فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (74):

{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}
{مَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عرفوه حق معرفته، حتى لا يسموا باسمه من هو منسلخ عن صفاته بأسرها، ولا يؤهلوه للعبادة، ولا يتخذوه شريكاً له: إن الله قادر غالب، فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيهاً به؟

.تفسير الآيات (75- 76):

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76)}
هذا ردّ لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر، وبيان أن رسل الله على ضربين: ملائكة وبشر، ثم ذكر أنه تعالى درّاك للمدركات، عالم بأحوال المكلفين ما مضي منها وما غبر، لا تخفى عليه منهم خافية. وإليه مرجع الأمور كلها، والذي هو بهذه الصفات، لا يسأل عما يفعل، وليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدابيره واختيار رسله.

.تفسير الآية رقم (77):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)}
للذكر شأن ليس لغيره من الطاعات. وفي هذه السورة دلالات على ذلك، فمن ثمة دعا المؤمنين أولاً إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحجّ والغزو، ثم عمّ بالحثّ على سائر الخيرات. وقيل: كان الناس أوّل ما أسلموا يسجدون بلا ركوع ويركعون بلا سجود، فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود. وقيل: معنى: {وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ} اقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله.
وعن ابن عباس في قوله: {وافعلوا الخير} صلة الأرحام ومكارم الأخلاق {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي افعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح طامعون فيه، غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال: «نعم، إن لم تسجدهما فلا تقرأهما» وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما فضلت سورة الحج بسجدتين. وبذلك احتجّ الشافعي رضي الله عنه، فرأى سجدتين في سورة الحجّ، وأبو حنيفة وأصحابه رضي لله عنهم لا يرون فيها إلا سجدة واحدة، لأنهم يقولون: قرن السجود بالركوع، فدلّ ذلك على أنها سجدة صلاة لا سجدة تلاوة.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}
{وجاهدوا} أمر بالغزو وبمجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجع من بعض غزواته فقال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» {فِى الله} أي في ذات الله ومن أجله. يقال: هو حق عالم، وجدّ عالم، أي: عالم حقاً وجداً. ومنه {حَقَّ جهاده}.
فإن قلت: ما وجه هذه الإضافة، وكان القياس: حق الجهاد فيه، أو حق جهادكم فيه، كما قال: {وجاهدوا فِي الله}؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث أنه مفعول لوجهه ومن أجله، صحت إضافته إليه. ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله:
وَيَوْماً شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً

{اجتباكم} اختاركم لدينه ولنصرته {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدين مِنْ حَرَجٍ} فتح باب التوبة للمجرمين، وفسح بأَنواع الرخص والكفارات والديات والأروش. ونحوه قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: 185] وأمّة محمد صلى الله عليه وسلم هي الأمة المرحومة الموسومة بذلك في الكتب المتقدّمة.
نصب الملة بمضمون ما تقدّمها، كأنه قيل: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. أو على الاختصاص، أي: أعني بالدين ملة أبيكم كقولك: الحمد الله الحميد.
فإن قلت: لم يكن {إبراهيم} أباً للأمّة كلها.
قلت: هو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أباً لأمته، لأنّ أمة الرسول في حكم أولاده {هُوَ} يرجع إلى الله تعالى. وقيل: إلى إبراهيم. ويشهد للقول الأوّل قراءة أبيّ بن كعب: {الله سماكم} {مِن قَبْلُ وَفِى هذا} أي من قبل القرآن في سائر الكتب وفي القرآن، أي: فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم {لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ} أنه قد بلغكم {وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} بأنّ الرسل قد بلغتهم وإذ خصّكم بهذه الكرامة والأثرة. فاعبدوه وثقوا به ولا تطلبوا النصرة والولاية إلا منه، فهو خير مولى وناصر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحجّ أعطي من الأجر كحجّة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حجّ واعتمر فيما مضى وفيما بقي».

.سورة المؤمنون:

.تفسير الآيات (1- 2):

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}
{قَدْ} نقيضه (لما) هي تثبت المتوقع و (لما) تنفيه، ولا شكّ أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم، فخوطبوا بما دلّ على ثبات ما توقعوه. والفلاح: الظفر بالمراد، وقيل: البقاء في الخير. و{أَفْلَحَ} دخل في الفلاح، كأبشر: دخل في البشارة. ويقال: أفلحه: أصاره إلى الفلاح. وعليه قراءة طلحة بن مصرِّف: أفلح، على البناء للمفعول. وعنه: {أفلحوا} على: أكلوني البراغيث. أو على الإبهام والتفسير. وعنه: {أفلح} بضمة بغير واو، اجتزاء بها عنها، كقوله:
فَلَوْ أَنَّ الاطِبَّا كَانَ حَوْلِي

فإن قلت: ما المؤمن؟ قلت: هو في اللغة المصدق. وأما في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين، أحدهما: أنّ كل من نطق بالشهادتين مواطئاً قلبه لسانه فهو مؤمن. والآخر أنه صفة مدح لا يستحقها إلاّ البرّ التقيّ دون الفاسق الشقيّ.
{خاشعون} الخشوع في الصلاة: خشية القلب وإلباد البصر عن قتادة: وهو إلزامه موضع السجود.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده، وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشدّ بصره إلى شيء، أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا. وقيل: هو جمع الهمة لها، والإعراض عما سواها. ومن الخشوع: أن يستعمل الآداب، فيتوقى كفّ الثوب، والعبث بجسده وثيابه والالتفات، والتمطي، والتثاؤب، والتغميض، وتغطية الفم، والسدل، والفرقعة، والتشبيك، والاختصار، وتقليب الحصا. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أبصر رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلبه خشعت جوارحه» ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصا وهو يقول: اللَّهم زوّجني الحور العين، فقال: بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث.
فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟ قلت: لأنّ الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له، فالمصلي هو المنتفع بها وحده، وهي عدّته وذخيرته فهي صلاته: وأمّا المصلى له، فغنيّ متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)}
اللغو: ما لا يعنيك من قول أو فعل، كاللعب والهزل وما توجب المروءة إلغاءه وإطراحه يعني أنّ بهم من الجدّ ما يشغلهم عن الهزل.
لما وصفهم بالخشوع في الصلاة، أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو، ليجمع لهم الفعل والترك الشاقين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)}
الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى، فالعين: القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى الفقير والمعنى: فهل المزكي الذي هو التزكية، وهو الذي أراده الله، فجعل المزكين فاعلين له ولا يسوغ فيه غيره، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عن معناه بالفعل ويقال لمحدثه فاعل، تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل: فاعل القتل، وللمزكي: فاعل التزكية. وعلى هذا الكلام كله والتحقيق فيه أنك تقول في جميع الحوادث: من فاعل هذا؟ فيقال لك: فاعله الله أو بعض الخلق. ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها فاعلون، لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها. وقد أنشد لأمية ابن أبي الصلت:
الْمُطْمِعُونَ الطَّعَامَ فِي السَّنَةِ ** الأَزْمَةِ وَالْفَاعِلُونَ لِلزَّكَوَاتِ

ويجوز أن يراد بالزكاة: العين، ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، وحمل البيت على هذا أصحّ، لأنها فيه مجموعة.

.تفسير الآيات (5- 7):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}
{على أزواجهم} في موضع الحال، أي الأوّالين على أزواجهم: أو قوّامين عليهنّ، من قولك: كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان. ونظيره: كان زياد على البصرة، أي: والياً عليها. ومنه قولهم: فلانة تحت فلان، ومن ثمة سميت المرأة فراشاً: والمعنى: أنهم لفروجهم حافظون في كافة الأحوال، إلا في حال تزوّجهم أو تسريهم، أو تعلق {على} بمحذوف يدلّ عليه {غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج: 30] كأنه قيل: يلامون إلا على أزواجهم، أي: يلامون على كل مباشر إلا على ما أطلق لهم، فإنهم غير ملومين عليه. أو تجعله صلة لحافظين، من قولك: احفظ عليّ عنان فرسي، على تضمينه معنى النفي، كما ضمن قولهم: نشدتك بالله إلا فعلت معنى ما طلبت منك إلا فعلك.
فإن قلت: هلاقيل: من ملكت؟ قلت: لأنه أريد من جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث جعل المستثنى حداً أوجب الوقوف عنده، ثم قال: فمن أحدث ابتغاء وراء هذا الحدّ مع فسحته واتساعه، وهو إباحة أربع من الحرائر، ومن الإماء ما شئت {فَأُوْلَئِكَ هُمُ} الكاملون في العدوان المتناهون فيه.
فإن قلت: هل فيه دليل على تحريم المتعة؟ قلت: لا؛ لأنّ المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صحّ النكاح.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)}
وقرئ: {لأمانتهم} سمى الشيء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً. ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وقال: {وَتَخُونُواْ أماناتكم} [الأنفال: 27] وإنما تؤدّى العيون لا المعاني، ويخان المؤتمن عليه، لا الأمانة في نفسها. والراعي: القائم على الشيء بحفظ وإصلاح كراعي الغنم وراعي الرعية. ويقال: من راعي هذا الشيء؟ أي متوليه وصاحبه: ويحتمل العموم في كل ما ائتمنوا عليه وعوهدوا من جهة الله تعالى ومن جهة الخلق، والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهودهم.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}
وقرئ: {على صلاتهم}.
فإن قلت: كيف كرّر ذكر الصلاة أوّلاً وآخراً؟ قلت: هما ذكران مختلفان فليس بتكرير. وصفوا أَوّلاً بالخشوع في صلاتهم، وآخراً بالمحافظة عليها. وذلك أن لا يسهوا عنها، ويؤدّوها في أوقاتها، ويقيموا أركنها، ويوكلوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتمّ به أوصافها. وأيضاً فقد وحدت أولاً ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أي صلاة كانت، وجمعت آخراً لتفاد المحافظة على أعدادها: وهي الصلوات الخمس، والوتر، والسنن المرتبة مع كل صلاة وصلاة الجمعة، والعيدين، والجنازة، والاستسقاء، والكسوف والخسوف، وصلاة الضحى، والتهجد وصلاة التسبيح، وصلاة الحاجة. وغيرها من النوافل.