فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (77):

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
{أَخٌ لَّهُ} أرادوا يوسف. روي أنهم لما استخرجوا الصاع من رحل بنيامين نكس إخوته رؤوسهم حياء، وأقبلوا عليه وقالوا له: ما الذي صنعت؟ فضحتنا وسوّدت وجوهنا، يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: بنو راحيل الذين لا يزال منكم عليهم البلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه، ووضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالكم. واختلف فيما أضافوا إلى يوسف من السرقة، فقيل: كان أخذ في صباه صنماً لجدّه أبي أمّه فكسره وألقاه بين الجيف في الطريق. وقيل: دخل كنيسة فأخذ تمثالاً صغيراً من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه. وقيل: كان في المنزل عناق أو دجاجة فأعطاها السائل.
وقيل كانت لإبراهيم عليه السلام منطقة يتوارثها أكابر ولده، فورثها إسحاق ثم وقعت إلى ابنته وكانت أكبر أولاده، فحضنت يوسف- وهي عمته- بعد وفاة أمّه وكانت لا تصبر عنه، فلما شبّ أراد يعقوب أن ينتزعه منها، فعمدت إلى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت: فقدت منطقة إسحاق، فانظروا من أخذها، فوجدوها محزومة على يوسف، فقالت: إنه لي سلم أفعل به ما شئت، فخلاه يعقوب عندها حتى ماتت {فَأَسَرَّهَا} إضمار على شريطة التفسير، تفسيره {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} وإنما أنث لأنّ قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} جملة أو كلمة، على تسميتهم الطائفة من الكلام كلمة، كأنه قيل: فأسرّ الجملة أو الكلمة التي هي قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} والمعنى: قال في نفسه: أنتم شر مكاناً؛ لأنّ قوله: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} بدل من أسرَّها. وفي قراءة ابن مسعود: {فأسرَّه}، على التذكير، يريد القول أو الكلام. ومعنى {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً} أنتم شر منزلة في السرق؛ لأنكم سارقون بالصحة، لسرقتكم أخاكم من أبيكم {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} يعلم أنه لم يصح لي ولا لأخي سرقة، وليس الأمر كما تصفون.

.تفسير الآية رقم (78):

{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
استعطفوه بإذكارهم إياه حق أبيهم يعقوب، وأنه شيخ كبير السنّ أو كبير القدر، وأنّ بنيامين أحب إليه منهم، وكانوا قد أخبروه بأن ولداً له قد هلك وهو عليه ثكلان، وأنه مستأنس بأخيه {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} فخذه بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانك. أو من عادتك الإحسان فاجْرِ على عادتك ولا تغيرها.

.تفسير الآية رقم (79):

{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
{مَعَاذَ الله} هو كلام موجه، ظاهره: أنه وجب على قضية فتواكم أخذ من وجد الصواع في رحله واستعباده، فلو أخذنا غيره كان ذلك ظلماً في مذهبكم، فلم تطلبون ما عرفتم أنه ظلم، وباطنه: إنّ الله أمرني وأوحى إليّ بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة أو لمصالح جمة علمها في ذلك، فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالماً وعاملاً على خلاف الوحي. ومعنى {مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ} نعوذ بالله معاذاً من أن نأخذ، فأضيف المصدر إلى المفعول به وحذف من. و{إِذاً} جواب لهم وجزاء؛ لأن المعنى: إن أخذنا بدله ظلمنا.

.تفسير الآية رقم (80):

{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
{استيأسوا} يئسوا. وزيادة السين والتاء في المبالغة نحو ما مرّ في استعصم. والنجي على معنيين: يكون بمعنى المناجي، كالعشير والسمير بمعنى: المعاشر والمسامر، ومنه قوله تعالى {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} [مريم: 52] وبمعنى المصدر الذي هو التناجي، كما قيل النجوى بمعناه. ومنه قيل: قوم نجى، كما قيل {وَإِذْ هُمْ نجوى} [الإسراء: 47] تنزيلا للمصدر منزلة الأوصاف. ويجوز أن يقال: هم نجى، كما قيل: هم صديق، لأنه بزنة المصادر وجمع أنجية. قال:
إنِّي إذَا مَا الْقَوْمُ كَانُوا أَنجِيَهْ

ومعنى {خَلَصُواْ} اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم {نَجِيّاً} ذوي نجوى أو فوجا نجياً، أي مناجياً لمناجاة بعضهم بعضاً. وأحسن منه أنهم تمحضوا تناجياً؛ لاستجماعهم لذلك، وإفاضتهم فيه بجدّ واهتمام، كأنهم في أنفسهم صورة التناجي وحقيقته، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم، على أيّ صفة يذهبون؟ وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم؟ كقوم تعايوا بما دهمهم من الخطب، فاحتاجوا إلى التشاور {كَبِيرُهُمْ} في السنّ وهو روبيل. وقيل: رئيسهم وهو شمعون: وقيل كبيرهم في العقل والرأي وهو يهوذا {مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} فيه وجوه: أن تكون (ما) صلة، أي: ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف ولم تحفظوا عهد أبيكم. وأن تكون مصدرية، على أن محل المصدر الرفع على الابتداء وخبره الظرف، وهو {مِن قَبْلُ} ومعناه: ووقع من قبل تفريطكم في يوسف. أو النصب عطفاً على مفعول {أَلَمْ تَعْلَمُواْ} وهو {أَنَّ أَبَاكُمْ} كأنه قيل: ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً وتفريطكم من قبل في يوسف، وأن تكون موصولة بمعنى: ومن قبل هذا ما فرطتموه، أي قدّمتموه في حق يوسف من الجناية العظيمة، ومحله الرفع أو النصب على الوجهين {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} فلن أفارق أرض مصر {حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى} في الانصراف إليه {أَوْ يَحْكُمَ الله لِى} بالخروج منها، أو بالانتصاف ممن أخذ أخي، أو بخلاصه من يده بسبب من الأسباب {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} لأنه لا يحكم أبداً إلا بالعدل والحق.

.تفسير الآية رقم (81):

{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
وقرئ: {سرِّق} أي نسب إلى السرقة {وَمَا شَهِدْنَا} عليه بالسرقة {إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} من سرقته وتيقناه؛ لأنّ الصواع استخرج من وعائه ولا شيء أبين من هذا {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافظين} وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق. أو ما علمنا أنك تصاب به كما أصبت بيوسف. ومن قرأ: {سرِّق} فمعناه: وما شهدنا إلا بقدر ما علمنا من التسريق، وما كنا للغيب: للأمر الخفي حافظين، أسرق بالصحة أم دسّ الصاع في رحله ولم يشعر.

.تفسير الآيات (82- 83):

{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
{القرية التى كُنَّا فِيهَا} هي مصر، أي أرسل إلى أهلها فسلهم عن كنه القصة {والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا} وأصحاب العير، وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب.
وقيل من أهل صنعاء، معناه: فرجعوا إلى أبيهم فقالوا له ما قال لهم أخوهم ف {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} أردتموه وإلا فما أدرى ذلك الرجل أنّ السارق يؤخذ بسرقته لولا فتواكم وتعليمكم {بِهِمْ جَمِيعًا} بيوسف وأخيه وروبيل أو غيره {إِنَّهُ هُوَ العليم} بحالي في الحزن والأسف {الحكيم} الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة ومصلحة.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
{وتولى عَنْهُمْ} وأعرض عنهم كراهة لما جاؤا به {يا أسفى} أضاف الأسف وهو أشدّ الحزن والحسرة إلى نفسه، والألف بدل من ياء الإضافة، والتجانس بين لفظتي الأسف ويوسف مما يقع مطبوعاً غير متعمل فيملح ويبدع، ونحوه {اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُم} [التوبة: 38]، {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26]. {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ} [الكهف: 104]، {مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ} [النمل: 22] وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع. وإنما قال يا أسفى».
فإن قلت: كيف تأسف على يوسف دون أخيه ودون الثالث، والرزء الأحدث أشدّ على النفس وأظهر أثراً؟ قلت: هو دليل على تمادي أسفه على يوسف، وأنه لم يقع فائت عنده موقعه، وأنّ الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طريا.
وَلَمْ تُنْسِنِي أَوْفَى الْمُصِيبَاتِ بَعْدَهُ

ولأنّ الرزء في يوسف كان قاعدة مصيباته التي ترتبت عليها الرزايا في ولده، فكان الأسف عليه أسفاً على من لحق به {وابيضت عَيْنَاهُ} إذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر. قيل: قد عمي بصره. وقيل: كان يدرك إدراكاً ضعيفاً. قرئ: {من الحزن} ومن الحزن، الحزن كان سبب البكاء الذي حدث منه البياض، فكأنه حدث من الحزن. قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً، وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سأل جبريل عليه السلام: «ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟ قال: وجد سبعين ثكلى. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله ساعة قط»
فإن قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟ قلت: الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حمد صبره وأن يضبط نفسه حتى لا يخرج إلى ما لا يحسن، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون» وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة، ولطم الصدور والوجوه، وتمزيق الثياب.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بكى على ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه، فقيل: يا رسول الله، تبكي وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال: «ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين: صوت عند الفرح، وصوت عند الترح» وعن الحسن أنه بكى على ولد أو غيره، فقيل له في ذلك، فقال: ما رأيت الله جعل الحزن عاراً على يعقوب {فَهُوَ كَظِيمٌ} فهو مملوء من الغيط على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم، فعيل بمعنى مفعول، بدليل قوله {وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] من كظم السقاء إذا شدّه على ملئه، والكظم بفتح الظاء: مخرج النفس. يقال: أخذ بأكظامه.

.تفسير الآية رقم (85):

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)}
{تفتؤا} أراد: لا تفتؤ، فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات، لأنه لو كان إثباتاً لم يكن بدّ من اللام والنون ونحوه:
فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً

ومعنى لا تفتؤ: لا تزال.
وعن مجاهد: لا تفتر من حبه، كأنه جعل الفتوء والفتور أخوين يقال: ما فتئ يفعل. قال أوس:
فمَا فَتِئَتْ خَيْلٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي ** وَيَلْحَقُ مِنهَا لاَحِقٌ وتَقَطَّعُ

{تَكُونَ حَرَضاً} مشفياً على الهلاك مرضاً، وأحرضه المرض، ويستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، لأنه مصدر. والصفة: حَرِض، بكسر الراء، ونحوهما: دنف ودنف، وجاءت القراءة بهما جميعاً.
وقرأ الحسن: {حُرُضاً}، بضمتين، ونحوه في الصفات: رجل جنب وغرب.

.تفسير الآية رقم (86):

{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
البث: أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه، فيبثه إلى الناس أي ينشره. ومنه: باثه أمره، وأبثه إياه. ومعنى {إِنَّمَا أَشْكُو} إني لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، إنما أشكو إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه، فخلوني وشكايتي. وهذا معنى توليه عنهم، أي فتولى عنهم إلى الله والشكاية إليه. وقيل: دخل على يعقوب جارٌ له فقال: يا يعقوب، قد تهشمت وفنيت وبلغت من السن ما بلغ أبوك! فقال: هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف، فأوحى الله إليه: يا يعقوب، أتشكوني إلى خلقي؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها فاغفر لي، فغفر له، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.
وروي أنه أوحي إلى يعقوب: إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه، وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء، ثم المساكين، فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين. وقيل: اشترى جارية مع ولدها، فباع ولدها فبكت حتى عميت {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي أعلم من صنعه ورحمته وحسن ظني به أنه يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب.
وروي أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله: هل قبضت روح يوسف؟ فقال: لا والله هو حيّ فاطلبه.
وقرأ الحسن: {وحزني} بفتحتين {وحزني} بضمتين: قتادة.