فصل: تفسير الآية رقم (195):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (195):

{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
يقال: استجاب له واستجابه.
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

{أَنّى لاَ أُضِيعُ} قرئ بالفتح على حذف الياء، وبالكسر على إرادة القول. وقرئ: {لا أضيّع}، بالتشديد {مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى} بيان لعامل {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر، أي من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم.
وقيل المراد وصلة الإسلام. وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله عباده العاملين وروي: أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول الله، إني أسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء. فنزلت {فالذين هاجروا} تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله بدينهم من دار الفتنة، واضطرّوا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤا بما سامهم المشركون من الخسف {وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِى} من أجله وبسببه، يريد سبيل الدين {وقاتلوا وَقُتِلُواْ} وغزوا المشركين واستشهدوا. وقرئ: {وقتلوا}، بالتشديد. {وقتلوا وقاتلوا} على التقديم بالتخفيف والتشديد {وقتلوا، وقتلوا}، على بناء الأول للفاعل والثاني للمفعول. {وقتلوا}، {وقاتلوا}، على بنائهما للفاعل {ثَوَاباً} في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويباً {مِنْ عِندِ الله} لأن قوله: {لاكَفّرَنَّ..... عَنْهُمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ} في معنى، لأثيبنهم. {وَعِندَهُ} مثل: أن يختص به وبقدرته وفضله، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به وبملكه وإن لم يكن بحضرته. وهذا تعليم من الله كيف يدعي وكيف يبتهل إليه ويتضرّع. وتكرير {رَبِّنَا} من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين الله، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، وتسجيل على من لا يرى الثواب موصولاً إليه، بالعمل بالجهل والغباوة.
وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه: من حزبه أمر فقال خمس مرات {رَبِّنَا} أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية.
وعن الحسن: حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات {رَبِّنَا} ثم أخبر أنه استجاب لهم، إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به، فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء.

.تفسير الآيات (196- 197):

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}
{لاَ يَغُرَّنَّكَ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد، أي لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق والمضطرب ودرك العاجل وإصابة حظوظ الدنيا، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض، وتصرفهم في البلاد يتكسبون ويتجرون ويتدهقنون.
وعن ابن عباس: هم أهل مكة. وقيل: هم اليهود.
وروي أن أناساً من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب والرخاء ولين العيش فيقولون: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد.
فإن قلت: كيف جاز أن يغتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حتى ينهي عن الاغترار به؟ قلت: فيه وجهان أحدهما أن مدرة القوم ومتقدّمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعاً، فكأنه قيل: لا يغرنكم والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه، كقوله: {وَلاَ تَكُنْ مع الكافرين} [هود: 42]، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14]، {فَلاَ تُطِعِ المكذبين} [القلم: 8] وهذا في النهي نظير قوله في الأمر {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6]، {يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ} [النساء: 36] وقد جعل النهي في الظاهر للتقلب وهو في المعنى للمخاطب، وهذا من تنزيل السبب منزلة المسبب، لأنّ التقلب لو غرّه لاغتر به، فمنع السبب ليمتنع المسبب. وقرئ: {لا يغرنك} بالنون الخفيفة {متاع قَلِيلٌ} خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك متاع قليل وهو التقلب في البلاد، أراد قلته في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة، أو في جنب ما أعدّ الله للمؤمنين من الثواب، أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه وكل زائل قليل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع» {وَبِئْسَ المهاد} وساء ما مهدوا لأنفسهم.

.تفسير الآية رقم (198):

{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}
النزل والنزل: ما يقام للنازل. (و) قال أبو الشعراء الضبي:
وَكُنَّا إذَا الجَبَّارُ بِالجَيْشِ ضَافَنَا ** جَعَلْنَا الْقَنَا وَالْمُرْهِفَاتِ لَهُ نُزْلاَ

وانتصابه إمّا على الحال من جنات لتخصصها بالوصف والعامل اللام، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد، كأنه قيل: زرقاء أو عطاء {مّنْ عِندِ الله وَمَا عِندَ الله} من الكثير الدائم {خَيْرٌ لّلابْرَارِ} مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل، وقرأ مسلمة بن محارب والأعمش {نُزُلاً} بالسكون.
وقرأ يزيد بن القعقاع: (لكنّ الذين اتقوا)، بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (199):

{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)}
{وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب} عن مجاهد: نزلت في عبد الله بن سلام وغيره من مسلمة أهل الكتاب.
وقيل في أربعين من أهل نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا. وقيل: في أصحمة النجاشي ملك الحبشة، ومعنى أصحمة (عطية) بالعربية. وذلك أنه لما مات نعاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فخرج إلى البقيع ونظر إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه واستغفر له» فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط وليس على دينه، فنزلت ودخلت لام الابتداء على اسم (إن) لفصل الظرف بينهما؛ كقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ} [النساء: 72]. {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ} من القرآن {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} من الكتابين {خاشعين للَّهِ} حال من فاعل يؤمن، لأن من يؤمن في معنى الجمع {لاَ يَشْتَرُونَ بئايات الله ثَمَناً قَلِيلاً} كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم {أولئك لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} أي ما يختص بهم من الأجر وهو ما وعدوه في قوله: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: 54]، {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [القصص: 54]. {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} لنفوذ علمه في كل شيء، فهو عالم بما يستوجبه كل عامل من الأجر. ويجوز أن يراد: إنما توعدون لآت قريب بعد ذكر الموعد.

.تفسير الآية رقم (200):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}
اصبروا على الدين وتكاليفه {وَصَابِرُواْ} أعداء الله في الجهاد، أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبراً منهم وثباتاً والمصابرة: باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه، تخصيصاً لشدته وصعوبته {وَرَابِطُواْ} وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها، مترصدين مستعدين للغزو. قال الله عز وجل: {وَمِن رّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه، لا يفطر، ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة»
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة آل عمران أعطى بكل آية منها أماناً على جسر جهنم»
وعنه عليه الصلاة والسلام: «من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تحجب الشمس».

.سورة النساء :

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
{ياأيها الناس} يا بني آدم {خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم.
فإن قلت: علام عطف قوله: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، وخلق منها زوجها. وإنما حذف لدلالة المعنى عليه. والمعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها {وَبَثَّ مِنْهُمَا} نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل بكيفية خلقهم منها.
والثاني: أن يعطف على خلقكم، ويكون الخطاب في {ياأيها الناس} للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى: خلقكم من نفس آدم، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه، وخلق منها أمكم حواء وبث منهما {رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} غيركم من الأمم الفائتة للحصر.
فإن قلت: الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها ويبحث عليها، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجباً للتقوى وداعياً إليها؟ قلت: لأنّ ذلك مما يدل على القدرة العظيمة. ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء، ومن المقدورات عقاب العصاة، فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه، ولأنَّه يدل على النعمة السابغة عليهم، فحقهم أن يتقوه في كفرانها والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها. أو أراد بالتقوى تقوى خاصة وهي أن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله، فقيل: اتقوا ربكم الذي وصل بينكم، حيث جعلكم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة. فيما يجب على بعضكم لبعض، فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه. وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة. وقرئ: {وخالق منها زوجها. وباث منهما}، بلفظ اسم الفاعل، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهو خالق {تَسَاءلُونَ بِهِ} تتساءلون به، فأدغمت التاء في السين. وقرئ {تساءلون} بطرح التاء الثانية، أي يسأل بعضكم بعضاً بالله وبالرحم. فيقول: بالله وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف. وأناشدك الله والرحم. أو تسألون غيركم بالله والرحم، فقيل (تفاعلون) موضع (تفعلون) للجمع، كقولك: رأيت الهلال وتراءيناه. وتنصره قراءة من قرأ: {تسلون به}. مهموز أو غير مهموز. وقرئ {والأرحام} بالحركات الثلاث، فالنصب على وجهين: إما على: واتقوا الله والأرحام، أو أن يعطف على محل الجار والمجرور، كقولك: مررت بزيد وعمراً. وينصره قراءة ابن مسعود: {تسألون به وبالأرحام}، والجر على عطف الظاهر على المضمر، وليس بسديد؛ لأنّ الضمير المتصل متصل كاسمه، والجار والمجرور كشيء واحد، فكانا في قولك: (مررت به وزيد) و(هذا غلامه وزيد) شديدي الاتصال، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة، فلم يجز ووجب تكرير العامل، كقولك: (مررت به وبزيد) و(هذا غلامه وغلام زيد) ألا ترى إلى صحة قولك: (رأيتك وزيداً) و(مررت بزيد وعمرو) لما لم يقو الاتصال، لأنه لم يتكرر، وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار ونظيرها.
فاذهب فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ

والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، كأنه قيل: والأرحام كذلك، على معنى: والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يُسَاءل به. والمعنى أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقاً، وكانوا يتساءلون بذكر الله والرحم، فقيل لهم: اتقوا الله الذي خلقكم، واتقوا الذي تتناشدون به واتقوا الأرحام فلا تقطعوها. أو واتقوا الله الذي تتعاطفون بأذكاره وبأذكار الرحم. وقد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه أن صلتها منه بمكان، كما قال: {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23]، وعن الحسن: إذا سألك بالله فأعطه، وإذا سألك بالرحم فأعطه. وللرحم حجنة عند العرش، ومعناه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: الرحم معلقة بالعرش فإذا أتاها الواصل بشت به وكلمته. وإذا أتاها القاطع احتجبت منه. وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام: «تخيروا لنطفكم»
فقال: يقول لأولادكم وذلك أن يضع ولده في الحلال. ألم تسمع قوله تعالى: {واتقوا الله الذى تَسَاءلُونَ بِهِ والارحام} وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال، فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر، ثم يختار الصحة ويجتنب الدَّعر، ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله.