فصل: بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالْمَوَارِيثِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُ رَجُلٍ وَالْأَبُ يَجْحَدُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ)؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِمَالٍ إنَّمَا أَلْزَمُوهُ النَّسَبَ بِشَهَادَتِهِمْ وَالنَّسَبُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا يَمُوتُ قَبْلَ الْآخَرِ فَيَرِثُهُ الْآخَرُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّ هَذَا مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ الْوَلَاءَ بِشَهَادَتِهِمْ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَوْ مَاتَ فَوَرِثَهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا أَبَدًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ كَانَتْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ شَهَادَةً بِالْمِيرَاثِ وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا فَكَانَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِهِ عَلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتِمُّ بِهِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ الْعِلَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ ثُمَّ آخَرُ فَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ وَلَا يُحَالُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى شَهَادَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ وَمَا لَوْ شَهِدَا مَعًا سَوَاءٌ وَهُنَا السَّبَبُ قَدْ ثَبَتَ قَبْلَ الْمَوْتِ ثُمَّ الْمَوْتُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُودًا بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُ هَذَا الْقَتِيلِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَالْقَاتِلُ يُقِرُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا فَقَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ وَقَتَلَهُ الِابْنُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَضْمَنُونَهُ لِلْوَرَثَةِ الْمَعْرُوفِينَ وَإِنْ أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْمَوْلَى يَضْمَنُونَ كُلَّ مَالٍ وَرِثَهُ هَذَا الِابْنُ مِنْ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ الْمَعْرُوفِينَ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مُتَمِّمًا عِلَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَقَدْ أَقَرُّوا بِالرُّجُوعِ ثُمَّ إنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْمَعْرُوفِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِهَا كَانَ الْقِصَاصُ وَاجِبًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا وَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِهَا بَعْدَ مَا رَجَعُوا.
وَلَوْ شَهِدُوا لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ كَانَ أَبُوهُ كَافِرًا أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَلِلْمَيِّتِ ابْنٌ كَافِرٌ فَقَضَى الْقَاضِي بِمَالِ ابْنِهِ لِلْمُسْلِمِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ ضَمِنُوا الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنِ الْكَافِرِ وَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ كُفْرَ أَبِيهِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّمَا صَارَ الْمِيرَاثُ كُلُّهُ مُسْتَحَقًّا لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ بِشَهَادَتِهِمَا فَعِنْدَ الرُّجُوعِ يَضْمَنَانِ ذَلِكَ وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ وَلَهُ ابْنَانِ مُسْلِمَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَوَرَّثَهُمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ أَحَدِهِمَا ضَمِنُوا جَمِيعَ مَا وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ بِبَيِّنَتِهِ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَ جَمِيعِ الْمِيرَاثِ لِنَفْسِهِ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا فَالْمَشْهُودُ لَهُ إنَّمَا أَخَذَ نِصْفَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا لَهُ وَقَدْ أَقَرَّ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ أَخٍ مَعْرُوفٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَشَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدَانِ وَحَكَمَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ذَلِكَ لِلْأَخِ؛ لِأَنَّ الْأَخَ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِجَمِيعِ الْمِيرَاثِ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا بِنَسَبِ الِابْنِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا ذَلِكَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَوْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَقَضَى لَهُ بِمِيرَاثِهِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِالنَّسَبِ فِي حَيَاتِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ إنَّمَا يُحَالُ بِهِ عَلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا وَهُوَ الْمَوْتُ دُونَ مَا شَهِدَا بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا لِامْرَأَةٍ بِالنِّكَاحِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَقَضَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَوَرِثَتْ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنَا جَمِيعَ مَا أَخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَصْفَيْنِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ هُنَا وَبِهِ يَتِمُّ عِلَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ صَغِيرٌ وَأَمَةٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الصَّبِيَّ ابْنُهُ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَعْتَقَ هَذِهِ الْأَمَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ عَنْ بِنْتَيْنِ سِوَى الصَّبِيِّ فَقَضَى الْقَاضِي لِلْمَرْأَةِ بِالْمَهْرِ وَقَسَّمَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْمِيرَاثِ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ فَإِنَّ شُهُودَ الِابْنِ يَضْمَنُونَ قِيمَةَ الِابْنِ لِلْوَرَثَةِ إلَّا نَصِيبَ الِابْنِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مِلْكَهُ فِي الْعَبْدِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إنَّ الصَّغِيرَ عَبْدُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ لِلْمَوْلَى وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِيرَاثًا عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ لَا أَنَّهُ يَطْرَحُ عَنْهُمَا حِصَّةَ الِابْنِ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَا صَادِقَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ بِنَسَبِهِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا وَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي نَصِيبِهِ وَيَضْمَنُ شُهُودُ الْأَمَةِ قِيمَةَ الْأَمَةِ إلَّا مِيرَاثَ الْأَمَةِ مِنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَضْمَنُونَ غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَيَضْمَنُونَ الْفَضْلَ لِإِقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ الْفَضْلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَكِنْ يَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتَهَا مِنْهُ بِمِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهَا تُكَذِّبُهُمْ فِي الرُّجُوعِ وَتُصَدِّقُهُمْ فِي الشَّهَادَةِ فَيُعْتَبَرُ زَعْمُهَا فِي حِصَّتِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهُودِ فِيمَا أَخَذَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى لَهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ بِشَهَادَتِهِمَا فَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي حَيَاةِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَخْتَصِمُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ فَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالنَّسَبِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ يَضْمَنُوا شَيْئًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِذَا شَهِدُوا بِالْوَصِيَّةِ ضَمِنُوا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالْعَقْدِ لَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى لَهُ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ ثَابِتٌ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَارِثِ مِنْ الْمِلْكِ مَا كَانَ ثَابِتًا لِلْمُورِثِ وَهَذِهِ الْخِلَافَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَوْتِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنَّسَبِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَتْ تُوجِبُ الْمِيرَاثَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَفِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا تَتَحَقَّقُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا رَجَعَا وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِهَذَا الْمُدَّعِي وَهِيَ تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَقَضَى لَهُ بِهَا فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَتَهَا يَوْمَ قُضِيَ بِهَا وَلَمْ يَضْمَنَا الْعُقْرَ وَلَا قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا مِلْكَ الرَّقَبَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَهَادَتِهِمَا لِمِلْكِ الْمُوصَى لَهُ فَيَضْمَنَانِ قِيمَةَ الرَّقَبَةِ كَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَا بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ فِي حَيَاةِ صَاحِبِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ وُلِدَتْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا اسْتَحَقُّوا الْوَلَدَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَالْقَوْلُ فِي قِيمَتِهَا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قِيمَتِهَا لِإِنْكَارِهِمْ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ حَيَّةً فَقَالَ الشَّاهِدَانِ قَدْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهَا لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَا قِيمَتَهَا الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَا؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا فِي الْحَالِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قِيمَتِهَا فِيمَا مَضَى وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ وَعَلَى مَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ أَخَذَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا يَوْمَ شَهِدَا أَكْثَرُ مِمَّا قَالَ شُهُودُهُمَا فَيُؤْخَذُ بِبَيِّنَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى هَذَا فِي تَرِكَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا مَا أَتْلَفَا عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمَا إنَّمَا نَصَّبَا مَنْ يَحْفَظُ الْمَالَ عَلَيْهِمْ وَيُقَوِّمُ التَّصَرُّفَ فِيهِ لَهُمْ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ إتْلَافَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ فَإِنْ اسْتَهْلَكَ الْوَصِيُّ الْمَالَ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا عَلَى اسْتِحْقَاقٍ فِي عِلْمِهِ الْمَالَ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا أَتْلَفَ الْمَالَ بِاسْتِهْلَاكِ الْوَصِيِّ بِاخْتِيَارِهِ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ بِحَقٍّ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الضَّمَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْصُلُ بِشَهَادَةِ كُلِّ فَرِيقٍ إذَا انْفَرَدَ سَوَاءٌ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي عِلَّةِ الْإِتْلَافِ يَسْتَوِيَانِ فِي الضَّمَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَهَذَا لِأَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ أَضْعَفُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ يَشْهَدَانِ عَلَى مُعَايَنَةٍ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ يَشْهَدَانِ عَنْ خَبَرٍ ثُمَّ لَوْ شَهِدَا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ كَذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ كَذَا هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصُّورَةِ اثْنَانِ وَفِي الْمَعْنَى أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفُرُوعَ يَنْقُلُونَ شَهَادَةَ الْأُصُولِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَأَنَّ الْأُصُولَ حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْحَقِّ وَاثْنَانِ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَسْدَاسًا ثُمَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لَوْ حَضَرُوا وَشَهِدُوا يُقْضَى بِهِ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ شَهَادَتَهُمْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ وَهُمَا اللَّذَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَرْبَعَةً لَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ أَنَّ نِصْفَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَنِصْفَهُ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْأُصُولِ دُونَ الْفُرُوعِ وَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْمُثَنَّى أَضْعَفُ مِنْ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَفِي الْأَوَّلِ كَذَلِكَ يَقُولُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ أَضْعَفُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْحَقِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُمَا بِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَلْزَمُهُمَا أَنْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى الْأَقَلِّ مِمَّا يَلْزَمُ الشُّهُودَ بِشَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةِ مَنْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَتِهِ فَأُلْزِمُهُمْ الْأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ فِيهِ وَالْقِيَاسُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَشَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَوَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فَعَلَى الرَّاجِعِينَ رُبُعُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بِبَقَاءِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ يَبْقَى نِصْفُ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَعَ صَاحِبِهِ كَانَ حُجَّةً تَامَّةً فِي جَمِيعِ الْمَالِ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ نِصْفُ الْمَالِ وَكَذَلِكَ بِبَقَاءِ الْوَاحِدِ مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ يَبْقَى نِصْفُ الْمَالِ إلَّا أَنَّ هَذَا النِّصْفَ شَائِعٌ نِصْفُهُ مِمَّا هُوَ بَاقٍ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ نِصْفِ هَذَا النِّصْفِ بِبَقَائِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي رُبْعِ الْمَالِ فَيَضْمَنُ الرَّاجِعَانِ ذَلِكَ (وَقَعَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاجِعِينَ رُبْعُ الْمَالِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا جَمِيعًا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبْعَ الْمَالِ وَبِبَقَاءِ الْمُثَنَّى هُنَا عَلَى الشَّهَادَةِ لَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِينَ مَا يَلْزَمُهُمَا لَوْ رَجَعُوا وَذَلِكَ نِصْفُ الْمَالِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الرَّاجِعِينَ ثُمُنَانِ وَنِصْفٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفِئَةِ مَعْرُوفَةٌ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ مَنْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فَقَدْ ذَكَرَ هُنَاكَ مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ لِإِكْمَالِ الْحُجَّةِ، فِيهَا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَأَوْجَبَ عَلَى الرَّاجِعِينَ ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ الْمَالِ وَذَكَرَ مَسْأَلَةً لِإِكْمَالِ الْحُجَّةِ فِيهَا ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ وَأَوْجَبَ عَلَى الرَّاجِعِينَ ثُمُنَيْ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِإِكْمَالِ الْحُجَّةِ وَجْهَانِ أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ هَذَيْنِ أَوْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ عَلَى شَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ حَالُ مَنْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ دُونَ حَالِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَفَوْقَ حَالِهِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ أَوْجَبَ عَلَى الرَّاجِعِينَ ثُمُنَيْنِ وَنِصْفًا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَتَيَا الْقَاضِي فَقَالَا لَمْ نُشْهِدْهُمَا عَلَى شَهَادَتِنَا فَقَضَاءُ الْقَاضِي مَاضٍ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الْإِشْهَادَ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ فَلَا يُبْطِلُ قَضَاءَ الْقَاضِي كَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنْفُسِهِمَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا وَلَكِنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا يُنْكِرَانِ سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَلَوْ قَالَا كُنَّا أَشْهَدْنَاهُمَا عَلَى شَهَادَتِنَا وَلَكِنَّا رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُمَا ضَامِنَانِ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ قَامَا مَقَامَهُمَا فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمَا إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَأَمَّا الْقَضَاءُ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا ثُمَّ رَجَعَا فَيَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَهُمَا قَالَا الْمَوْجُودُ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَإِنْ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْ الْأُصُولِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَوْ مَنَعُوهُمْ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي وَلَوْ كَانُوا نَائِبِينَ عَنْ الْأُصُولِ لَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا مَنَعَهُمْ الْأُصُولُ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَكِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا تَحَمَّلُوا وَهُوَ إشْهَادُ الْأُصُولِ إيَّاهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ مَا كَانُوا نَائِبِينَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ.
وَلَوْ رَجَعَ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ دُونَ الْأُصُولِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لَوْ رَجَعَ وَحْدَهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ الْمَقْضِيِّ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِذَا رَجَعَ الْفَرِيقَانِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالرُّجُوعِ وَيَتَخَيَّرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَانَسُ بَيْنَ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ فَقَدْ كَانَتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةُ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَهُمَا لِيُجْعَلَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ يُضَمِّنُ أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا دِيَةَ الْيَدِ فِي مَالِهِمَا وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا)؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْهُمَا بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَالْقِصَاصُ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا يُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمَا ضَمِنَا دِيَةَ الْيَدِ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا عَنْ الشَّهَادَةِ قَوْلٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ وَضَمِنَا الْأَلْفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُوجِبُ الْقَوَدَ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الدِّيَاتِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَلَمْ يُحْصِنْ فَجَلَدَهُ الْإِمَامُ وَجَرَحَتْهُ السِّيَاطُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ خِلَافًا لَهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْحُدُودِ.
وَلَوْ لَمْ تَجْرَحْهُ السِّيَاطُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ بِالْإِتْلَافِ كَمَا لَوْ بَاشَرُوا ضَرْبًا غَيْرَ مُؤَثِّرٍ وَعَلَى هَذَا حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الْخَمْرِ وَالتَّعْزِيرُ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَأَجَازَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ وَأَعْتَقَهُ وَرَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مَالِيَّةَ الْمَوْلَى فِيهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِالْعِتْقِ وَعَلَى شُهُودِ الزِّنَا الدِّيَةُ لِمَوْلَاهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا نَفْسَهُ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ (قِيلَ) الْمَوْلَى كَانَ جَاحِدًا لِلْعِتْقِ فَكَيْفَ يُضَمِّنُونَ الشُّهُودَ الدِّيَةَ؟.
(قُلْنَا): لِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِعِتْقِهِ وَزَعْمُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ قَضَائِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَإِنْ (قِيلَ): كَيْف يَجِبُ لِلْمَوْلَى بَدَلَانِ عَنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ؟ (قُلْنَا) وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ بَدَلٌ عَنْ الْمَالِيَّةِ وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ، ثُمَّ الدِّيَةُ لَا تَجِبُ لِلْمَوْلَى وَلَكِنْ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى تَنْفُذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ وَيَقْضِي دُيُونَهُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ حُرٌّ كَانَتْ الدِّيَةُ لَهُ دُونَ مَوْلَاهُ أَرَأَيْتَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ ابْنَهُ وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعُوا أَمَا كَانَ عَلَى شُهُودِ النَّسَبِ الْقِيمَةُ وَعَلَى شُهُودِ الزِّنَا الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ شَاهِدَا الْعِتْقِ بَعْضَ شُهُودِ الزِّنَا فَعَلَيْهِمَا مِنْ الْقِيمَةِ حِصَّتُهُمَا مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ فَاتِّحَادُ الشُّهُودِ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَافُهُمْ سَوَاءٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ شُهُودُ الْعِتْقِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَدِّ وَهُمَا مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِهِ كَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْعِتْقِ وَالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَأَمْضَى الْقَاضِي ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الْعِتْقِ ضَمِنُوا الْقِيمَةَ لِإِقْرَارِهِمْ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مَالِيَّةَ الْمَوْلَى فِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَفِي حَقِّ الْعِتْقِ هُمْ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ وَرُجُوعُ شُهُودِ الْإِحْصَانِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ عَنْ الزِّنَا وَاثْنَانِ آخَرَانِ عَنْ الْعِتْقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الْعِتْقِ حُجَّةٌ كَامِلَةٌ وَعَلَى اللَّذَيْنِ رَجَعَا عَنْ الزِّنَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حُكْمِ الرَّجْمِ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِينَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَحَدُّ الْقَذْفِ.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ وَأَمَرَ بِرَجْمِهِ فَرَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ وَقَدْ جَرَحَتْهُ الْحِجَارَةُ وَهُوَ حَيٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَدْرَأُ عَنْهُ الرَّجْمَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَجَعُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا فِي رَجْمِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ إلَّا بِحُجَّةٍ قَائِمَةٍ وَلَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ وَهُمْ ضَامِنُونَ أَرْشَ جِرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا اُسْتُحِقَّ بِشَهَادَتِهِمْ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ دَمٍ عَمْدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا أَيُّهُمَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ لِلصُّلْحِ هُوَ الْمَوْلَى فَقَدْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا فَهَذَا أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْقَاتِلُ فَقَدْ سَلِمَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَمَا أَلْزَمَاهُ مِنْ الْعِوَضِ دُونَ بَدَلِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا تَقَوُّمَ النَّفْسِ فِي حَقِّهِ، وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ دُونَهُ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا لِذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا وَالْقَاتِلُ يَجْحَدُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا الْفَضْلَ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ مَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ شَهِدُوا عَلَى الصُّلْحِ عَلَى مِقْدَارِ الْأَرْشِ أَوْ دُونَهُ لَمْ يَضْمَنَا عِنْدَ الرُّجُوعِ شَيْئًا وَإِنْ شَهِدَا عَلَى الصُّلْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ ضَمِنَا الْفَضْلَ لِلْجَارِحِ إذَا كَانَ جَاحِدًا لِذَلِكَ وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ صَالَحْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ فَإِنْ أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَضَى لَهُ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُهُ ضَمِنُوا الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ فَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَفَا عَنْ دَمٍ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فِيهَا أَرْشٌ فَقَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَ الدِّيَةَ وَأَرْشَ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمَالَ بِشَهَادَتِهِمَا فَالْخَطَأُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَكِنْ بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً وَقَدْ كَانَتْ الدِّيَةُ وَاجِبَةً مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ضَمَانُهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَيْضًا وَمَا بَلَغَ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ خَمْسَمِائَةٍ فَصَاعِدًا إلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ فِي سَنَةٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى ثُلُثٍ فَفِي سَنَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ضَمِنَاهُ حَالًا.
وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ إنْ كَانَتْ قَدْ وَجَبَتْ حَالَةً وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهَا وَقَضَى بِالْبَرَاءَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ذَلِكَ حَالًا؛ لِأَنَّهُمَا كَذَلِكَ أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْجَيِّدَ بِمِثْلِهِ وَالرَّدِيءَ بِمِثْلِهِ وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الضَّمَانُ نِصْفَهُ الْفَائِتَ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَبْدٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِهِ وَاَلَّذِي فِي يَدِهِ الْعَبْدُ يَجْحَدُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا وَضَمَّنَهُمَا الْقَاضِي الْقِيمَةَ فَأَدَّيَاهَا أَوْ لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى وَهَبَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْعَبْدَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ وَيَرْجِعَانِ فِيمَا أَدَّيَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا لِأَجْلِ الْجُبْرَانِ وَقَدْ انْعَدَمَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ بِرُجُوعِ الْعَبْدِ إلَى يَدِ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَبْدَ سَلَّمَ لَهُ بِمِلْكِهِ الْقَدِيمِ لَا بِالْهِبَةِ الَّتِي بَاشَرَهَا الْمَشْهُودُ لَهُ فَزَعْمُهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي الْعَبْدِ وَقَبَضَهُ رَجَعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ كَانَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِمَا لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ اسْتِرْدَادِ الْعَبْدِ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْهِبَةَ لَمَّا انْفَسَخَتْ بِالرُّجُوعِ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ.
وَإِنْ مَاتَ الْمَشْهُودُ لَهُ فَوَرِثَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْعَبْدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ بِمَا أَعْطَيَاهُ مِنْ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ وُصُولَ الْعَبْدِ إلَى يَدِهِ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ لَا بِالْمَوْتِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَتَلَ فَأَخَذَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْقِيمَةَ فَوَرِثَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ تِلْكَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ عَوْدَ بَدَلِ الْعَبْدِ إلَيْهِ كَعَوْدِ عَيْنِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَ مِثْلَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى تَرِكَتَهُ بِحِسَابِ الدَّيْنِ دُونَ الْمِيرَاثِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَفِي حِصَّتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ فَفِي حَقِّهِ يُجْعَلُ ذَلِكَ سَالِمًا لَهُ بِجِهَةِ دَيْنِهِ كَمَا يَزْعُمُ وَيَنْعَدِمُ النُّقْصَانُ بِسَبَبِهِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عَلَى الْمَشْهُودِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا وَالزَّوْجُ يَجْحَدُهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَدْخَلَا فِي مِلْكِهِ مَا هُوَ مِثْلٌ لِمَا أَلْزَمَاهُ فَالْبُضْعُ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، ثُمَّ تَقَرُّرُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ كَانَ بِإِيقَاعِهِ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِهِ.
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ تَزَوَّجْتُهَا بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ كَانَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ إلَى الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ ثَبَتَ هُنَا بِتَصَادُقِهِمَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِلتَّسْمِيَةِ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمُتْعَةِ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمُتْعَةِ إلَى تَمَامِ الْخَمْسِمِائَةِ إنَّمَا لَزِمَهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الدُّخُولِ قَبْلَ الطَّلَاقِ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ خَمْسُمِائَةٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَمِائَةِ إنَّمَا لَزِمَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ وَعَلَيْهِمَا وَعَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْأَلْفِ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ وَالْخَمْسِمِائَةِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ لُزُومَ ذَلِكَ الْقَدْرِ إيَّاهُ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا.
وَلَوْ شَهِدَ آخَرَانِ أَيْضًا عَلَى الطَّلَاقِ فَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ لُزُومَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا خَاصَّةً وَعَلَيْهِمَا أَيْضًا وَعَلَى شَاهِدَيْ التَّسْمِيَةِ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمُتْعَةِ إلَى نِصْفِ الْأَوَّلِ وَعَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَشَاهِدَيْ التَّسْمِيَةِ وَشَاهِدَيْ الطَّلَاقِ قَدْرُ الْمُتْعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى كُلِّ شَاهِدَيْنِ ثُلُثُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ذَلِكَ كَانَ بِشَهَادَتِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ عَلَى الدُّخُولِ وَآخَرَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ يَجْحَدُ ذَلِكَ كُلَّهُ ثُمَّ رَجَعُوا فَعَلَى شَاهِدَيْ النِّكَاحِ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَلْزَمَاهُ أَلْفًا وَعَوَّضَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَتْلَفَاهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا فَأَمَّا فِي الْخَمْسِمِائَةِ الْبَاقِيَةِ فَيُضِيفُ ذَلِكَ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الدُّخُولِ فَالْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي ضَمِنَهُمَا شُهُودُ الْعَفْوِ شَائِعَةٌ فَكَذَلِكَ الْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى تَكُونُ شَائِعَةً نِصْفَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ فَيَجِبُ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَنِصْفُ هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَشَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَاثْنَانِ بِأَلْفٍ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْأَلْفِ فَعَلَيْهِ رُبْعُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي نِصْفِهِ فَإِنْ رَجَعَ مَعَهُ شَاهِدُ الْخَمْسِمِائَةِ كَانَ عَلَى شَاهِدَيْ الْأَلْفِ رُبْعُ الْأَلْفِ كَمَا بَيَّنَّا وَعَلَيْهِ أَيْضًا وَعَلَى الْآخَرِينَ رُبْعُ سَهْمٍ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ كَانُوا أَرْبَعَةً وَقَدْ بَقِيَ نِصْفُهُ بِبَقَاءِ الْوَاحِدِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَجِبُ عَلَى الَّذِينَ رَجَعُوا نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْخَمْسِمِائَةِ وَحْدَهُ أَوْ هُمَا جَمِيعًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ بِتِلْكَ الْخَمْسِمِائَةِ مَنْ يُتِمُّ الْحُجَّةَ بِشَهَادَتِهِ وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَى شَاهِدَيْ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَقُّ بِشَهَادَتِهِمَا خَاصَّةً وَالْخَمْسُمِائَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا أَرْبَاعًا؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فَعِنْدَ الرُّجُوعِ ضَمَانُهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدَا الْأَلْفِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الْخَمْسِمِائَةِ فَنِصْفُ الْأَلْفِ عَلَى شَاهِدَيْ الْأَلْفِ خَاصَّةً وَالرُّبْعُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ بَقِيَتْ فِي رُبْعِ الْأَلْفِ بِبَقَاءِ أَحَدِ شَاهِدَيْ الْخَمْسِمِائَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَا عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدٌ لِهَذَا الرَّجُلِ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُمَا أَبْطَلَا عَلَيْهِ الْحُرِّيَّةَ الثَّابِتَةَ لَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَالْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ ضَمِنَا إنَّمَا يَضْمَنَانِ لِلْعَبْدِ وَمَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ مُنْكِرًا لِرُجُوعِهِمَا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَاتَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَالْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَالَ الْتَزَمَهُ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدَيْنِ وَأَمَةً وَمَالًا فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَقَضَى بِالْمَالِ لَهُ وَالْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَةِ ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ بِعَيْنِهِ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَجَازَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا وَأَعْطَاهُ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الْعَبْدَ الثَّانِيَ ابْنُ الْمَيِّتِ فَقَضَى بِهِ أَيْضًا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذِهِ الْأَمَةَ وَتَزَوَّجَهَا فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ فَقَضَى بِذَلِكَ وَجَعَلَهَا وَارِثَةً مَعَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ اللَّذَانِ شَهِدَا لِلْعَبْدِ الْأَوَّلِ ضَمِنَا قِيمَتَهُ بَيْنَ الِابْنِ الْآخَرِ وَالْمَرْأَةِ أَثْمَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَكَانَتْ رَقَبَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ بَيْنَ الْآخَرِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِنَّمَا تَلِفَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا فَقَدْ أَقَرَّا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا أَتْلَفَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ وَرَجَعَ شُهُودُ الِابْنِ الثَّانِي ضَمِنَا قِيمَتَهُ بَيْنَ الِابْنِ الْأَوَّلِ وَالْمَرْأَةِ أَثْمَانًا لِمَا قُلْنَا وَيَضْمَنَانِ مِيرَاثَهُ لِأُخْتِهِ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا فَإِنَّمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا وَمَا أَتْلَفَا مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى نِكَاحِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ شَيْئًا مِمَّا يُوَرَّثُ الِابْنَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُثْبِتَا اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَى الِابْنِ الثَّانِي وَالْمَرْأَةِ بِشَهَادَتِهِمَا فَالِاسْتِحْقَاقُ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عِنْدَ شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَضْمَنَانِ لِلْأَخِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْأَخِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا فَفِي حَقِّ الْأَخِ بَقِيَتْ الشَّهَادَةُ حُجَّةً تَامَّةً فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ هَذَانِ وَرَجَعَ شَاهِدَا الْمَرْأَةِ ضَمِنَا قِيمَتَهَا وَمِيرَاثَهَا بَيْنَ الِابْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا بِشَهَادَتِهِمَا مِلْكَ الِابْنَيْنِ فِي رَقَبَتِهِمَا وَأَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَهَا الْمِيرَاثَ عَلَيْهِمَا بِشَهَادَتِهِمَا بِالنِّكَاحِ وَقَدْ أَقَرَّا بِالرُّجُوعِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ لِلْمَرْأَةِ هُمَا الشَّاهِدَانِ عَلَى نَسَبِ الِابْنِ الْأَوَّلِ وَالِابْنِ الْآخَرِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ كُلِّهَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اتِّحَادِ الْمَشْهُودِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ وَسَوَاءٌ رَجَعُوا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقِينَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ كَانَ مُخْتَلِفًا بَعْضُهَا قَبْلَ بَعْضٍ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ الشَّهَادَةِ السَّابِقَةِ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَعًا وَبَعْضُهُمْ لَا يُصَدِّقُ بَعْضًا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا ثَمَنَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَتَهَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الِاثْنَيْنِ فَلَوْلَا شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لِلِاثْنَيْنِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَيَضْمَنَانِ مِنْ قِيمَةِ كُلِّ ابْنٍ لِصَاحِبِهِ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِكُلِّ شَيْءٍ شَاهِدَانِ آخَرَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (بَابٌ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا).
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ لَهُ جَارِيَتَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ لِأَحَدِ الِابْنَيْنِ أَنَّ الرَّجُلَ أَعَادَهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَشَهِدَ آخَرَانِ لِلْوَلَدِ الْآخَرِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَضَى الْقَاضِي بِأَيِّهِمَا أَتَيَاهُ وَجَعَلَ الْأَمَتَيْنِ كَالْوَلَدِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ وَالْوَلَدُ حَيٌّ ضَمِنَ كُلُّ شَاهِدَيْنِ مِنْهُ قِيمَةَ الْوَلَدِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا أَمَةً إلَى قِيمَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا فَالثَّابِتُ فِي شَهَادَتِهِمَا فِي حَيَاتِهِ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَنُقْصَانُ الِاسْتِيلَاءِ فِي الْأُمِّ فَإِذَا غَرِمَا ذَلِكَ وَاسْتَهْلَكَهُ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ يَجْحَدُ صَاحِبَهُ ضَمِنَ كُلُّ شَاهِدَيْنِ لِلْوَلَدِ الْآخَرِ نِصْفَ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الِابْنَيْنِ نِصْفَانِ وَالِابْنُ الْمَشْهُودُ لَهُ يُصَدِّقُهَا فِي الشَّهَادَةِ وَيُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ فَسَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَبْقَى عَلَى كُلِّ فَرِيقٍ حِصَّةُ الِابْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعِي لِذَلِكَ عَلَيْهِمَا وَيَرْجِعُ شَاهِدَا كُلِّ وَلَدٍ فِي الْمِيرَاثِ الَّذِي وَرِثَهُ الْوَلَدُ الَّذِي شَهِدَا لَهُ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَ مِنْهُمَا الْوَالِدُ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يُقِرُّ أَنَّ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُمَا عَلَى الْأَبِ وَأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ مِنْهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ فِي الشَّهَادَةِ وَأَحَدُ الْوَارِثَيْنِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَوْفِي جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ وَلَا يَرْجِعَانِ فِي نَصِيبِهِ بِمَا ضَمِنَهُمَا أَخُوهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَا ضَامِنَيْنِ جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الرَّجُلِ بِطَلَاقٍ وَهُوَ يَجْحَدُهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَبِنِصْفِ الْمَهْرِ لَهَا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا غَرِمَا لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ الَّذِي أَخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَجَعَا فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ كَانَا ضَامِنَيْنِ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ نَبَّهَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُ فَيَضْمَنُونَ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْضًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْمَرْأَةِ مِنْهُ إنْ كَانَتْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ تَدَّعِ إنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ بِالنِّكَاحِ إذَا انْتَهَى بِالْوَفَاةِ فَإِذَا بَانَتْ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ تَكُنْ هِيَ وَارِثَةً لَهُ فَلَا يَنْفَعُهَا قَوْلُ الْوَرَثَةِ وَالشُّهُودِ مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْفُرْقَةِ فِي حَيَاةِ الزَّوْجِ وَلَمْ تَكُنْ هِيَ مُسْتَحِقَّةً لِلْمِيرَاثِ عِنْدَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَمُوتَ قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَا شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَادَّعَى ذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَقَضَى الْقَاضِي لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ فِي مَالِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ قَدْ تَقَرَّرَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ وَاسْتَحَقَّتْ الْمِيرَاثَ أَيْضًا فَإِنَّمَا بَطَلَ حَقُّهَا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَعَنْ الْمِيرَاثِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْفُرْقَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلَا يَضْمَنَانِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا عَلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ شَيْئًا قَدْ تَقَرَّرَ حَقُّهَا فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفُرْقَةِ فَهُمَا نَفْعًا لِلْوَرَثَةِ بِإِسْقَاطِ نِصْفِ مَهْرِهَا وَمِيرَاثِهَا عَنْهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ شَيْئًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.