فصل: تفسير الآيات (4- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (4- 7):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)}
{السكينة} السكون كالبهيتة للبهتان، أي: أنزل الله في قلوبهم السكون، والطمأنينة بسبب الصلح والأمن، ليعرفوا فضل الله عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف، والهدنة غب القتال، فيزدادوا يقيناً إلى يقينهم، وأنزل فيها السكون إلى ما جاء به محمد عليه السلام من الشرائع {لِيَزْدَادُواْ إيمانا} بالشرائع مقروناً إلى إيمانهم وهو التوحيد. عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن أوّل ما أتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد، فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة والزكاة، ثم الحج، ثم الجهاد، فازدادوا إيماناً إلى إيمانهم. أو أنزل فيها الوقار والعظمة لله عزّ وجل ولرسوله، ليزدادوا باعتقاد ذلك إيماناً إلى إيمانهم. وقيل: أنزل فيها الرحمة ليتراحموا فيزداد إيمانهم {وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض} يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكّن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيستحقوا الثواب، فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه. وقع السوء: عبارة عن رداءة الشيء وفساده؛ والصدق عن جودته وصلاحه، فقيل في المرضى الصالح من الأفعال: فعل صدق، وفي المسخوط الفاسد منها: فعل سوء. ومعنى {ظَنَّ السوء} ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهراً {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم- والسوء: الهلاك والدمار. وقرئ: {دائرة السوء} بالفتح، أي: الدائرة التي يذمونها ويسخطونها، فهي عندهم دائر سوء، وعند المؤمنين دائرة صدق.
فإن قلت: هل من فرق بين السُّوء والسَّوء؟ قلت: هما كالكُره والكَره والضُّعْف والضَّعْف، من ساء، إلا أنّ المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء. وأما السُّوء بالضم فجار مجرى الشر الذي هو نقيض الخير. يقال: أراد به السوء وأراد به الخير؛ ولذلك أضيف الظن إلى المفتوح لكونه مذموماً؛ وكانت الدائرة محمودة فكان حقها أن لا تضاف إليه إلا على التأويل الذي ذكرنا وأما دائرة السوء بالضم، فلأن الذي أصابهم مكروه وشدة، فصح أن يقع عليه اسم السوء، كقوله عزّ وعلا: {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17].

.تفسير الآيات (8- 9):

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)}
{شاهدا} تشهد على أمّتك، كقوله تعالى: {وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. {لّتُؤْمِنُواْ} الضمير للناس {وَتُعَزّرُوهُ} ويقووه بالنصرة {وَتُوَقّرُوهُ} ويعظموه {وَتُسَبّحُوهُ} من التسبيح. أو من السبحة، والضمائر لله عز وجلّ والمراد بتعزيز الله: تعزيز دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فرق الضمائر فقد أبعد. وقرئ: {لتؤمنوا} {وتعزروه} {وتوقروه} {وتسبحوه} بالتاء. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمّته. وقرئ: {وتعزروه} بضم الزاي وكسرها. وتعزروه بضم التاء والتخفيف، وتعززوه بالزايين. وتوقروه من أوقره بمعنى وقره. وتسبحوا الله {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} عن ابن عباس رضي الله عنهما: صلاة الفجر وصلاة الظهر والعصر.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)}
لما قال {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} أكده تأكيداً على طريق التخييل فقال: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} يريد أن يد رسول الله التي تعلو أيدي المبايعين: هي يد الله، والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى: تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] والمراد: بيعة الرضوان {فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: بايعنا رسول الله تحت الشجرة على الموت، وعلى أن لا نفرّ، فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقاً، اختبأ تحت إبط بعيره ولم يسر مع القوم. وقرئ: {إنما يبايعون لله} أي: لأجل الله ولوجهه، وقرئ: {ينكث} بضم الكاف وكسرها، وبما عاهد وعهد {فَسَيُؤْتِيهِ} بالنون والياء، يقال: وفيت بالعهد وأوفيت به، وهي لغة تهامة. ومنها قوله تعالى: {أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] {والموفون بِعَهْدِهِمْ} [البقرة: 177].

.تفسير الآية رقم (11):

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)}
هم الذين خلفوا عن الحديبية، وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأشجع وأسلم والديل. وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدى، ليعلم أنه لا يريد حرباً، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في عُقْرِ داره بالمدينة وقتلوا أصحابه، فيقاتلهم، وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بأشغالهم. وقرئ: {شغلتنا} بالتشديد {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في اعتذارهم. وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون، وإنما هو الشك في الله والنفاق؛ وطلبهم للاستغفار أيضاً ليس بصادر عن حقيقة {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ} فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ} ما يضركم من قتل أو هزيمة {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} من ظفر وغنيمة وقرئ: {ضراً} بالفتح والضم. الأهلون: جمع أهل. ويقال: أهلات، على تقدير تاء التأنيث. كأرض وأرضات، وقد جاء أهلة. وأمّا أهال، فاسم جمع، كليال.

.تفسير الآية رقم (12):

{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}
وقرئ: {إلى أهلهم} {وَزَيَّنَ}، على البناء للفاعل وهو الشيطان، أو الله عز وجل، وكلاهما جاء في القرآن {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} [النمل: 24]، {وزينا لهم أعمالهم} [النمل: 4] والبور: من بار، كالهلك: من هلك، بناء ومعنى؛ ولذلك وصف به الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ويجوز أن يكون جمع بائر كعائذ وعوذ. والمعنى: وكنتم قوماً فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم. أو هالكين عند الله مستوجبين لسخطه وعقابه.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}
{للكافرين} مقام مقام لهم، للإيذان بأنّ من لم يجمع بين الإيمانين الإيمان بالله وبرسوله فهو كافر، ونكر {سَعِيراً} لأنها نار مخصوصة، كما نكر {نَاراً تلظى} [الليل: 14].

.تفسير الآية رقم (14):

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)}
{وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والارض} يدبره تدبير قادر حكيم، فيغفر ويعذب بمشيئته، ومشيئته تابعة لحكمته، وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر {وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً} رحمته سابقة لغضبه، حيث يكفر السيئات باجتناب الكبائر، ويغفر الكبائر بالتوبة.

.تفسير الآية رقم (15):

{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}
{سَيَقُولُ المخلفون} الذين تخلفوا عن الحديبية {إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ} إلى غنائم خيبر {أَن يُبَدّلُواْ كلام الله} وقرئ: {كلم الله} أن يغيروا موعد الله لأهل الحديبية، وذلك أنه وعدهم أن يعوّضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئاً. وقيل: هو قوله تعالى: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا} [التوبة: 83] {تحسدوننا} أن نصيب معكم من الغنائم. قرئ: بضم السين وكسرها {لاَّ يَفْقَهُونَ} لا يفهمون إلا فهماً {قَلِيلاً} وهو فطنتهم لأمور الدنيا دون أمور الدين، كقوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الحياة الدنيا} [الروم: 7] فإن قلت: ما الفرق بين حرفي الإضراب؟ قلت: الأوّل إضراب معناه: ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين، إلى وصفهم بما هو أطم منه، وهو الجهل وقلة الفقه.

.تفسير الآية رقم (16):

{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)}
{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ} هم الذين تخلفوا عن الحديبية {إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني بني حنيفة قوم مسيلمة، وأهل الردّة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف عند أبي حنيفة ومن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب. والمجوس تقبل منهم الجزية، وعن الشافعي لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس دون مشركي العجم والعرب. وهذا دليل على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن بعد وفاته. وكيف يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: {فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّا} [التوبة: 83] وقيل: هم فارس والروم. ومعنى {يُسْلِمُونَ} ينقادون، لأنّ الروم نصارى، وفارس مجوس يقبل منهم إعطاء الجزية.
فإن قلت: عن قتادة أنهم ثقيف وهوازن، وكان ذلك في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: إن صح ذلك فالمعنى: لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين. أو على قول مجاهد: كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} يريد في غزوة الحديبية. أو يسلمون. معطوف على تقاتلونهم، أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام، لا ثالث لهما. وفي قراءة أبيّ: {أو يسلموا} بمعنى: إلى أن يسلموا.

.تفسير الآية رقم (17):

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)}
نفى الحرج عن هؤلاء من ذوي العاهات في التخلف عن الغزو. وقرئ: {ندخله} {ونعذبه} بالنون.

.تفسير الآيات (18- 19):

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}
هي بيعة الرضوان، سميت بهذه الآية، وقصتها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحديبية بعث خِراش بن أمّية الخزاعي رسولاً إلى أهل مكة، فهموا به فمنعه الأحابيش، فلما رجع دعا بعمر رضي الله عنه ليبعثه فقال: إني أخافهم على نفسي، لما عرف من عداوتي إياهم وما بمكة عدويّ يمنعني، ولكني أدلك على رجل هو أعز بها مني وأحب إليهم: عثمان بن عفان فبعثه فخبرهم أنه لم يأت بحرب، وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته، فوقروه وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وكانت سمرة. قال جابر بن عبد الله: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها. وقيل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في أصل الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها. قال عبد الله بن المغفل: وكنت قائماً على رأسه وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه. فرفعت الغصن عن ظهره، فبايعوه على الموت دونه، وعلى أن لا يفروا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليوم خير أهل الأرض» وكان عدد المبايعين ألفاً وخمسمائة وخمسة وعشرين، وقيل: ألفاً وأربعمائة، وقيل: ألفاً وثلثمائة {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه {فَأنزَلَ السكينة} أي: الطمأنينة والأمن بسبب الصلح على قلوبهم {وأثابهم فَتْحاً قَرِيباً} وقرئ: {وآتاهم} وهو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة.
وعن الحسن: فتح هجر، وهو أجلّ فتح: اتسعوا بثمرها زماناً {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} هي مغانم خيبر، وكانت أرضاً ذات عقار وأموال، فقسمها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عليهم، ثم أتاه عثمان بالصلح فصالحهم وانصرف بعد أن نحر بالحديبية وحلق.