فصل: سورة الذاريات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (37):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}
{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي قلب واع؛ لأنّ من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع: الإصغاء {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي حاضر بفطنته. لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب، وقد ملح الإمام عبد القاهر في قوله لبعض من يأخذ عنه:
مَا شِئْتَ مِنْ زَهْزَهَةٍ وَالْفَتَى ** بِمُصْقِلاَبَاذٍ لِسَقْيِ الزُّرُوعِ

أو: وهو مؤمن شاهد على صحته وأنه وحي من الله، أو وهو بعض الشهداء في قوله تعالى: {لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس} [البقرة: 143] وعن قتادة وهو شاهد على صدقه من أهل الكتاب لوجود نعته عنده وقرأ السدي وجماعة {ألقى السمع} على البناء للمفعول. ومعناه: لمن ألقى غيره السمع وفتح له أذنه فحسب ولم يحضر ذهنه وهو حاضر الذهن متفطن. وقيل: ألقى سمعه أو السمع منه.
اللغوب الإعياء. وقرئ بالفتح بزنة القبول والولوع، قيل نزلت في اليهود- لعنت- تكذيبا لقولهم خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام أولها الأحد، وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت، واستلق على العرش وقالوا ان الذي وقع من التشبيه في هذه الأمة انما وقع من اليهود، ومنهم أخذ.

.تفسير الآيات (38- 43):

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)}
{فاصبر على مَا يَقُولُونَ} أي اليهود ويأتون به من الكفر والتشبيه. وقيل: فاصبر على ما يقول المشركون من إنكارهم البعث؛ فإنّ من قدر على خلق العالم قدر على بعثهم والانتقام منهم. وقيل: هي منسوخة بآية السيف. وقيل: الصبر مأمور به في كل حال {بِحَمْدِ رَبّكَ} حامداً ربك، والتسبيح محمول على ظاهره أو على الصلاة، فالصلاة {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} الفجر {وَقَبْلَ الغروب} الظهر والعصر {وَمِنَ اليل} العشاآن.
وقيل التهجد {وأدبار السجود} التسبيح في آثار الصلوات، والسجود والركوع يعبر بهما عن الصلاة.
وقيل النوافل بعد المكتوبات.
وعن علي رضي الله عنه: الركعتان بعد المغرب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الوتر بعد العشاء. والأدبار: جمع دبر. وقرئ: {وأدبار} من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمت. ومعناه: ووقت انقضاء السجود، كقولهم: آتيك خفوق النجم {واستمع} يعني واستمع لما أخبرك به من حال يوم القيامة. وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به والمحدّث عنه، كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سبعة أيام لمعاذ بن جبل: «يا معاذاً اسمع ما أقول لك»، ثم حدّثه بعد ذلك.
فإن قلت: بم انتصب اليوم؟ قلت: بما دل عليه {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} أي: يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور. ويوم يسمعون: بدل من {يَوْمَ يُنَادِ} و{المناد} إسرافيل ينفخ في الصور وينادي: أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إنّ الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقيل: إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي بالحشر {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من صخرة بيت المقدس، وهي أقرب الأرض من السماء باثني عشر ميلاً، وهي وسط الأرض. وقيل: من تحت أقدامهم. وقيل: من منابت شعورهم يسمع من كل شعرة: أيتها العظام البالية، و{الصيحة} النفخة الثانية {بالحق} متعلق بالصيحة، والمراد به البعث والحشر للجزاء.

.تفسير الآية رقم (44):

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)}
وقرئ: {تشقق} وتشقق بإدغام التاء في الشين، وتشقق على البناء للمفعول، وتنشق {سِرَاعاً} حال من المجرور {عَلَيْنَا يَسِيرٌ} تقديم الظرف يدل على الاختصاص، يعني: لا يتيسر مثل ذلك الأمر العظيم إلا على القادر الذات الذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} [لقمان: 28].

.تفسير الآية رقم (45):

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} تهديد لهم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم {بِجَبَّارٍ} كقوله تعالى: {بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] حتى تقسرهم على الإيمان، إنما أنت داع وباعث. وقيل: أريد التحلم عنهم وترك الغلظة عليهم. ويجوز أن يكون من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، أي: ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الإيمان. وعلى بمنزلته في قولك: هو عليهم، إذا كان واليهم ومالك أمرهم {مَن يَخَافُ وَعِيدِ} كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45] لأنه لا ينفع إلا فيه دون المصرّ على الكفر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة (ق) هوّن الله عليه تارات الموت وسكراته».

.سورة الذاريات:

.تفسير الآيات (1- 6):

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)}
{والذاريات} الرياح لأنها تذور التراب وغيره. قال الله تعالى: {تذروه الرياح} [الكهف: 45] وقرئ بإدغام التاء في الذال {فالحاملات وِقْراً} السحاب، لأنها تحمل المطر. وقرئ: «وقراً» بفتح الواو على تسمية المحمول بالمصدر. أو على إيقاعه موقع حملاً {فالجاريات يُسْراً} الفلك. ومعنى (يسراً): جريا ذا يسر، أي ذا سهولة {فالمقسمات أَمْراً} الملائكة، لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها. أوتفعل التقسيم مأمورة بذلك.
وعن مجاهد: تتولى تقسيم أمر العباد: جبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة. وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ.
وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي، فقام ابن الكوّاء فقال: ما الذريات ذروا؟ قال: الرياح. قال: فالحاملات وقرا؟ قال السحاب. قال: فالجاريات يسراً؟ قال: الفلك. قال فالمقسمات أمراً؟ قال: الملائكة وكذا عن ابن عباس.
وعن الحسن (المقسمات) السحاب، يقسم الله بها أرزاق العباد، وقد حملت على الكواكب السبعة، ويجوز أن يراد: الرياح لا غير؛ لأنها تنشئ السحاب وتقله وتصرفه، وتجري في الجو جرياً سهلاً، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
فإن قلت: ما معنى الفاء على التفسيرين؟ قلت: أمّا على الأوّل فمعنى التعقيب فيها أنه تعالى أقسم بالرياح، فبالسحاب الذي تسوقه، فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعه. وأمّا على الثاني، فلأنها تبتدئ بالهبوب، فتذرو التراب والحصباء، فتنقل السحاب، فتجري في الجوّ باسطة له فتقسم المطر {إِنّمَا تُوعَدُونَ} جواب القسم، وما موصولة أو مصدرية، والموعود: البعث. ووعد صادق: كعيشة راضية. والدين: الجزاء. والواقع: الحاصل.

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)}
{الحبك} الطرائق، مثل حبك الرمل والماء: إذا ضربته الريح، وكذلك حبك الشعر: آثار تثنيه وتكسره. قال زهير يصف غديراً:
مُكَلَّلٌ بِأُصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ ** رِيحٌ خَرِيقٌ لِضَاحِي مَائِهِ حُبُكُ

والدرع محبوكة: لأنّ حلقها مطرق طرائق. ويقال: إنّ خلقه السماء كذلك.
وعن الحسن: حبكها نجومها. والمعنى: أنها تزينها كما تزين الموشى طرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاتها وإحكامها، من قولهم: فرس محبوك المعاقم؛ أي محكمها. وإذا أجاد الحائك الحياكة قالوا: ما أحسن حبكه، وهو جمع حباك، كمثال ومثل. أو حبيكة، كطريقة وطرق. وقرئ: «الحبك» بوزن القفل. والحبك، بوزن السلك. والحبك، بوزن الجبل. والحبك بوزن البرق. والحبك بوزن النعم. والحبك بوزن الإبل {إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} قولهم في الرسول: ساحر وشاعر ومجنون، وفي القرآن: شعر وسحر وأساطير الأوّلين.
وعن الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستوياً، إنما هو متناقض مختلف.
وعن قتادة: منكم مصدّق ومكذب، ومقرّ ومنكر {يُؤْفَكُ عَنْهُ} الضمير للقرآن أوللرسول، أي: يصرف عنه، من صرف الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم؛ كقوله: لا يهلك على الله إلا هالك. وقيل: يصرف عنه من صرف في سابق علم الله، أي: علم فيما لم يزل أنه مأفوك عن الحق لا يرعوى. ويجوز أن يكون الضمير لما توعدون أو للدين: أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه، فمنهم شاكّ، ومنهم جاحد. ثم قال: يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك. ووجه آخر: وهو أن يرجع الضمير إلى قول مختلف وعن مثله في قوله:
يَنْهَوْنَ عَنْ أَكْلٍ وَعَنْ شُرْبِ

أي: يتناهون في السمن بسبب الأكل والشرب. وحقيقته: يصدر تناهيهم في السمن عنهما، وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف.
وقرأ سعيد بن جبير {يؤفك عنه من أفك}، على البناء للفاعل. أي: من أفك الناس عنه وهم قريش، وذلك أنّ الحيّ كانوا يبعثون الرجل ذا العقل والرأي ليسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون له: احذره، فيرجع فيخبرهم.
وعن زيد بن عليّ: يأفك عنه من أفك، أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه. وعنه أيضاً: يأفك عنه من أفك؛ أي: يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب. وقرئ: {يؤفن عنه من أفن} أي: يحرمه من رحم، من أفن الضرع إذا نهكه حلباً.

.تفسير الآيات (10- 14):

{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)}
{قُتِلَ الخراصون} دعاء عليهم، كقوله تعالى: {قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17] وأصله الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى: لعن وقبح. والخرّاصون: الكذابون المقدرون ما لا يصح، وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم، كأنه قيل: قتل هؤلاء الخراصون. وقرئ: {قتل الخراصين} أي: قتل الله {فِى غَمْرَةٍ} في جهل يغمرهم {سَاهُونَ} غافلون عما أمروا به {يَسْئَلُونَ} فيقولون: {أيان يوم الدين} أي متى يوم الجزاء؟ وقرئ بكسر الهمزة وهي لغة.
فإن قلت: كيف وقع أيان ظرفاً لليوم، وإنما تقع الأحيان ظروفاً للحدثان؟ قلت: معناه: أيان وقوع يوم الدين.
فإن قلت: فيم انتصب اليوم الواقع في الجواب؟ قلت: بفعل مضمر دلّ عليه السؤال، أي: يقع يوم هم على النار يفتنون، ويجوز أن يكون مفتوحاً لإضافته إلى غير متمكن وهي الجملة.
فإن قلت: فما محله مفتوحاً؟ قلت: يجوز أن يكون محله نصباً بالمضمر الذي هو يقع؛ ورفعا على هو يوم هم على النار يفتنون.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع {يُفْتَنُونَ} يحرقون ويعذبون. ومنه الفتين: وهي الحرّة؛ لأن حجارتها كأنها محرقة {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} في محل الحال، أي: مقولاً لهم هذا القول {هذا} مبتدأ، و{الذى} خبره، أي: هذا العذاب هو الذي {كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} ويجوز أن يكون هذا بدلاً من فتنتكم؛ أي: ذوقوا هذا العذاب.

.تفسير الآيات (15- 19):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}
{ءَاخِذِينَ مآ ءاتاهم رَبُّهُمْ} قابلين لكل ما أعطاهم راضين به، يعني أنه ليس فيما آتاهم إلا ما هو ملتقي بالقبول مرضي غير مسخوط، لأن جميعه حسن طيب. ومنه قوله تعالى: {وَيَأْخُذُ الصدقات} [التوبة: 104] أي يقبلها ويرضاها {مُحْسِنِينَ} قد أحسنوا أعمالهم، وتفسير إحسانهم ما بعده {مَا} مزيدة. والمعنى: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل إن جعلت قليلاً ظرفاً، ولك أن تجعله صفة للمصدر، أي: كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً. ويجوز أن تكون {مَا} مصدرية أو موصولة؛ على: كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه، وارتفاعه بقليلاً على الفاعلية. وفيه مبالغات لفظ الهجوع، وهو الفرار من النوم. قال:
قَدْ حَصَتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا ** أَطْعَمُ نَوْماً غَيْرَ تَهْجَاعِ

وقوله: {قَلِيلاً} و{مِّنَ اليل} لأن الليل وقت السبات والراحة، وزيادة {مَا} المؤكدة لذلك: وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. وقوله: {هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرّين، فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه.
فإن قلت: هل يجوز أن تكون ما نافية كما قال بعضهم، وأن يكون المعنى: أنهم لا يهجعون من الليل قليلاً، ويحيونه كله؟ قلت: لا، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. تقول: زيداً لم أضرب، ولا تقول: زيداً ما ضربت: السائل: الذي يستجدي {والمحروم} الذي يحسب غنياً فيحرم الصدقة لتعففه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي تردّه الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان» قالوا: فما هو؟ قال: «الذي لا يجد ولا يتصدق عليه» وقيل: الذي لا ينمى له مال. وقيل: المحارف الذي لا يكاد يكسب.