فصل: تفسير الآية رقم (112):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (112):

{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)}
{فاستقم كَمآ أُمِرْتَ} فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادّة الحق، غير عادل عنها {وَمَن تَابَ مَعَكَ} معطوف على المستتر في استقم. وإنما جاز العطف عليه ولم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه. والمعنى: فاستقم أنت وليستقم من تاب على الكفر وآمن معك {وَلاَ تَطْغَوْاْ} ولا تخرجوا عن حدود الله {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} عالم فهو مجازيكم به، فاتقوه.
وعن ابن عباس: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشدّ ولا أشقّ عليه من هذه الآية. ولهذا قال: «شيبتني هود والواقعة وأخواتهما»
وروي أنّ أصحابه قالوا له: لقد أسرع فيك الشيب. فقال: «شيبتني هود» وعن بعضهم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت له: روي عنك أنك قلت: شيبتني هود. فقال: نعم. فقلت: ما الذي شيبك منها؟ أقصص الأنبياء وهلاك الأمم؟ قال: لا، ولكن قوله: {فاستقم كَمَا أُمِرْتَ}.
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه {فاستقم كَمَا أُمِرْتَ} قال: افتقرْ إلى الله بصحة العزم.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}
قرئ: {ولا تركنوا}، بفتح الكاف وضمها مع فتح التاء.
وعن أبي عمرو: بكسر التاء وفتح الكاف، على لغة تميم في كسرهم حروف المضارعة إلا الياء في كل ما كان من باب علم يعلم. ونحوه قراءة من قرأ {فَتَمَسَّكُمُ النار} بكسر التاء.
وقرأ ابن أبي عبلة: {ولا تُركِنوا}، على البناء للمفعول، من أركنه إذا أماله، والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومدّ العين إلى زهرتهم. وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وتأمّل قوله: {وَلاَ تركنوا} فإن الركون هو الميل اليسير. وقوله: {إِلَى الذين ظَلَمُواْ} أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين. وحكي أنّ الموفق صلى خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم.
وعن الحسن رحمه الله: جعل الله الدين بين لاءين: {وَلاَ تَطْغَوْاْ} [هود: 112]، {وَلاَ تَرْكَنُواْ} ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك: أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه {لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] واعلم أنّ أيسر ما ارتكب وأخفّ ما احتملت: أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤدّ حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يُدخلون الشكّ بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فيما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} [مريم: 59] فإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، والسلام. وقال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القرّاء الزائرون للملوك.
وعن الأوزاعي: ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملاً.
وعن محمد بن مسلمة: الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه»
ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء؟ فقال: لا، فقيل له: يموت؟ فقال: دعه يموت. {وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء} حال من قوله: {فَتَمَسَّكُمُ} أي: فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال. ومعناه: وما لكم من دون الله من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه، لا يقدر على منعكم من غيره {ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} ثم لا ينصركم هو، لأنه وجب في حكمته تعذيبكم وترك الإبقاء عليكم.
فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: معناها الاستبعاد، لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب واقتضاء حكمته له.

.تفسير الآية رقم (114):

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)}
{طَرَفَىِ النهار} غدوة وعشية {وَزُلَفاً مِّنَ اليل} وساعات من الليل وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه، وصلاة الغدوة: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر؛ لأنّ ما بعد الزوال عشيّ. وصلاة الزلف: المغرب والعشاء. وانتصاب طرفي النهار على الظرف، لأنهما مضافان إلى الوقت، كقولك: أقمت عنده جميع النهار، وأتيته نصف النهار وأوله وآخره، تنصب هذا كله على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه. ونحوه {وَأَطْرَافَ النهار} [طه: 130] وقرئ: {وزُلُفا}، بضمتين. وزلفا، بسكون اللام. وزلفى: بوزن قربى. فالزلف: جمع زلفة، كظلم في ظلمة. والزلف بالسكون: نحو بسرة وبسر. والزلف بضمتين نحو بسر في بسر. والزلفى بمعنى الزلفة، كما أن القربى بمعنى القربة: وهو ما يقرب من آخر النهار من الليل. وقيل: وزلفا من الليل: وقربا من الليل، وحقها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أي: أقم الصلاة طرفي النهار، وأقم زلفا من الليل، على معنى: وأقم صلاة تتقرّب بها إلى الله عز وجل في بعض الليل {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات} فيه وجهان، أحدهما: أن يراد تكفير الصغائر بالطاعات، وفي الحديث: «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر» والثاني: إن الحسنات يذهبن السيئات، بأن يكن لطفاً في تركها، كقوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] وقيل: نزلت في أبي اليسر عمرو بن غزية الأنصاري، كان يبيع التمر فأتته امرأة فأعجبته، فقال لها: إن في البيت أجود من هذا التمر. فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله، فتركها وندم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنتظر أمر ربي، فلما صلى صلاة العصر نزلت، فقال: نعم، اذهب فإنها كفارة لما عملت».
وروي أنه أتى أبا بكر فأخبره فقال: استر على نفسك وتب إلى الله، فأتى عمر رضي الله عنه فقال له مثل ذلك، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت، فقال عمر: أهذا له خاصة أم للناس عامة؟ فقال: بل للناس عامة وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «توضأ وضوءاً حسناً وصل ركعتين {إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات}» {ذلك} إشارة إلى قوله {فاستقم} فما بعده {ذكرى لِلذكِرِينَ} عظة للمتعظين.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}
ثم كرّ إلى التذكير بالصبر بعد ما جاء بما هو خاتمة للتذكير، وهذا الكرور لفضل خصوصية ومزية وتنبيه على مكان الصبر ومحله، كأنه قال: وعليك بما هو أهمّ مما ذكرت به وأحق بالتوصية، وهو الصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه، فلا يتم شيء منه إلا به {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} جاء بما هو مشتمل على الاستقامة وإقامة الصلوات والانتهاء عن الطغيان والركون إلى الظالمين والصبر وغير ذلك من الحسنات.

.تفسير الآية رقم (116):

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}
{فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون} فهلا كان وقد حكوا عن الخليل: كل {لولا} في القرآن فمعناها (هلا) إلا التي في الصافات، وما صحت هذه الحكاية ففي غير الصافات {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بالعراء} [القلم: 49]، {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ} [الفتح: 25]، {وَلَوْلاَ أَن ثبتناك لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74]، {أُوْلُواْ بَقِيَّتُ} أولو فضل وخير. وسمى الفضل والجودة بقية لأنّ الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله، فصار مثلاً في الجودة والفضل. ويقال: فلان من بقية القوم، أي من خيارهم. وبه فسر بيت الحماسة:
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ يَأْتِينِي بَقِيَّتُكُمْ

ومنه قولهم: في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا. ويجوز أن تكون البقية بمعنى البقوى، كالتقية بمعنى التقوى، أي: فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم وصيانة لها من سخط الله وعقابه، وقرئ: {أولو بقية}، بوزن لقية، من بقاه يبقيه إذا راقبه وانتظره ومنه: «بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم» والبقية المرّة من مصدره. والمعنى: فلو كان منهم أولو مراقبة وخشية من انتقام الله، كأنهم ينتظرون إيقاعه بهم لإشفاقهم {إِلاَّ قَلِيلاً} استثناء منقطع، معناه: ولكن قليلاً ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد، وسائرهم تاركون للنهي. و{مِنْ} في {مّمَّنْ أَنجَيْنَا} حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض؛ لأن النجاة إنما هي للناهين وحدهم، بدليل قوله تعالى: {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} [الأعراف: 165].
فإن قلت: هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه؟ قلت: إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام، كان المعنى فاسداً؛ لأنه يكون تخصيصاً لأولى البقية على النهي عن الفساد، إلا للقليل من الناجين منهم كما تقول: هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم، تريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن وإن قلت: في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ماكان من القرون أولو بقية إلا قليلاً، كان استثناء متصلا ومعنى صحيحاً، وكان انتصابه على أصل الاستثناء، وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل {واتبع الذين ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ} أراد بالذين ظلموا: تاركي النهي عن المنكرات، أي: لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعقدوا هممهم بالشهوات، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والتترف، من حب الرياسة والثروة، وطلب أسباب العيش الهنيء. ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم.
وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي، {واتبع الذين ظلموا}، يعني: واتبعوا جزاء ما أترفوا فيه. ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة: أنهم اتبعوا جزاء إترافهم. وهذا معنى قويّ لتقدم الإنجاء، كأنه قيل: إلا قليلاً ممن أنجينا منهم وهلك السائر.
فإن قلت: علام عطف قوله: {واتبع الذين ظَلَمُواْ}؟ قلت: إن كان معناه: واتبعوا الشهوات، كان معطوفاً على مضمر، لأنّ المعنى إلا قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد، واتبع الذين ظلموا شهواتهم، فهو عطف على نهوا. وإن كان معناه واتبعوا جزاء الإتراف، فالواو للحال، كأنه قيل: أنجينا القليل وقد اتبع الذين ظلموا جزاءهم.
فإن قلت: فقوله {وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ}؟ قلت: على أترفوا أي: اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين؛ لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام. أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر. أو على اتبعوا، أي اتبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك. ويجوز أن يكون اعتراضاً وحكماً عليهم بأنهم قوم مجرمون.

.تفسير الآية رقم (117):

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}
{كَانَ} بمعنى صح واستقام. واللام لتأكيد النفي. و{بِظُلْمٍ} حال من الفاعل. والمعنى: واستحال في الحكمة أن يهلك الله القرى ظالماً لها {وَأَهْلُهَا} قوم {مُصْلِحُونَ} تنزيهاً لذاته عن الظلم، وإيذاناً بأن إهلاك المصلحين من الظلم. وقيل: الظلم الشرك، ومعناه أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فساداً آخر.

.تفسير الآيات (118- 119):

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)}
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة أي ملة واحدة وهي ملة الإسلام، كقوله: {إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] وهذا الكلام يتضمن نفي الاضطرار، وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا، فلذلك قال: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} إلا ناساً هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه {ولذلك خَلَقَهُمْ} ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأوّل وتضمنه، يعني: ولذلك من التمكن والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم، ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} وهي قوله للملائكة {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} لعلمه بكثرة من يختار الباطل.