فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (45- 48):

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}
{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} يعني المنافقين، وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً {يَتَرَدَّدُونَ} عبارة عن التحير، لأنّ التردد ديدن المتحير، كما أن الثبات والاستقرار ديدن المستبصر. وقرئ: {عدة}، بمعنى عدّته فعل بالعدّة ما فعل بالعدة من قال:
وَأَخْلَفُوكَ عِدَ الأَمْرِ الَّذِي وَعَدُوا

من حذف تاء التأنيث، وتعويض المضاف إليه منها. وقرئ: {عِدة} بكسر العين بغير إضافة، و {عدة} بإضافة.
فإن قلت: كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج} معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو. قيل: {ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم} كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول: ما أحسن إليَّ زيد، ولكن أساء إليّ {فَثَبَّطَهُمْ} فكسلهم وخذلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث {وَقِيلَ اقعدوا} جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمراً بالقعود. وقيل: هو قول الشيطان بالوسوسة. وقيل: هو قولهم لأنفسهم. وقيل: هو إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في القعود.
فإن قلت: كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة، وتعالى الله عن إلهام القبيح؟ قلت: خروجهم كان مفسدة، لقوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً} فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسناً ومصلحة.
فإن قلت: فلم خطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذن لهم فيما هو مصلحة؟ قلت: لأنّ إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لم يكن للنظر في هذه المصلحة ولا علمها إلا بعد القفول بإعلام الله تعالى، ولكن لأنهم استأذنوه في ذلك واعتذروا إليه، فكان عليه أن يتفحص عن كنه معاذيرهم ولا يتجوّز في قبولها، فمن ثم أتاه العتاب ويجوز أن يكون في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإذن لهم مع تثبيط الله إياهم مصلحة أخرى، فبإذنه لهم فقدت تلك المصلحة، وذلك أنهم إذا ثبطهم الله فلم ينبعثوا وكان قعودهم بغير إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت عليهم الحجّة ولم تبق لهم معذرة. ولقد تدارك الله ذلك حيث هتك أستارهم وكشف أسرارهم وشهد عليهم بالنفاق، وأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
فإن قلت: ما معنى قوله: {مَعَ القاعدين}؟ قلت: هو ذمّ لهم وتعجيز، وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت، وهم القاعدون والخالفون والخوالف، ويبينه قوله تعالى: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} [التوبة: 87، 93]. {إِلاَّ خَبَالاً} ليس من الاستثناء المنقطع في شيء كما يقولون لأنَّ الاستثناء المنقطع هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، كقولك: ما زادوكم خيراً إلاّ خبالا، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعمّ العام الذي هو الشيء، فكان استثناء متصلاً؛ لأنّ الخبال بعض أعمّ العام كأن قيل ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً والخبال الفساد والشر {ولأَوْضَعُواْ خلالكم} ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين.
يقال: وضع البعير وضعاً إذا أسرع وأوضعته أنا، والمعنى: ولأوضع ركائبهم بينكم، والمراد الإسراع بالنمائم؛ لأنّ الراكب أسرع من الماشي.
وقرأ ابن الزبير رضي الله عنه: {ولأرقصوا} من رقصت الناقة رقصاً إذا أسرعت وأرقصتها قال:
وَالرَّاقِصَاتِ إلَى مِنى فَالْغَبْغَبِ

وقرئ: {ولأوفضوا} فإن قلت: كيف خطّ في المصحف: ولا أوضعوا، بزيادة ألف؟ قلت: كانت الفتحة تكتب إلفاً قبل الخط العربي، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن، وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفاً، وفتحتها ألفاً أخرى، ونحو: أو لا أذبحنه. {يَبْغُونَكُمُ الفتنة} يحاولون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم {وَفِيكُمْ سماعون لَهُمْ} أي نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم. أو فيكم قوم يسمعون للمنافقين ويطيعونهم {وَلَقَدْ ابتغوا الفتنة} أي العنت ونصب الغوائل والسعي في تشتيت شملك وتفريق أصحابك عنك، كما فعل عبد الله بن أبيّ يوم أحد حين انصرف بمن معه وعن ابن جريج رضي الله عنه: وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الثنية ليلة العقبة وهم اثنا عشر رجلاً ليفتكوا به {مِن قَبْلُ} من قبل غزوة تبوك {وَقَلَّبُواْ لَكَ الامور} ودبروا لك الحيل والمكايد، ودوَّروا الآراء في إبطال أمرك. وقرئ: {وقلبوا} بالتخفيف {حتى جَاء الحق} وهو تأييدك ونصرك {وَظَهَرَ أَمْرُ الله} وغلب دينه وعلا شرعه.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)}
{ائذن لّي} في القعود {وَلاَ تَفْتِنّى} ولا توقعني في الفتنة وهي الإثم، بأن لا تأذن لي فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت. وقيل: ولا تلقني في الهلكة، فإني إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي. وقيل: قال الجدّ بن قيس: قد علمت الأنصار أني مستهتر بالنساء فلا تفتنّي ببنات الأصفر يعني نساء الروم، ولكني أعينك بمال فاتركني. وقرئ: {ولا تفتني} من أفتنه {أَلا فِي الفتنة سَقَطُواْ} أي إنّ الفتنة هي التي سقطوا فيها، وهي فتنة التخلف. وفي مصحف أبيّ رضي الله عنه: سقط؛ لأنّ (من) موحد اللفظ مجموع المعنى {لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} يعني أنها تحيط بهم يوم القيامة. أو هي محيطة بهم الآن؛ لأنّ أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها.

.تفسير الآية رقم (50):

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
{إِن تُصِبْكَ} في بعض الغزوات {حَسَنَةٌ} ظفر وغنيمة {تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ} نكبة وشدّة في بعضها نحو ما جرى في يوم أحد يفرحوا بحالهم في الإنحراف عنك، و{يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا} أي أمرنا الذي نحن متسمون به، من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم {مِن قَبْلُ} من قبل ما وقع. وتولوا عن مقام التحدّث بذلك والاجتماع له إلى أهاليهم {وَّهُمْ فَرِحُونَ} مسرورون. وقيل: تولوا: أعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (51):

{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
قرأ ابن مسعود رضي الله عنه: {قل هل يصيبنا}.
وقرأ طلحة رضي الله عنه: {هل يصيّبنا}، بتشديد الياء. ووجهه أن يكون (يفعيل) لا (يفعل) لأنه من بنات الواو، كقولهم: الصواب، وصاب السهم يصوب، ومصاوب في جمع مصيبة، فحقّ (يفعل) منه (يصوّب) ألا ترى إلى قولهم: صوّب رأيه، إلاّ أن يكون من لغة من يقول: صاب السهم يصيب. ومن قوله: أسهمي الصائبات والصيب، واللام في قوله: {إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} مفيدة معنى الاختصاص كأنه قيل: لن يصيبنا إلاّ ما اختصنا الله به بإثباته وإيجابه من النصرة عليكم أو الشهادة. ألا ترى إلى قوله: {هُوَ مولانا} أي الذي يتولانا ونتولاه، ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله، فليفعلوا ما هو حقهم.

.تفسير الآية رقم (52):

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}
{إِلا إِحْدَى الحسنيين} إلاّ إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هي حسن العواقب، وهما النصرة والشهادة {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ} إحدى السوأتين من العواقب، إمّا {أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ} وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود {أَوْ} بعذاب {بِأَيْدِينَا} وهو القتل على الكفر {فَتَرَبَّصُواْ} بنا ما ذكرنا من عواقبنا {إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} ما هو عاقبتكم، فلا بدّ أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.

.تفسير الآية رقم (53):

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
{أَنفَقُواْ} يعني في سبيل الله ووجوه البر {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} نصب على الحال، أي طائعين أو مكرهين.
فإن قلت: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: {لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ}؟ قلت: هو أمر في معنى الخبر، كقوله تبارك وتعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً} [مريم: 75] ومعناه: لن يتقبل منكم أنفقتم طوعاً أو كرهاً. ونحوه قوله تعالى: {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] وقوله:
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لاَ مَلُومَةً

أي لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، ولا نلومك- أسأت إلينا أم أحسنت.
فإن قلت: متى يجوز نحو هذا؟ قلت: إذا دلّ الكلام عليه كما جاز عكسه في قولك: رحم الله زيداً وغفر له، فإن قلت: لم فعل ذلك؟ قلت: لنكتة فيه، وهي أنّ كثيراً كأنه يقول لعزة: امتحني لطف محلك عندي وقوّة محبتي لك، وعامليني بالإساءة. والإحسان، وانظري هل يتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة؟ وفي معناه قول القائل:
أَخُوكَ الَّذِي إنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عَامِدا ** لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَفِثَّكَ فِي الْوُدِّ

وكذلك المعنى: أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم؟ واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم، وانظر هل ترى اختلافاً بين حال الاستغفار وتركه؟ فإن قلت: ما الغرض في نفي التقبل؟ أهو ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبله منهم وردّه عليهم ما يبذلون منه؟ أم هو كونه غير مقبول عند الله تعالى ذاهباً هباء لا ثواب له؟ قلت: يحتمل الأمرين جميعاً. وقوله: {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} معناه طائعين من غير إلزام من الله ورسوله، أو ملزمين. وسمي الإلزام إكراهاً، لأنهم منافقون، فكان إلزامهم الإنفاق شاقاً عليهم كالإكراه. أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم، لأن رؤساء أهل النفاق كانوا يحملون على الإنفاق لما يرون من المصلحة فيه، أو مكرهين من جهتهم.
وروي: أنها نزلت في الجدّ بن قيس حين تخلف عن غزوة تبوك وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مالي أعينك به فاتركني {إِنَّكُمْ} تعليل لردّ إنفاقهم. والمراد بالفسق: التمرّد والعتو.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)}
{أَنَّهُمْ} فاعل منع. وهم، وأن تقبل مفعولاه. وقرئ: {أن تقبل}، بالتاء والياء على البناء للمعفول. ونفقاتهم، ونفقتهم، على الجمع والتوحيد.
وقرأ السلمي: {أن يَقْبل منهم نفقاتهم} على أن الفعل لله عزّ وجلّ {كسالى} بالضم والفتح، جمع كسلان، نحو سكارى وغيارى، في جمع سكران وغيران، وكسلهم لأنهم لا يرجون بصلاتهم ثواباً، ولا يخشون بتركها عقاباً فهي ثقيلة عليهم كقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 45] وقرأت في بعض الأخبار: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره للمؤمن أن يقول: كسلت، كأنه ذهب إلى هذه الآية، فإنّ الكسل من صفات المنافقين، فما ينبغي أن يسنده المؤمن إلى نفسه.
فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية وقد جعلهم الله تعالى طائعين في قوله {طَوْعاً} ثم وصفهم بأنهم لا ينفقون إلاّ وهم كارهون.
قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلاّ عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}
الإعجاب بالشيء: أن يسرّ به سرور راض به متعجب من حسنه. والمعنى: فلا تستحسن ولا تفتنن بما أوتوا من زينة الدنيا، كقوله تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131] فإن الله تعالى إنما أعطاهم ما أعطاهم للعذاب، بأن عرضه للتغنم والسبي، وبلاهم فيه بالآفات والمصائب، وكلفهم الإنفاق منه في أبواب الخير، وهم كارهون له على رغم أنوفهم، وأذاقهم أنواع الكلف والمجاشم في جمعه واكتسابه وفي تربية أولادهم.
فإن قلت: إن صحّ تعليق التعذيب بإرادة الله تعالى، فما بال زهوق أنفسهم {وَهُمْ كافرون}؟ قلت: المراد الاستدراج بالنعم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران: 178] كأنه قيل: ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا وهم كافرون ملتهون بالتمتع عن النظر للعاقبة.