فصل: حكم إطلاق لفظ (السيد) على غير الله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناهي اللفظية (نسخة منقحة)



.قول بعض الناس: (وخسرت في الحج كذا، وخسرت في العمرة كذا، وخسرت في الجهاد كذا، وكذا):

51- سئل فضيلة الشيخ: عن قول بعض الناس: (وخسرت في الحج كذا، وخسرت في العمرة كذا، وخسرت في الجهاد كذا، وكذا)؟
فأجاب قائلا: هذه العبارات غير صحيحة، لأن ما بذل في طاعة الله ليس بخسارة، بل هو الربح الحقيقي، وإنما الخسارة ما صرف معصية، أو في ما لا فائدة فيه، وأما ما فيه فائدة دنيوية أو دينية فإنه ليس بخسارة.

.قول الإنسان لرجل: (أنت يا فلان خليفة الله في أرضه):

52- سئل فضيلة الشيخ: عن قول الإنسان لرجل: (أنت يا فلان خليفة الله في أرضه)؟
فأجاب بقوله: إذا كان ذلك صدقًا بأن كان هذا الرجل خليفة يعني ذا سلطان تام على البلد، وهو ذو السلطة العليا على أهل هذا البلد، فإن هذا لا بأس به، ومعنى لو لنا (خليفة الله) أن الله استخلفه على العباد في تنفيذ شرعه، لأن الله تعالى استخلفه على الأرض، والله- سبحانه وتعالى- مستخلفنا في الأرض جميعًا وناظر ما كنا نعمل، وليس يراد بهذه الكلمة أن الله تعالى يحتاج إلى أحد يخلفه، في خلقة، أو يعينه على تدبير شئونهم، ولكن الله جعله خليفة يخلف من سبقه، ويقوم بأعباء ما كلفه الله.

.يستخدم بعض الناس عبارة (راعني) فما صحة هذه الكلمة؟

53- وسئل فضيلته: يستخدم بعض الناس عبارة (راعني) ويقصدون بها (أنظرني)، فما صحة هذه الكلمة؟
فأجاب قائلا: لا الذي أعرف أن كلمة: (راعني) يعني من المراعات أي أنزل لنا في السعر مثلًا، وأنظر إلى ما أريد، ووافقني عليه، وما أشبه ذلك، وهذه لا شيء فيها. وأما قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}.
فهذا كان اليهود يقولون (راعنا)، من الرعونة فينادون بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يريدون الدعاء عليه، فلهذا قال الله لهم: {وقولوا انظرنا}. وأما (راعني)، ليست مثل (راعنا)، لأن راعنا منصوبة بالألف وليست بالياء.

.قول (رب البيت)؟ (رب المنزل):

54- وسئل حفظه الله: ما حكم قول (رب البيت)؟ (رب المنزل)؟
فأجاب: لا قولهم رب البيت ونحوه ينقسم أقسامًا أربعة:
القسم الأول: أن يكون الإضافة على ضمير المخاطب في معنى لا يليق بالله عز وجل مثل أن يقول (أطعم ربك) فهذا منهي عنه لوجهين:
الوجه الأول: من جهة الصيغة لأنه يوهم معنى فاسدًا بالنسبة لكلمة رب، لأن الرب من أسمائه- سبحانه-، وهو سبحانه يطعم ولا يطعم.
الوجه الثاني: من جهة أنك تشعر العبد أو الأمة بالذي لأنه إذا كان السيد ربا كان العبد مربوبًا والأمة مربوبه.
وأما إذا كان في معنى يليق بالله تعالى مثل أطلع ربك كان النهي عنه من أجل الوجه الثاني.
القسم الثاني: أن تكون الإضافة إلى ضمير الغائب مثل ربه، وربها، فإن كان في معنى لا يليق بالله كان من الأدب اجتنابه، مثل أطعم العبد ربه أو أطعمت الأمة ربها؛ لئلا يتبادر منه إلى الذهن معنى لا يليق بالله.
وإن كان في معنى يليق بالله مثل أطاع العبد ربه وأطاعت الأمة ربها فلا بأس بذلك لانتفاء المحذور.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث اللقطة في ضالة الإبل وهو حديث متفق عليه: «حتى يجدها ربها» وقال بعض أهل العلم أن حديث اللقطة في بهيمة لا تتعبد ولا تتذلل كالإنسان، والصحيح عدم الفارق لأن البهيمة تعبد الله عبادة خاصة بها. قال تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} وقال في العباد{وكثير من الناس} ليس جميعهـم{وكثير حق عليه العذاب}.
القسم الثالث: أن تكون الإضافة على ضمير المتكلم فقد يقول قائل بالجواز لقوله تعالى حكاية عن يوسف: {إنه ربي أحسن مثواي} أي سيدي، وإن المحظور هو الذي يقتضي الإذلال وهذا منتف لأن هذا من العبد لسيده.
القسم الرابع: أن يضاف إلى الاسم الظاهر فيقال: هذا رب الغلام فظاهر الحديث الجواز وهو كذلك ما لم يوجد محظور فيمنع كما لو ظن السامع أن السيد رب حقيقي خالف لمملوكه.

.قول: إن الإنسان يتكون من عنصرين عنصر من التراب وهو الجسد، وعنصر من الله وهو الروح:

55- سئل فضيلة الشيخ: عن قول ما يقول إن الإنسان يتكون من عنصرين عنصر من التراب وهو الجسد، وعنصر من الله وهو الروح؟.
فأجاب بقوله: هذا الكلام يحتمل معنيين:
أحدهما: أن الروح جزء من الله.
والثاني: أن الروح من الله خلقًا.
وأظهرهما أن أراد أن الروح جزء من الله لأنه لو أراد أن الروح من الله خلقا لم يكن بينها وبين الجسد فرق إذ الكل من الله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} وأضاف روح عيسى إليه فقال: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} وأضاف بعض مخلوقات أخرى إليه كقوله: {وطهر بيتي للطائفين والقائمين}. وقوله: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه}. وقوله عن رسوله صالح: {فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها} ولكن المضاف إلى الله نوعان:
أحدهما: ما يكون منفصلًا بائنا عنه، قائما بنفسه أو قائما بغيره، فإضافته إلى الله تعالى إضافة خلق وتكون، ولا يكون ذلك إلا فيما يقصد به تشريف المضاف أو بيان عظمه الله تعالى، لعظم المضاف، فهذا النوع لا يمكن أن يكون من ذات الله تعالى، فلأن ذات الله تعالى واحدة لا يمكن تتجزأ أو تتفرق، وأما كونه لا يمكن أن يكون من صفات الله فلأن الصفة معنى في الموصوف لا يمكن أن تنفصل عنه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والقوة، والسمع، والبصر، وغيرها. فإن هذه الصفات لا تباين موصوفها، ومن هذا النوع إضافة ا لله تعالى روح آدم وعيسى إليه، وإضافة البيت وما في السموات والأرض إليه، وإضافة الناقة إليه، فروح آدم، وعيسى قائمة بهما، وليست من ذات الله تعالى، ولا من صفاته قطعًا، والبيت وما في السموات والأرض، والناقة أعيان قائمة بنفسها، وليس من ذات الله ولا من صفاته، وإذا كان لا يمكن لأحد أن يقول: إن بيت الله، وناقة الله من ذاته ولا من صفاته، ولا فرق بينهما إذ الكل بائن منفصل عن الله- عزل وجل- وكما أن البيت والناقة من الأجسام فكذلك الروح جسم تحل بدن الحي بإذن الله، يتوفاها الله حين موتها، ويمسك التي قضي عليها الموت، ويتبعها بصر الميت حين تقبض، لكنها جسم من جنس آخر.
النوع الثاني من المضاف إلى الله: ملا يكون منفصلا عن الله بل هو من صفاته الذاتية أو الفعلية، كوجهه، ويده، سمعه، وبصره، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، ونحو ذلك، فإضافته إلى الله تعالى من باب إضافة الصفة إلى موصفها، وليس من باب إضافة المخلوق والمملوك إلى مالكه وخالقه.
وقول المتكلم (إن الروح من الله) يحتمل معنى آخر غير ما قلنا: إنه الأظهر، وهو أن البدن مادته معلومة، وهي التراب، أما الروح فمادتها غير معلومة، وهذا المعنى صحيح. كما قال الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا}.- وهذه والله أعلم- من الحكمة في إضافتها إ ليه إنها أمر لا يمكن أن يصل إليه علم البشر بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل، ولا نحيط بشيء من هذا القليل إلا بما شاء الله- تبارك وتعالى-.
فنسأل الله تعالى، أن يفتح علينا من رحمته وعلمه ما به صلاحنا، وفلاحنا في الدنيا والآخرة.

.المراد بالروح والنفس؟ والفرق بينهما:

56- سئل فضيلة الشيخ: عن المراد بالروح والنفس؟ والفرق بينهما؟.
فأجاب قائلا: الروح في الغالب تطلق على ما به الحياة سواء كان ذلك حسا أو معنى، فالقران يسمى روحا قال الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} لأن به حياة القلوب بالعلم والإيمان، والروح التي يحيى بها البدن تسمى روحا قال الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}.
أما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيرًا كما في قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}.
وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه، فيقال جاء فلان نفسه، فتكون بمعنى الذات، فهما يفترقان أحيانا، ويتفقان أحيانا، بحسب السياق.
وينبغي بهذه المناسبة أن يعلم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها فقد تكون الكلمة الواحدة لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق، فالقرية مثلا تطلق أحيانا على نفس المساكن، وتطلق أحيانا على الساكن نفسه ففي قوله تعالى عن الملائمة الذين جاءوا إبراهيم{قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية}.
المراد بالقرية هنا المساكن، وفي قوله تعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أم معذبوها عذابًا شديدًا} المراد بها المساكن، وفي قوله تعالى: {أو كالذي مر على قرية هي خاوية على عروشهـا} المراد بها المساكن، وفي قوله: {وأسأل القرية التي كنا فيها} المراد بها الساكن، فالمهم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها وبحسب ما تضاف إليه، وبهذه القاعدة المفيدة المهمة يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه كثير من أهل العلم من أن القران الكريم ليس فيه مجاز، وأن جميع الكلمات التي في القران كلها حقيقة، لان الحقيقة هي ما يدل عليه سياق الكلام بأي صيغة كان، فإذا كان الأمر كذلك تبين لنا بطلان قول من يقول إن في القران مجازا، وقد كتب في هذا أهل العلم وبينوه، ومن أبين ما يجعل هذا القول صوابا أن من علامات المجاز صحة نفيه بمعنى أنه يصح أن تنفيه فإذا قال: فلان أسد، صح له نفيه، وهذا لا يمكن أن يكون في القران، فلا يمكن لأحد أن ينفي شيئا مما ذكره الله تعالى في القران الكريم.

.حكم إطلاق لفظ (السيد) على غير الله تعالى:

57- سئل فضيلة الشيخ: عن حكم إطلاق لفظ (السيد) على غير الله تعالى؟.
فأجاب بقوله: إطلاق السيد على غير الله تعالى إن كان يقصد معناه وهي السيادة المطلقة فهذا لا يجوز، وإن كان المقصود به مجرد الإكرام فإن كان المخاطب به سيد، أو نحو ذلك، وإن كان لا يقصد به السيادة والإكرام وإنما هو مجرد اسم فهذا لا بأس به.

.من الذي يستحق أن يوصف بالسيادة؟

58- سئل فضيلة الشيخ: من الذي يستحق أن يوصف بالسيادة؟.
فأجاب بقوله: لا يستحق أحد أن يوصف بالسيادة المطلقة إلا الله عز وجل فالله تعالى هو السيد الكامل السؤدد، أما غيره فيوصف بسيادة مقيدة مثل سيد ولد آدم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيادة قد تكون بالنسب، وقد تكون بالعلم، وقد تكون بالكرم، وقد تكون بالشجاعة، وقد تكون بالملك، كسيد المملوك وقد تكون بغير ذلك من الأمور التي يكون بها الإنسان سيدا، وقد يقال للزوج سيد بالنسبة لزوجته، كما في قوله تعالى: {وألفيا سيدها لدا الباب}.
فأما السيد في النسب فالظاهر أن المراد أن من كان من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أولاد فاطمة- رضي الله عنها- أي ذريتها من بنين وبنات، وكذلك الشريف، وربما يراد بالشريف من كان هاشميا وأيا كان الرجل أو المرأة سيدا أو شريفا فإنه لا يمتنع شرعا أن يتزوج من غير السيد والشريف، فهذا سيد بني آدم وأشرفهم، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج ابنتيه رقية وأم كلثوم عثمان بن عفان، وليس هاشميا، وزوج ابنته زينب أبا العاص بن الربيع وليس هاشميا.

.الجمع بين حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه وما جاء في التشهد: «اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد»:

59- وسئل فضيلته عن الجمع بين حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بين عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا أنت سيدنا فقال: «السيد الله تبارك وتعالى».. وحديث: «أنا سيد ولد آدم»؟.
فأجاب قائلا: لا يرتاب عاقل أن محمدا صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم فإن كل عاقل مؤمن يؤمن بذلك، والسيد هو ذو الشرف والطاعة والإمرة، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الله- وتعالى-: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ونحن وغيرنا من المؤمنين لا نشك أن نبينا صلى الله عليه وسلم، سيدنا، وخيرنا، وأفضلنا عند الله- سبحانه وتعالى- وأنه المطاع فيما يأمر به، صلوات الله وسلامه عليه، ومن مقتضى اعتقادنا أنه السيد المطاع، عليه الصلاة والسلام، أن لا نتجاوز ما شرع لنا من قول أو فعل أو عقيدة ومما شرعه لنا في كيفية الصلاة عليه في التشهد أن نقول: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) أو نحوها من الصفات الواردة في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم أن صفة وردت بالصيغة التي ذكرها السائل وهي (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد) وإذا لم ترد هذه الصيغة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأفضل ألا نصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، بها، وإنما نصلى عليه بالصيغة التي علمنا إياها.
وبهذه المناسبة أود أبنه إلى أن كل إنسان يؤمن بأن محمدا، صلى الله عليه وسلم، سيدنا فإن مقتضى هذا الإيمان أن لا يتجاوز الإنسان ما شرعه وأن لا ينقص عنه، فلا يبتدع في دينه الله ما ليس منه، ولا ينقص من دين الله ما هو منه، فإن هذا هو حقيقة السيادة التي هي من حق النبي صلى الله عليه وسلم، علينا.
وعلى هذا فإن أولئك المبتدعين لأذكار أو صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم، لم يأت بها شرع الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تنافي دعوى أن هذا الذي ابتدع يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم، سيد، لأن مقتضى هذه العقيدة أن لا يتجاوز ما شرع وأن لا ينقص منه، فليتأمل الإنسان وليتدبر ما يعنيه بقوله حتى يتضح له الأمر ويعرف أنه تابع لا مشرع.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أنا سيد ولد آدم» والجمع بينه وبين قوله: «السيد الله» أن السيادة المطلقة لا تكون إلا لله وحده فإنه تعالى هو الذي له الأمر كله فهو الآمر وغيره مأمور، وهو الحاكم وغيره محكوم، وأما غيره فسيادته نسبية إضافية تكون في شيء محدود، ومكان محدود، وعلى قوم دون قوم، أو نوع من الخلائق دون نوع.