فصل: فِي الْإِنْسِيَّةِ مِنْ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا فَرَمَاهَا فَذَكَّاهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(فِي الدَّوَابِّ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَحْيَا الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ وَنَحْوَهَا):

فِي الدَّوَابِّ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَحْيَا الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ وَنَحْوَهَا أَتُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ:
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الدَّوَابَّ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ، فَتَحْيَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، أَتُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ تُرْسِ الْبَحْرِ أَيُذَكَّى؟
فَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنِّي لَأُعْظِمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ.

.فِي صَيْدِ الْمُرْتَدِّ وَذَبْحِ النَّصَارَى لِأَعْيَادِهِمْ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا ذَبَحَ وَسَمَّى بِاسْمِ الْمَسِيحِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَكْرَهُ كُلَّ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، إذَا ذَبَحُوا لِكَنَائِسِهِمْ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَكْلَهَا.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}، وَكَانَ يَكْرَهُهَا كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.
قَالَ: وَمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَتِكَ إذَا سَمَّوْا الْمَسِيحَ شَيْئًا.
قَالَ: وَأَرَاهُمْ إذَا سَمَّوْا الْمَسِيحَ بِمَنْزِلَةِ ذَبْحِهِمْ لِكَنَائِسِهِمْ فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ إذَا عَلَّمَهُ الْمَجُوسِيُّ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ وَأَرْسَلَهُ، أَيَأْكُلُ مَا قَتَلَ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ أَرَأَيْتَ الْغُلَامَ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحَدُهُمَا مَجُوسِيٌّ وَالْآخَرُ نَصْرَانِيٌّ، أَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَصَيْدُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْوَلَدُ تَبَعٌ لِلْأَبِ فِي الْحُرِّيَّةِ فَأَرَى الْوَالِدَ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا أَنْ تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَجَّسَ وَتَرَكَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا قَتَلْتُ الْحِبَالَاتُ مِنْ الصَّيْدِ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحِبَالَاتِ حَدِيدَةٌ فَأَنْفَذَتْ الْحَدِيدَةُ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ إلَّا مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ، قُلْتُ: فَهَذَا الَّذِي قَدْ أَنْفَذَتْ الْحِبَالَاتُ مَقَاتِلَهُ، إنْ أَدْرَكَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَكَاةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا ذَكَاةَ لَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّيْدَ صَيْدَ الْمُرْتَدِّ أَيُؤْكَلُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَبِيحَتُهُ لَا تُؤْكَلُ فَكَذَلِكَ صَيْدُهُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَبِيحَتِهِ، أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ صَيْدَ السَّمَكِ أَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْمِيَةِ كَمَا يُحْتَاجُ فِي صَيْدِ الْبَرِّ إلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ؟
قَالَ: لَا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُذَكًّى كُلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْمِيَةِ مَا يُذَكَّى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَصِيدُهُ فَيَكُونُ حَلَالًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا طَفَا عَلَى الْمَاءِ مِنْ حِيتَانِ الْبَحْرِ وَدَوَابِّ الْبَحْرِ أَيُؤْكَلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الدَّوَابُّ، وَلَكِنِّي لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَكْرَهُ شَيْئًا مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ وَلَمْ يَكُنْ يَرَى بِالطَّافِي بَأْسًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الطَّيْرَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ فَيَذْبَحُهُ فَيَجِدُ فِي بَطْنِهِ حُوتًا، أَيَأْكُلُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْحُوتِ يُوجَدُ فِي بَطْنِهِ الْحُوتُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فَكَذَلِكَ مَا فِي بَطْنِ الطَّيْرِ لَا بَأْسَ بِهِ.

.مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الْجَرَادِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْجَرَادَ إذَا وَجَدْته مَيِّتًا يَتَوَطَّؤُهُ غَيْرِي، أَوْ أَتَوَطَّؤُهُ فَيَمُوتُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: فَإِنْ صِدْتُ الْجَرَادَ فَجَعَلْتُهُ فِي غِرَارَةٍ فَيَمُوتُ فِي الْغِرَارَةِ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ إلَّا مَا قَطَعْتَ رَأْسَهُ وَتَرَكْتَهُ حَتَّى تَطْبُخَهُ أَوْ تَقْلِيَهُ أَوْ تَسْلُقَهُ، وَإِنْ أَنْتَ طَرَحْتَهُ فِي النَّارِ أَوْ سَلَقْتَهُ أَوْ قَلَيْتَهُ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْطَعَ رَأْسَهُ، فَذَلِكَ حَلَالٌ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا يُؤْكَلُ الْجَرَادُ إلَّا بِمَا ذَكَرْتُ مِنْ هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ الْجَرَادَ فَقَطَعَ أَجْنِحَتَهَا وَأَرْجُلَهَا فَرَفَعَهَا حَتَّى تَسْلُقَهَا أَوْ تَقْلِيَهَا فَتَمُوتَ، أَيَأْكُلُهَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا قَطَعَ أَرْجُلَهَا وَأَجْنِحَتَهَا فَتُمُوِّتَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا، لِأَنَّهَا قَدْ تُمُوِّتَتْ مِنْ قِبَلِ فِعْلِهِ بِهَا مِنْ قَطْعِ أَرْجُلِهَا وَأَجْنِحَتِهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ رُءُوسِهَا، قُلْتُ: فَحِينَ أَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا غَرَائِرَهُ أَلَيْسَ إنَّمَا مَاتَتْ مِنْ فِعْلِهِ؟
قَالَ: لَمْ أَرَ عِنْدَ مَالِكٍ الْقِتْلَةَ إلَّا بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ بِهَا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ خِنْزِيرِ الْمَاءِ فَلَمْ يَكُنْ يُجِيبُنَا فِيهِ، وَيَقُولُ أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَلَوْ أَكَلَهُ رَجُلٌ لَمْ أَرَهُ حَرَامًا.

.(فِي الرَّجُلِ يُدْرِكُ الصَّيْدَ وَقَدْ أَخَذَتْهُ الْكِلَابُ فَيُذَكِّيهِ):

فِي الرَّجُلِ يُدْرِكُ الصَّيْدَ وَقَدْ أَخَذَتْهُ الْكِلَابُ فَيُذَكِّيهِ وَهِيَ تَنْهَشُهُ حَتَّى يَمُوتَ:
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُدْرِكُ كِلَابَهُ وَقَدْ أَخَذْت الصَّيْدَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهَا فَتَرَكَهَا تَنْهَشُهُ وَيُذَكِّيهِ وَهُوَ فِي أَفْوَاهِهَا، فَتَنْهَشُهُ وَهُوَ يُذَكِّيهِ حَتَّى يَمُوتَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا مَاتَ مِنْ نَهْشِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَّاهُ وَحَيَاتُهُ فِيهِ مُجْتَمِعَةٌ قَبْلَ أَنْ تُنْفِذَ مَقَاتِلَهُ الْكِلَابُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَذْبَحُ ذَبِيحَتَهُ فَتَسْقُطُ فِي الْمَاءِ بَعْدَمَا ذَبَحَهَا أَوْ تَتَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الَّذِي يَذْبَحُ ذَبِيحَتَهُ فَيَقْطَعُ مِنْهَا بَضْعَةً قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُ الذَّبِيحَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: بِئْسَ مَا صَنَعَ، وَأَكْلُ تِلْكَ الْبَضْعَةِ حَلَالٌ فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الَّذِي تَرَكَ الْكِلَابَ تَصْنَعُ بِصَيْدِهَا مَا صَنَعَتْ أَنَّهُ بِئْسَ مَا صَنَعَ وَأَكْلُهَا حَلَالٌ إذَا كَانَ ذَكَّاهُ وَهُوَ يَسْتَيْقِنُ بِحَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تُنْفِذَ الْكِلَابُ مَقَاتِلَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُرْسِلُ كَلْبَهُ أَوْ بَازَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَيَطْلُبُهُ سَاعَةً ثُمَّ يَرْجِعُ الْكَلْبُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي الطَّلَبِ فَيَأْخُذُ الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ، أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا وَهَلْ تَرَى رُجُوعَهُ عَنْ صَيْدِهِ قَطْعًا لِإِرْسَالِهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى إنْ كَانَ إنَّمَا ضَلَّ عَنْهُ صَيْدُهُ فَعَطَفَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازُ كَمَا تَصْنَعُ الْجَوَارِحُ إذَا ضَلَّ عَنْهَا صَيْدُهَا، طَلَبَتْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَعَطَفَتْ كُلَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ، فَهِيَ عَلَى إرْسَالِهَا مَا دَامَتْ بِهَذِهِ الْحَالِ، فَأَمَّا إنْ مَرَّ الْكَلْبُ بِكَلْبٍ مِثْلِهِ.
فَوَقَفَ يَشُمُّهُ، وَمَرَّ عَلَى جِيفَةٍ فَوَقَفَ يَأْكُلُ مِنْهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَوْ يَكُونُ الطَّيْرُ عَجَزَ عَنْ صَيْدِهِ فَيَسْقُطُ عَلَى مَوْضِعٍ أَوْ عَطَفَ رَاجِعًا لَمَّا عَجَزَ عَنْ صَيْدِهِ، فَهَذَا تَارِكٌ لِمَا أُرْسِلَ فِيهِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِرْسَالِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ لَمَّا عَطَفَ رَاجِعًا تَارِكًا لِلطَّلَبِ أَبْصَرَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَطَلَبَهُ أَوْ لَمَّا رَجَعَ عَاجِزًا عَنْ صَيْدِهِ تَارِكًا لِلطَّلَبِ نَظَرَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَطَلَبَهُ، فَهَذَا ابْتِدَاءٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِإِرْسَالٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْكِلَابِ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّيْدَ إذَا رَمَاهُ رَجُلٌ فَأَثْخَنَهُ حَتَّى صَارَ لَا يَسْتَطِيعُ الْفِرَارَ، فَرَمَاهُ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ، قُلْتُ: فَقَدْ صَارَ هَذَا عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاةِ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ أَسِيرَهُ، قُلْتُ: فَهَلْ يَضْمَنُهُ هَذَا الَّذِي رَمَاهُ فَقَتَلَهُ لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا أَوْ أَرَاهُ ضَامِنًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَرْمِي الصَّيْدَ وَهُوَ فِي الْجَوِّ فَيُصِيبُهُ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ فَيُدْرِكُهُ مَيِّتًا، فَيَنْظُرُ فَإِذَا سَهْمُهُ لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ أَيَأْكُلُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ ذَلِكَ مَاتَ أَمِنَ السَّقْطَةِ أَمْ مِنْ السَّهْمِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ يَكُونُ فِي الْجَبَلِ فَيَرْمِيهِ الرَّجُلُ فَيَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ فَيَمُوتُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ بِالرَّمْيَةِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الصَّيْدَ فَيُخْرِجُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ دَارَ قَوْمٍ، فَيَأْخُذُهُ أَهْلُ الدَّارِ أَوْ يَأْخُذُهُ الَّذِي طَلَبَهُ فِي دَارِ الْقَوْمِ، لِمَنْ يَكُونُ؟ وَكَيْفَ إنْ قَالَ رَبُّ الدَّارِ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِي قَبْلَ أَنْ يَقَعَ لِي مِلْكُكَ أَيُّهَا الطَّالِبُ، فَقَدْ صَارَ مَا فِي دَارِي لِي وَقَالَ الطَّالِبُ أَخَذْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِكَ يَا صَاحِبَ الدَّارِ، لِأَنَّ مَا دَخَلَ دَارَكَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَك وَإِنْ كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ مَا الْقَوْلُ فِي هَذَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى إنْ كَانَ الْكِلَابُ أَوْ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي اضْطَرَّهُ وَرَهِقَهُ لَأَخْذِهِ فَأَرَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَضْطَرَّهُ وَذَلِكَ بَعِيدٌ لَا يَدْرِي أَتَأْخُذُهُ الْكِلَابُ أَوْ الطَّارِدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهُوَ مِنْ الصَّيْدِ بَعِيدٌ، فَأَرَى الصَّيْدَ لِصَاحِبِ الدَّارِ وَلَا أَرَى لِصَاحِبِ الْكَلْبِ وَلَا لِلطَّارِدِ شَيْئًا، وَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْحِبَالَاتِ الَّتِي تُنْصَبُ: أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهَا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ أَنَّ صَاحِبَ الْحِبَالَاتِ أَحَقُّ بِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَعَمَّدْتُ صَيْدًا فَرَمَيْتُهُ وَسَمَّيْت وَأَصَبْت غَيْرَهُ، آكُلُهُ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ أَنْفَذْتُ الَّذِي سَمَّيْتُ عَلَيْهِ وَأَصَبْتُ آخَرَ وَرَاءَهُ لَمْ أَتَعَمَّدْهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَأْكُلْ إلَّا الَّذِي تَعَمَّدْتَ وَحْدَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَيْت صَيْدًا وَتَعَمَّدْته وَنَوَيْت آخَرَ إنْ كَانَ وَرَاءَهُ فَأَصَابَهُ سَهْمِي أَنَّهُ مِمَّا أَرْمِي وَلَسْت أَرَى وَرَاءَهُ شَيْئًا أَوْ أَصَبْت هَذَا الَّذِي رَمَيْت فَأَنْفَذْتُهُ وَأَصَابَ السَّهْمُ آخَرَ وَرَاءَهُ، أَوْ أَصَابَ سَهْمِي الَّذِي وَرَاءَهُ وَأَخْطَأَهُ أَآكُلُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّيْدِ فَيَطْلُبُهَا، فَيَكُونُ خَلْفَهَا جَمَاعَةٌ أُخْرَى فَيَأْخُذُ مِنْ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى فَيَقْتُلُهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ حِينَ أَرْسَلَهُ يَنْوِي إنْ كَانَ خَلْفَهَا جَمَاعَةٌ أُخْرَى فَيَأْخُذُ مِنْ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ وَرَاءَ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى فَلْيَأْكُلْهُ وَإِلَّا فَمَسْأَلَتُك وَهَذِهِ سَوَاءٌ.

.الرَّجُلِ يَرْمِي الصَّيْدَ بِمِعْرَاضٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ عَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا أَصَابَ بِحَجَرٍ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ فَخَرَقَ أَوْ بَضَعَ أَوْ بَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ بِخَرْقٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ رَضٌّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ مِعْرَاضٍ أَصَابَ بِهِ فَخَرَقَ وَلَمْ يُنْفِذْ الْمَقَاتِلَ فَمَاتَ، أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السَّهْمِ إذَا لَمْ يُصِبْهُ بِهِ عَرَضًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا خَرَقَ الْمِعْرَاضُ آكُلُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَيْتُ صَيْدًا بِعُودٍ أَوْ بِعَصًا فَخَرَقَتْهُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟
فَقَالَ: هُوَ مِثْلُ الْمِعْرَاضِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ رَمَى بِرُمْحِهِ أَوْ بِمِطْرَدِهِ أَوْ بِحَرْبَتِهِ فَخَرَقَ أَيَأْكُلُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ.

.فِي الْإِنْسِيَّةِ مِنْ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا فَرَمَاهَا فَذَكَّاهَا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا نَدَّ مِنْ الْإِنْسِيَّةِ مَنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَلَمْ يُسْتَطَعْ أَنْ يُؤْخَذَ أَيُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ مَا نَدَّ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ فَيُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا أُخِذَ مِنْ الصَّيْدِ فَدَجَنَ فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ اسْتَوْحَشَ وَنَدَّ أَيُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا نَدَّ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ صَارَ مِنْهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَتُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الصَّيْدُ، قُلْتُ: فَلِمَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا إنَّهُ يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الصَّيْدُ وَقَالَ فِيمَا نَدَّ مِنْ الْإِنْسِيِّ إنَّهُ لَا يُذَكَّى بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْإِنْسِيُّ، أَرَأَيْتَ هَذَا الصَّيْدَ أَلَيْسَ قَدْ كَانَ إذَا كَانَ دَاجِنًا سَبِيلُهُ فِي الذَّكَاةِ سَبِيلَ الْإِنْسِيِّ، فَلَمَّا اسْتَوْحَشَ جُعِلَتْ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْوَحْشِيِّ فِي الذَّكَاةِ، فَلِمَ لَا يَكُونُ أَيْضًا سَبِيلُ مَا نَدَّ مِنْ الْإِنْسِيَّةِ وَاسْتَوْحَشَ فِي الذَّكَاةِ سَبِيلَ الْوَحْشِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذَا الْإِنْسِيُّ إذَا اسْتَوْحَشَ فَإِنَّمَا عَلَى أَصْلِهِ، وَأَصْلُهُ لَا يُؤْكَلُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ، وَالْوَحْشِيُّ إذَا اسْتَوْحَشَ فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ، وَأَصْلُ الصَّيْدِ أَنَّهُ يُذَكَّى بِالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

.فِي رَجُلٍ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَبَضَعَ مِنْهُ وَقَتَلَهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَيْت صَيْدًا بِسِكِّينٍ أَوْ بِسَيْفٍ فَأَصَبْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، وَقَدْ بَضَعَ السَّيْفُ أَوْ السِّكِّينُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ، آكُلُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَكُلْهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَمَى صَيْدًا بِسِكِّينٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ.
قَالَ: إنْ كَانَ رَمَاهُ حِينَ رَمَاهُ وَنِيَّتُهُ اصْطِيَادُهُ فَلَا أَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا، وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ حِينَ رَمَاهُ وَلَيْسَ مِنْ نِيَّتِهِ اصْطِيَادُهُ فَلَا يَأْكُلْهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَمَيْت حَجَرًا وَأَنَا أَظُنُّهُ حَجَرًا فَإِذَا هُوَ '' صَيْدٌ، فَأَصَبْتُهُ وَأَنْفَذْتُ مَقَاتِلَهُ آكُلُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ بِسِكِّينٍ فَيَقْطَعُ رَأْسَهُ وَهُوَ لَا يَنْوِي اصْطِيَادَهُ: إنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ، فَهَذَا الَّذِي رَمَى حَجَرًا لَمْ يَنْوِ اصْطِيَادَ هَذَا الصَّيْدِ الَّذِي أَصَابَ فَلَا يَأْكُلُهُ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ رَمَى صَيْدًا وَهُوَ يَظُنُّهُ سَبُعًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ ظَبْيًا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ مِثْلُ مَا أَخْبَرْتُك لِأَنَّهُ حِينَ رَمَى لَمْ يُرِدْ بِرَمْيَتِهِ الِاصْطِيَادَ فَلَا يَأْكُلْهُ.
قُلْتُ: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا الَّذِي رَمَى ظَبْيًا وَهُوَ يَظُنُّهُ سَبُعًا؟
فَقَالَ: لَا يَأْكُلُهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى شَاةٍ لَهُ فَضَرَبَهَا بِالسِّكِّينِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهَا وَلَا ذَبْحَهَا، فَأَصَابَ حَلْقَهَا فَفَرَى الْحَلْقَ وَالْأَوْدَاجَ أَيَأْكُلُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَأْكُلُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الذَّبْحَ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تُؤْكَلُ الْإِنْسِيَّةُ بِشَيْءِ مِمَّا يُؤْكَلُ بِهِ الْوَحْشِيُّ مِنْ الضَّرْبِ وَالرَّمْيِ، فَهَذَا وَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ إرْسَالِهِ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ سَبُعٌ فَهُوَ سَوَاءٌ لَا يُؤْكَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرْسِلْهُ عَلَى صَيْدٍ فَلَمْ يُرِدْ الذَّكَاةَ، وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ شَاتَه بِسَيْفِهِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ ذَكَاتَهَا فَفَرَى أَوْدَاجَهَا فَلَا يَأْكُلُهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ طَلَبَ الْكِلَابُ الصَّيْدَ أَوْ الْبُزَاةُ فَلَمْ تَزَلْ فِي الطَّلَبِ حَتَّى مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَأْخُذَهُ الْكِلَابُ أَوْ الْبُزَاةُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَيُؤْكَلُ؟
قَالَ: لَا يُؤْكَلُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَتْهُ الْكِلَابُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ، أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَكَيْفَ إنْ صَدَمَتْهُ الْكِلَابُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ أَدْرَكْت الصَّيْدَ فَجَعَلْتُ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِي وَلَا يَقْطَعُ السَّيْفُ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ السَّيْفُ فِي هَذَا إذَا لَمْ يَقْطَعْ وَالْكِلَابُ إذَا لَمْ تُنَيِّبْ وَتُدْمِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُؤْكَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ السَّيْفَ إذَا لَمْ يَقْطَعْ فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا لَا تَأْكُلْهُ، وَأَمَّا الْكِلَابُ إذَا صَدَمَتْ فَقَتَلَتْ وَلَمْ تُنَيِّبْ فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْعَصَا، وَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مِنْ قَتْلِ الْكِلَابِ إلَّا مَا يَجُوزُ مِنْ قَتْلِكَ بِيَدِكَ، وَمَا مَاتَ مِنْ الصَّيْدِ مِنْ طَلَبِ الْكِلَابِ أَوْ مَاتَ مِنْ عَضِّهَا وَلَمْ تُنَيِّبْهُ فَلَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا نَدَّ صَيْدٌ قَدْ كَانَ دَجَنَ عِنْدِي فَهَرَبَ مِنِّي فَصَادَهُ غَيْرِي لِمَنْ يَكُونُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَخَذَهُ هَذَا الْآخَرُ بِحِدْثَانِ مَا هَرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْوَحْشِ وَلَمْ يَسْتَوْحِشْ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَوْحَشَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ الْآخَرُ بِحِدْثَانِ مَا هَرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْبُزَاةُ وَالصُّقُورُ وَالظِّبَاءُ وَكُلُّ شَيْءٍ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ وَالظِّبَاءِ وَكُلِّ شَيْءٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبْتُ فَخْذَ الصَّيْدِ أَوْ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَتَعَلَّقَتْ فَمَاتَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَدْ أَبَانَهَا أَوْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَيْءٍ مِنْ الْجِلْدِ أَوْ اللَّحْمِ لَا يَجْرِي فِيهَا دَمٌ وَلَا رُوحٌ، وَلَا تَعُودُ لِهَيْئَتِهَا أَبَدًا فَلَا يُؤْكَلُ مَا تَعَلَّقَ مِنْهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَلْيُذَكِّهِ وَلْيَأْكُلْهُ، وَلْيَطْرَحْ مَا تَعَلَّقَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَوْ تُرِكَ عَادَ لِهَيْئَتِهِ يَوْمًا، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَ عُنُقَ الصَّيْدِ فَأَبَانَهُ أَيَأْكُلُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ قَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُ الرَّأْسَ وَجَمِيعَ الْجِلْدِ، قُلْتُ: فَإِنْ ضَرَبَ خَطْمَهُ فَأَبَانَهُ أَيَأْكُلُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: هُوَ مِثْلُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عِنْدِي، لَا يَأْكُلُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ الْخَطْمُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ عُنُقَ شَاةٍ بِالسَّيْفِ فَأَبَانَهَا، وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ أَيَأْكُلُهَا أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ ذَبَحَ شَاةً وَهُوَ يُرِيدُ الْمَذْبَحَ فَأَخْطَأَ فَذَبَحَ مِنْ الْعُنُقِ أَوْ مِنْ الْقَفَا: أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ.
قَالَ: فَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ضَرَبَ عُنُقَهَا وَهُوَ يُرِيدُ الذَّبْحَ فَأَخْطَأَ، لَا يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: فَهَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ أَكْلَ شَيْءٍ مَنْ الطَّيْرِ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْأَرْنَبَ وَالضَّبَّ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيهِمَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَالْأَرْنَبِ وَالْوَبْرِ وَالظَّرَابِينِ وَالْقُنْفُذِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ وَالذِّئْبَ هَلْ يُحِلُّ مَالِكٌ أَكْلَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَكْلَ الضَّبُعِ وَلَا الذِّئْبِ وَلَا الثَّعْلَبِ وَلَا الْهِرِّ الْوَحْشِيِّ وَلَا الْإِنْسِيِّ وَلَا شَيْئًا مِنْ السِّبَاعِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَا فَرَسَ وَأَكَلَ اللَّحْمَ فَهُوَ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا يَصْلُحُ أَكْلُهُ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
قال سَحْنُونٌ: كَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَكْرَهُ صَيْدَ النَّصْرَانِيِّ، وَأَنَا لَا أَرَى بِأَكْلِ صَيْدِ النَّصْرَانِيِّ بَأْسًا.

.كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الْيَرْبُوعَ وَالْخُلْدَ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا ذُكِّيَ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُ الْوَبْرِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَبْرِ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَوَامَّ الْأَرْضِ كُلَّهَا خَشَاشَهَا وَعَقَارِبَهَا وَدُودَهَا وَحَيَّاتِهَا، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مَنْ هَوَامِّهَا أَيُؤْكَلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِّيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهَا.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَوَامِّ الْأَرْضِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي خَشَاشِ الْأَرْضِ كُلِّهِ: أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ، وَمَا لَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ فَلَيْسَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ إذَا أُخِذَ حَيًّا فَصُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْجَرَادِ، وَأَمَّا الضَّفَادِعُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَإِنْ مَاتَتْ لِأَنَّهَا مِنْ صَيْدِ الْمَاءِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهُ الْحَلَزُونُ يَكُونُ فِي الصَّحَارَى يَتَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ أَيُؤْكَلُ؟
قَالَ: أَرَاهُ مِثْلَ الْجَرَادِ مَا أُخِذَ مِنْهُ حَيًّا فَسُلِقَ أَوْ شُوِيَ فَلَا أَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا، وَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَيِّتًا فَلَا يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ إذَا دَجَنَ وَصَارَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا يُعْمَلُ عَلَى الْأَهْلِيِّ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَارَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يُؤْكَلُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا لَا أَرَى بَأْسًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْجَلَّالَةَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، هَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ لُحُومَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ كَرِهْتُهَا لَكَرِهْتُ الطَّيْرَ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالْجَلَّالَةِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الطَّيْرَ كُلَّهُ أَلَيْسَ لَا يَرَى مَالِكٌ بِأَكْلِهِ بَأْسًا، الرَّخَمَ وَالْعِقْبَانَ وَالنُّسُورَ وَالْحِدَأَ وَالْغِرْبَانَ وَمَا أَشْبَهَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا كُلِّهَا مَا أَكَلَ الْجِيَفَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَأْكُلْ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الطَّيْرِ كُلِّهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ أَوْ بِالْعُودِ أَوْ بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْعَظْمِ وَمَعَهُ السِّكِّينُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ إلَى الْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْعَظْمِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَذَبَحَ بِهَا، أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا ذَبَحَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهَا لِأَنَّ مَعَهُ سِكِّينًا فَلْيَأْكُلْهُ إذَا فَرَى الْأَوْدَاجَ، قُلْتُ: وَيُجِيزُ مَالِكٌ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ذَبَحَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْأَوْدَاجَ، أَوْ فَرَى الْأَوْدَاجَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ، أَيَأْكُلُهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلْهُ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ مِنْهُمَا جَمِيعًا، لَا يَأْكُلْ إنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَلَمْ يَفْرِ الْأَوْدَاجَ، وَإِنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْحُلْقُومَ فَلَا يَأْكُلْهُ أَيْضًا، وَلَا يَأْكُلْهُ حَتَّى يَقْطَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرِيءَ هَلْ يَعْرِفُهُ مَالِكٌ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَذْكُرُ الْمَرِيءَ.
قُلْتُ: هَلْ يُنْحَرُ أَوْ يُذْبَحُ مَا يُنْحَرُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُنْحَرُ مَا يُذْبَحُ وَلَا يُذْبَحُ مَا يُنْحَرُ.
قُلْتُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالْبَقَرُ إنْ نُحِرَتْ أَتَرَى أَنْ تُؤْكَلَ؟
قَالَ: نَعَمْ وَهِيَ خِلَافُ الْإِبِلِ إذَا ذُبِحَتْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالذَّبْحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}.
قَالَ: فَالذَّبْحُ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ نُحِرَتْ أُكِلَتْ.
قَالَ: وَالْبَعِيرُ إذَا ذُبِحَ لَا يُؤْكَلُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ سُنَّتَهُ النَّحْرُ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ إنْ نُحِرَتْ لَمْ تُؤْكَلْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الطَّيْرُ مَا نُحِرَ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ فِي قَوْلِهِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْأَلْهُ عَنْ الطَّيْرِ وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدِي لَا يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ثَوْرٌ أَوْ بَعِيرٌ أَوْ شَاةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْحَرُوا الْبَعِيرَ وَلَا يَذْبَحُوا الْبَقَرَةَ وَلَا الشَّاةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَإِنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ مَنْحَرٌ وَمَذْبَحٌ، فَإِنْ ذُبِحَ فَجَائِزٌ وَإِنْ نُحِرَ فَجَائِزٌ، قُلْتُ: وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْنَا لِمَالِكٍ: فَالْجَنْبُ وَالْجَوْفُ وَالْكَتِفُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْكَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْتُ لَك مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ وَيُتْرَكُ يَمُوتُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَالِكًا هَلْ كَانَ يَأْمُرُ أَنْ تُوَجَّهَ الذَّبِيحَةُ إلَى الْقِبْلَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ تُوَجَّهُ الذَّبِيحَةُ إلَى الْقِبْلَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْجَزَّارِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْحُفْرَةِ يَدُورُونَ بِهَا فَيَذْبَحُونَ الْغَنَمَ حَوْلَهَا.
قَالَ: فَبَعَثْتُ فِي ذَلِكَ لِيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرْتُ أَنْ يَأْمُرُوهُمْ أَنْ يُوَجِّهُوا بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ.
قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَبْدَأَ الْجَزَّارُ بِسَلْخِ الشَّاةِ قَبْلَ أَنْ تَزْهَقَ نَفْسُهَا؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَا تُنْخَعُ وَلَا تُقْطَعُ رَأْسُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهَا، قُلْتُ: فَإِنْ فَعَلُوا بِهَا ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِهَا.
قَالَ: فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِهَا أُكِلَتْ وَأُكِلَ مَا قُطِعَ مِنْهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّخْعَ عِنْدَ مَالِكٍ أَهُوَ قَطْعُ الْمُخِّ الَّذِي فِي عِظَامِ الْعُنُقِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَكَسْرُ الْعُنُقِ مِنْ النَّخْعِ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا انْقَطَعَ النُّخَاعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ سَبَقَتْهُ يَدُهُ فِي ذَبِيحَتِهِ فَقَطَعَ رَأْسَهَا، أَيَأْكُلُهَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُهَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ، قُلْتُ: فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يَأْكُلْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى إنْ كَانَ أَضْجَعَهَا لِيَذْبَحَهَا فَذَبَحَهَا فَأَجَازَ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ، وَسَمَّى اللَّهَ ثُمَّ تَمَادَى فَقَطَعَ عُنُقَهَا، فَأَرَى أَنْ تُؤْكَلَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ ذَبِيحَةٍ ذُكِّيَتْ، ثُمَّ عَجَّلَ فَاحْتَرَزَ رَأْسَهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الَّتِي تُقْطَعُ رَأْسُهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ.
قال سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا فَمَرَّةً قَالَ لَا تُؤْكَلُ إذَا تَعَمَّدَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِي تُؤْكَلُ وَإِنْ تَعَمَّدَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَجَّهَ ذَبِيحَتَهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَيَأْكُلُ؟
قَالَ: نَعَمْ يَأْكُلُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
قُلْتُ: كَيْفَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الذَّبِيحَةِ؟
قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
قُلْتُ هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَذَلِكَ مَوْضِعٌ لَا يُذْكَرُ هُنَالِكَ إلَّا اسْمُ اللَّهِ وَحْدَهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الضَّحَايَا هَلْ يَذْكُرُ عَلَيْهَا اسْمَ اللَّهِ، وَيَقُولُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقُولُ عَلَى الضَّحَايَا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنْ أَحَبَّ قَالَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي وَإِلَّا فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَكْفِيهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَهَذَا الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ؟ فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: هَذَا بِدْعَةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَذْبَحُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ تُؤْكَلُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ تَضْطَرُّ إلَى الذَّبِيحَةِ وَعِنْدَهَا الرَّجُلُ النَّصْرَانِيُّ أَتَأْمُرُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهَا؟
قَالَ: لَا وَلَكِنْ تَذْبَحُ هِيَ.
قُلْتُ: أَفَتَحِلُّ ذَبَائِحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَصِبْيَانِهِمْ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ إذَا حَلَّ ذَبَائِحُ رِجَالِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَبَائِحِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ إذَا أَطَاقُوا الذَّبْحَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَيُؤْكَلُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ، وَتَأَوَّلَ مَالِكٌ فِيهِ: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وَكَانَ يَكْرَهُهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّمَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَالِكًا هَلْ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُمَكِّنَ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ هَدْيَهُ مِنْ أَحَدٍ مَنْ النَّصَارَى أَوْ الْيَهُودِ أَنْ يَذْبَحَهُ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يُكْرَهُ أَنْ يُمَكِّنَ أُضْحِيَّتَهُ أَوْ هَدْيَهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَذْبَحَهُ لَهُ، وَلَكِنْ يَلِيهَا هُوَ بِنَفْسِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ ذَبَحَ النَّصْرَانِيُّ أُضْحِيَّةَ الْمُسْلِمِ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِ أَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْيَهُودِيُّ مِثْلُهُ.
قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَهَلْ يُبَاعُ لَحْمُهَا؟
قَالَ: لَا لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ عَلَى نُسُكٍ، فَلَا يُبَاعُ النُّسُكُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ كَمِثْلِ الْهَدْيِ الَّذِي يَعْطَبُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَيُنْحَرَ، لَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لِأَنَّهُ نُسُكٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ ذَبَحَهَا مَنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ وَبِئْسَمَا صَنَعَ وَالشَّأْنُ أَنْ يَلِيَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ أَعْجَبُ إلَى مَالِكٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا ذَبَحَتْ الْيَهُودُ مِنْ الْغَنَمِ فَأَصَابُوهُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَهُ لِأَجْلِ الرِّئَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الَّتِي يُحَرِّمُونَهَا فِي دِينِهِمْ، أَيَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يُجِيزُهُ فِيمَا بَلَغَنِي، ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُهُ يَكْرَهُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: لَا يُؤْكَلُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأَيْتُ مَالِكًا يَسْتَثْقِلُ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا يُحَرِّمُهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأْيِي أَنَّ مَا ذَبَحَتْ الْيَهُودُ مِمَّا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ قُلْتُ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؟
قَالَ: أَهْلُ الْحَرْبِ وَاَلَّذِينَ عِنْدَنَا مِنْ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ فِي ذَبَائِحِهِمْ، وَهُوَ يَكْرَهُ ذَبَائِحَهُمْ كُلِّهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّمَهَا، وَيَكْرَهُ شِرَاءَ اللَّحْمِ مِنْ مَجَازِرِهِمْ وَلَا يَرَاهُ حَرَامًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى الْبُلْدَانِ يَنْهَاهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّصَارَى وَالْيَهُودَ فِي أَسْوَاقِهِمْ صَيَارِفَةً أَوْ جَزَّارِينَ، وَأَنْ يُقَامُوا مِنْ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَغْنَانَا بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ يُقَامُونَ مِنْ الْأَسْوَاقِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُونَ صَيَارِفَةً وَلَا جَزَّارِينَ وَلَا يَبِيعُونَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى أَنْ يُكَلَّمَ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْوُلَاةِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقِيمُوهُمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ يَرْتَدُّ إلَى الْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ أَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ ذَبِيحَةَ الْأَخْرَسِ، أَتُؤْكَلُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهَا بَأْسًا قُلْتُ: إذَا تَرَدَّتْ الذَّبِيحَةُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَانْدَقَّ عُنُقُهَا أَوْ انْدَقَّ مِنْهَا مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ مِنْ ذَلِكَ، أَتُؤْكَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَخَعَهَا ذَلِكَ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الشَّاةِ الَّتِي تُخْرَقُ بَطْنُهَا فَتُشَقُّ أَمْعَاؤُهَا فَتَمُوتُ: إنَّهَا لَا تُؤْكَلُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَذْكِيَةً، لِأَنَّ الَّذِي صَنَعَ السَّبُعُ بِهَا كَانَ قَتْلًا لَهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ خُرُوجُ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا لَا تَحْيَا عَلَى حَالٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْأَزْلَامَ هَلْ سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْأَزْلَامُ قِدَاحٌ كَانَتْ تَكُونُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ: فِي وَاحِدٍ افْعَلْ وَفِي الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ، وَالْآخَرُ لَا شَيْءَ فِيهِ.
قَالَ: فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ حَاجَةً ضَرَبَ بِهَا، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ فَعَلَ ذَلِكَ وَخَرَجَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ تَرَكَ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْرُجْ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَعَادَ الضَّرْبَ.