فصل: سورة الزمر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (71- 74):

{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)}
فإن قلت: كيف صحّ أن يقول لهم {إِنّى خالق بَشَرًا} وما عرفوا ما البشر ولا عهدوا به قبل؟ قلت: وجهه أن يكون قد قال لهم: إني خالق خلقاً من صفته كيت وكيت، ولكنه حين حكاه اقتصر على الاسم {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} فإذا أتممت خلقه وعدلته {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} وأحييته وجعلته حساساً متنفساً {فَقَعُواْ} فخروا، كل: للإحاطة. وأجمعون: للاجتماع، فأفادا معاً أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرّقين في أوقات.
فإن قلت: كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت: الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة، فأما على وجه التكرمة والتبجيل فلا يأباه العقل، إلاّ أن يعلم الله فيه مفسدة فينهى عنه، فإن قلت: كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجنّ؟ قلت: قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله: {فَسَجَدَ الملائكة} ثم استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلاً {وَكَانَ مِنَ الكافرين} أريد: وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافراً؛ لأن (كان) مطلق في جنس الأوقات الماضية، فهو صالح لأيها شئت. ويجوز أن يراد: وكان من الكافرين في الأزمنة الماضية في علم الله.

.تفسير الآيات (75- 76):

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)}
فإن قلت: ما وجه قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَىَّ}: قلت: قد سبق لنا أنّ ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه، فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى قيل في عمر القلب: هو مما عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدي له: يداك أوكتا وفوك نفخ، وحتى لم يبق فرق بين قولك: هذا مما عملته، وهذا مما عملته يداك. ومنه قوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75]؟ قلت: الوجه الذي استنكر له إبليس السجود لآدم، واستنكف منه أنه سجود لمخلوق، فذهب بنفسه، وتكبر أن يكون سجوده لغير الخالق، وانضم إلى ذلك أنّ آدم مخلوق من طين وهو مخلوق من نار. ورأى للنار فضلاً على الطين فاستعظم أن يسجد لمخلوق مع فضله عليه في المنصب، وزلّ عنه أنّ الله سبحانه حين أمر به أعزَّ عباده عليه وأقربهم منه زلفى وهم الملائكة، وهم أحقّ بأن يذهبوا بأنفسهم عن التواضع للبشر الضئيل، ويستنكفوا من السجود له من غيرهم، ثم لم يفعلوا وتبعوا أمر الله وجعلوه قدّام أعينهم، ولم يلتفتوا إلى التفاوت بين الساجد والمسجود له، تعظيماً لأمر ربهم وإجلالاً لخطابه: كان هو مع انحطاطه عن مراتبهم حرى بأن يقتدي بهم ويقتفي أثرهم، ويعلم أنهم في السجود لمن هو دونهم بأمر الله، أوغل في عبادته منهم في السجود له، لما فيه من طرح الكبرياء وخفض الجناح، فقيل له: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ، أي: ما منعك من السجود لشيء هو كما تقول مخلوق خلقته بيدي- لا شكّ في كونه مخلوقاً- امتثالاً لأمري وإعظاماً لخطابي كما فعلت الملائكة، فذكر له ما تركه من السجود مع ذكر العلة التي تشبث بها في تركه، وقيل له: لما تركته مع وجود هذه العلة، وقد أمرك الله به، يعني: كان عليك أن تعتبر أمر الله ولا تعتبر هذه العلة، ومثاله: أن يأمر الملك وزيره أن يزور بعض سقاط الحشم فيمتنع اعتباراً لسقوطه، فيقول له: ما منعك أن تتواضع لمن لا يخفى عليّ سقوطه، يريد: هلا اعتبرت أمرى وخطابي وتركت اعتبار سقوطه، وفيه: أني خلقته بيدي، فأنا أعلم بحاله، ومع ذلك أمرت الملائكة بأن يسجدوا له لداعي حكمة دعاني إليه: من إنعام عليه بالتكرمة السنية وابتلاء للملائكة، فمن أنت حتى يصرفك عن السجود له، ما لم يصرفني عن الأمر بالسجود له. وقيل: معنى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} لما خلقت بغير واسطة. وقرئ: {بيدي} كما قرئ: {بمصرخي}. وقرئ: {بيدي} على التوحيد {مِنَ العالين} ممن علوت وفقت، فأجاب بأنه من العالين حيث {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} وقيل: استكبرت الآن، أم لم تزل مند كنت من المستكبرين. ومعنى الهمزة: التقرير. وقرئ: {استكبرت} بحذف حرف الاستفهام؛ لأنّ أم تدلّ عليه. أو بمعنى الإخبار. هذا على سبيل الأولى، أي: لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له، لأنه مخلوق مثلي، فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله، وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ} مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان والإيضاح.

.تفسير الآيات (77- 78):

{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)}
{مِنْهَا} من الجنة. وقيل: من السماء. وقيل: من الخلقة التي أنت فيها؛ لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته فاسودّ بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسناً، وأظلم بعد ما كان نورانياً. والرجيم: المرجوم. ومعناه: المطرود، كما قيل له: المدحور والملعون؛ لأنّ من طرد رمي بالحجارة على أثره. والرجم: الرمي بالحجارة. أو لأنّ الشياطين يرجمون بالشهب.
فإن قلت: قوله: {لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين} كأن لعنة إبليس غايتها يوم الدين ثم تنقطع؟ قلت: كيف تنقطع وقد قال الله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} [الأعراف: 44] ولكن المعنى: أن عليه اللعنة في الدنيا، فإذا كان يوم الدين اقترن له باللعنة ما ينسى عنده اللعنة، فكأنها انقطعت.

.تفسير الآيات (79- 81):

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)}
فإن قلت: ما الوقت المعلوم الذي أضيف إليه اليوم؟ قلت: الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى. ويومه: اليوم الذي وقت النفخة جزء من أجزائه. ومعنى المعلوم: أنه معلوم عند الله معين، لا يستقدم ولا يستأخر.

.تفسير الآيات (82- 83):

{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)}
{فَبِعِزَّتِكَ} إقسام بعزّة الله تعالى وهي سلطانه وقهره.

.تفسير الآيات (84- 85):

{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)}
قرئ: {فالحق والحق} منصوبين على أن الأول مقسم به كالله في:
إن عليك الله أن تبايعا

وجوابه {لأمْلاَنَّ} والحق أقول: اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه، ومعناه: ولا أقول إلاّ الحق. والمراد بالحق: إمّا اسمه عزّ وعلا الذي في قوله: {أَنَّ الله هُوَ الحق المبين} [النور: 25] أو الحق الذي هو نقيض الباطل: عظمه الله بإقسامه به. ومرفوعين على أنّ الأوّل مبتدأ محذوف الخبر، كقوله: (لعمرك) أي: فالحق قسمي لأملأنّ. والحق أقول، أي: أقوله كقوله كله لم أصنع، ومجرورين: على أنّ الأوّل مقسم به قد أضمر حرف قسمه، كقولك: الله لأفعلنّ. والحق أقول، أي: ولا أقول إلاّ الحق على حكاية لفظ المقسم به. ومعناه: التوكيد والتشديد. وهذا الوجه جائز في المنصوب والمرفوع أيضاً. وهو وجه دقيق حسن. وقرئ: برفع الأوّل وجرّه مع نصب الثاني، وتخريجه على ما ذكرنا {مِنكَ} من جنسك وهم الشياطين {وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من ذرية آدم، فإن قلت: {أَجْمَعِينَ} تأكيد لماذا؟ قلت: لا يخلو أن يؤكد به الضمير في منهم، أو الكاف في منك مع من تبعك. ومعناه: لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين، لا أترك منهم أحداً. أو لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس، لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم.

.تفسير الآيات (86- 88):

{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}
{عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} الضمير للقرآن أو للوحي {وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله، وما عرفتموني قط متصنعاً ولا مدّعياً ما ليس عندي، حتى أنتحل النبوّة وأتقوّل القرآن {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} من الله {للعالمين} للثقلين. أوحى إليّ فأنا أبلغه.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال، ويقول ما لا يعلم» {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} أي: ما يأتيكم عند الموت، أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وفشوه، من صحة خبره، وأنه الحق والصدق. وفيه تهديد.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله لداود عشر حسنات وعصمه أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير».

.سورة الزمر:

.تفسير الآيات (1- 4):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}
{تَنزِيلُ الكتاب} قرئ: بالرفع على أنه مبتدأ أخبر عنه بالظرف. أو خبر مبتدأ محذوف والجار صلة التنزيل، كما تقول: نزل من عند الله. أو غير صلة، كقولك: هذا الكتاب من فلان إلى فلان، فهو على هذا خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذا تنزيل الكتاب، هذا من الله، أو حال من التنزيل عمل فيها معنى الإشارة، وبالنصب على إضمار فعل، نحو: اقرأ، والزم.
فإن قلت: ما المراد بالكتاب؟ قلت: الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن، وعلى الثاني: أنه السورة {مُخْلِصاً لَّهُ الدين} ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر. وقرئ: {الدين} بالرفع. وحق من رفعه أن يقرأ مخلصاً- بفتح اللام- كقوله تعالى: {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} [النساء: 146] حتى يطابق قوله: {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} والخالص والمخلص: واحد، إلاّ أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي. كقولهم: شعر شاعر، وأما من جعل {مُخْلِصاً} حالاً من العابد، و{لَّهُ الدين} مبتدأ وخبراً، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك: لله الدين {أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص} أي: هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر، لاطلاعه على الغيوب والأسرار، ولأنه الحقيق بذلك، لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها.
وعن قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله.
وعن الحسن: الإسلام {والذين اتخذوا} يحتمل المتخذين وهم الكفرة، والمتخذين، وهم الملائكة وعيسى واللات والعزّى: عن ابن عباس رضي الله عنهما، فالضمير في {اتخذوا} على الأوّل راجع إلى الذين، وعلى الثاني إلى المشركين، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوماً، والراجع إلى الذين محذوف والمعنى: والذين اتخذهم المشركون أولياء، {والذين اتخذوا} في موضع الرفع على الابتداء.
فإن قلت: فالخبر ما هو؟ قلت: هو على الأوّل إما {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أو ما أضمر من القول قبل قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ}. وعلى الثاني: أن الله يحكم بينهم.
فإن قلت: فإذا كان {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} الخبر، فما موضع القول المضمر؟ قلت: يجوز أن يكون في موضع الحال، أي: قائلين ذلك. ويجوز أن يكون بدلاً من الصلة فلا يكون له محلّ، كما أنّ المبدل منه كذلك.
وقرأ ابن مسعود بإظهار القول: {قالوا ما نعبدهم} وفي قراءة أبيّ: ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم. وقرئ: {نعبدهم} بضم النون اتباعاً للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر، والتنوين في {عَذَاب اركض} والضمير في {بَيْنَهُمْ} لهم ولأوليائهم. والمعنى: أن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم.
واختلافهم: أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون، وأولئك يعادونهم ويلعنونهم، وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى. وقيل: كان المسلمون إذا قالوا لهم: من خلق السموات والأرض، أقرّوا وقالوا: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى؛ فالضمير في {بَيْنَهُمْ} عائد إليهم وإلى المسلمين. والمعنى: أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين، والمراد بمنع الهداية: منع اللطف تسجيلاً عليهم بأن لا لطف لهم، وأنهم في علم الله من الهالكين. وقرئ: {كذاب وكذوب} وكذبهم: قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء: بنات الله، ولذلك عقبه محتجاً عليهم بقوله: {لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء} يعني: لو أراد اتخاذ الولد لامتنع ولم يصحّ، لكونه محالاً؛ ولم يتأت إلا أن يصطفي من خلقه بعضه ويختصمهم ويقربهم، كما يختص الرجل ولده ويقربه. وقد فعل ذلك بالملائكة فافتتنتم به وغركم اختصاصه إياهم، فزعمتم أنهم أولاده، جهلاً منكم به وبحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض، كأنه قال: لو أراد اتخاذ الولد لم يزد على ما فعل من اصطفاء ما يشاء من خلقه وهم الملائكة، إلا أنكم لجهلكم به حسبتم اصطفاءهم اتخاذهم أولاداً، ثم تماديتم في جهلكم وسفهكم فجعتلموهم بنات، فكنتم كذابين كفارين متبالغين في الافتراء على الله وملائكته، غالين في الكفر، ثم قال: {سبحانه} فنزه ذاته عن أن يكون له أحد ما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء. ودلَّ على ذلك بما ينافيه، وهو أنه واحد، فلا يجوز أن يكون له صاحبة؛ لأنه لو كانت له صاحبة لكانت من جنسه ولا جنس له؛ وإذا لم يتأت أن يكون له صاحبة لم يتأت أن يكون له ولد، وهو معنى قوله: {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} [الأنعام: 101]. وقهار غلاب لكل شيء، ومن الأشياء آلهتهم، فهو يغلبهم، فكيف يكونون له أولياء وشركاء؟.