فصل: سورة الهمزة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.سورة العصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
أقسم بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله تعالى: (والصلاة الوسطى) صلاة العصر، في مصحف حفصة. وقوله عليه الصلاة والسلام: «من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله» ولأنّ التكليف في أدائها أشقّ لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم. أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعاً من دلائل القدرة. أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. والإنسان: للجنس. والخسر: الخسران، كما قيل: الكفر في الكفران. والمعنى: أن الناس في خسران من تجارتهم إلاّ الصالحين وحدهم، لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا، فربحوا وسعدوا، ومن عداهم تجروا خلاف تجارتهم، فوقعوا في الخسارة والشقاوة {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله: من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} عن المعاصي وعلى الطاعات، على ما يبلو الله به عباده.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعصر غفر الله له وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر».

.سورة الهمزة:

.تفسير الآيات (1- 9):

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
الهمز: الكسر، كالهرم. واللمز: الطعن. يقال: لمزه لهزه طعنه، والمراد: الكسر من أعراض الناس والغض منهم، واغتيابهم؛ والطعن فيهم وبناء {فعلة} يدلّ على أنّ ذلك عادة منه قد ضرى بها. ونحوهما: اللعنة والضحكة. قال:
وَإنِ أُغَيَّبْ فَأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ

وقرئ: {ويل للهمزة اللمزة} وقرئ: {ويل لكل همزة لمزة} بسكون الميم: وهو المسخرة الذي يأتي بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه، ويشتم. وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة. وقيل: في أمية بن خلف. وقيل: في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وغضه منه. ويجوز أن يكون السبب خاصاً والوعيد عاماً، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جارياً مجرى التعريض بالوارد فيه، فإنّ ذلك أزجر له وأنكى فيه {الذى} بدل من كل. أو نصب على الذم. وقرئ: {جمع} بالتشديد، وهو مطابق لعدده. وقيل: {عدّده} جعله عدة لحوادث الدهر. وقرئ: {وعدده} أي: جمع المال وضبط عدده وأحصاه. أو جمع ماله وقومه الذين ينصرونه، من قولك: فلان ذو عدد وعدد: إذا كان له عدد وافر من الأنصار وما يصلحهم. وقيل: {وَعَدَّدَهُ} معناه: وعدّه على فك الإدغام، نحو: ضننوا {أَخْلَدَهُ} وخلده بمعنى أي: طوّل المال أمله، ومنّاه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أنّ المال تركه خالداً في الدنيا لا يموت. أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض: عمل من يظن أن ماله أبقاه حياً. أو هو تعريض بالعمل الصالح. وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم؛ فأما المال فما أخلد أحداً فيه.
وروي أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار. وقيل: عشرة آلاف.
وعن الحسن: أنه عاد موسراً فقال: ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم ولا تفضلت بها على كريم؟ قال: ولكن لماذا؟ قال: لنبوة الزمان، وجفوة السلطان، ونوائب الدهر. ومخافة الفقر. قال: إذن تدعه لمن لا يحمدك، وترد على من لا يعذرك {كَلاَّ} ردع له عن حسبانه. وقرئ: {لينبذان} أي: هو وماله. ولينبذن، بضم الذال، أي: هو وأنصاره. ولينبذنه {فِى الحطمة} في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها. ويقال للرجل الأكول: إنه لحطمة. وقرئ: {الحاطمة} يعني أنها تدخل في أجوافهم حتى لا تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد، ولا أشدّ تألماً منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا أطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه. ويجوز أن يخصّ الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة. ومعنى اطلاع النار عليها: أنها تعلوها وتغلبها وتشتمل عليها.
أو تطالع على سبيل المجاز معادن موجبها {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة. قال:
تَحِنُّ إلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي ** وَمِنْ دُونِهَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُوصَدَهْ

وقرئ: {في عمد} بضمتين. وعمد، بسكون الميم. وعمد بفتحتين. والمعنى: أنه يؤكد يأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد، استيثاقاً في استيثاق. ويجوز أن يكون المعنى: إنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممدّدة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص. اللهم أجرنا من النار يا خير مستجار.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الهمزة أعطاه الله عشر حسنات بعدد من استهزأ بمحمد وأصحابه».

.سورة الفيل:

.تفسير الآيات (1- 5):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
روي أنّ أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القُليس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً، فأغضبه ذلك. وقيل: أججت رفقة من العرب نارا فحملتها الريح فأحرقتها، فحلف ليهدمنّ الكعبة فخرج بالحبشة ومعه فيل له اسمه محمود، وكان قوياً عظيماً، واثنا عشر فيلاً غيره. وقيل: ثمانية وقيل: كان معه ألف فيل، وقيل كان وحده؛ فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبأ جيشه وقدّم الفيل، فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى غيرها من الجهات هرول؛ فأرسل الله طيراً سوداً. وقيل: خضراً وقيل: بيضاً، مع كل طائر حجر في منقاره، وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى منها عند أم هانيء نحو قفيز مخططة بحمرة كالجزع الظفارى، فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه، ففروا فهلكوا في كل طريق ومنهل؛ ودوى أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه. وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائره يحلق فوقه، حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة، فلما اتمّها وقع عليه الحجر فخرّ ميتاً بين يديه. وقيل: كان أبرهة جدّ النجاشي الذي كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة، وقيل: بثلاث وعشرين سنة.
وعن عائشة رضي الله عنها: رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان. وفيه أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليه فيها، فجهره وكان رجلاً جسيماً وسيماً. وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال، فلما ذكر حاجته قال: سقطت من عيني، جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر، فألهاك عنه ذود أخذ لك؛ فقال أنا رب الإبل، وللبيت رب سيمنعه، ثم رجع وأتى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول:
لاَهُمَّ إنَّ المَرْءَ يَمْ ** نَعُ رحله فَامنَعْ حَلاَلَكْ

لاَ يغْلِبَنَّ صَلُيبُهُم ** وَمُحَالُهُمْ عَدْواً مْحَالَكْ

إنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَع ** بَتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ

يَا رَبِّ لاَ أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا ** يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا

فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال: والله إنها لطير غريبة ما هي ببحرية ولا تهامية. وفيه: أنّ أهل مكة قد احتووا على أموالهم، وجمع عبد المطلب من جواهرهم وذهبهم الجور، وكان سبب يساره.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سئل عن الطير فقال: حمام مكة منها.
وقيل: جاءت عشية ثم صبحتهم.
وعن عكرمة: من أصابته جدّرته وهو أوّل جدري ظهر. وقرئ: {ألم تر} بسكون الراء للجد في إظهار أثر الجازم: والمعنى: أنك رأيت أثار فعل الله بالحبشة، وسمعت الأخبار به متواترة، فقامت لك مقام المشاهدة. و{كَيْفَ} في موضع نصب بفعل ربك، لا بألم تر؛ لما في {كَيْفَ} من معنى الاستفهام {فِى تَضْلِيلٍ} في تضييع وإبطال. يقال: ضلل كيده، إذا جعله ضالاً ضائعاً. ومنه قوله تعالى: {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضلال} [غافر: 25] وقيل: لامريء القيس: الملك الضليل؛ لأنه ضلل ملك أبيه، أي: ضيعه، يعني: أنهم كادوا البيت أوّلاً ببناء القليس، وأرادوا أن ينسخوا أمره بصرف وجوه الحاج إليه، فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه؛ وكادوه ثانياً بإرادة هدمه، فضلل بإرسال الطير عليهم {أَبَابِيلَ} حزائق، الواحدة: إبالة. وفي أمثالهم: ضغث على إبالة، وهي: الحزمة الكبيرة، شبهت الحزقة من الطير في تضامّها بالإبالة. وقيل: أبابيل مثل عباديد، وشماطيط لا واحد لها، وقرأ أبو حنيفة رحمه الله: {يرميهم} أي: الله تعالى أو الطير، لأنه اسم جمع مذكر؛ وإنما يؤنث على المعنى. وسجيل: كأنه علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجيناً علم لديوان أعمالهم، كأنه قيل: بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن، واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال؛ لأنّ العذاب موصوف بذلك، وأرسل عليهم طيراً، {فأرسلنا عليهم الطوفان} [الأعراف: 133].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر. وقيل: هو معرب من سنككل. وقيل: من شديد عذابه؛ ورووا بيت ابن مقبل:
ضَرْباً تَوَاصَتْ بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّيلاَ

وإنما هو سجينا، والقصيدة نونية مشهورة في ديوانه؛ وشبهوا بورق الزرع إذا أكل، أي: وقع فيه الأكال: وهو أن يأكله الدود. أو بتبن أكلته الدواب وراثته، ولكنه جاء على ما عليه آداب القرآن، كقوله: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} [المائدة: 75] أو أريد: أكل حبه فبقي صفراً منه.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفيل أعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ».

.سورة قريش:

.تفسير الآيات (1- 4):

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
{لإيلاف قُرَيْشٍ} متعلق بقوله: {فَلْيَعْبُدُواْ} أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين فإن قلت: فلم دخلت الفاء؟ قلت: لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى: إما لا فليعبدوه لإيلافهم، على معنى: أنّ نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه، فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة. وقيل: المعنى: عجبوا لإيلاف قريش. وقيل: هو متعلق بما قبله، أي: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، وهذا بمنزلة التضمين في الشعر: وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصحّ إلاّ به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة، بلا فصل.
وعن عمر: أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب.
وقرأ في الأولى: {والتين}. والمعنى أنه أهلك الحبشة الذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيبوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتهم، فلا يجترئ أحد عليهم، وكانت لقريش رحلتان؛ يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون، وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم، والإيلاف من قولك: آلفت المكان أولفه إيلافاً: إذا ألفته، فأنا مألف. قال:
مِنَ الْمُؤْلِفَاتِ الرَّهْوِ غَيْرِ الأوَاركِ

وقرئ: {لئلاف قريش} أي: لمؤالفة قريش. وقيل: يقال: ألفته إلفاً وإلافاً.
وقرأ أبو جعفر: {لإلف قريش}، وقد جمعهما من قال:
زَعَمْتُمْ أَنْ إخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ ** لَهُمْ إلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إلاَفُ

وقرأ عكرمة: {ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف}. وقريش: ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش: وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تطاق إلاّ بالنار.
وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى. وأنشد:
وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ ** الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشاً

والتصغير للتعظيم. وقيل: من القرش وهو الكسب: لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد. أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين، تفخيماً لأمر الإيلاف، وتذكيراً بعظم النعمة فيه؛ ونصب الرحلة بإيلافهم مفعولاً به، كما نصب (يتيماً) بإطعام، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس، كقوله:
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ......

وقرئ: {رحلة} بالضم: وهي الجهة التي يرحل إليها: والتنكير في {جُوعٍ} و{خوْفٍ} لشدتهما، يعني: أطعمهم بالرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، وآمنهم من خوف عظيم وهو خوف أصحاب الفيل، أو خوف التخطف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: كانوا قد أصابتهم شدّة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة، وآمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل: ذلك كله بدعاء إبراهيم صلوات الله عليه. ومن بدع التفاسير: وآمنهم من خوف، من أن تكون الخلافة في غيرهم. وقرئ: {من خوف} بإخفاء النون.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة لإيلاف قريش أعطاه الله عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها».