فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (55):

{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}
أراد بخلقهم من الأرض خلق أصلهم هو آدم عليه السلام منها. وقيل: إنّ الملك لينطلق فيأخذ من تربة المكان الذي يدفن فيه فيبدّدها على النطفة فيخلق من التراب والنطفة معاً. وأراد بإخراجهم منها أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب، ويردّهم كما كانوا أحياء، ويخرجهم إلى المحشر {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً} [المعارج: 43] عدّد الله عليهم ما علق بالأرض من مرافقهم، حيث جعلها لهم فراشاً ومهاداً يتقبلون عليها، وسوّى لهم فيها مسالك يتردّدون فيها كيف شاؤوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم وعلوفات بهائمهم، وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا، ثم هي كفاتهم إذا ماتوا ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمسّحوا بالأرضِ فإنّها بِكُمْ برّةٌ».

.تفسير الآية رقم (56):

{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)}
{أريناه} بصرناه أو عرفناه صحتها ويقناه بها. وإنما كذب لظلمه، كقوله تعالى: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل: 14] وقوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] وفي قوله تعالى: {كُلَّهَا فَكَذَّبَ} وجهان، أحدهما: أن يحذي بهذا التعريف الإضافي حذو التعريف باللام لو قيل الآيات كلها، أعني أنها كانت لا تعطي إلا تعريف العهد، والإشارة إلى الآيات المعلومة التي هي تسع الآيات المختصة بموسى عليه السلام: العصا، واليد، وفلق البحر، والحجر، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، ونتق الجبل.
والثاني: أن يكون موسى قد أراه آياته وعدّد عليه ما أوتيه غيره من الأنبياء من آياتهم ومعجزاتهم، وهو نبيّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به، فكذبها جميعاً {وأبى} أن يقبل شيئاً منها. وقيل: فكذب الآيات وأبى قبول الحق.

.تفسير الآية رقم (57):

{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)}
يلوح من جيب قوله: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ} أن فرائصه كانت ترعد خوفاً مما جاء به موسى عليه السلام، لعلمه وإيقانه أنه على الحق، وأن المحق لو أراد قود الجبال لانقادت وأن مثله لا يخذل ولا يقل ناصره، وأنه غالبه على ملكه لا محالة. وقوله: {بِسِحْرِكَ} تعلل وتحير وإلا فكيف يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر؟.

.تفسير الآيات (58- 60):

{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}
لا يخلو الموعد في قوله: {فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} من أن يجعل زماناً أو مكاناً أو مصدراً. فإن جعلته زماناً نظراً في أن قوله تعالى: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} مطابق له، لزمك شيئان أن تجعل الزمان مخلفاً، وأن يعضل عليك ناصب مكاناً: وإن جعلته مكاناً لقوله تعالى: {مَكَاناً سُوًى} لزمك. أيضاً أن توقع الإخلاف على المكان، وأن لا يطابق قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} وقراءة الحسن غير مطابقة له مكاناً وزمانا جميعاً، لأنه قرأ {يَوْمُ الزينة} بالنصب، فبقي أن يجعل مصدراً بمعنى الوعد، ويقدر مضاف محذوف، أي: مكان موعد، ويجعل الضمير في {نُخْلِفُهُ} للموعد و{مَكَاناً} بدل من المكان المحذوف.
فإن قلت: فكيف طابقه قوله: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة} ولا بد من أن تجعله زماناً، والسؤال واقع عن المكان لاعن الزمان؟ قلت: هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظاً، لأنهم لابد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه، مشتهر باجتماعهم فيه في ذلك اليوم، فبذكر الزمان علم المكان. وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر لا غير. والمعنى: إنجاز وعدكم يوم الزينة. وطباق هذا أيضاً من طريق المعنى. ويجوز أن لا يقدر مضاف محذوف، ويكون المعنى: اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه.
فإن قلت: فيم ينتصب مكاناً؟ قلت: بالمصدر. أو بفعل يدل عليه المصدر.
فإن قلت: فكيف يطابقه الجواب؟ قلت: أما على قراءة الحسن فظاهر. وأما على قراءة العامة فعلى تقدير: وعدكم وعد يوم الزينة. ويجوز على قراءة الحسن أن يكون {موعدكم} مبتدأ، بمعنى الوقت. و{ضُحًى} خبره، على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه.
وقيل في يوم الزينة: يوم عاشوراء، ويوم النّيروز، ويوم عيد كان لهم في كل عام، ويوم كانوا يتخذون فيه سوقاً ويتزينون ذلك اليوم. قرئ {نخلفه} بالرفع على الوصف للموعد. وبالجزم على جواب الأمر. وقرئ {سوى} وسوى، بالكسر والضم، ومنوّناً وغير منوّن. ومعناه: منصفاً بيننا وبينك عن مجاهد، وهو من الاستواء؛ لأنّ المسافة من الوسط إلى الطرفين مستوية لا تفاوت فيها. ومن لم ينوّن فوجهه أن يجري الوصل مجرى الوقف. قرئ: {وأن تحشر الناس} بالتاء والياء. يريد: وأن تحشر يا فرعون. وأن يحشر اليوم. ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة إما على العادة التي يخاطب بها الملوك، أو خاطب القوم بقوله: {مَوْعِدُكُمْ} وجعل {يُحْشَرُ} لفرعون. ومحل {وَأَن يُحْشَرَ} الرفع أو الجرّ، عطفاً على اليوم أو الزينة: وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علوّ كلمة الله وظهور دينه وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد وفي المجمع الغاصّ لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق، ويكلّ حدّ المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر.

.تفسير الآية رقم (61):

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}
{لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً} أي لا تدعو آياته ومعجزاته سحراً قرئ (فَيُسْحِتَكُم) والسحت لغة أهل الحجاز. والإسحات: لغة أهل نجد وبني تميم. ومنه قول الفرزدق:
...... إلاَّ مُسْحِتَاً أوْ مُجَلّفُ

في بيت لا تزال الركب تصطكّ في تسوية إعرابه.

.تفسير الآيات (62- 64):

{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
عن ابن عباس: إن نجواهم: إن غلبنا موسى اتبعناه.
وعن قتادة: إن كان ساحراً فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر.
وعن وهب لما قال: {وَيْلَكُمْ} الآية قالوا: ما هذا بقول ساحر. والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران. فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره، خوفاً من غلبتهما، وتثبيطاً للناس عن اتباعهما. قرأ أبو عمرو: {إن هذين لساحران} على الجهة الظاهرة المكشوفة. وابن كثير وحفص {إنْ هذان لساحران} على قولك: إنْ زيد لمنطلق. واللام هي الفارقة بين إن النافية والمخففة من الثقيلة.
وقرأ أبيّ {إن ذان إلا ساحران} وقرأ ابن مسعود {أن هذان ساحران} بفتح أن وبغير لام، بدل من النجوى.
وقيل في القراءة المشهورة {إِنْ هاذان لساحران} هي لغة بلحرث بن كعب، جعلوا الاسم المثنى نحو الأسماء التي آخرها ألف، كعصا وسعدى، فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقال بعضهم: {إِنْ} بمعنى نعم. و{لسا حرا نِ} خبر مبتدأ محذوف، واللام داخلة على الجملة تقديره: لهما ساحران. وقد أعجب به أبو إسحاق سموا مذهبهم الطريقة {المثلى} والسنة الفضلى، وكل حزب بما لديهم فرحون. وقيل: أرادوا أهل طريقتهم المثلى، وهم بنو إسرائيل، لقول موسى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بنى إسرا ءيلَ} وقيل: {الطريقة} اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم. يقال: هم طريقة قومهم. ويقال للواحد أيضاً: هو طريقة قومه: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} يعضده قوله: (فجمع كيده) وقرئ {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} أي أزمعوه واجعلوه مجمعاً عليه، حتى لا تختلفوا ولا يخلف عنه واحد منكم، كالمسألة المجمع عليها. أمروا بأن يأتوا صفاً لأنه أهيب في صدور الرائين.
وروي: أنهم كانوا سبعين ألفاً مع كل واحد منهم حبل وعصا وقد أقبلوا إقبالة واحدة.
وعن أبي عبيدة أنه فسر الصف بالمصلى، لأن الناس يجتمعون فيه لعيدهم وصلاتهم مصطفين. ووجه صحته أن يقع علماً لمصلى بعينه، فأمروا بأن يأتوه أو يراد. ائتوا مصلى من المصليات {وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} اعتراض. يعني: وقد فاز من غلب.

.تفسير الآيات (65- 66):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}
{أَن} مع ما بعده إما منصوب بفعل مضمر. أو مرفوع بأنه خبر مبتدإ محذوف. معناه: اختر أحد الأمرين؛ أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا. وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه، وتواضع له وخفض جناح، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكأن الله عزّ وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى صلوات الله عليه اختيار إلقائهم أولاً، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر. ويستنفدوا أقصى طوقهم، ومجهودهم، فإذا فعلوا: أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين، وعبرة بينة للمعتبرين. يقال في {إِذَا} هذه: إذا المفاجأة والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت، الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها، خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير، فتقدير قوله تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم. وهذا تمثيل. والمعنى: على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي. وقرئ: {عُصيهم} بالضم وهو الأصل بالكسر إتباع ونحوه: دُليّ ودِليّ، وقُسِيّ وقِسِيّ وقرئ {تخيل} على إسناده إلى ضمير الحبال والعصي وإبدال قوله: {أَنَّهَا تسعى} من الضمير بدل الاشتمال، كقولك: أعجبني زيد كرمه، وتخيل على كون الحبال والعصي مخيلة سعيها. وتخيل. بمعنى تتخيل. وطريقه طريق تخيل. ونخيل: على أنّ الله تعالى هو المخيل للمحنة والابتلاء. يروى: أنهم لطخوها بالزئبق، فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت. فخيلت ذلك.

.تفسير الآيات (67- 69):

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)}
إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلوّ من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه {إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله {مَا فِي يَمِينِكَ} ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيراً لها، أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيماً لها أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئاًأعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرئ {تَلْقَفْ} بالرفع على الاستئناف أو على الحال، أي: ألقها متلقفة وقرئ {تلقف} بالتخفيف. {صَنَعُواْ} هاهنا بمعنى زوّروا وافتعلوا كقوله تعالى: {تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف: 117] قرئ {كَيْدُ سا حِرٍ} بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أنّ (ما) موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرئ: {كيد سحر} بمعنى: ذي سحر، أو ذوي سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد، لأنه يكون سحراً وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو.
فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أنّ المقصود هو العدد. ألا ترى إلى قوله: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنس.
فإن قلت: فلم نكر أولاً وعرف ثانياً؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العَجَّاج:
في سَعْي دُنْيَا طَالَمَا قَدْ مَدَّتْ

وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعي دنيوي. وأمر دنيوي وأخروي {حَيْثُ أتى} كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.