فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (12):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}
يقال: جنبه الشر إذا أبعده عنه، وحقيقته: جعله منه في جانب، فيعدى إلى مفعولين. قال الله عز وجل: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصنام} [إبراهيم: 35] ثم يقال في مطاوعه: اجتنب الشر فتنقص المطاوعة مفعولاً. والمأمور باجتنابه هو بعض الظن، وذلك البعض موصوف بالكثرة: ألا ترى إلى قوله: {إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ}؟ فإن قلت: بَيِّن الفصل بيْنَ {كَثِيراً}، حيث جاء نكرة وبينه لو جاء معرفة.
قلت: مجيئه نكرة يفيد معنى البعضية، وإنّ في الظنون ما يجب أن يجتنب من غير تبيين لذلك ولا تعيين. لئلا يجترئ أحد على ظنّ إلا بعد نظر وتأمّل، وتمييز بين حقه وباطله بأمارة بينة، مع استشعار للتقوى والحذر؛ ولو عرف لكان الأمر باجتناب الظنّ منوطاً بما يكثر من دون ما يقل، ووجب أن يكون كل ظنّ متصف بالكثرة مجتنباً، وما اتصف منه بالقلة مرخصاً في تظننه. والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها: أنّ كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر: كان حراماً واجب الاجتناب؛ وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظنّ الفساد والخيانة به محرّم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب والمجاهرة بالخبائث. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حرّم من المسلم دمه وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء» وعن الحسن: كنا في زمان الظنُّ بالناس حرام، وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت، وظنّ بالناس ما شئت. وعنه: لا حرمة لفاجر. وعنه: إن الفاسق إذا أظهر فسقه وهتك ستره هتكه الله، وإذا استتر لم يظهر الله عليه لعله أن يتوب. وقد روي: من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له. والإثم: الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب. ومنه قيل لعقوبته: الأثام، فعال منه: كالنكال والعذاب والوبال، قال:
لَقَدْ فَعَلَتْ هاذي النَّوَى بِيَ فَعْلَة ** أَصَابَ النَّوَى قَبْلَ المَمَاتِ أَثَامُهَا

والهمزة فيه عن الواو، كأنه يثم الأعمال: أي يكسرها بإحباطه. وقرئ: {ولا تحسسوا} بالحاء والمعنيان متقاربان. يقال: تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه: تفعل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس، لما في اللمس من الطلب. وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء} [الجن: 8] والتحسس: التعرّف من الحس، ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان: الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه.
وعن مجاهد. خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهنّ. قال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين: فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته»
وعن زيد بن وهب: قلنا لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة بن أبي معيط تقطر لحيته خمراً؟ فقال ابن مسعود: إنا قد نهينا عن التجسس، فإن ظهر لنا شيء أخذنا به. غابه واغتابه: كغاله واغتاله. والغيبة من الاغتياب، كالغيلة من الاغتيال: وهي ذكر السوء في الغيبة.
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال: «أن تذكر أخاك بما يكره. فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الغيبة إدام كلاب الناس {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ} تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه. وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير. ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة. ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك. ومنها أن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخاً. ومنها أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتاً.
وعن قتادة: كما تكره إن وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها، كذلك فاكره لحم أخيك وهو حي. وانتصب {مَيْتًا} على الحال من اللحم. ويجوز أن ينتصب عن الأخ. وقرئ: {ميِّتا} ولما قرّرهم عز وجل بأنّ أحداً منهم لا يحب أكل جيفة أخيه، عقب ذلك بقوله تعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ} معناه: فقد كرهتموه واستقرّ ذلك. وفيه معنى الشرط، أي: إن صحّ هذا فكرهتموه، وهي الفاء الفصيحة، أي: فتحققت- بوجوب الإقرار عليكم وبأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره: لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه- كراهتكم له وتقذركم منه، فليتحقق أيضاً أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين. وقرئ: {فكرهتموه} أي: جبلتم على كراهته.
فإن قلت: هلا عدّى بإلى كما عدّى في قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر} وأيهما القياس؟ قلت: القياس تعدّيه بنفسه، لأنه ذو مفعول واحد قبل تثقيل حشوه، تقول: كرهت الشيء، فإذا ثقل استدعى زيادة مفعول. وأما تعدّيه بإلى، فتأوّل وإجراء لكره مجرى بغض، لأنّ بعض منقول من بغض إليه الشيء فهو بغيض إليه، كقولك: حب إليه الشيء فهو حبيب إليه. والمبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه ما من ذنب يقترفه المقترف إلا كان معفواً عنه بالتوبة. أو لأنه بليغ في قبول التوبة، منزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط، لسعة كرمه. والمعنى: واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم منه، فإنكم إن اتقتيتم تقبل الله توبتكم وأنعم عليك بثواب المتقين التائبين.
وعن ابن عباس: أن سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوّي لهما طعامهما، فنام عن شأنه يوماً، فبعثاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغي لهما إداماً، وكان أسامة على طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندي شيء، فأخبرهما سلمان بذلك، فعند ذلك قالا: لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها، فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما، فقالا: ما تناولنا لحماً فقال: إنكما قد اغتبتما فنزلت.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}
{مّن ذَكَرٍ وأنثى} من آدم وحوّاء. وقيل: خلقنا كل واحد منكم من أب وأمّ، فما منكم أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلى به الآخر سواء بسواء، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب. والشعب: الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب، وهي: الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة؛ فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل: خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصى بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، وسميت الشعوب؛ لأنّ القبائل تشعبت منها. وقرئ: {لتتعارفوا} ولتعارفوا بالإدغام. ولتعرفوا، أي لتعلموا كيف تتناسبون. ولتتعرفوا. والمعنى: أن الحكمة التي من أجلها رتبكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض. فلا يعتزى إلى غير آبائه، لا أن تتفاخروا بالآباء والأجداد، وتدعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب. ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله تعالى فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} وقرئ: (إن) بالفتح، كأنه قيل: لم لا يتفاخر بالأنساب؟ فقيل: لأنّ أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه طاف يوم فتح مكة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله، وفاجر شقيّ هين على الله» ثم قرأ الآية. وعنه عليه السلام: «من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله» وعن ابن عباس: كرم الدنيا الغني، وكرم الآخرة التقوى. وعو يزيد بن شجرة: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق المدينة فرأى غلاماً أسود يقول: من اشتراني فعلى شرط لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فاشتراه رجل فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يراه عند كل صلاة، ففقده يوماً فسأل عنه صاحبه، فقال: محموم، فعاده ثم سأل عنه بعد ثلاثة أيام فقال: هو لما به، فجاءه وهو في ذمائه. فتولى غسله ودفنه، فدخل على المهاجرين والأنصار أمر عظيم، فنزلت.

.تفسير الآية رقم (14):

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)}
الإيمان: هو التصديق مع الثقة وطمأنينة النفس. والإسلام: الدخول في السلم. والخروج من أن يكون حرباً للمؤمنين بإظهار الشهادتين. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمان فِي قُلُوبِكُمْ} فاعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان.
فإن قلت: ما وجه قوله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} والذي يقتضه نظم الكلام أن يقال: قل لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا. أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم؟ قلت: أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلاً، ودفع ما انتحلوه، فقيل: قل لم تؤمنوا. وروعى في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرّح بلفظه، فل يقل: كذبتم، ووضع {لَّمْ تُؤْمِنُواْ} الذي هو نفي ما ادعوا إثباته موضعه، ثم نبه على ما فعل من وضعه موضع كذبتم في قوله في صفة المخلصين {أُوْلَئِكَ هُمُ الصادقون} [الحجرات: 15] تعريضاً بأن هؤلاء هم الكاذبون، ورب تعريض لا يقاومه التصريح، واستغنى بالجملة التي هي لم: {تُؤْمِنُواْ} عن أن يقال: لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل: ولكن أسلمتم، ليكون خارجاً مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم: {ءَامَنَّا} كذلك، ولو قيل: ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به.
فإن قلت: قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمان فِي قُلُوبِكُمْ} بعد قوله تعالى: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة.
قلت: ليس كذلك، فإن فائدة قوله: {لَّمْ تُؤْمِنُواْ} هو تكذيب دعواهم، وقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمان فِي قُلُوبِكُمْ} توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم {ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم؛ لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في {قُولُواْ} وما في (لما) من معنى التوقع: دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد {لاَ يَلِتْكُمْ} لا ينقصكم ولا يظلمكم. يقال: ألته السلطان حقه أشدّ الألت، وهي لغة غطفان. ولغة أسد وأهل الحجاز: لاته ليتا. وحكى الأصمعي عن أمّ هشام السلولية أنها قالت: الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات، ولا تصمه الأصوات. وقرئ باللغتين {لا يلتكم} ولا يألتكم. ونحوه في المعنى {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء: 47]. ومعنى طاعة الله ورسوله: أن يتوبوا عما كانوا عليه من النفاق ويعقدوا قلوبهم على الإيمان ويعملوا بمقتضياته، فإن فعلوا ذلك تقبل الله توبتهم، ووهب لهم مغفرته. وأنعم عليهم بجزيل ثوابه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ نفراً من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة، فأظهروا الشهادة، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارها، وهم يغدون ويروحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها، وجئناك بالأثقال والذراري، يريد الصدقة ويمنون عليه، فنزلت.

.تفسير الآية رقم (15):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}
ارتاب: مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة. والمعنى: أنهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا به، ولا اتهام لمن صدّقوه واعترفوا بأنّ الحق منه.
فإن قلت: ما معنى ثم هاهنا وهي التراخي وعدم الارتياب يجب أن يكون مقارناً للإيمان لأنه وصف فيه، لما بينت من إفادة الإيمان معنى الثقة والطمأنينة التي حقيقتها التيقن وانتفاء الريب؟ قلت: الجواب على طريقين، أحدهما أنّ من وجد منه الإيمان ربما اعترضه الشيطان أو بعض المضلين بعد ثلج الصدر فشككه وقذف في قلبه ما يثلم يقينه، أو نظر هو نظراً غير سديد يسقط به على الشك ثم يستمرّ على ذلك راكباً رأسه لا يطلب له مخرجاً، فوصف المؤمنون حقاً بالبعد عن هذه الموبقات. ونظيره قوله: {ثُمَّ استقاموا} [فصلت: 30] والثاني: أنّ الإيقان وزوال الريب لما كان ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعد تقدّم الإيمان، تنبيهاً على مكانه؛ وعطف على الإيمان بكلمة التراخي إشعاراً باستقراره في الأزمنة المتراخية المتطاولة غضاً جديداً. {وجاهدوا} يجوز أن يكون المجاهد منوياً وهو العدوّ المحارب أو الشيطان أو الهوى. وأن يكون جاهد مبالغة في جهد. ويجوز أن يراد بالمجاهدة بالنفس: الغزو، وأن يتناول العبادات بأجمعها، وبالمجاهدة بالمال: نحو ما صنع عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة، وأن يتناول الزكوات وكل ما يتعلق بالمال من أعمال البر التي يتحامل فيها الرجل على ماله لوجه الله تعالى {أُوْلَئِكَ هُمُ الصادقون} الذين صدقوا في قولهم آمنا، ولم يكذبوا كما كذب أعراب بني أسد، أو هم الذين إيمانهم إيمان صدق وإيمان حق وجدّ وثبات.