فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (6):

{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)}
{وَمَن جَاهَدَ} نفسه في منعها ما تأمر به وحملها على ما تأباه {فَإِنَّمَا يجاهد} لها، لأن منفعة ذلك راجعة إليها، وإنما أمر الله عز وجل ونهى، رحمة لعباده وهو الغني عنهم وعن طاعتهم.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)}
إما أن يريد قوماً مسلمين صالحين قد أساءوا في بعض أعمالهم وسيئاتهم مغمورة بحسناتهم فهو يكفرها عنهم، أي يسقط عقابها بثواب الحسنات ويجزيهم أحسن الذي كانوا يعملون، أي: أحسن جزاء أعمالهم: وإما قوماً مشركين آمنوا وعملوا الصالحات، فالله عز وجل يكفر سيئاتهم بأن يسقط عقاب ما تقدم لهم من الكفر والمعاصي ويجزيهم أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)}
{وصى} حكمه حكم (أمر) في معناه وتصرفه. يقال: وصيت زيداً بأن يفعل خيراً، كما تقول: أمرته بأن يفعل. ومنه بيت الإصلاح:
وَذُبُيَانِيَّةٍ وَصَّتْ بَنِيهَا ** بِأَنْ كَذَبَ القَرَاطِفُ وَالْقُرُوفُ

كما لو قال: أمرتهم بأن ينتهبوها. ومنه قوله تعالى: {ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ} [البقرة: 132] أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها، وقولك: وصيت زيداً بعمرو، معناه: وصيته بتعهد عمرو ومراعاته ونحو ذلك، وكذلك معنى وقوله: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً}: وصيناه بإيتاء والديه حسناً، أو بإيلاء والديه حسناً؛ أي: فعلا ذا حسن، أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، كقوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وقرئ: {حسنا}، و {إحسانا} ويجوز أن تجعل {حسنا} من باب قولك: زيداً، بإضمار (أضرب) إذا رأيته متهيئاً للضرب، فتنصبه بإضمار أولهما. أو أفعل بهما، لأن التوصية بهما دالة عليه، وما بعده مطابق له، كأنه قال: قلنا: أوْ لِهما معروفاً و{فَلاَ تُطِعْهُمَا} في الشرك إذا حملاك عليه. وعلى هذا التفسير إن وقف على {بوالديه} وابتدأ {حُسْنًا} حسن الوقف، وعلى التفسير الأول لابد من إضمار القول، معناه: وقلنا إن جاهداك أيها الإنسان {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي لا علم لك بإلهيته. والمراد بنفي العلم: نفي المعلوم، كأنه قال: لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلها ولا يستقيم: وصاه بوالديه وأمره بالإحسان إليهما، ثم نبه بنهيه عن طاعتهما إذا أراداه على ما ذكره، على أن كل حق وإن عظم ساقط إذاجاء حق الله، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ثم قال: إليّ مرجع من آمن منكم ومن أشرك، فأجازيكم حق جزائكم. وفيه شيئان، أحدهما: أن الجزاء إليّ، فلا تحدث نفسك بجفوة والديك وعقوقهما لشركهما، ولا تحرمهما برّك ومعروفك في الدنيا، كما أني لا أمنعهما رزقي.
والثاني: التحذير من متابعتهما على الشرك، والحث على الثبات والاستقامة في الدين بذكر المرجع والوعيد. روي: أن سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه حين أسلم قالت أمّه وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس يا سعد، بلغني أنك قد صبأت، فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح؛ وإن الطعام والشراب عليّ حرام حتى تكفر بمحمد وكان أحبّ ولدها إليها فأبى سعد وبقيت ثلاث أيام كذلك، فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه، فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والتي في الأحقاف، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان.
وروي أنهانزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وذلك: أنه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مترافقين حتى نزلا المدينة، فخرج أبو جهل بن هشام والحرث بن هشام أخواه لأمه أسماء بنت مخرمة: أمرأة من بني تميم من بني حنظلة فنزلا بعياش وقالا له: إن من دين محمد صلة الأرحام وبر الوالدين، وقد تركت أمّك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوي بيتاً حتى تراك، وهي أشدّ حباً لك منا فاخرج معنا، وفتلا منه في الذروة والغارب فاستشار عمر رضي الله عنه فقال: هما يخدعانك، ولك عليّ أن أقسم مالي بيني وبينك، فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر، فقال له عمر: أما إذ عصيتني فخذ ناقتي، فليس في الدنيا بعير يلحقها، فإن رابك منهما ريب فارجع، فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إن ناقتي قد كلت فاحملني معك.
قال: نعم، فنزل ليوطئ لنفسه وله، فأخذاه وشدّاه وثاقاً، وجلده كل واحد منهما مائة جلدة، وذهبا به إلى أمه فقالت: لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد، فنزلت.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)}
{فِى الصالحين} في جملتهم. والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين، وهو متمني أنبياء الله. قال الله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصالحين} [النمل: 19] وقال في إبراهيم عليه السلام: {وَإِنَّهُ فِي الاخرة لَمِنَ الصالحين} [البقرة: 130]، [النحل: 122]، [العنكبوت: 27] أو في مدخل الصالحين وهي الجنة، وهذا نحو قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ الله والرسول فَأُوْلَئِكَ مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم} الآية [النساء: 69].

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)}
هم ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا مسهم أذى من الكفار وهو المراد بفتنة الناس، كان ذلك صارفاً لهم عن الإيمان، كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر. أو كما يجب أن يكون عذاب الله صارفاً، وإذا نصر الله المؤمنين وغنمهم اعترضوهم وقالوا: {إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي مشايعين لكم في دينكم، ثابتين عليه ثباتكم، ما قدر أحد أن يفتننا، فأعطونا نصيبنا من المغنم. ثم أخبر سبحانه أنه أعلم {بِمَا فِي صُدُورِ العالمين} من العالمين بما في صدورهم، ومن ذلك ما تكن صدور هؤلاء من النفاق، وهذا إطلاع منه للمؤمنين على ما أبطنوه، ثم وعد المؤمنين وأوعد المنافقين، وقرئ: {ليقولنّ} بفتح اللام.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}
أمروهم باتباع سبيلهم وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا: ليجتمع هذان الأمران في الحصول أن تتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم. والمعنى: تعليق الحمل بالاتباع، وهذا قول صناديد قريش: كانوا يقولون لمن آمن منهم: لا نبعث نحن ولا أنتم، فإن عسى كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم. ونرى في المتسمين بالإسلام من يستنّ بأولئك فيقول لصاحبه- إذا أراد أن يشجعه على ارتكاب بعض العظائم: افعل هذا وإثمه في عنقي. وكم من مغرور بمثل هذا الضمان من ضعفة العامّة وجهلتهم- ومنه ما يحكى أنّ أبا جعفر المنصور رفع إليه بعض أهل الحشو حوائجه، فلما قضاها قال: يا أمير المؤمنين، بقيت الحاجة العظمى. قال: وما هي؟ قال شفاعتك يوم القيامة، فقال له عمرو بن عبيد رحمه الله: إياك وهؤلاء، فإنهم قطاع الطريق في المأمن.
فإن قلت: كيف سماهم كاذبين، وإنما ضمنوا شيئاً علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به، وضامن ما لا يعلم اقتداره على الوفاء به، لا يسمى كاذباً لا حين ضمن ولا حين عجز، لأنه في الحالين لا يدخل تحت حدّ الكاذب وهو المخبر عن الشيء لا على ما هو عليه؟ قلت: شبه الله حالهم حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به، فكان ضمانهم عنده لا على ما عليه المضمون بالكاذبين الذين خبرهم لا على ما عليه المخبر، عنه. ويجوز أن يريد أنهم كاذبون، لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفي قلوبهم نية الخلف {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي أثقال أنفسهم {وَأَثْقَالاً} يعني أثّقالا أخر غير الخطايا التي ضمنوا للمؤمنين حملها، وهي أثقال الذين كانوا سبباً في ضلالهم {وَلَيُسْئَلُنَّ} سؤال تقريع {عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي يختلقون من الأكاذيب والأباطيل. وقرئ: {من خطيآتهم}.

.تفسير الآيات (14- 15):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)}
كان عمر نوح عليه السلام ألفاً وخمسين سنة، بعث على رأس أربعين، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين، وعاش بعد الطوفان ستين.
وعن وهب: أنه عاش ألفاً وأربعمائة سنة.
فإن قلت: هلا قيل: تسعمائة وخمسين سنة؟ قلت: ما أورده الله أحكم. لأنه لو قيل كما قلت، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك، وكأنه قيل: تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد، إلا أنّ ذلك أخصر وأعذب لفظاً وأملأ بالفائدة، وفيه نكتة أخرى: وهي أنّ القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام من أمّته وما كابده من طول المصابرة، تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيتاً له، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه، أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدّة صبره.
فإن قلت: فلم جاء المميز أوّلاً بالسنة وثانياً بالعام؟ قلت: لأنّ تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك. و{الطوفان} ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة، من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما. قال العجاج:
وَغَمَّ طُوفَانُ الظَّلاَمِ الأَثْأَبَا

{وأصحاب السفينة} كانوا ثمانية وسبعين نفساً: نصفهم ذكور، ونصفهم إناث، منهم أولاد نوح عليه السلام: سام، وحام، ويافث، ونساؤهم.
وعن محمد بن إسحق: كانوا عشرة. خمسة رجال وخمس نسوة. وقد روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كانوا ثمانية: نوح وأهله وبنوه الثلاثة» والضمير في {وجعلناها} للسفينة أو للحادثة والقصة.

.تفسير الآيات (16- 18):

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)}
نصب {إِبْرَاهِيمَ} بإضمار اذكر، وأبدل عنه {إِذْ} بدل الاشتمال؛ لأنّ الأحيان تشتمل على ما فيها. أو هو معطوف على {نُوحاً} وإذ ظرف لأرسلنا، يعني: أرسلناه حين بلغ من السنّ والعلم مبلغاً صلح فيه لأن يعظ قومه وينصحهم ويعرض عليهم الحق ويأمرهم بالعبادة والتقوى وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رحمهما الله. (وإبراهيم)، بالرفع على معنى: ومن المرسلين إبراهيم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني: إن كان فيكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم. أو إن نظرتم بعين الدراية المبصرة دون عين الجهل العمياء: علمتم أنه خير لكم وقرئ: {تخلقون من خلق} بمعنى التكثير في خلق. وتخلقون، من تخلق بمعنى تكذب وتخرص. وقرئ: {إفكاً}، و فيه وجهان: أن يكون مصدراً، نحو: كذب ولعب. والإفك: مخفف منه، كالكذب واللعب من أصلهما، وأن يكون صفة على فعل، أي خلقاً إفكا، أي ذا إفك وباطل. واختلاقهم الإفك: تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله أو شفعاء إليه. أو سمى الأصنام: إفكا، وعملهم لها ونحتهم: خلقاً للإفك.
فإن قلت: لم نكر الرزق ثم عرفه؟ قلت: لأنه أراد لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كله. فإنه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وقرئ: بفتح التاء، فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه، وإن تكذبونني فلا تضرونني بتكذيبكم، فإنّ الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم، وما ضرّوهم وإنما ضروا أنفسهم، حيث حلّ بهم ما حل بسبب تكذيب الرسل: وأما الرسول فقد تم أمره حين بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشكّ، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته. أو: وإن كنت مكذباً فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء أسوة وسلوة حيث كذبوا، وعلى الرسول أن يبلغ وما عليه أن يصدق ولا يكذب، وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم صلوات الله عليه لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأن قريش بين أوّل قصة إبراهيم وآخرها.
فإن قلت: إذا كانت من قول إبراهيم فما المراد بالأمم قبله؟ قلت: قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وكفى بقوم نوح أمّة في معنى أمم جمة مكذبة، ولقد عاش إدريس ونوح وغيرهم، وكفى بقوم نوح أمّة في معنى أمم جمة مكذبة، ولقد عاش إدريس ألف سنة في قومه إلى أن رفع إلى السماء. وآمن به ألف إنسان منهم على عدد سنيه، وأعقابهم على التكذيب.