فصل: قول العاصي عند الإنكار عليه (أنا حر في تصرفاتي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناهي اللفظية (نسخة منقحة)



.قول: (الله ما يضرب بعصا):

15- سئل فضيلته: عن قول بعض الناس إذا انتقم الله من الظالم (الله ما يضرب بعصا)؟.
فأجاب بقوله: لا يجوز أن يقول الإنسان مثل هذا التعبير بالنسبة لله- عز وجل-، ولكن له أن يقول: إن الله- سبحان وتعالى-، حكم لا يظلم أحد، فإنه ينتقم من الظالم، وما أشبه هذه الكلمات التي جاءت بها النصوص الشرعية، أما الكلمة التي أشار إليها السائل فلا أرى إنها جائزة.

.كتابة لفظ الجلالة (الله) على الجدران وبجانبها لفظ محمد صلى الله عليه وسلم أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب،أو على بعض المصاحف:

16- سئل فضيلة الشيخ: كثيرا ما نرى على الجدران كتابة لفظ الجلالة (الله)، وبجانبها لفظ محمد صلى الله عليه وسلم أو نجد ذلك على الرقاع، أو على الكتب، أو على بعض المصاحف فهل موضعها هذا صحيح؟.
فأجاب قائلا: موقعها ليس بصحيح لأن هذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم، ندًّا لله مساويًا له، ولو أن أحدا رأى هذه الكتابة وهو لا يدري المسمى بهما لأيقن يقينًا أنهما متساويات متماثلات، يجب إزالة اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبقى النظر في كتابة: (الله) وحدها فإنها كلمة يقولها الصوفية، يجعلونها بدلا عن الذكر، يقولون (الله الله الله)، وعلى هذا فلتتقى أيضا، ولا يكتب (الله)، ولا (محمد) على الجدران، ولا على الرقاع ولا في غيره.

.الجمع بين قول الصحابة (الله ورسوله أعلم) العطف بالواو وإقرارهم على ذلك وإنكاره صلى الله عليه وسلم، على من قال (ما شاء وشئت):

17- سئل فضيلة الشيخ: كيف نجمع بين قول الصحابة (الله ورسوله أعلم) العطف بالواو وإقرارهم على ذلك وإنكاره صلى الله عليه وسلم، على من قال (ما شاء وشئت)؟.
فأجاب بقوله: قوله (الله ورسوله) جائز. فذلك لأن علم الرسول من علم الله، فالله تعالى هو الذي يعلمه ما لا يدركه البشر ولهذا أتى بالواو وكذلك في المسائل الشرعية يقال: (الله ورسوله أعلم) لأنه، صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشريعة الله، وعلمه بها من علم الله الذي علمه كما قال الله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم}. وليس هذا كقوله (ما شاء الله وشئت) لأن هذا في باب القدرة والمشيئة، ولا يمكن أن يجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مشاركا لله فيها.
ففي الأمور الشرعية يقال (الله ورسوله أعلم) وفي الأمور الكونية لا يقال ذلك.
ومن هنا نعرف خطأ وجهل من يكتب الآن على بعض الأعمال{وقل اعملوا فيسرى الله عملكم ورسوله}. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرى العمل بعد موته.

.قول: (أعطي الله لا يهينك):

18- سئل فضيلة الشيخ: عن هذه العبارة (أعطي الله لا يهينك)؟.
فأجاب فضيلته بقوله: هذه العبارة صحيحة، والله سبحانه و تعالى- قد يهين العبد ويذله، وقد قال الله تعالى في عذاب الكفار: إنهم يجزون عذاب الهون بما كانوا يستكبرون في الأرض، فأذاقهم الله الهوان والذي بكبريائهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق. وقال: {ومن يهن الله فما له من مكرم}. والإنسان إذا أمرك فقد تشعر بأن هذا إذلال وهو أن لك فيقول: (الله لا يهينك).

.قول: (الله يسأل عن حالك):

19- وسئل فضيلة الشيخ عن هذه العبارة (الله يسأل عن حالك)؟.
فأجاب بقوله: هذه العبارة: (الله يسأل عن حالك)، لا تجوز لأنها أن الله تعالى يجهل الأمر فيحتاج إلى أن يسأل، وهذا من المعلوم أنه أمر عظيم، والقائل لا يريد هذا في الواقع لا يريد أن الله يخفى عليه شيء، ويحتاج إلى سؤال،لكن هذه العبارات قيد تفيد هذا المعنى، أو توهم هذا المعنى، فالواجب العدول عنها، واستبدالها بأن تقول: (أسأل الله أن يتفي بك)، و(أن يلطف بك)، وما أشبهها.

.الإقسام على الله:

20- وسئل: هل يجوز على الإنسان أن يقسم على الله؟.
فأجاب بقوله: الأقسام على الله أن يقول الإنسان والله لا يكون كذا، كذا، أو والله لا يفعل الله كذا وكذا والإقسام على الله نوعان:
أحدهما: أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله عز وجل وقوة إيمانه به مع اعترافه بضعفه وعدم إلزامه الله بشيء فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: «رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» ودلل آخر واقعي وهو حديث أنس بن النضر حينما كسرت أخته الربيع سنّا لجارية من الأنصار فطالب أهلها بالقصاص فطلب إليهم العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنيّة الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أنس كتاب الله القصاص» فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» وهو رضي الله عنه لم يقسم اعتراضًا على الحكم وإباء لتنفيذه فجعل الله الرحمة في قلوب أولياء المرأة التي كسرت سنها فعفو عفوًا مطلقًا، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» فهذا النوع من الأقسام لا بأس به.
النوع الثاني: من الإقسام على الله: ما كان الحامل عليه الغرور والإعجاب بالنفس وأنه يستحق على الله كذا وكذا، فهذا والعياذ بالله محرم، وقد يكون محبطًا للعمل، ودليل ذلك أن رجلًا كان عابدًا وكان يمر بشخص عاص لله، وكلما مر به نهاه فلم ينته، فقال ذات يوم والله لا يغفر الله لفلان- نسأل الله العافية- فهذا تحجر رحمه الله؛ لأنه مغرور بنفسه فقال الله عز وجل: «من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان قد غفرت له وأحبطت عملك» قال أبو هريرة: (تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته). ومن هذا نأخذ أن من أضر ما يكون على الإنسان اللسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم». والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط.
21- وسئل فضيلة الشيخ: عن التسمي بالإمام؟.
فأجاب قائلًا: التسمي بالإمام أهون بكثير من التسمي بشيخ الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سمي إمام المسجد إمامًا ولو لم يكن معه إلا واحد، لكن ينبغي أن لا يتسامح في إطلاق كلمة (إمام) إلا على من كان قدوة وله اتباع كالإمام أحمد وغيره ممن له أثر في الإسلام، ووصف الإنسان بما لا يستخدمه هضم للأمة، لان الإنسان إذا تصور أن هذا إمام وهذا إمام ممن يبلغ منزلة الإمامة هان الإمام الحق في عينه.
22- سئل فضيلة الشيخ: عن إطلاق بعض الأزواج على زوجاتهم وصف أم المؤمنين؟.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا حرام، ولا يحل لأحد أن يسمي زوجته أم المؤمنين، لأم مقتضاه أن يكون هو نبي لأن الذي يوصف بأمهات المؤمنين هنّ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهل هو يريد أن يتبوأ مكان النبوة وأن يدعو نفسه بعد النبي؟ بل الواجب على الإنسان أن يتجنب مثل هذه الكلمات، وأن يستغفر الله تعالى مما جرى منه.

.قول: (يا عبدي) و (يا أمتي):

23- سئل فضيلة الشيخ: ما حكم قول (يا عبدي) و (يا أمتي)؟.
فأجاب: قول القائل: (يا عبدي)، (يا أمتي)، ونحوه له صورتان:
الصورة الأولى: إن يقع بصيغة النداء مثل: يا عبدي، يا أمتي؛ فهذا لا يجوز للنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم عبدي وأمتي».
الصورة الثانية: أن يكون بصيغة الخبر وهذا على قسمين:
القسم الأول: إن قاله بغيبة العبد، أو الأمة فلا بأس فيه.
القسم الثاني: إن قاله في حضرة العبد أو الأمة، فإن ترتب عليه مفسدة تتعلق بالعبد أو السيد منه وإلا فلا، لأن القائل بذلك لا يقصد العبودية التي هي الذل، وإنما يقصد أنه مملوك له وإلى هذا التفصيل الذي ذكرناه أشار في (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد) في باب يقول عبدي وأمتي. وذكره صاحب فتح الباري عن مالك.

.قول الإنسان أنا حرّ:

24- وسئل فضيلة الشيخ: عن قول الإنسان أنا حرّ؟.
فأجاب بقوله: إذا قال ذلك رجل حر وأراد أنه حر من رق العبودية لله عز وجل فقد أساء في فهم العبودية، ولم يعرف معنى الحرية، لأن العبودية لغير الله هي الرق، أما عبودية المرء لربه عز وجل فهي الحرية، فإنه إن لم يذل لله ذل لغير الله، فيكون هنا خادعًا نفسه إذا قال: إنه حر يعني إنه متجرد من طاعة الله، ولن يقوم بها.

.قول العاصي عند الإنكار عليه (أنا حر في تصرفاتي):

25- سئل فضيلة الشيخ: عن قول العاصي عند الإنكار عليه (أنا حر في تصرفاتي)؟.
فأجاب بقوله: هذا خطأ، نقول: لست حرًا في معصية الله، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوى.

.قول الإنسان: (إن الله على ما يشاء قدير) عند ختم الدعاء ونحوه:

26- سئل فضيلة الشيخ: عن قول الإنسان: (إن الله على ما يشاء قدير) عند ختم الدعاء ونحوه؟.
فأجاب بقوله: هذا لا ينبغي لوجوه:
الأول: أن الله تعالى إذا ذكر وصف نفسه بالقدرة لم يقيد ذلك بالمشيئة في قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير}. وقوله: {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}. وقوله: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض}. وقوله: {ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير}. فعمم في الملك والقدرة، وخص الخلق بالمشيئة، أما القدرة فصفة أزلية أبدية شاملة لما شاء وما لم يشأ، لكن ما شاءه سبحانه وقع وما لم يشأ لم يقع والآيات في ذلك كثيرة.
الثاني: أن تقييد القدرة بالمشيئة خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم،وأتباعه فقد قال الله عنهم: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}. ولم يقولوا (إنك على ما تشاء قدير)، وخير الطريق طريق الأنبياء وأتباعهم فإنهم أهدى علمًا وأقوم عملًا.
الثالث: أن تقييد القدرة بالمشيئة يوهم اختصاصها بما يشاؤه الله تعالى فقط، لا سيما وأن ذلك التقييد يؤتي به في الغالب سابقًا حيث يقال: (على ما يشاء قدير) وتقديم المعمول يفيد الحصر كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة وشواهده من الكتاب والسنة واللغة، وإذا خصت قدره الله تعالى بما يشاؤه كان ذلك نقصًا في مدلولها وقصرًا لها عن عمومها فتكون قدرة الله تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه، وهو خلاف الواقع فإن قدره الله تعالى عامة فيما يشاؤه وما لم يشاءه، لكن ما شاءه فلابد من وقوعه، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه.
فإذا تبين أن وصف الله تعالى بالقدرة لا يقيد بالمشيئة بل يطلق كما أطلقه الله تعالى بالقدرة لا يقيد بالمشيئة يعارضه قول الله تعالى: {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير}. فإن المقيد هنا بالمشيئة هو الجمع لا القدرة، والجمع فعل لا يقع إلا بالمشيئة ولذلك قيد بها فمعنى الآية أن الله تعالى قادر على جمعهم متى شاء وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده بالمشيئة رد لقول المشركين الذي قال الله تعالى عنهم: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. فلما طلبوا الإتيان بآبائهم تحديًا وإنكارًا لما يجب الإيمان به من البعث، بين الله تعالى أن ذلك الجمع الكائن في يوم القيامة لا يقع إلا بمشيئة ولا يوجب وقوعه تحدي هؤلاء وإنكارهم كما قال الله تعالى: {زعم الذي كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن}.
والحاصل أن قوله تعالى: {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير}. لا يعارض ما قررناه من قبل لأن القيد بالمشيئة ليس عائدًا إلى القدرة وإنما يعود إلى الجمع. وكذلك لا يعارضه ما ثبت في صحيح مسلم في كتاب(الإيمان) في (باب آخر أهل النار خروجًا) من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «آخر من يدخل رجل» فذكر الحديث وفيه أن الله تعالى قال للرجل: «إني لا استهزئ منك ولكني على ما شاء قادر» وذلك لأن القدرة في هذا الحديث ذكرت لتقدير أمر واقع والأمر الواقع لا يكون إلا بعد المشيئة، وليس المراد بها ذكر الصفة المطلقة التي هي وصف الله تعالى أذلا وأبدلًا، ولذلك عبر عنها باسم الفاعل (قادر) دون الصفة المشبهة (قدير).
على هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستعبد قالوا قادر على ما يشاء، يجب أن يعرف الفرق بين ذكر القدرة على إنها صفة لله تعالى فلا يقيد بالمشيئة، وبين ذكرها لتقدير أمر واقع ولا مانع من تقيدها بالمشيئة، لأن الواقع لا يقع إلا بالمشيئة، والقدرة هنا ذكرت لإثبات ذلك الواقع وتقدير وقوعه، والله- سبحانه- أعلم.