عنهم؟ قلت: أراد أيمانهم التي أظهروها ثم قال لا إيمان لهم على الحقيقة، وأيمانهم ليست بأيمان. وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن يمين الكافر لا تكون يميناً. وعند الشافعي رحمه الله: يمينهم يمين. وقال: معناه أنهم لا يوفون بها، بدليل أنه وصفها بالنكث {لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} متعلق بقوله {فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر} أي ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم ما وجد من العظائم أن تكون المقاتلة سبباً في انتهائهم عما هم عليه. وهذا من غاية كرمه وفضله وعوده على المسيء بالرحمة كلما عاد.
فإن قلت: كيف لفظ أئمة؟ قلت: همزة بعدها همزة بين بين، أي: بين مخرج الهمزة والياء. وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة، وإن لم تكن بمقبولة عند البصريين. وأما التصريح بالياء فليس بقراءة. ولا يجوز أن تكون قراءة. ومن صرح بها فهو لاحن محرف.

.تفسير الآية رقم (13):

{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}
{أَلاَ تقاتلون} دخلت الهمزة على {لاَ تقاتلون} تقريراً بانتفاء المقاتلة. ومعناه: الحضّ عليها على سبيل المبالغة {نَّكَثُواْ أيمانهم} التي حلفوها في المعاهدة {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول} من مكة حين تشاوروا في أمره بدار الندوة، حتى أذن الله تعالى له في الهجرة، فخرج بنفسه {وَهُم بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءهم أولاً بالكتاب المنير وتحداهم به، فعدلوا عن المعارضة لعجزهم عنها إلى القتال فهم البادءون بالقتال والبادئ أظلم، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم بمثله، وأن تصدموهم بالشرّ كما صدموكم؟ وبخهم بترك مقاتلتهم وحضّهم عليها، ثم وصفهم بما يوجب الحضّ عليها. ويقرر أن من كان في مثل صفاتهم من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب، حقيق بأن لا تترك مصادمته، وأن يوبخ من فرط فيها {أَتَخْشَوْنَهُمْ} تقرير بالخشية منهم وتوبيخ عليها {فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} فتقاتلوا أعداءه {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يعني أن قضية الإيمان الصحيح أن لا يخشى المؤمن إلاّ ربه، ولا يبالي بمن سواه، كقوله تعالى: {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} [الأحزاب: 39].

.تفسير الآيات (14- 15):

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)} و لما وبخهم الله على ترك القتال، جرّد لهم الأمر به فقال: {قاتلوهم} ووعدهم- ليثبت قلوبهم ويصحح نياتهم- أنه يعذبهم بأيديهم قتلاً، ويخزيهم أسراً، ويوليهم النصر والغلبة عليهم {وَيَشْفِ صُدُورَ} طائفة من المؤمنين، وهم خزاعة، قال ابن عباس رضي الله عنه: هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا، فلقوا من أهلها أذى شديداً، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه، فقال: «أبشروا فإن الفرج قريب» {وَيُذْهِبْ غَيْظَ} قلوبكم لما لقيتم منهم من المكروه، وقد حصّل الله لهم هذه المواعيد كلها، فكان ذلك دليلاً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَاء} ابتداء كلام، وإخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره، وكان ذلك أيضاً، فقد أسلم ناس منهم وحسن إسلامهم، وقرئ: {ويتوب} بالنصب بإضمار (إن) ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى {والله عَلِيمٌ} يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان {حَكِيمٌ} لا يفعل إلاّ ما اقتضته الحكمة.