فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (58):

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ} معاهدين {خِيَانَةً} ونكثا بأمارات تلوح لك {فانبذ إِلَيْهِمْ} فاطرح إليهم العهد {على سَوَاء} على طريق مستو قصد، وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخباراً مكشوفاً بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم الحرب وهم على توهم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} فلا يكن منك إخفاء نكث العهد والخداع وقيل: على استواء في العلم بنقض العهد.
وقيل على استواء في العداوة. والجار والمجرور في موضع الحال، كأنه قيل: فانبذ إليهم ثابتاً على طريق قصد سوى، أو حاصلين على استواء في العلم أو العداوة، على أنها حال من النابذ والمنبوذ إليهم معاً.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}
{سَبَقُواْ} أفلتوا وفاتوا من أن يظفر بهم {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم وقرئ: أنهم بالفتح بمعنى: لأنهم، كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل إلاَّ أنَّ المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح وقرئ: {يعجزون} بالتشديد وقرأ ابن محيضن: {يعجزون}، بكسر النون وقرأ الأعمش {ولا تحسبِ الذين كفروا} بكسر الباء وبفتحها على حذف النون الخفيفة وقرأ حمزة: {ولا يحسبن} بالياء على أن الفعل للذين كفروا وقيل فيه: أصله أن سبقوا، فحذفت أن، كقوله: {وَمِنْ ءاياته يُرِيكُمُ البرق} [الروم: 24] واستدل عليه بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: {أنهم سبقوا}. وقيل: وقع الفعل على أنهم لا يعجزون، على أن (لا) صلة، وسبقوا في محل الحال، بمعنى سابقين أي مفلتين هاربين.
وقيل معناه: ولا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا، فحذف الضمير لكونه مفهوماً. وقيل: ولا يحسبن قبيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا. وهذه الأقاويل كلها متمحلة، وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة.
وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}
{مِن قُوَّةٍ} من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها.
وعن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: «ألا إن القوة الرمي» قالها ثلاثاً. ومات عقبة عن سبعين قوساً في سبيل الله.
وعن عكرمة: هي الحصون، والرباط: اسم للخيل التي تربط في سبيل الله. ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال وقرأ الحسن {ومن ربط الخيل} بضم الباء وسكونها جمع رباط. ويجوز أن يكون قوله: {وَمِن رّبَاطِ الخيل} تخصيصاً للخيل من بين ما يتقوى به، كقوله: {وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] وعن ابن سيرين رحمه الله: أنه سئل عمن أوصى بثلث ماله في الحصون؟ فقال: يشتري به الخيل، فترابط في سبيل الله ويغزي عليها، فقيل له: إنما أوصى في الحصون، فقال: ألم تسمع قول الشاعر:
أَنَّ الْحُصُونَ الْخَيْلُ لاَ مَدَرُ الْقُرَى

{تُرْهِبُونَ} قرئ بالتخفيف والتشديد وقرأ ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما {تخزون} والضمير في {بِهِ} راجع إلى ما استطعتم {عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} هم أهل مكة {وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} هم اليهود، وقيل: المنافقون وعن السدي: هم أهل فارس، وقيل: كفرة الجن، وجاء في الحديث: «إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا داراً فيها فرس عتيق» وروي: أنّ صهيل الخيل يرهب الجن.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}
جنح له وإليه: إذا مال. والسلم تؤنث تأنيث نقيضها وهي الحرب قال:
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِه ** وَالْحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ

وقرئ بفتح السين وكسرها.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} [التوبة: 29] وعن مجاهد بقوله: {فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبداً، أو يجابوا إلى الهدنة أبداً وقرأ الأشهب العقيلي: {فاجنح} بضم النون {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ولا تخف من إبطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم، فإنّ الله كافيك وعاصمك من مكرهم وخديعتهم. قال مجاهد، يريد قريظة.

.تفسير الآيات (62- 63):

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
{فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} فإن محسبك الله: قال جرير:
إنِّي وَجَدّتُ مِنَ الْمَكَارِمِ حَسْبَكُم ** أَنْ تَلْبَسُوا خَزَّ الثِّيَابِ وَتَشْبَعُوا

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرة، لأنّ العرب- لما فيهم من الحمية والعصبية، والإنطواء على الضغينة في أدنى شيء وإلقائه بين أعينهم إلى أن ينتقموا- لا يكاد يأتلف منهم قلبان، ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتحدوا، وأنشؤا يرمون عن قوس واحدة، وذلك لما نظم الله من ألفتهم وجمع من كلمتهم، وأحدث بينهم من التحاب والتوادّ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت، وكلفهم من الحب في الله والبغض في الله، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب. فهو يقلبها كما شاء. ويصنع فيها ما أراد، وقيل: هم الأوس والخزرج، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤسائهم ودق جماجمهم، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى، وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس، وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها وتكرهه وتنفر عنه، فأنساهم الله تعالى ذلك كله حتى اتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصاراً وعادوا أعواناً، وما ذاك إلا بلطيف صنعه وبليغ قدرته.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}
{وَمَنِ اتبعك} الواو بمعنى مع وما بعده منصوب، تقول: حسبك وزيداً درهم، ولا تجرّ؛ لأنّ عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع قال:
فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ عَضْبٌ مُهَنَّدُ

والمعنى: كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصراً أو يكون في محل الرفع: أي كفاك الله وكفاك المؤمنون، وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال، وعن ابن عباس رضي الله عنه نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه، وعن سعيد بن جبير: أنه أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر، فنزلت.

.تفسير الآيات (65- 66):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}
التحريض: المبالغة في الحث على الأمر من الحرض، وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت، أو أن تسميه حرضاً: وتقول له: ما أراك إلا حرضاً في هذا الأمر وممرضاً فيه، ليهيجه ويحرّك منه. ويقال: حركه وحرضه وحرصه وحرشه وحربه، بمعنى، وقرئ {حرص}، بالصاد غير المعجمة، حكاها الأخفش، من الحرص، وهذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله تعالى وتأييده، ثم قال: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أي بسبب أنَّ الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم، فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته ويستحقون خذلانه، خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله تعالى.
وعن ابن جريج كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد منهم للعشرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكباً، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب. قيل: ثم ثقل عليهم ذلك وضجوا منه، وذلك بعد مدّة طويلة، فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين، وقيل: كان فيهم قلة في الابتداء، ثم لما كثروا بعد نزل التخفيف. وقرئ {ضعفاً}، بالفتح والضم، كالمكث والمكث، والفقر والفقر. وضعفاً: جمع ضعيف. وقرئ الفعل المسند إلى المائة بالتاء والياء في الموضعين، والمراد بالضعف: الضعف في البدن. وقيل: في البصيرة والاستقامة في الدين، وكانوا متفاوتين في ذلك فإن قلت: لم كرّر المعنى الواحد وهو مقاومة الجماعة لأكثر منها مرّتين قبل التخفيف وبعده؟ قلت: للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت؛ لأن الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف، وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين.

.تفسير الآيات (67- 68):

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)}
وقرئ: {للنبي}، على التعريف وأسارى. ويثخن، بالتشديد. ومعنى الإثخان: كثرة القتل والمبالغة فيه، من قولهم: أثخنته الجراحات إذا أثبتته حتى تثقل عليه الحركة. وأثخنه المرض إذا أثقله من الثخانة التي هي الغلظ والكثافة، يعني حتى يذل الكفر ويضعفه بإشاعة القتل في أهله، ويعز الإسلام ويقويه بالاستيلاء والقهر. ثم الأسر بعد ذلك. ومعنى {مَا كَانَ} ما صح له وما استقام، وكان هذا يوم بدر، فلما كثر المسلمون نزل {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [محمد: 4] وروي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل بن أبي طالب، فاستشار أبا بكر رضي الله عنه فيهم فقال: قومك وأهلك استبقهم لعلّ الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك. وقال عمر رضي الله عنه: كذبوك وأخرجوك فقدّمهم واضرب أعناقهم، فإنّ هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء: مكن علياً من عقيل، وحمزة من العباس، ومكني من فلان لنسيب له، فلنضرب أعناقهم. فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36] ومثلك يا عمر مثل نوح، قال: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الارض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} [نوح: 26] ثم قال لأصحابه: أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق» وروي: أنه قال لهم: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم، واستشهد منكم بعدّتهم، فقالوا: بل نأخذ الفداء، فاستشهدوا بأحد، وكان فداء الأسارى عشرين أوقية، وفداء العباس أربعين أوقية.
وعن محمد بن سيرين: كان فداؤهم مائة أوقية، والأوقية أربعون درهماً وستة دنانير.
وروي: أنهم لما أخذوا الفداء نزلت الآية، فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال: أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة- لشجرة قريبة منه- وروى أنه قال: لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ، رضي الله عنهما، لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ {عَرَضَ الدنيا} حطامها، سمى بذلك لأنه حدث قليل اللبث، يريد الفداء {والله يُرِيدُ الأخرة} يعني ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل وقرئ: {يريدون}، بالياء وقرأ بعضهم {والله يريد الآخرة}؛ بجرّ الآخرة على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على حاله كقوله:
أَكُلَّ امرئ تَحْسبِينَ امْرَأ ** وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ نَارَاً

ومعناه والله يريد عرض الآخرة. على التقابل، يعني ثوابها {والله عَزِيزٌ} يغلب أولياءه على أعدائه ويتكنون منهم قتلاً وأسراً ويطلق لهم الفداء، ولكنه {حَكِيمٌ} يؤخر ذلك إلى أن يكثروا ويعزوا وهم يعجلون {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} لولا حكم منه سبق إثباته في اللوح وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ، وكان هذا خطأ في الاجتهاد؛ لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم وتوبتهم، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله، وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم. وقيل: كتابه أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها. وقيل: إن أهل بدر مغفور لهم. وقيل: إنه لا يعذب قوماً إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي، ولم يتقدم نهي عن ذلك {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ} روي: أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدّوا أيديهم إليها، فنزلت. وقيل: هو إباحة للفداء، لأنه من جملة الغنائم {واتقوا الله} فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه.