فصل: تفسير الآيات (11- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (11- 25):

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)}
{وَحِيداً} حال من الله عز وجل على معنيين، أحدهما: ذرني وحدي معه، فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم.
والثاني: خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد. أو حال من المخلوق على معنى: خلقته وهو وحيد فريد لا مال له ولا ولد، كقوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94]، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب في قومه بالوحيد، ولعله لقب بذلك بعد نزول الآية؛ فإن كان ملقباً به قبل فهو تهكم به وبلقبه، وتغيير له عن الغرض الذي كانوا يؤمونه- من مدحه، والثناء عليه بأنه وحيد قومه لرياسته ويساره وتقدّمه في الدنيا- إلى وجه الذم والعيب: وهو أنه خلق وحيداً لا مال له ولا ولد، فآتاه الله ذلك، فكفر بنعمة الله وأشرك به واستهزأ بدينه {مَّمْدُوداً} مبسوطاً كثيراً: أو ممدّاً بالنماء، من مدّ النهر ومدّ نهر آخر. قيل: كان له الزرع والضرع والتجارة.
وعن ابن عباس: هو ما كان له بين مكة والطائف من صنوف الأموال. وقيل: كان له بستان بالطائف لا ينقطع ثماره صيفاً وشتاء. وقيل: كان له ألف مثقال. وقيل: أربعة آلاف وقيل تسعة آلاف وقيل: ألف ألف، وعن ابن جريج: غلة شهر بشهر {وَبَنِينَ شُهُوداً} حضوراً معه بمكة لا يفارقونه للتصرف في عمل أو تجارة، لأنهم مكفيون لوفور نعمة أبيهم واستغنائهم عن التكسب وطلب المعاش بأنفسهم، فهو مستأنس بهم لا يشتغل قلبه بغيبتهم، وخوف معاطب السفر عليهم ولا يحزن لفراقهم والاشتياق إليهم. ويجوز أن يكون معناه: أنهم رجال يشهدون معه المجامع والمحافل. أو تسمع شهادتهم فيما يتحاكم فيه.
وعن مجاهد: كان له عشرة بنين. وقيل: ثلاثة عشر. وقيل: سبعة كلهم رجال: الوليد بن الوليد، وخالد، وعمارة، وهشام، والعاص، وقيس، وعبد شمس: أسلم منهم ثلاثة: خالد، وهشام، وعمارة {وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً} وبسطت له الجاه العريض والرياسة في قومه، فأتمت عليه نعمتي المال والجاه واجتماعهما: هو الكمال عند أهل الدنيا. ومنه قول الناس: آدام الله تأييدك وتمهيدك، يريدون: زيادة الجاه والحشمة. وكان الوليد من وجهاء قريش وصناديدهم؛ ولذلك لقب الوحيد وريحانة قريش {ثُمَّ يَطْمَعُ} استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه، يعنى أنه لا مزيد على ما أوتي سعة وكثرة وقيل: إنه كان يقول: إن كان محمد صادقاً فما خلقت الجنة إلا لي {كَلاَّ} ردع له وقطع لرجائه وطمعه {إِنَّهُ كان لأياتنا عَنِيداً} تعليل للردع على وجه الاستئناف كأن قائلا قال: لم لا يزاد؟ فقيل: إنه عاند آيات المنعم وكفر بذلك نعمته، والكافر لا يستحق المزيد، ويروى: أنه ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله حتى هلك {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} سأغشيه عقبة شاقة المصعد: وهو مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعد الذي لا يطاق وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يكلف أن يصعد عقبة في النار كلما وضع عليها يده ذابت، فإذا رفعها عادت، وإذا وضع رجله ذابت، فإذا رفعها عادت» وعنه عليه السلام: «الصَّعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً»، {إِنَّهُ فَكَّرَ} تعليل للوعيد، كأن الله تعالى عاجله بالفقر بعد الغنى، والذل بعد العز في الدنيا بعناده، ويعاقبه في الآخرة بأشدّ العذاب وأفظعه لبلوغه بالعناد غايته وأقصاه في تفكيره، وتسميته القرآن سحراً. ويجوز أن تكون كلمة الردع متبوعة بقوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} ردّاً لزعمه أن الجنة لم تخلق إلا له؛ وإخباراً بأنه من أشدّ أهل النار عذاباً، ويعلل ذلك بعناده، ويكون قوله: {إِنَّهُ فَكَّرَ} بدلاً من قوله: {إِنَّهُ كان لأياتنا عَنِيداً} بياناً لِكُنْهِ عناده. ومعناه {فكر} ماذا يقول في القرآن {وَقَدَّرَ} في نفسه ما يقول وهيأه {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحزّ. ورميه الغرض الذي كان تنتحيه قريش. أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به أو هي حكاية لما كرروه من قولهم. {قتل كيف قدّر} تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره، واستعظامهم لقوله. ومعنى قول القائل: قتله الله ما أشجعه. وأخزاه الله ما أشعره: الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك. روي: أنّ الوليد قال لبني مخزوم: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى؛ فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم؛ فقال أبو جهل: أنا اكفيكموه، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه يخنق؛ وتقولون إنه كاهن، فهل رأيتموه قط يتكهن؛ وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط؛ وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب، فقالوا في كل ذلك: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحاً، وتفرّقوا معجبين بقوله متعجبين منه {ثُمَّ نَظَرَ} في وجوه الناس، ثم قطب وجهه، ثم زحف مدبراً، وتشاوس مستكبراً لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء، وهمّ بأن يرمي بها وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط، استهزاء به. وقيل: قدرّ ما يقوله، ثم نظر فيه، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول.
وقيل: قطب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الحق {واستكبر} عنه فقال ما قال. و{ثُمَّ نَظَرَ} عطف على {فَكَّرَ وَقَدَّرَ} والدعاء: اعتراض بينهما.
فإن قلت: ما معنى {ثُمَّ} الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت؛ الدلالة على أن الكرّة الثانية أبلغ من الأولى. ونحوه قوله:
أَلاَ يَا اسْلَمِى ثُمَّ اسْلَمِى ثُمَّتَ اسْلَمِى

فإن قلت: ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت: الدلالة على أنه قد تأنى في التأمّل وتمهل، وكأنّ بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد.
فإن قلت: فلم قيل {فَقَالَ إِنْ هذا} بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت: لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد.

.تفسير الآيات (26- 29):

{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)}
{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} بدل من {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر: 17]، {لاَ تُبْقِى} شيئاً يلقى فيها إلا أهلكته؛ وإذا هلك لم تذره هالكاً حتى يعاد. أو لا تبقي على شيء، ولا تدعه من الهلاك، بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة {لَوَّاحَةٌ} من لوح الهجير. قال:
تَقُولُ مَا لاَحَكَ يَا مُسَافِرُ ** يَا آبْنَةَ عَمِّي لاَحَنِى الْهَوَاجِرُ

قيل: تلفح الجلد لفحة فتدعه أشدّ سواداً من الليل. والبشر: أعالي الجلود.
وعن الحسن. تلوح للناس، كقوله: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} [التكاثر: 7] وقرئ {لواحة} نصباً على الاختصاص للتهويل {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} أي يلي أمرها ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكاً. وقيل: صنفاً من الملائكة. وقيل: صفة. وقيل: نقيباً. وقرئ: {تسعة عشر} بسكون العين لتوالي الحركات في ما هو في حكم اسم واحد وقرئ {تسعة أعشر} جمع عشير، مثل: يمين وأيمن جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم أقوم مّنْ خلق الله بحق الله وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم، ولأنهم أشد الخلق بأساً وأقواهم بطشاً. عن عمرو بن دينار: واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «كأن أعينهم البرق، وكأن أفواههم الصياصي يجرون أشعارهم، لأحدهم مثل قوّة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم في النار بالجبل عليهم» وروي أنه لما نزلت {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحى وكان شديد البطش، أنا أكفيكم سبعة عشر، فأكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله {وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَئِكَةً} أي ما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون.
فإن قلت: قد جعل افتنان الكافرين بعدة الزبانية سبباً لاستيقان أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين، فما وجه صحة ذلك؟ قلت ما جعل افتتانهم بالعدة سبباً لذلك، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سبباً، وذلك أن المراد بقوله {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع {فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} موضع {تِسْعَةَ عَشَرَ} لأن حال هذه العدة الناقصة واحداً من عقد العشرين أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ويعترض ويستهزيء، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفى عليه وجه الحكمة، كأنه قيل ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها، لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب، لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين، فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله، وازدياد المؤمنين إيماناً لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل، ولما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك.
فإن قلت: لم قال {وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون} والاستيقان وازدياد الإيمان دالا على انتفاء الارتياب؟ قلت: لأنه إذا جمع لهم إثبات اليقين ونفي الشك. كان آكد وأبلغ لوصفهم بسكون النفس وثلج الصدر، ولأن فيه تعريضاً بحال من عداهم، كأنه قال: ولتخالف حالهم حال الشاكين المرتابين من أهل النفاق والكفر.
فإن قلت: كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون، والسورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما نجم بالمدينة؟ قلت: معناه وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة {والكافرون} بمكة {مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً} وليس في ذلك إلا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب، وذلك لا يخالف كون السورة مكية. ويجوز أن يراد بالمرض: الشك والارتياب، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين وبعضهم قاطعين بالكذب.
فإن قلت: قد علل جعلهم تسعة عشر بالاستيقان وانتفاء الارتياب وقول المنافقين والكافرين ما قالوا فهب أن الإستيقان وإنتفاء الإرتياب يصح أن يكونا غرضين فكيف صح أن يكون قول المنافقين والكافرين غرضاً؟ قلت: أفادت اللام معنى العلة والسبب، ولا يجب في العلة أن تكون غرضاً، ألا ترى إلى قولك: خرجت من البلد لمخافة الشر، فقد جعلت المخافة علة لخروجك وما هي بغرضك. {مَثَلاً} تمييز لهذا، أو حال منه، كقوله: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} [هود: 64]، فإن قلت: لم سموه مثلا؟ قلت: هو استعارة من المثل المضروب. لأنه مما غرب من الكلام وبدع، استغراباً منهم لهذا العدد واستبداعاً له. والمعنى: أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين سواء، ومرادهم إنكاره من أصله، وأنه ليس من عند الله، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص. الكاف في {كَذَلِكَ} نصب، وذلك: إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى، أي: مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين، يعني: يفعل فعلا حسناً مبنياً على الحكمة والصواب، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيماناً، وينكره الكافرون ويشكون فيه فيزيدهم كفراً وضلالا {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ} وما عليه كل جند من العدد الخاص من كون بعضها على عقد كامل وبعضها على عدد ناقص، وما في اختصاص كل جند بعدده من الحكمة {إِلاَّ هُوَ} ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك كما لا يعرف الحكمة في أعداد السموات والأرضين وأيام السنة والشهور والبروج والكواكب وأعداد النصب والحدود والكفارات والصلوات في الشريعة أو: وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها وهو يعلمها. وقيل: هو جواب لقول أبي جهل: أما لرب محمد أعوان إلا تسعة عشر، {وما جعلنا أصحاب النار- إلى قوله- إلا هو}: اعتراض. وقوله: {وَمَا هِىَ إِلاَّ ذكرى} متصل بوصف سقر وهي ضميرها أي: وما سقر وصفتها إلا تذكرة {لِلْبَشَرِ} أو ضمير الآيات التي ذكرت فيها.

.تفسير الآيات (30- 37):

{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)}
{كَلاَّ} إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن تكون لهم ذكرى، لأنهم لا يتذكرون، أو ردع لمن ينكر أن تكون إحدى الكبر نذيراً. و(دبر) بمعنى أدبر، كقبل بمعنى أقبل. ومنه صاروا كأمس الدابر. وقيل: هو من دبر الليل النهار إذا خلفه. وقرئ {إذ أدبر} {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر} جواب القسم أو تعليل لكلا، والقسم معترض للتوكيد. والكبر: جمع الكبرى، جعلت ألف التأنيث كتائها، فلما جمعت فعلة على فعل: جمعت فعلى عليها، ونظير ذلك: السوافي في جمع السافياء. والقواصع في جمع القاصعاء، كأنها جمع فاعلة، أي: لإحدى البلايا أو الدواهي الكبر، ومعنى كونها إحداهنّ: أنها من بينهن واحدة في العظم لا نظيرة لها. كما تقول: هو أحد الرجال، وهي إحدى النساء و{نَذِيراً} تمييز من إحدى، على معنى: إنها لإحدى الدواهي إنذاراً، كما تقول: هي إحدى النساء عفافاً.
وقيل هي حال. وقيل: هو متصل بأوّل السورة، يعني: قم نذيراً، وهو من بدع التفاسير. وفي قراءة أبي {نذير} بالرفع خبر بعد خبر {لأن} أو بحذف المبتدأ {أَن يَتَقَدَّمَ} في موضع الرفع بالابتداء. ولمن شاء: خبر مقدّم عليه، كقولك: لمن توضأ أن يصلي؛ ومعناه مطلق لمن شاء التقدّم أو التأخر أن يتقدّم أو يتأخر، والمراد بالتقدّم والتأخر: السبق إلى الخير والتخلف عنه: وهو كقوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، ويجوز أن يكون {لِمَن شَآءَ} بدلاً من {لّلْبَشَرِ} على أنها منذرة للمكلفين الممكنين: الذين إن شاؤا تقدّموا ففازوا وإن شاؤا تأخروا فهلكوا.