فصل: تفسير الآية رقم (13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (13):

{قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
{قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ} الخطاب لمشركي قريش {فِي فِئَتَيْنِ التقتا} يوم بدر {يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ} يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين. أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين، أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم، وكان ذلك مدداً لهم من الله كما أمدّهم بالملائكة. والدليل عليه قراءة نافع: {ترونهم}، بالتاء أي ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة، أو مثلي أنفسهم.
فإن قلت: فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال {وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44].
قلت: قللوا أوّلا في أعينهم حتى احترؤا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39] وقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤولون} [الصافات: 24] وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم أبلغ في القدرة وإظهار الآية. وقيل: يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين على ما قرر عليه أمرهم من مقاومة الواحد الاثنين في قوله تعالى: {فإِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} [الأنفال: 66] بعد ما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله تعالى: {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ولذلك وصف ضعفهم بالقلة لأنه قليل بالإضافة إلى عشرة الأضعاف وكان الكافرون ثلاثة أمثالهم. وقراءة نافع لا تساعد عليه.
وقرأ ابن مصرِّف: {يرونهم}، على البناء للمفعول بالياء والتاء، أي يريهم الله ذلك بقدرته. وقرئ: {فئة تقاتل وأخرى كافرة}، بالجرّ على البدل من فئتين، وبالنصب على الاختصاص. أو على الحال من الضمير في (التقتا) {رَأْىَ العين} يعني رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها، معاينة كسائر المعاينات {والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ} كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في عين العدوّ.

.تفسير الآيات (14- 17):

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
{زُيّنَ لِلنَّاسِ} المزين هو الله سبحانه وتعالى للابتلاء، كقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الارض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] ويدل عليه قراءة مجاهد: {زَيَّنَ للناس}، على تسمية الفاعل.
وعن الحسن: الشيطان. والله زينها لهم، لأنا لا نعلم أحداً أذم لها من خالقها {حُبُّ الشهوات} جعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصاً على الاستمتاع بها. والوجه أن يقصد تخسيسها فيسميها شهوات، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية، وقال: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} ثم جاء التفسير، ليقرر أوّلا في النفوس أن المزين لهم حبه ما هو إلا شهوات لا غير، ثم يفسره بهذه الأجناس، فيكون أقوى لتخسيسها، وأدلّ على ذم من يستعظمها ويتهالك عليها ويرجح طلبها على طلب ما عند الله. والقنطار: المال الكثير. قيل: ملء مسك ثور.
وعن سعيد بن جبير: مائة ألف دينار. ولقد جاء الإسلام يوم جاء وبمكة مائة رجل قد قنطروا. و{المقنطرة} مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم: ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة. و{المسومة} المعلمة، من السومة وهي العلامة. أو المطهمة أو المرعية من أسام الدابة وسوّمها {والانعام} الأزواج الثمانية {ذلك} المذكور {مَّتَاعُ الحياة}.
{لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبّهِمْ جنات} كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من ذلكم، كما تقول: هل أدلك على رجل عالم؟ عندي رجل صفته كيت وكيت. ويجوز أن يتعلق اللام بخير. واختص المتقين، لأنهم هم المنتفعون به. وترتفع {جنات} على: هو جنات. وتنصره قراءة من قرأ {جنات} بالجرّ على البدل من خير {والله بَصِيرٌ بالعباد} يثيب ويعاقب على الاستحقاق، أو بصير بالذين اتقوا وبأحوالهم، فلذلك أعدّ لهم الجنات.
{الذين يَقُولُونَ} نصب على المدح، أو رفع. ويجوز الجرّ صفة للمتقين أو للعباد. والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كما لهم في كل واحدة منها. وقد مرّ الكلام في ذلك. وخص الأسحار لأنهم كانوا يقدّمون قيام الليل فيحسن طلب الحاجة بعده {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وعن الحسن: كانوا يصلون في أوّل الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار، هذا نهارهم، وهذا ليلهم.

.تفسير الآيات (18- 19):

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله الخاصة التي لا يقدر عليها غيره، وبما أوحى من آياته الناطقة بالتوحيد كسورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك واحتجاجهم عليه {قَائِمَاً بالقسط} مقيماً للعدل فيما يقسم من الأرزاق والآجال، ويثيب ويعاقب، وما يأمر به عباده من إنصاف بعضهم لبعض والعمل على السوية فيما بينهم. وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه كقوله: {وَهُوَ الحق مُصَدّقًا} [البقرة: 91].
فإن قلت: لم جاز إفراده بنصب الحال دون المعطوفين عليه؟ ولو قلت جاءني زيد وعمرو راكباً لم يجز؟ قلت: إنما جاز هذا لعدم الإلباس كما جاز في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] إن انتصب نافلة حالا عن يعقوب. ولو قلت: جاءني زيد وهند راكباً جاز لتميزه بالذكورة، أو على المدح.
فإن قلت: أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك: الحمد لله الحميد.
«إنا معشر الأنبياء لا نورث» إنا بنى نهشل لا ندعي لأب؟ قلت: قد جاء نكرة كما جاء معرفة. وأنشد سيبويه فيما جاء منه نكرة قول الهذلي:
وَيَأْوِي إلى نِسْوَةٍ عُطْلٍ ** وَشُعْثا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِي

فإن قلت: هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل: لا إله قائماً بالقسط إلا هو؟ قلت: لا يبعد، فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف.
فإن قلت: قد جعلته حالا من فاعل شهد، فهل يصح أن ينتصب حالاً عن (هو) في {لاَ إله إِلاَّ هُوَ}؟ قلت: نعم، لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها، كقولك: أنا عبد الله شجاعاً. وكذلك لو قلت: لا رجل إلا عبد الله شجاعاً. وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد، وكذلك انتصابه على المدح.
فإن قلت: هل دخل قيامه بالقسط في حكم شهادة الله والملائكة وأولي العلم كما دخلت الوحدانية؟ قلت: نعم إذا جعلته حالاً من هو، أو نصباً على المدح منه، أو صفة للمنفي، كأنه قيل: شهد الله والملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو، وأنه قائم بالقسط.
وقرأ عبد الله: {القائم بالقسط}، على أنه بدل من هو، أو خبر مبتدأ محذوف.
وقرأ أبو حنيفة: {قيما بالقسط} {العزيز الحكيم} صفتان مقرّرتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر، والحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله.
فإن قلت: ما المراد بأولي العلم الذي عظمهم هذا التعظيم حيث جمعهم معه ومع الملائكة في الشهادة على وحدانيته وعدله؟ قلت: هم الذين يثبتون وحدانيته وعدله بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة وهم علماء العدل والتوحيد. وقرئ: {أنه} بالفتح، و{إِنَّ الدين} بالكسر على أنّ الفعل واقع على أنه بمعنى شهد الله على أنه، أو بأنه. وقوله: {إِنَّ الدين عِندَ الله الإسلام} جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى.
فإن قلت: ما فائدة هذا التوكيد؟ قلت: فائدة أن قوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} توحيد، وقوله: {قَائِمَاً بالقسط} تعديل، فإذا أردفه قوله: {إِنَّ الدين عِندَ الله الإسلام} فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين. وفيه أن من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدّي إليه كإجازة الرؤية أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور، لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام، وهذا بين جلي كما ترى. وقرئا مفتوحين، على أن الثاني بدل من الأوّل. كأنه قيل: شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، والبدل هو المبدل منه في المعنى، فكان بياناً صريحاً، لأن دين الله هو التوحيد والعدل. وقرئ الأوّل بالكسر والثاني بالفتح، على أن الفعل واقع على (إنّ) وما بينهما اعتراض مؤكد. وهذا أيضاً شاهد على أن دين الإسلام هو العدل والتوحيد، فترى القراءات كلها متعاضدة على ذلك.
وقرأ عبد الله: {أن لا إله إلا هو}.
وقرأ أبيّ: {إن الدين عند الله للإسلام}، وهي مقوية لقراءة من فتح الأولى وكسر الثانية. وقرئ: {شهداء لله}، بالنصب على أنه حال من المذكورين قبله، وبالرفع على هم شهداء الله.
فإن قلت: فعلام عطف على هذه القراءة {والملائكة وَأُوْلُواْ العلم}؟ قلت: على الضمير في شهداء، وجاز لوقوع الفاصل بينهما.
فإن قلت: لم كرر قوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} قلت: ذكره أوّلاً للدلالة على اختصاصه بالوحدانية، وأنه لا إله إلا تلك الذات المتميزة، ثم ذكره ثانياً بعد ما قرن بإثبات الوحدانية إثبات العدل، للدلالة على اختصاصه بالأمرين، كأنه قال: لا إله إلا هذا الموصوف بالصفتين، ولذلك قرن به قوله: {العزيز الحكيم} لتضمنهما معنى الوحدانية والعدل {الذين أُوتُواْ الكتاب} أهل الكتاب من اليهود والنصارى. واختلافهم أنهم تركوا الإسلام وهو التوحيد والعدل {مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم} أنه الحق الذي لا محيد عنه، فثلثت النصارى، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالوا: كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش لأنهم أمّيون ونحن أهل الكتاب، وهذا تجوير {بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي ما كان ذلك الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسداً بينهم وطلباً منهم للرياسة وحظوظ الدنيا، واستتباع كل فريق ناساً يطؤن أعقابهم، لاشبهة في الإسلام. وقيل: هو اختلافهم في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث آمن به بعض وكفر به بعض. وقيل: هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء، فمنهم من آمن بموسى، ومنهم من آمن بعيسى.
وقيل هم اليهود، واختلافهم أن موسى عليه السلام حين احتضر استودع التوراة سبعين حبراً من بني إسرائيل، وجعلهم أمناء عليها، واستخلف يوشع، فلما مضى قرن بعد قرن اختلف أبناء السبعين بعد ما جاءهم علم التوراة بغيا بينهم وتحاسداً على حظوظ الدنيا والرياسة. وقيل: هم النصارى واختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنه عبد الله ورسوله.

.تفسير الآية رقم (20):

{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
{فَإنْ حَاجُّوكَ} فإن جادلوك في الدين {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ للَّهِ} أي أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم أجعل فيها لغيره شريكاً بأن أعبده وأدعوه إلها معه؛ يعني أن ديني التوحيد وهو الدين القديم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي، وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه. ونحوه {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران: 64] فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه؛ فما معنى المحاجة فيه؟ {وَمَنِ اتبعن} عطف على التاء في أسلمت وحسن للفاصل. ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولاً معه {وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب} من اليهود والنصارى {والاميين} والذين لا كتاب لهم من مشركي العرب {ءأَسْلَمْتُمْ} يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة؛ فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقاً إلا سلكته: هل فهمتها لا أم لك، ومنه قوله عزّ وعلا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91] بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر. وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسداداً بينه وبين الإذعان، وكذلك في: هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة وكلة القريحة. وفي {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91] بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه {فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا} فقد نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ومن الظلمة إلى النور {وَإِن تَوَلَّوْاْ} لم يضروك فإنك رسول منبه عليك أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى.