فصل: تفسير الآيات (45- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (45- 47):

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)}
{إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} عطف بيان لعبادنا. ومن قرأ: {عبدنا} جعل إبراهيم وحده عطف بيان له، ثم عطف ذريته على عبدنا، وهي إسحاق ويعقوب، كقراءة ابن عباس: وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت، فقيل: في كل عمل هذا مما عملت أيديهم، وإن كان عملاً لا يتأتى فيه المباشرة بالأيدي، أو كان العمال جذماً لا أيدي لهم، وعلى ذلك ورد قوله عزّ وعلا: {أُوْلِى الأيدى والأبصار} يريد: أولي الأعمال والفكر، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة، ولا يجاهدون في الله، ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم. وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله، ولا من المستبصرين في دين الله، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما. وقرئ: {أولى الأيادي} على جمع الجمع. وفي قراءة ابن مسعود: {أولي الأيد} على طرح الياء والاكتفاء بالكسرة. وتفسيره بالأيد- من التأييد- قلق غير متمكن {أخلصناهم} جعلناهم لنا خالصين {بِخَالِصَةٍ} بخصلة خالصة لا شوب فيها، ثم فسرها بذكرى الدارشهادة بذكرى الدار بالخلوص والصفاء وانتفاء الكدورة عنها. وقرئ: على الإضافة. والمعنى: بما خلص من ذكرى الدار، على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بهمّ آخر، إنما همهم ذكرى الدار لا غير. ومعنى {ذِكْرَى الدار}: ذكراهم الآخرة دائباً، ونسيانهم إليها ذكر الدنيا. أو تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها، وتزهيدهم في الدنيا؛ كما هو شأن الأنبياء وديدنهم. وقيل: ذكرى الدار. الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم.
فإن قلت: ما معنى {أخلصناهم بِخَالِصَةٍ}؟ قلت: معناه: أخلصناهم بسبب هذه الخصلة، وبأنهم من أهلها. أو أخلصناهم بتوفيقهم لها، واللطف بهم في اختيارها. وتعضد الأوّل قراءة من قرأ: {بخالصتهم} {المصطفين} أي المختارين من أبناء جنسهم. و{الأخيار} جمع خير، أو خير على التخفيف؛ كأموات في جمع ميت أو ميت.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)}
{واليسع} كأن حرف التعريف دخل على يسع. وقرئ: {ولليسع}، كأن حرف التعريف دخل على ليسع، فيعل من اللسع. والتنوين في {وَكُلٌّ} عوض من المضاف إليه، ومعناه: وكلهم من الأخيار.

.تفسير الآيات (49- 52):

{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)}
{هذا ذِكْرُ} أي: هذا نوع من الذكر وهو القرآن. لما أجرى ذكر الأنبياء وأتمه، وهو باب من أبواب التنزيل؛ ونوع من أنواعه، وأراد أن يذكر على عقبه باباً آخر، وهو ذكر الجنة وأهلها. قال: هذا ذكر، ثم قال: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب، ثم يشرع في باب آخر، ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وقد كان كيت وكيت؛ والدليل عليه: أنه لما أتمّ ذكر أهل الجنة وأراد أن يعقبه بذكر أهل النار. قال: {هذا وإن للطاغين}. وقيل: معناه هذا شرف وذكر جميل ويذكرون به أبداً.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: هذا ذكر من مضى من الأنبياء {جنات عَدْنٍ} معرفة لقوله: {جنات عَدْنٍ التى وَعَدَ الرحمن} [مريم: 61] وانتصابها على أنها عطف بيان لحسن مآب. و{مُّفَتَّحَةً} حال، والعامل فيها ما في (للمتقين) من معنى الفعل. وفي {مُّفَتَّحَةً} ضمير الجنات، والأبواب بدل من الضمير، تقديره: مفتحة هي الأبواب، كقولهم: ضرب زيد اليد والرجل، وهو من بدل الاشتمال. وقرئ: {جنات عدن مفتحة} بالرفع، على أن جنات عدن مبتدأ، ومفتحة خبره. أو كلاهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو جنات عدن هي مفتحة لهم؛ كأن اللدات سمين أتراباً، لأن التراب مسهن في وقت واحد، وإنما جعلن على سنّ واحدة، لأنّ التحاب بين الأقران أثبت. وقيل: هنّ أتراب لأزواجهنّ، أسنانهنّ كأسنانهم.

.تفسير الآيات (53- 54):

{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)}
قرئ: {يوعدون} بالتاء والياء {لِيَوْمِ الحساب} لأجل يوم الحساب، كما تقول: هذا ما تدخرونه ليوم الحساب، أي: ليوم تجزى كل نفس ما عملت.

.تفسير الآيات (55- 61):

{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)}
{هذا} أي الأمر أي هذا: أو هذا كما ذكر {فَبِئْسَ المهاد}، كقوله: {لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم، أي: هذا حميم فليذوقوه. أو العذاب هذا فليذوقوه، ثم ابتدأ فقال: هو {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} أو: هذا فليذوقوه بمنزلة {وإياى فارهبون} [البقرة: 40] أي ليذوقوا هذا فليذوقوه، والغساق- بالتخفيف والتشديد-: ما يغسق من صديد أهل النار، يقال: غسقت العين، إذا سال دمعها. وقيل: الحميم يحرق بحرّه، والغساق يحرق ببرده. وقيل: لو قطرت منه قطره في المشرق لنتنت أهل المغرب، ولو قطرت منه قطرة في المغرب لنتنت أهل المشرق.
وعن الحسن رضي الله عنه. الغساق: عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثواباً في قوله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة {وَءَاخَرُ} ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة {أزواج} أجناس. وقرئ: {وآخر} أي: وعذاب آخر. أو مذوق آخر. وأزواج: صفة لآخر، لأنه يجوز أن يكون ضروباً، أو صفة للثلاثة وهي حميم وغساق وآخر من شكله. وقرئ: {من شكله} بالكسر وهي لغة. وأما الغنج فالبكسر لا غير {هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، أي: دخل النار في صحبتكم وقرانكم، والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها. والقحمة: الشدة. وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض، أي: يقولون هذا. والمراد بالفوج: أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة، فيقتحمون معهم العذاب {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} دعاء منهم على أتباعهم. تقول لمن تدعو له: مرحباً، أي: أتيت رحباً من البلاد لا ضيقاً: أو رحبت بلادك رحباً، ثم تدخل عليه (لا) في دعاء السوء. و{بِهِمْ} بيان للمدعو عليهم {إِنَّهُمْ صَالُواْ النار} تعليل لاستيجابهم الدعاء عليهم. ونحوه قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] وقيل: هذا فوج مقتحم معكم: كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم. و{لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النار} كلام الرؤوساء. وقيل: هذا كله كلام الخزنة {وقَالُواْ} أي الأتباع {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} يريدون الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحقّ به، وعللوا ذلك بقولهم: {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} والضمير للعذاب أو لصليهم.
فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء. قال الله تعالى: {وذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال: 50- 51] ولكن الرؤوساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه، قيل: أنتم قدمتموه لنا، فجعل الرؤوساء هم المقدمين وجعل الجزاء هو المقدّم، فجمع بين مجازين؛ لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لا رؤساؤهم، والعمل هو المقدم لا جزاؤه.
فإن قلت: فالذي جعل قوله: {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} من كلام الخزنة ما يصنع بقوله: {بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ} والمخاطبون- أعني رؤسائهم- لم يتكلموا بما يكون هذا جواباً لهم؟ قلت: كأنه قيل: هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحقّ به منا لإغوائكم إيانا وتسببكم فيما نحن فيه من العذاب، وهذا صحيح كما لو زين قوم لقوم بعض المساوي فارتكبوه فقيل للمزينين: أخزى الله هؤلاء ما أسوأ فعلهم؟ فقال المزين لهم للمزينين: بل أنتم أولى بالخزي منا، فلولا أنتم لم نرتكب ذلك {وقَالُواْ} هم الأتباع أيضاً {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً} أي: مضاعفاً، ومعناه: ذا ضعف: ونحوه قوله تعالى: {رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا} [الأعراف: 38] وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين، كقوله عزّ وجلّ {رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب} [الأحزاب: 68] وجاء في التفسير {عَذَاباً ضِعْفاً} حيات وأفاعي.

.تفسير الآيات (62- 63):

{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)}
{وَقَالُواْ} الضمير للطاغين {رِجَالاً} يعنون فقراء المسلمين الذين لا يؤبه لهم {مّنَ الأشرار} من الأراذل الذين لا خير فيهم ولا جدوى، ولأنهم كانوا على خلاف دينهم، فكانوا عندهم أشراراً {أتخذناهم سِخْرِيّاً} قرئ: بلفظ الإخبار على أنه صفة ل (رجالاً)، مثل قوله: {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الأشرار} وبهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها في الاستخسار منهم. وقوله: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار} له وجهان من الاتصال، أحدهما: أن يتصل بقوله: {مالنا} أي: مالنا لا نراهم في النار؟ كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها: قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة، وبين أن يكونوا من أهل النار. إلاّ أنه خفي عليهم مكانهم. والوجه الثاني: أن يتصل باتخذناهم سخرياً، إما أن تكون أم متصلة على معنى: أي الفعلين فعلنا بهم الاستسخار منهم، أم الازدراء بهم والتحقير، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم، على معنى إنكار الأمرين جميعاً على أنفسهم، وعن الحسن: كل ذلك قد فعلوا، اتخذوهم سخرياً وزاغت عنهم أبصارهم محقرة لهم. وإما أن تكون منقطعة بعد مضي اتخذناهم سخرياً على الخبر أو الاستفهام، كقولك: إنها إبل أم شاء، وأزيد عندك أم عندك عمرو: ولك أن تقدّر همزة الاستفهام محذوفة فيمن قرأ بغير همزته، لأنّ (أم) تدلّ عليها، فلا تفترق القراءتان: إثبات همزة الاستفهام وحذفها. وقيل: الضمير في {وَقَالُواْ} لصناديد قريش كأبي جهل والوليد وأضرابهما، والرجال: عمار وصهيب وبلال وأشباههم. وقرئ: {سخرياً} بالضم والكسر.

.تفسير الآية رقم (64):

{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)}
{إِنَّ ذلك} أي الذي حكينا عنهم {لَحَقٌّ} لابد أن يتكلموا به، ثم بين ما هو فقال هو {تخاصم أهل النار}. وقرئ: بالنصب على أنه صفة لذلك، لأن أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجناس.
فإن قلت: لم سمى ذلك تخاصماً؟ قلت؛ شبه تقاولهم وما يجري بينهم من السؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين من نحو ذلك ولأنّ قول الرؤوساء: لا مرحباً بهم، وقول أتباعهم: بل أنتم لا مرحباً بكم، من باب الخصومة، فسمي التقاول كله تخاصماً لأجل اشتماله على ذلك.

.تفسير الآيات (65- 66):

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)}
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة: ما أنا إلا رسول {مُنذِرُ} أنذركم عذاب الله للمشركين، وأقول لكم: إنّ دين الحق، توحيد الله وأن يعتقد أن لا إله إلا الله {الواحد} بلا ندّ ولا شريك {القهار} لكل شيء، وأنّ الملك والربوبية له في العالم كله وهو {العزيز} الذي لا يغلب إذا عاقب العصاة، وهو مع ذلك {الغفار} لذنوب من التجأ إليه. أو قل لهم ما أنا إلا منذر لكم ما أعلم، وأنا أنذركم عقوبة من هذه صفته، فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه.

.تفسير الآيات (67- 70):

{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} أي: هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولاً منذراً وأن الله واحد لا شريك له: نبأ عظيم لا يعرض عن مثله إلاّ غافل شديد الغفلة. ثم احتج لصحة نبوّته بأنّ ما ينبئ به على الملأ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط، ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس في علم ما لم يعلموا، وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب، فعلم أنّ ذلك لم يحصل إلا بالوحي من الله {إِن يوحى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ} أي: لأنما أنا نذير. ومعناه: ما يوحى إليّ إلا للإنذار، فحذف اللام وانتصب بإفضاء الفعل إليه. ويجوز أن يرتفع على معنى: ما يوحى إليّ إلاّ هذا، وهو أن أنذر وأبلغ ولا أفرط في ذلك، أي ما أومر إلاّ بهذا الأمر وحده، وليس إليّ غير ذلك. وقرئ: {إنما} بالكسر على الحكاية، أي: إلاّ هذا القول، وهو أن أقول لكم: إنما أنا نذير مبين ولا أدعى شيئاً آخر. وقيل: النبأ العظيم: قصص آدم عليه السلام والإنباء به من غير سماع من أحد، وعن ابن عباس: القرآن.
وعن الحسن: يوم القيامة.
فإن قلت: بم يتعلق {إِذْ يَخْتَصِمُونَ}؟ قلت: بمحذوف؛ لأن المعنى: ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم، و{إِذْ قَالَ} بدل من {إِذْ يَخْتَصِمُونَ}.
فإن قلت: ما المراد بالملأ الأعلى؟ قلت: أصحاب القصة الملائكة وآدم وإبليس، لأنهم كانوا في السماء وكان التقاول بينهم: فإن قلت: ما كان التقاول بينهم إنما كان بين الله تعالى وبينهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال لهم وقالوا له، فأنت بين أمرين: إما أن تقول الملأ الأعلى هؤلاء، وكان التقاول بينهم ولم يكن التقاول بينهم وإما أن تقول: التقاول كان بين الله وبينهم، فقد جعلته من الملأ الأعلى.
قلت: كانت مقاولة الله سبحانه بواسطة ملك، فكان المقاول في الحقيقة هو الملك المتوسط، فصحّ أن التقاول كان بين الملائكة وآدم وإبليس، وهم الملأ الأعلى. والمراد بالاختصام: التقاول على ما سبق.