فصل: سورة الأحزاب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (28- 30):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)}
الفتح: النصر، أو الفصل بالحكومة، من قوله: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا} [الأعراف: 89] وكان المسلمون يقولون إنّ الله سيفتح لنا على المشركين. ويفتح بيننا وبينهم، فإذا سمع المشركون قالوا: {متى هذا الفتح} أي في أيّ وقت يكون {إِن كُنتُمْ صادقين} في أنه كائن. و{يَوْمَ الفتح} يوم القيامة وهو يوم الفصل بين المؤمنين وأعدائهم، ويوم نصرهم عليهم، وقيل: هو يوم بدر.
وعن مجاهد والحسن رضي الله عنهما: يوم فتح مكة.
فإن قلت: قد سألوا عن وقت الفتح، فكيف ينطبق هذا الكلام جواباً على سؤالهم.
قلت: كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح، استعجالاً منهم عن وجه التكذيب والاستهزاء، فأجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم في سؤالهم فقيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤا، فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم، وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان، واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا.
فإن قلت: فمن فسره بيوم الفتح أو يوم بدر كيف يستقيم على تفسيره أن لا ينفعهم الإيمان، وقد نفع الطلقاء يوم فتح مكة وناساً يوم بدر.
قلت: المراد أنّ المقتولين منهم لا ينفعهم إيمانهم في حال القتل، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند إدراك الغرق {وانتظر} النصرة عليهم وهلاكهم {إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ} الغلبة عليكم وهلاككم، كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} [التوبة: 52] وقرأ ابن السميفع رحمه الله: منتظرون، بفتح الظاء. ومعناه: وانتظر هلاكهم فإنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم، يعني أنهم هالكون لا محالة. أو وانتظر ذلك؛ فإن الملائكة في السماء ينتظرونه.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأ {آلم تنزيل} {وتبارك الَّذِي بيدهِ الملك}، أُعطي من الأجرِ كأنما أحيا ليلةَ القدرِ»، وقالَ: «منْ قرأَ آلام تنزيل في بيته لمّ يدخلِ الشيطانَ بيته ثلاثةَ أيامٍ».

.سورة الأحزاب:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
عن زرّ قال: قال لي أبيّ بن كعب رضي الله عنه: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثاً وسبعين آية. قال: فوالذي يحلف به أبيّ بن كعب، إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول. ولقد قرأنا منها آية الرجم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)، أراد أبيّ رضي الله عنه أنّ ذلك من جملة ما نسخ من القرآن. وأمّا ما يحكى: أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض. جعل نداءه بالنبيّ والرسول في قوله: {ياأيها النبى اتق الله} {ياأيها النبى لِمَ تُحَرّمُ} [التحريم: 1]، {ياأيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] وترك نداءه باسمه كما قال: يا آدم، يا موسى، يا عيسى، يا داود: كرامة له وتشريفاً، وربئاً بمحله وتنويهاً بفضله.
فإن قلت: إن لم يوقع اسمه في النداء فقد أوقعه في الإخبار في قوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144].
قلت: ذاك لتعليم الناس بأنه رسول الله وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به، فلا تفاوت بين النداء والإخبار، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الأخبار كيف ذكره بنحو ما ذكره في النداء {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128]، و{وَقَالَ الرسول يارب} [الفرقان: 30]، {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوب: 62]، {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]. {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} [الأحزاب: 56]، {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ} [المائدة: 81]، اتق الله: واظب على ما أنت عليه من التقوى، واثبت عليه، وازدد منه، وذلك لأن التقوى باب لا يبلغ آخره {وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} لا تساعدهم على شيء ولا تقبل لهم رأياً ولا مشورة، وجانبهم واحترس منهم، فإنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، لا يريدون إلا المضارّة والمضادّة.
وروي: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان يحب إسلام اليهود: قريظة والنضير وبني قينقاع وقد بايعه أناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم. وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه. وكان يسمع منهم فنزلت.
وروي: أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة التي كانت بينه وبينهم، وقام معهم عبد الله بن أبيّ ومعتب بن قشير والجد بن قيس، فقالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: ارفض ذكر آلهتنا وقل إنها تشفع وتنفع وندعك وربك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين وهموا بقتلهم، فنزلت: أي اتق الله في نقض العهد ونبذ الموادعة، ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا إليك.
وروي أنّ أهل مكة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم، وأن يزوّجه شيبة بن ربيعة بنته، وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع. فنزلت {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بالصواب من الخطإ، والمصلحة من المفسدة {حَكِيماً} لا يفعل شيئاً ولا يأمر به إلا بداعي الحكمة {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ} في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك {إِنَّ الله} الذي يوحي إليك خبير {بِمَا تَعْمَلُونَ} فموح إليك ما يصلح به أعمالكم، فلا حاجة بكم إلى الاستماع من الكفرة. وقرئ: {يعملون} بالياء، أي: بما يعمل المنافقون من كيدهم لكم ومكرهم بكم {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} وأسند أمرك إليه وكله إلى تدبيره {وَكِيلاً} حافظاً موكولاً إليه كل أمر.

.تفسير الآيات (4- 5):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}
ما جمع الله قلبين في جوف، ولا زوجية وأمومة في أمرأه، ولا بنوّة ودعوة في رجل. والمعنى: أن الله سبحانه كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً. عالماً ظاناً. موقناً شاكاً في حالة واحدة- لم ير أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أُمًّا لرجل زوجاً له؛ لأن الأم مخدومة مخفوض لها جناح الذل، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره كالمملوكة وهما حالتان متنافيتان، وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابنا له: لأنّ البنوّة أصالة في النسب وعراقة فيه، والدعوة: إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل، وهذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيراً. وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له، وطلبه أبوه وعمه، فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه. وكانوا يقولون: زيد بن محمد، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وقوله: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] وقيل: كان أبو معمر رجلاً من أحفظ العرب وأرواهم، فقيل له: ذو القلبين، وقيل: هو جميل بن أسد الفهري. وكان يقول: إن لي قلبين. أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، فروي أنه انهزم يوم بدر، فمرّ بأبي سفيان وهو معلق أحدى نعليه بيده والأخرى في رجله. فقال له: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب. فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجليّ، فأكذب الله قوله وقولهم، وضربه مثلاً في الظهار والتنبي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان المنافقون يقولون: لمحمد قلبان فأكذبهم الله. وقيل: سها في صلاته، فقالت اليهود: له قلبان: قلب مع أصحابه، وقلب معكم.
وعن الحسن: نزلت في أن الواحد يقول: نفس تأمرني ونفس تنهاني. والتنكير في رجل، وإدخال من الاستغراقية على قلبين تأكيدان لما قصد من المعنى، كأنه قال: ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه.
فإن قلت: أي فائدة في ذكر الجوف؟ قلت: الفائدة فيه كالفائدة في قوله: {القلوب التى فِي الصدور} [الحج: 46] وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر والتجلي للمدلول عليه، لأنه إذا سمع به صور لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين، فكان أسرع إلى الإنكار.
وقرئ: {اللايئ}، بياء وهمزة مكسورتين، و {اللائي} بياء ساكنة بعد الهمزة: وتظاهرون: من ظاهر. وتظاهرون. من اظاهر، بمعنى تظاهر. وتظهرون: من اظهر، بمعنى تظهر. وتظهرون: من ظهر، بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد. وتظهرون: من ظهر، بلفظ فعل من الظهور. ومعنى ظاهر من امرأته: قال لها: أنت عليّ كظهر أمي. ونحوه في العبارة عن اللفظ: لبى المحرم، إذا قال لبيك. وأفف الرجل: إذا قال: أُف وأخوات لهنّ.
فإن قلت: فما وجه تعديته وأخواته بمن؟ قلت: كان الظهار طلاقاً عند أهل الجاهلية. فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها كما يتجنبون المطلقة، فكان قولهم: تظاهر منها تباعد منها بجهة الظهار، وتظهر منها: تحرز منها. وظاهر منها: حاذر منها، وظهر منها: وحش منها. وظهر منها: خلص منها. ونظيره: آلى من امرأته، لما ضمن معنى التباعد منها عدّي بمن، وإلا فآلى في أصله الذي هو بمعنى: حلف وأقسم، ليس هذا بحكمه.
فإن قلت: ما معنى قولهم: أنت عليّ كظهر أمي؟ قلت: أرادوا أن يقولوا: أنت عليّ حرام كبطن أمي. فكنوا عن البطن بالظهر؛ لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج، وإنما جعلوا الكناية عن البطن بالظهر لأنه عمود البطن. ومنه حديث عمر رضي الله عنه: يجيء به أحدهم على عمود بطنه: أراد على ظهره. ووجه آخر: وهو أن إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّماً عندهم محظوراً. وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه، شبهها بالظهر ثم لم يقنع بذلك حتى جعله ظهر أمّه فلم يترك.
فإن قلت: الدعيّ فعيل بمعنى مفعول، وهو الذي يُدعى ولداً فما له جمع على افعلاء، وبابه: ما كان منه بمعنى فاعل، كتقى وأتقياء، وشقيّ وأشقياء، ولا يكون ذلك في نحو رمى وسمى.
قلت: إن شذوذه عن القياس كشذوذ قتلاء وأسراء، والطريق في مثل ذلك التشبيه اللفظي {ذلكم} النسب هو {قَوْلُكُم بأفواهكم} هذا ابني لا غير من غير أن يواطئه اعتقاد لصحته وكونه حقاً. والله عز وجل لا يقول إلا ما هو حق ظاهره وباطنه، ولا يهدي إلا سبيل الحق. ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق، وهو قوله: {ادعوهم لأبَائِهِمْ} وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل، وفي فصل هذه الجمل ووصلها: من الحسن والفصاحة مالا يغني على عالم بطرق النظم.
وقرأ قتادة: {وهو الذي يهدي السبيل}. وقيل: كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه جلد الرجل وظرفه: ضمه إلى نفسه وجعل له مثل نصيب الذكر من أولاده من ميراثه، وكان ينسب إليه فيقال: فلان ابن فلان {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ} لهم آباء تنسبونهم إليهم {ف} هم {فإخوانكم فِي الدين} وأولياؤكم في الدين فقولوا: هذا أخي وهذا مولاي، ويا أخي، ويا مولاي: يريد الأخوّة في الدين والولاية فيه {مَّا تَعَمَّدَتْ} في محل الجرّ عطفاً على ما أخطأتم.
ويجوز أن يكون مرتفعاً على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح. والمعنى: لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي، ولكن الإثم فيما تعمدتموه بعد النهي. أو لا إثم عليكم إذا قلتم لولد غيركم يا بنيّ على سبيل الخطإ وسبق اللسان، ولكن إذا قلتموه متعمدين. ويجوز أن يراد العفو عن الخطإ دون العمد على طريق العموم، كقوله عليه الصلاة والسلام: «ما أخشَى عليكُم الخطأَ ولكنْ أخشَى عليْكُم العمدَ» وقوله عليه الصلاة والسلام: «وُضع عن أمّتي الخطأُ والنسيانْ وما أكرهُوا عليه» ثم تناول لعمومه خطأ التبني وعمده.
فإن قلت: فإذا وجد التبني فما حكمه؟ قلت: إذا كان المتبني مجهول النسب وأصغر سناً من المتبنى ثبت نسبه منه، وإن كان عبداً له عتق مع ثبوت النسب، وإن كان لا يولد مثله لمثله لم يثبت النسب، ولكنه يعتق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعند صاحبيه لا يعتق. وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وإن كان عبداً عتق {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} لعفوه عن الخطأ وعن العمد إذا تاب العامد.