فصل: في الْوَصِيِّ أَوْ الْوَرَثَةِ يَقْضُونَ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في إيقَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ في الْأَرْضِ عَنْ الْعَمَلِ فيهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا في يَدَيْ وَرَثَتِهَا عَنْ أَبِي فَأَقَامَ ابْنُ عَمِّي الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَارُ جَدِّهِ وَطَلَبَ مُوَرِّثَهُ؟
قَالَ: هَذَا مِنْ وَجْهِ الْحِيَازَةِ الَّتِي أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَاخْتُصِمَ إلَيْهِ في أَرْضٍ احْتَفَرَ رَجُلٌ فيهَا عَيْنًا، فَادَّعَى فيهَا رَجُلٌ دَعْوَى، فَاخْتَصَمُوا إلَى صَاحِبِ الْمِيَاهِ فَأَوْقَفَهُمْ حَتَّى يَرْتَفِعُوا إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَتَى صَاحِبُ الْعَيْنِ الَّذِي كَانَ عَمِلَهَا فَشَكَا ذَلِكَ إلَى مَالِكٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَحْسَنَ حِينَ أَوْقَفَهَا وَأَرَاهُ قَدْ أَصَابَ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ تِلْكَ الْأَرْضِ: اُتْرُكْ عُمَّالِي يَعْمَلُونَ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْأَرْضَ فَلْيَهْدِمْ عَمَلِي.
فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ تُوقَفَ، فَإِنْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ وَإِلَّا بَنَيْتَ.
قُلْت: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِغَيْرِ شَيْءٍ تُوقَفُ هَذِهِ الْأَرْضُ؟
قَالَ: لَا تُوقَفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِدَعْوَى هَذَا الْمُدَّعِي وَجْهٌ.

.(ادَّعَى دَارًا في يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً غَيْرَ قَاطِعَةٍ):

ادَّعَى دَارًا في يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً غَيْرَ قَاطِعَةٍ فَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَهَبَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا ادَّعَى دَارًا في يَدِ رَجُلٍ فَأَنْشَبَ الْخُصُومَةَ فيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، إلَّا أَنَّ بَيِّنَتَهُ لَمْ تَقْطَعْ بَعْدُ.
فَأَرَادَ الَّذِي في يَدَيْهِ أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ أَوْ يَهَبَهَا، أَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ لِلَّذِي أَوْقَعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَلِلَّذِي أَنْشَبَ مِنْ الْخُصُومَةِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ مَا لَمْ يَقْضِ بِهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِمَّا يُبْطِلُ حُجَّةَ هَذَا، وَلَا تَبْطُلُ بَيِّنَتُهُ الَّتِي أَوْقَعَ.
فَهَذَا رَدُّ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى في الْوَقْفِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ غَرَرٌ وَخَطَرٌ.

.في الرَّجُلِ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَتَاعِهِ أَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي ادَّعَيْت عَبْدًا في يَدَيْ رَجُلٍ، فَأَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدِي، أَيُحَلِّفُنِي الْقَاضِي بِاَللَّهِ أَنِّي مَا بِعْتُ وَلَا وَهَبْت، وَلَا خَرَجَ مِنْ يَدَيَّ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ ادَّعَيْته في يَدِ رَجُلٍ، عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ نَاضًّا أَوْ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَأَقَمْتُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لِي، أَكَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْقَاضِيَ أَنْ يُحَلِّفَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا خَرَجَ هَذَا الشَّيْءُ مِنْ يَدَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا بِوَجْهٍ مِمَّا يُسْقِطُ مِلْكَهُ عَنْهُ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ في الَّذِي يَدَّعِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ الثَّوْبَ أَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْهُ وَيُقِيمُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ: أَنَّهَا شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِذَا شَهِدُوا بِهَذَا اسْتَوْجَبَ مَا ادَّعَى.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ شُهُودًا شَهِدُوا عَلَى الْبَتَاتِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ؟
قَالَ مَالِكٌ: هَؤُلَاءِ شَهِدُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ، فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ الْغَمُوسُ.
قَالَ: وَأَرَاهُمْ قَدْ شَهِدُوا بِبَاطِلٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى أَنْ يَحْلِفَ الْإِمَامُ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدَيْهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ مِلْكِهِ، فَأَرَى كُلَّ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِثْلَ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْرِفُ دَابَّتَهُ عِنْدَ رَجُلٍ، أَيَلْزَمُ الَّذِي اعْتَرَفَهَا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَتَّةِ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَتَّةِ فَأَرَاهُمْ شُهُودَ زُورٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَحْلِفُ رَبُّ الدَّابَّةِ إذَا قُضِيَ لَهُ بِهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ، وَلَا أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَّةِ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ: أَعَرْتهَا أَوْ اسْتَوْدَعْتهَا، أَيَكُونُ هَذَا خُرُوجًا مِنْ مِلْكِهِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا خُرُوجًا مِنْ مِلْكِهِ، وَيَأْخُذُ دَابَّتُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا في هَذَا، أَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ دَابَّتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الرَّجُلِ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي الْقَضِيَّةَ هَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ كَفيلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ أَبِي أَوْ جَدِّي، أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَتَاعَ مَتَاعُ أَبِي، مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي، فَقَضَى لِي بِهِ الْقَاضِي، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَأْمُرُ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِّي كَفيلًا إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّ الْكَفيلَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْقَاضِي في هَذَا، إنَّمَا هُوَ جَوْرٌ وَتَعَدٍّ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إذَا اسْتَحَقُّوا حُقُوقَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِكُفَلَاءَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، بَلْ يُعْطَوْنَ حُقُوقَهُمْ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ.

.في الِاسْتِحْلَافِ عَلَى الْبَتَاتِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي بِعْتُ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَاقْتَضَيْتُ الثَّمَنَ وَجَحَدْته الِاقْتِضَاءَ فَادَّعَيْتُ قِبَلَهُ الثَّمَنَ وَأَرَدْت أَنْ أَسْتَحْلِفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنِّي سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ لَكَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ عَلَيَّ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْيَمِينُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى مِنْهُ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا وَكَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُوَرِّكَ، فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: مَا مَعْنَى قَوْلِكَ يُرِيدُ أَنْ يُوَرِّكَ قَالَ: الْإِلْغَازُ فيمَا نَوَى.

.الشَّرِيكَيْنِ يَكُونُ لَهُمَا الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ فيجْحَدُهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُتَفَاوِضَيْنِ، ادَّعَى أَحَدُهُمَا قِبَلَ رَجُلٍ دَيْنًا مِنْ شَرِكَتِهِمَا، فَجَحَدَهُ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ الْمُسْتَحْلَفُ: أَنَا أَحْلِفُ لَكَ عَلَى حِصَّتِكَ وَلَا أَحْلِفُ لَكَ عَلَى حِصَّةِ صَاحِبِكَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حِصَّتِهِ وَحِصَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ في حِصَّةِ صَاحِبِهِ مُوَكَّلٌ بِالْقَبْضِ، مُفَوَّضٌ إلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيَقْبِضَ الثَّمَنَ في حِصَّةِ صَاحِبِهِ.
قُلْت: فَإِنْ حَلَفَ لِهَذَا، ثُمَّ أَتَى صَاحِبُهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَيْضًا عَلَى حِصَّتِهِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ لِشَرِيكِهِ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَالِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلْت وَكِيلًا بِقَبْضِ مَا لِي عَلَى فُلَانٍ، فَجَحَدَ فُلَانٌ الْمَالَ، فَقَدَّمَهُ وَحَلَفَ لَهُ، ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَسْتَحْلِفَهُ؛ لِأَنَّ وَكِيلِي قَدْ اسْتَحْلَفَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.اسْتِحْلَافُ مُدَّعِي الْحَقِّ إذَا اُدُّعِيَ قِبَلَهُ الْقَضَاءُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ عَلَى حَقٍّ لَهُ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: أَحْلِفْهُ لِي مَعَ شَاهِدَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ قَضَاهُ فيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَأَرَى أَنْ يَحْلِفَ الطَّالِبُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ.

.في اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ، كَيْفَ يُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ أَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَمْ يَزِيدُ عَلَى هَذَا: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سَلَّامِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ خَصْمَانِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ بَيِّنَتَكَ عَلَى حَقِّكَ. فَقَالَ لَيْسَتْ لِي بَيِّنَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْآخَرِ: احْلِفْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ».
قُلْت: فَأَيْنَ يَحْلِفُ الَّذِي يَدَّعِي قِبَلَهُ؟ وَاَلَّذِي يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ، أَيْنَ يَسْتَحْلِفُهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ فَإِنَّهُمَا يُسْتَحْلَفَانِ فيهِ هَذَانِ جَمِيعًا في الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَعِنْدَ الْمِنْبَرِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ إلَّا مِنْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا مَسَاجِدُ الْآفَاقِ فَلَا أَعْرِفُ الْمِنْبَرَ فيهَا، وَلَكِنَّ لِلْمَسَاجِدِ مَوَاضِعَ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ، فَأَرَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ في الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَعِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، إلَّا في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحَالِفَ هَلْ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْقِبْلَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ لَمْ يَزَلْ يُعْمَلُ بِهِ مُنْذُ بَدَا الْإِسْلَامُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».
قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ أَنْ يُجْلَبَ إلَيْهِ إلَى الْمَوْسِمِ الَّذِي قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُكَ عَلَى غَارِبِكَ.
فَكُلُّ عَظِيمٍ مِنْ الْأَمْرِ يُحْلَفُ في أَعْظَمِ الْمُوَاضِعِ.
وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ، فَرَتَّبَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاتَّقَاهَا فَافْتَدَى مِنْهَا وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرًا وَبَلَاءً فيقَالُ: بِيَمِينِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ اتَّقَاهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، حِينَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَجَعَلَ يَحْلِفُ مَكَانَهُ.
سَحْنُونٌ: وَلَوْ أَنَّ زَيْدًا كَانَ الْحَلْفُ عِنْدَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ مِنْ الْبَاطِلِ لَقَالَهَا لِمَرْوَانَ.
قَالَ مَالِكٌ: أَتَرَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ: أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ؟ فَقَالَ مَرْوَانُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ.
قَالَ: فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصِّكَاكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسًا يَرُدُّونَهَا؟ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ عَلَى زَيْدٍ في الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ مَرْوَانُ، لَقَالَ لَهُ مَا هَذَا عَلَيَّ، وَقَدْ قَالَ لَهُ أَشَدَّ مِنْ هَذَا.
وَلَقَدْ اجْتَبَذَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ بِرِدَائِهِ في صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ في الْعِيدِ، وَلَقَدْ قِيلَ لَهُ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ سَارِقًا في ثَمَرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَالَ لَهُ كَبِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلَا أَكْثَرَ».
فَخَلَّى عَنْ السَّارِقِ، فَمَا كَانُوا لِيَتْرُكُوا حَقًّا يَحْضُرُونَهُ إلَّا قَالُوا بِهِ؟ أَوَلَا تَرَى أَنَّ الْعَظِيمَ مِنْ الْأَمْرِ مِثْلَ اللِّعَانِ أَنَّهُ يَكُونُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَشُهْرَةِ الْيَمِينِ؟ أَوَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ بِالطَّائِفِ، أَنْ يَحْبِسَ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَيْهَا: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ] فَفَعَلَ فَاعْتَرَفَتْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَهْدِيٍّ؟

.في اسْتِحْلَافِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ في الْمَسْجِدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَوَاتِقَ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرَ الْعَوَاتِقِ، وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالْمُدَبَّرِينَ، أَيَحْلِفُونَ في الْمَسَاجِدِ؟
قَالَ: إنَّمَا سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ النِّسَاءِ أَيْنَ يَحْلِفْنَ؟
قَالَ: أَمَّا كُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ، فَإِنَّهُنَّ يَخْرُجْنَ فيهِ إلَى الْمَسَاجِدِ.
فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ أُخْرِجَتْ بِالنَّهَارِ فَأُحْلِفَتْ في الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ أُخْرِجَتْ لَيْلًا فَأُحْلِفَتْ فيهِ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا بَالَ لَهُ، أُحْلِفَتْ في بَيْتِهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْرُجُ، أَرْسَلَ الْقَاضِي إلَيْهَا مَنْ يَسْتَحْلِفُهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ.
فَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَسُنَّتُهُنَّ سُنَّةُ الْأَحْرَارِ.
قَالَ: إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِرِ، مِنْهُنَّ مَنْ تَخْرُجُ وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَخْرُجُ.
قُلْت: هَلْ يُجْزِئُ في هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُسْتَحْلَفُ في بَيْتِهَا رَسُولٌ وَاحِدٌ مِنْ الْقَاضِي يَسْتَحْلِفُهَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُجْزِئَ.

.في اسْتِحْلَافِ الصِّبْيَانِ:

قُلْت: أَرَأَيْت الصِّبْيَانَ، هَلْ عَلَيْهِمْ يَمِينٌ في شَيْءٍ مَنْ الْأَشْيَاءِ يَحْلِفُوا إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَحْلِفُونَ إذَا كَانَ لَهُمْ شَاهِدٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُ الصِّبْيَانُ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يَبْلُغُوا.

.اسْتِحْلَافِ الْوَرَثَةِ عَلَى ذِكْرِ حَقِّ أَبِيهِمْ إذَا ادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّهُ قَدْ قَضَى الْمَيِّتَ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: في الرَّجُلِ يَهْلِكُ وَيَتْرُكُ أَوْلَادًا صِغَارًا فيوجَدُ لِلْمَيِّتِ ذِكْرُ حَقٍّ فيهِ شُهُودٌ فيدَّعِي الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ قَضَى الْمَيِّتَ حَقَّهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ.
قَالَ: قُلْنَا لِمَالِكٍ: أَفَتَحْلِفُ الْوَرَثَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ فيهِمْ مَنْ قَدْ بَلَغَ مِمَّنْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالْقَضَاءِ، أُحْلِفَ وَإِلَّا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمْ.
قُلْت: فَإِنْ نَكَلَ هَذَا الَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالْقَضَاءِ عَنْ الْيَمِينِ، أَيَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ، في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ كُلُّهُ وَلَكِنْ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ حَقِّهِ أَنْ لَوْ حَلَفَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ.

.في اسْتِحْلَافِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ:

قُلْت: هَلْ ذَكَرَ لَكُمْ مَالِكٌ، أَنَّ النَّصْرَانِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ يَحْلِفَانِ في شَيْءٍ مِنْ أَيْمَانِهِمَا في دَعْوَهُمَا، وَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ أَوْ في لِعَانِهِمْ، أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى؟
قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا يَحْلِفُونَ إلَّا بِاَللَّهِ فَقَطْ.
قُلْت: وَالْيَهُودُ، هَلْ سَمِعْتَهُ يَقُولُ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى؟
قَالَ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ.
قُلْت: فَهَلْ يَحْلِفُ الْمَجُوسُ في بَيْتِ نَارِهِمْ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يَحْلِفُوا بِاَللَّهِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ.
قُلْت: أَيْنَ يَحْلِفُ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في كَنَائِسِهِمْ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْلِفُونَ إلَّا بِاَللَّهِ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَهَى أَنْ يُسْتَحْلَفَ النَّصَارَى بِغَيْرِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، أَحْلَفَ يَهُودِيًّا بِاَللَّهِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَدْخَلَهُ الْكَنِيسَةَ لَغَلُظَ عَلَيْهِ.
سُفيانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ، كَانَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ وَكَانَ يَضَعُ عَلَى رَأْسِهِ الْإِنْجِيلَ في الْمَذْبَحِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ كُنَّا لَا نَقُولُ وَضَعَ الْإِنْجِيلَ عَلَى رَأْسِهِ في الْمَذْبَحِ، وَلَكِنَّهُ نَزْعَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا في أَعْظَمِ مَوَاضِعِهِمْ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفيانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفُ أَهْلَ الْكِتَابِ بِاَللَّهِ، وَيَقُولُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [سُورَةَ الْمَائِدَةِ] وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [سُورَةَ الْأَنْعَامِ] ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ خَاصَمَ إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ حَيْثُ يَكْرَهُ.

.في تَعْدِيلِ الشُّهُودِ:

قُلْت: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمْ في السِّرِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَهَلْ يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ وَاحِدٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْبَلُ في التَّزْكِيَةِ أَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ، وَمَا تُطْلَبُ مِنْهُمْ التَّزْكِيَةُ لِعَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي.
قُلْت: وَيُزَكَّى الشَّاهِدُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ زُكُّوا في السِّرِّ أَوْ الْعَلَانِيَةِ، أَيُكْتَفَى بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا زَكَّاهُ رَجُلَانِ أَجْزَأَهُ.

.في تَجْرِيحِ الشَّاهِدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الشَّاهِدَ، بِمَ يُجَرَّحُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يُجَرَّحُ إنْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا أَوْ صَاحِبُ قِيَانٍ أَوْ كَذَّابٌ في غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَحْوِ هَذَا، وَلَا يُجَرِّحُهُ إلَّا اثْنَانِ عَدْلَانِ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ يُونُسُ: وَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ عَنْ صِفَةِ الَّذِي لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟ فَقَالَ رَبِيعَةُ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْخَصْمِ الَّذِي يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ، وَالظَّنِينِ وَالْمَغْمُوصِ عَلَيْهِ في خَلَائِقِهِ وَشَكْلِهِ وَمُخَالَفَتِهِ أَمْرَ الْعُدُولِ في سِيرَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ عَلَى عَمَلٍ يَظْهَرُ بِهِ فَسَادُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ في كُلِّ أَمْرٍ لَا يَبْقَى فيهِ عَلَيْهِ.

.في شَهَادَةِ الزُّورِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا أَخَذَ شَاهِدَ زُورٍ كَيْفَ يَصْنَعُ فيهِ وَمَا يَصْنَعُ بِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ وَيَطُوفُ بِهِ في الْمَجَالِسِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ في الْمَجَالِسِ في الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ.
قُلْت: وَكَمْ يَضْرِبُهُ؟
قَالَ: عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: إذَا أَخَذْتُمْ شَاهِدَ زُورٍ فَاجْلِدُوهُ أَرْبَعِينَ وَسَخِّمُوا وَجْهَهُ، وَطُوفُوا بِهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ النَّاسُ.
وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ الْحَرْفَ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَرَى أَنْ يُنَكَّلَ بِعُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ، وَأَنْ يُسْمَعَ بِهِ حَتَّى يُجْعَلُوا أَحَادِيثَ، وَيُنَكَّلُ بِهِمْ وَيُهَانُ شُهُودُ الزُّورِ مِثْلَ الَّذِي وَقَعَ بِهِمْ.

.كِتَابُ الْمِدْيَانِ:

.في حَبْسِ الْمِدْيَانِ:

قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْت: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ هَلْ يَحْبِسُ في الدَّيْنِ في قَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُحْبَسُ الْحُرُّ وَلَا الْعَبْدُ في الدَّيْنِ وَلَكِنْ يَسْتَبْرِئُ أَمْرَهُ، فَإِنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ خَبَّأَ مَالًا أَوْ غَيَّبَهُ، حَبَسَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا وَلَمْ يُخَبِّئْ شَيْئًا لَمْ يَحْبِسْهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} الْبَقَرَةَ إلَّا أَنْ يَحْبِسَهُ قَدْرَ مَا يَتَلَوَّمُ مِنْ اخْتِبَارِهِ وَمَعْرِفَةِ مَالِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ حَمِيلًا.
قُلْت: فَإِنْ عُرِفَتْ لَهُ أَمْوَالٌ قَدْ غَيَّبَهَا أَيَحْبِسُهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَحْبِسُهُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ بِمَالِهِ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الدَّيْنَ هَلْ يَحْبِسُ فيهِ مَالِكٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: إذَا تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي الْإِلْدَادُ مِنْ الْغَرِيمِ حَبَسَهُ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْإِلْدَادِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَاتَّهَمَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَكُونَ غَيَّبَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَوْ مِثْلَ هَؤُلَاءِ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ فيقْعُدُونَ عَلَيْهَا، فيقُولُونَ: قَدْ ذَهَبَتْ مِنَّا وَلَا نَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ في مَوَاضِعِهِمْ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ سُرِقَ مَالُهُمْ وَلَا احْتَرَقَ بَيْتُهُمْ، أَوْ مُصِيبَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يَقْعُدُونَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ.
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُحْبَسُونَ حَتَّى يُوَفُّوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ.
قُلْت: هَلْ لِحَبْسِ هَؤُلَاءِ حَدٌّ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، لَيْسَ لِحَبْسِ هَؤُلَاءِ حَدٌّ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُهُمْ أَبَدًا حَتَّى يُوَفُّوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، أَوْ يَتَبَيَّنَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُمْ.
فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ لَا مَالَ لَهُمْ أَخَرَجَهُمْ وَلَمْ يَحْبِسْهُمْ.
قُلْت: فَإِذَا أَخَرَجَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي إفْلَاسُهُمْ، أَيَكُونُ لِلطَّالِبِ أَنْ يَلْزَمَهُمْ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ يَبْتَغُونَ مَنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَلَا يُفَارِقَهُمْ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يَلْزَمَهُمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَلْزَمَهُمْ، وَلَا يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَلَا يُوَكِّلَ بِهِمْ مِنْ يَلْزَمُهُمْ.
حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ لَا يَسْجُنُ الْحُرَّ في الدَّيْنِ يَقُولُ: يَذْهَبُ فيسْعَى في دَيْنِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُحْبَسَ.
وَإِنَّمَا حُقُوقُهُمْ في مَوَاضِعِهَا الَّتِي وَضَعُوهَا فيهَا، صَادَفَتْ عَدَمًا أَوْ مَلَاءً.
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَا يَسْتَحْلِفَانِ الْمُعْسِرَ الَّذِي لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ، وَمَا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً في قَرْضٍ وَلَا عَرْضٍ، وَلَئِنْ وَجَدْتُ لَهُ قَضَاءً حَيْثُ لَا تَعْلَمُ لَنَقْضِيَنَّهُ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فيهِ، أَنَّ الْحُرَّ إذَا أَفْلَسَ لَا يُؤَاجَرُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [سُورَةُ الْبَقَرَة].

.حَبْسِ الْوَالِدَيْنِ في دَيْنِ الْوَلَدِ وَالْوَلَدِ في دَيْنِ الْوَالِدِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْوَالِدَ، هَلْ يُحْبَسُ في دَيْنِ الْوَلَدِ؟ وَالْمَرْأَةَ هَلْ تُحْبَسُ في دَيْنِ الزَّوْجِ؟ أَوْ الزَّوْجَ في دَيْنِ الْمَرْأَةِ؟ أَوْ الْوَلَدَ في دَيْنِ الْوَالِدِ؟ أَوْ في دَيْنِ الْجَدِّ أَوْ الْجَدَّةِ؟ أَوْ الْجَدَّ في دَيْنِ وَلَدِ الْوَلَدِ؟ أَوْ الْعَبْدَ هَلْ يُحْبَسُ في الدَّيْنِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْحُرُّ وَالْعَبْدُ في الْحَبْسِ في الدَّيْنِ سَوَاءٌ، إذَا تَبَيَّنَ لِلْقَاضِي الْإِلْدَادُ.
فَالْوَلَدُ أَرَاهُ يُحْبَسُ في دَيْنِ الْوَالِدِ لَا شَكَّ فيهِ، وَلَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ فيهِ.
وَأَمَّا الْوَالِدُ فَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ في دَيْنِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمَا يُحْبَسَانِ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ في الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ مَنْ سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ في الدَّيْنِ، إذَا تَبَيَّنَ الْإِلْدَادُ لِلسُّلْطَانِ مِنْ الْمَطْلُوبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَإِنْ لَمْ يَحْبِسْ الْوَالِدَ وَالْوَالِدَةَ في دَيْنِ الْوَلَدِ أَنْ يَظْلِمَ الْوَلَدَ لَهُمَا، وَإِنَّمَا رَأَيْتُ أَنْ لَا يُسْجَنَا لَهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ، فيمَا بَلَغَنِي في الِابْنِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ أَبَاهُ في الشَّيْءِ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَحْلِفَ، فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَهُ فَالْحَلِفُ أَيْسَرُ مِنْ السِّجْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ أَهْلَ الذِّمَّةِ في الدَّيْنِ وَالتَّفْلِيسِ مِثْلَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ في الْحَبْسِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ في الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ، وَالنَّصْرَانِيُّ عِنْدِي بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
حَبْسِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ في الدَّيْنِ وَفي الْقِصَاصِ وَفي الْحُرِّ يُؤَاجَرُ في الدَّيْنِ.

.(في حَبْسِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ في الدَّيْنِ وَفي الْقِصَاصِ):

في حَبْسِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ في الدَّيْنِ وَفي الْقِصَاصِ وَفي الْحُرِّ يُؤَاجَرُ في الدَّيْنِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ النِّسَاءَ وَالرِّجَالَ في ذَلِكَ سَوَاءً في قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ؟
قَالَ: نَعَمْ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عِنْدَنَا مِثْلَ الْأَحْرَارِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ في الْعَبِيدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النِّسَاءَ، هَلْ يُحْبَسْنَ في الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحُرَّ، هَلْ يُؤَاجَرُ في الدَّيْنِ إذَا كَانَ مُفْلِسًا أَوْ يُسْتَعْمَلُ أَوْ يَشْتَغِلُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤَاجَرُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ، مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ في الدَّيْنِ إذَا كَانَ مُفْلِسًا.

.في حَبْسِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ لِمُكَاتَبِهِ في دَيْنِ مُكَاتَبِهِ عَلَيْهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ أَيُحْبَسُ لَهُ السَّيِّدُ في دَيْنِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: دَيْنُ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ مِنْ الدُّيُونِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَالْمُكَاتَبُ وَغَيْرُهُ في هَذَا سَوَاءٌ.
قَالَ: وَأَرَى أَنْ يُحْبَسَ إنْ أَلَدَّ بِهِ.

.في حَبْسِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ أَيَحْبِسُهُ السُّلْطَانُ لِمَوْلَاهُ في السِّجْنِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ في الْمُكَاتَبِ: يَتَلَوَّمُ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ يُسْجَنُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ.
قَالَ سَحْنُونٌ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ في ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا الْكِتَابَةُ جِنْسٌ مِنْ الْغَلَّةِ.

.في الْوَصِيِّ أَوْ الْوَرَثَةِ يَقْضُونَ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا وَتَرَكَ دُيُونًا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ في مَالِهِ هَذَا الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً لِحَقِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
فَأَخَذَ الْوَصِيُّ الْمَالَ أَوْ أَخَذَتْهُ الْوَرَثَةُ فَقَضَوْهُ رَجُلًا وَاحِدًا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ بِاَلَّذِينَ لَهُمْ الدَّيْنُ، أَوْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ فَقَضَوْا وَاحِدًا مِنْ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَقِيَّتِهِمْ؟
قَالَ: إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَإِنْ عَلِمُوا أَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالدَّيْنِ فَعَلَيْهِمْ مَا يُصِيبُ هَؤُلَاءِ إنْ تَحَاصُّوا، أَوْ يَتْبَعُ الْوَرَثَةَ أَوْ الْوَصِيَّ الَّذِي اقْتَضَى الْمَالَ بِمَا غَرِمُوا لِهَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءِ.
وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا يَتْبَعُ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ اسْتَوْفَوْا الْمَالَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا عَلَى الْوَرَثَةِ شَيْءٌ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ.

.الْوَصِيِّ يَقْضِي بَعْضَ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ وَفي الْمَالِ فَضْلٌ ثُمَّ يَتْلَفُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ دُيُونًا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَفي مَالِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَقَضَى الْوَصِيُّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ ثُمَّ تَلِفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ.
قَالَ: لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَتْبَعُوا الَّذِي اقْتَضَى حَقَّهُ بِشَيْءٍ مِمَّا اقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ في الْمَالِ فَضْلٌ فيهِ وَفَاءٌ لِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ في الْمَالِ فَضْلٌ لَيْسَ فيهِ وَفَاءٌ بِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: يُنْظَرُ إلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ حُقُوقِهِمْ بَعْدَ فَضْلَةِ هَذَا الْمَالِ فيتْبَعُونَ الْغُرَمَاءَ بِذَلِكَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَهَلْ ذَكَرَ مَالِكٌ، إذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ لَمْ يَقْبِضُوا حُضُورًا أَمْ غُيَّبًا؟
قَالَ: لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَسِّرْ لَنَا حَاضِرًا مِنْ غَائِبٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دُيُونًا لِلنَّاسِ فَبَاعَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ وَقَضَوْا أَهْلَ دَيْنِهِ وَفَضَلَتْ في يَدَيَّ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِهِ فَاقْتَسَمُوهَا، فَقَدِمَ رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَوَى مَا أَخَذَ الْوَرَثَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَصَابَ الْوَرَثَةُ عَدَمًا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ أَخَذُوا دَيْنَهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْغُرَمَاءَ، وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْوَرَثَةَ إذَا كَانَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ في يَدَيْ الْوَرَثَةِ كَفَافًا لِدَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ في يَدَيْ الْوَرَثَةِ، رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِمَا يَصِيرُ لَهُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَحَاصَّهُمْ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنُ ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ لِثَلَاثَةِ رِجَالٍ، وَتَرِكَةُ الْمَيِّتِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، فَقَضَى الْوَرَثَةُ غَرِيمَيْنِ مِائَتَيْنِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِالْآخَرِ، وَبَقِيَتْ في يَدَيْ الْوَرَثَةِ خَمْسُونَ فَهُوَ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ، فيصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ.
فَالْخَمْسُونَ الَّتِي في يَدَيْ الْوَرَثَةِ هِيَ لِلْغَرِيمِ الَّتِي أَحْيَا دَيْنَهُ يَتْبَعُ الْوَرَثَةَ بِهَا، وَيَتْبَعُ اللَّذَيْنِ اقْتَضَيَا مِائَةً يَتْبَعُ كُلَّ وَاحِدٍ بِسَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثًا، فَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، فيصِيرُ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ بِالْخَمْسِينَ الَّتِي في يَدَيْ الْوَرَثَةِ، وَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَرُجِعَ عَلَيْهِ بِسَبْعَةَ عَشَرَ إلَّا ثُلُثًا.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا مِقْدَارَ الدَّيْنِ الَّذِي أَخَذَتْهُ الْغُرَمَاءُ مَنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِمْ الْوَرَثَةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فيحَاصُّهُمْ بِمِقْدَارِ دَيْنِهِ.
قُلْت: وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَصَابَ الْغُرَمَاءُ عَدَمًا؟
قَالَ: إذَا قَضَيْت الْوَرَثَةُ الْغُرَمَاءَ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِدَيْنِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِمْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِدَيْنِهِ، فَإِنْ أَصَابَ الْغُرَمَاءُ عَدَمًا لَا مَالَ عِنْدَهُمْ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَتْبَعُ الْوَرَثَةُ الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ بِمِقْدَارِ مَا غَرِمُوا لِهَذَا الْغَرِيمِ الَّذِي طَرَأَ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا حَقَّهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.