فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (82):

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}
قد يذكر الأمس ولا يراد به اليوم الذي قبل يومك، ولكن الوقت المستقرب على طريق الاستعارة {مَكَانَهُ} منزلته من الدنيا (وي) مفصولة عن كأن، وهي كلمة تنبُّهٍ على الخطأ وتندُّم. ومعناه: أن القوم قد تنبهوا على خطئهم في تمنيهم وقولهم: {ياليت لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِىَ قارون} وتندموا ثم قالوا: {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} أي: ما أشبه الحال بأن الكافرين لا ينالون الفلاح، وهو مذهب الخليل وسيبويه. قال:
وَيْ كَأَنَّ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ ** بب وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ

وحكى الفراء أنّ أعرابية قالت لزوجها: أين ابنك؟ فقال: وي كأنه وراء البيت. وعند الكوفيين أنّ {ويك} بمعنى: ويلك، وأنّ المعنى ألم تعلم أنه لا يفلح الكافرون. ويجوز أن تكون الكاف كاف الخطاب مضمومة إلى وي، كقوله:
... وَيْكَ عَنْتَرُ أَقْدِمِ

وأنه بمعنى لأنه، واللام لبيان المقول لأجله هذا القول، أو لأنه لا يفلح الكافرون كان ذلك، وهو الخسف بقارون، ومن الناس من يقف على (وي) ويبتدئ (كَأَنَّهُ) ومنهم من يقف على {ويك}.
وقرأ الأعمش {لولا منّ الله علينا}. وقرئ: {لَخَسَفَ بِنَا} وفيه ضمير الله. ولا نخسف بنا، كقولك: انقطع به. ولتخسف بنا.

.تفسير الآية رقم (83):

{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
{تِلْكَ} تعظيم لها وتفخيم لشأنها، يعني: تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها. لم يعلق الموعد بترك العلو والفساد، ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما، كما قال: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ} [هود: 113] فعلق الوعيد بالركون.
وعن علي رضي الله عنه: إنّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحتها.
وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني ههنا.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يردّدها حتى قبض. ومن الطماع من يجعل العلوّ لفرعون، والفساد لقارون، متعلقاً بقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} [القصص: 4]، {وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض} [القصص: 77] ويقول: من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة، ولا يتدبر قوله: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} كما تدبره عليّ والفضيل وعمر.

.تفسير الآية رقم (84):

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}
معناه: فلا يجزون، فوضع {الذين عَمِلُواْ السيئات} موضع الضمير؛ لأن في إسناد عمل السيئة إليهم مكرراً. فضل تهجين لحالهم، وزيادة تبغيض للسيئة إلى قلوب السامعين {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إلا مثل ما كانوا يعملون، وهذا من فضله العظيم وكرمه الواسع أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها، ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة، وهو معنى قوله: {فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا}.

.تفسير الآية رقم (85):

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)}
{فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان} أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل بما فيه، يعني: أن الذي حملك صعوبة هذا التكليف لمثيبك عليها ثواباً لا يحيط به الوصف. و{لَرَادُّكَ} بعد الموت {إلى مَعَادٍ} أي معاد ليس لغيرك من البشر وتنكير المعاد لذلك: وقيل: المراد به مكة: ووجهه أن يراد رده إليها يوم الفتح: ووجه تنكيره أنها كانت في ذلك اليوم معاداً له شأن، ومرجعاً له اعتداد؛ لغلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقهره لأهلها، ولظهور عز الإسلام وأهله وذل الشرك وحزبه. والسورة مكية، فكأن الله وعده وهو بمكة في أذى وغلبة من أهلها: أنه يهاجر به منها، ويعيده إليها ظاهراً ظافراً. وقيل: نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره. وقد اشتاق إلى مولده ومولد آبائه وحرم إبراهيم، فنزل جبريل فقال له: أتشتاق إلى مكة؟ قال: نعم، فأوحاها إليه.
فإن قلت: كيف اتصل قوله تعالى: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ} بما قبله؟ قلت: لما وعد رسوله الردّ إلى معاد، قال: قل للمشركين: {رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى} يعني نفسه وما يستحقه من الثواب في معاده {وَمَنْ هُوَ فِي ضلال مُّبِينٍ} يعنيهم وما يستحقونه من العقاب في معادهم.

.تفسير الآية رقم (86):

{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)}
فإن قلت: قوله: {إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} ما وجه الاستثناء فيه؟ قلت: هذا كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمه من ربك. ويجوز أن يكون إلا بمعنى لكن للاستدراك، أي: ولكن لرحمة من ربك ألقي إليك.

.تفسير الآية رقم (87):

{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)}
وقرئ: {يصدنك}، من أصدّه بمعنى صدّه، وهي في لغة كلب. وقال:
أُنَاسٌ أَصَدُّوا النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَنْهُمُو ** صُدُودَ السَّوَاقي عَنْ أُنُوفِ الْحَوَائِمِ

{بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} بعد وقت إنزاله وإذ تضاف إليه أسماء الزمان، كقولك: حينئذٍ وليلتئذٍ ويومئذٍ وما أشبه ذلك. والنهي عن مظاهرة الكافرين ونحو ذلك من باب التهييج الذي سبق ذكره.

.تفسير الآية رقم (88):

{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)}
{إِلاَّ وَجْهَهُ} إلا إياه. والوجه يعبر به عن الذات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرأَ طاسم القصص كانَ لَهُ الأجرُ بعددِ مَنْ صدَّقَ موسى وكذَّبَ بهِ، ولمْ يبقَ ملكٌ في السمواتِ والأرضِ إلاّ شهدَ لَهُ يومَ القيامةِ أنّه كانَ صادِقاً أنّ كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاَّ وجهُه، لهُ الحكمُ وإليه ترجعُونَ».

.سورة العنكبوت:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}
الحسبان لا يصح تعليقه بمعاني المفردات، ولكن بمضامين الجمل. ألا ترى أنك لو قلت: حسبت زيداً وظننت الفرس: لم يكن شيئاً حتى تقول: حسبت زيداً عالماً؛ وظننت الفرس جواداً، لأنّ قولك: زيد عالم، أو الفرس جواد: كلام دال على مضمون، فأردت الإخبار عن ذلك المضمون ثابتاً عندك على وجه الظن لا اليقين، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه، من ذكر شطري الجملة مدخلاً عليهما فعل الحسبان، حتى يتم لك غرضك.
فإن قلت: فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية؟ قلت: هو في قوله: {أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} وذلك أن تقديره: أحسبوا تركهم غير مفتونين، لقولهم: آمنا، فالترك أول مفعولي حسب؛ ولقولهم: آمنا، هو الخبر. وأما {غير مفتونين} فتتمة الترك، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله:
فَتَرَكْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ

ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان، تقدر أن تقول: تركهم غير مفتونين، لقولهم: آمنا، على تقدير: حاصل ومستقر، قبل اللام.
فإن قلت: {أَن يَقُولُواْ} هو علة تركهم غير مفتونين، فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ؟ قلت: كما تقول خروجه لمخافة الشر، وضربه للتأديب، وقد كان التأديب والمخافة في قولك: خرجت مخافة الشر، وضربته تأديباً: تعليلين. وتقول أيضاً: حسبت خروجه لمخافة الشر، وظننت ضربه للتأديب، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدأ وخبراً. والفتنة: الامتحان بشدائد التكليف: من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر؛ والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم. والمعنى: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان: أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين، بل يمحنهم الله بضروب المحن، حتى يبلو صبرهم، وثبات أقدامهم، وصحة عقائدهم، ونصوع نياتهم، ليتميز المخلص من غير المخلص، والراسخ في الدين من المضطرب، والمتمكن من العابد على حرف، كما قال: {لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [آل عمران: 186] وروي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جزعوا من أذى المشركين.
وقيل في عمار بن ياسر: وكان يعذب في الله. وقيل: في ناس أسلموا بمكة، فكتب إليهم المهاجرون: لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا، فخرجوا فتبعهم المشركون فردّوهم، فلما نزلت كتبوا بها إليهم؛ فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا. وقيل: في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أوّل قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عامر بن الحضرمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» فجزع عليه أبواه وامرأته {وَلَقَدْ فَتَنَّا} موصول بأحسب أو بلا يفتنون، كقولك: ألا يمتحن فلان وقد امتحن من هو خير منه، يعني: أن أتباع الأنبياء عليهم السلام قبلهم، قد أصابهم من الفتن والمحن نحو ما أصابهم. أو ما هو أشدّ منه فصبروا، كما قال: {وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ...} الآية [آل عمران: 146] وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «قد كان مَن قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين، وما يصرفه ذلك عن دينه؛ ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه» {فَلَيَعْلَمَنَّ الله} بالامتحان {الذين صَدَقُوا} في الإيمان {وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} فيه.
فإن قلت: كيف وهو عالم بذلك فيما لم يزل؟ قلت: لم يزل يعلمه معدوماً، ولا يعلمه موجوداً إلا إذا وجد، والمعنى: وليتميزن الصادق منهم من الكاذب. ويجوز أن يكون وعداً ووعيداً، كأنه قال: وليثيبن الذي صدقوا وليعاقبنّ الكاذبين.
وقرأ علي رضي الله عنه والزهري: وليعلمنّ، من الإعلام، أي: وليعرفنهم الله الناس من هم. أو ليسمنهم بعلامة يعرفون بها من بياض الوجوه وسوادها، وكحل العيون وزرقتها.

.تفسير الآية رقم (4):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}
{أَن يَسْبِقُونَا} أي يفوتونا، يعني أنّ الجزاء يلحقهم لا محالة، وهم لم يطمعوا في الفوت، ولم يحدّثوا به نفوسهم، ولكنهم لغفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وإصرارهم على المعاصي: في صورة من يقدر ذلك ويطمع فيه. ونظيره {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض} [العنكبوت: 22]، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59].
فإن قلت: أين مفعولا {حسب}؟ قلت: اشتمال صلة أن على مسند ومسند إليه سدّ مسدّ المفعولين؛ كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} [البقرة: 214] ويجوز أن يضمن حسب معنى قدر وأم منقطعة. ومعنى الإضراب فيها: أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأوّل، لأن ذاك يقدر أنه لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يجازى بمساويه {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس الذي يحكمونه حكمهم هذا. أو بئس حكماً يحكمونه حكمهم هذا، فحذف المخصوص بالذم.

.تفسير الآية رقم (5):

{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)}
لقاء الله: مثل للوصول إلى العاقبة، من تلقي ملك الموت، والبعث، والحساب، والجزاء: مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله، أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى قوله: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله}: من كان يأمل تلك الحال. وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر {فَإِنَّ أَجَلَ الله} وهو الموت {لآتٍ} لا محالة؛ فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه، ويحقق أمله، ويكتسب به القربة عند الله والزلفى {وَهُوَ السميع العليم} الذي لا يخفى عليه شيء مما يقوله عباده ومما يفعلونه، فهو حقيق بالتقوى والخشية. وقيل: {يَرْجُو}: يخاف من قول الهذلي في صفة عسّال:
إِذَا لَسَعْتُه الدَّبْرُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا

فإن قلت: فإن أجل الله لآت، كيف وقع جواباً للشرط؟ قلت: إذا علم أن لقاء الله عنيت به تلك الحال الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت: فكأنه قال: من كان يرجو لقاء الله فإن لقاء الله لآت، لأن الأجل واقع فيه اللقاء، كما تقول: من كان يرجو لقاء الملك فإن يوم الجمعة قريب، إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة.