فصل: تفسير الآيات (1- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (15- 29):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)}
{فلا أُقسِمُ بالخُنّسِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: خمسة الأنجم وهي: زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة، قاله عليّ.
وفي تخصيصها بالذكر وجهان:
أحدهما: لأنها لا تستقبل الشمس، قاله بكر بن عبد الله المزني.
الثاني: لأنها تقطع المجرة، قاله ابن عباس.
الثالث: أن الخنس بقر الوحش، قاله ابن مسعود.
الرابع: أنها الظباء، قاله ابن جبير.
ويحتمل تأويلاً خامساً: أنها الملائكة لأنها تخنس فلا تُرى، وهذا قَسَمٌ مبتدأ، و(لا) التي في قوله {فلا أقسم بالخنس} فيها الأوجه الثلاثة التي في {لا أقسم بيوم القيامة}.
{الجوار الكُنّسِ} فيها التأويلات الخمسة:
أحدها: النجوم، قاله الحسن، سميت بالجواري الكنس لأنها تجري في مسيرها.
الثاني: أنها النجوم الخمسة، وهو قول عليّ.
والكنّس، الغيّب، مأخوذ من الكناس وهو كناس الوحش التي تختفي فيه، قال أوس بن حجر:
ألم تر أن الله أنزل مُزْنَهُ ** وعُفْرُ الظباءِ في الكِناس تَقَمّعُ

الثالث: أنها بقر الوحش لاختفائها في كناسها، قاله ابن مسعود.
الرابع: الظباء، قاله ابن جبير.
الخامس: هي الملائكة.
{والليلِ إذا عَسْعَسَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أظلم، قاله ابن مسعود ومجاهد، قال الشاعر:
حتى إذ ما لَيْلُهُنَّ عَسْعَسا ** رَكِبْنَ مِن حَدِّ الظّلامِ حِنْدساً

الثاني: إذا ولى، قاله ابن عباس وابن زيد، قال الشاعر:
حتى إذا الصبح لها تنفسا ** وانجاب عنها ليلها وعسعسا

الثالث: إذا أقبل، قاله ابن جبير وقتادة، وأصله العس وهو الامتلاء، ومنه قيل للقدح الكبير عس لامتلائه بما فيه، فانطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه، وانطلق على ظلامه لاستكمال امتلائه،
{والصبحِ إذا تَنَفّسَ} فيه تأويلان:
أحدهما: طلوع الفجر، قاله عليّ وقتادة.
الثاني: طلوع الشمس، قاله الضحاك.
وفي {تنفّسَ} وجهان:
أحدهما: بان إقباله.
الثاني: زاد ضوؤه.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن يكون تنفس بمعنى طال، مأخوذ من قولهم قد تنفس النهار إذا طال.
{إنه لَقَوْلُ رسولٍ كريمٍ} وهو جواب القسم، يعني القرآن.
وفي الرسول الكريم قولان:
أحدهما: جبريل، قاله الحسن وقتادة والضحاك.
الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عيسى، فإن كان المراد به جبريل فمعناه قول رسول للَّه كريم عن رب العاليمن لأن أصل القول الذي هو القرآن ليس من الرسول، إنما الرسول فيه مبلغ على الوجه الأول، ومبلغ إليه على الوجه الثاني.
{مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ} هو جبريل في أصح القولين، يعني مطاعاً فيمن نزل عليه من الأنبياء، أميناً فيما نزل به من الكتب.
{وما صاحبكم بمجنونٍ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
{ولقد رآه بالأفق المبين} وفي الذي رآه قولان:
أحدهما: أنه رأى ربه بالأفق المبين، وهو معنى قول ابن مسعود.
الثاني: رأى جبريل بالأفق المبين على صورته التي هو عليها، وفيها قولان:
أحدهما: أنه رآه ببصره، قاله ابن عباس وعائشة.
الثاني: بقلبه، ولم يره ببصره، قاله أبو ذر.
وفي (الأفق) قولان:
أحدهما: أنه مطلع الشمس.
الثاني: أقطار السماء ونواحيها، قال الشاعر:
أخَذْنا بآفاقِ السماءِ عليكمُ ** لنا قَمَراها والنُّجومُ الطّوالعُ

فعلى هذا فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه رآه في أفق السماء الشرقي، قاله سفيان.
والثاني: في أفق السماء الغربي، حكاه ابن شجرة.
الثالث: أنه رآه نحو أجياد، وهو مشرق مكة، قاله مجاهد، {وما هو على الغَيْبِ بضنين} قرأ بالظاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وفيه وجهان:
أحدهما: وما محمد على القرآن بمتهم أن يأتي بما لم ينزل عليه، قاله ابن عباس.
الثاني: بضعيف عن تأديته، قاله الفراء.
وقرأ الباقون بالضاد، وفيه وجهان:
أحدهما: وما هو ببخيل أن يعلِّم كما تعلّم.
الثاني: وما هو بمتهم أن يؤدي ما لم يؤمر به.
{فأيْنَ تَذْهَبون} فيه وجهان:
أحدهما: فإلى أين تعدلون عن كتاب الله تعالى وطاعته، قاله قتادة.
الثاني: فأي طريق أهدى لكم وأرشد من كتاب الله، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً: فأين تذهبون عن عذابه وعقابه.
{وما تشاؤون إلا أن يشاءَ اللهُ ربُّ العالَمين} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وما تشاؤون الاستقامة على الحق إلا أن يشاء الله لكم.
الثاني: وما تشاؤون الهداية إلا أن يشاء الله بتوفيقه: وقيل إن سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قوله تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم} قال أبو جهل: ذلك إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله ربّ العالمين}.

.سورة الانفطار:

.تفسير الآيات (1- 12):

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
قوله تعالى: {إذا السماءُ انْفَطَرتْ} فيه وجهان:
أحدهما: انشقت.
الثاني: سقطت، قال الشاعر:
كانوا سعوداً سماءَ الناس فانفطرت ** فأصبح الشمل لم ترفع له عُمُد

{وإذا الكواكب انتَثَرتْ} يعني تساقطت، قال ابن عباس، تسقط سوداء لا ضوء لها.
{وإذا البحار فُجِّرَتْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يبست، قاله الحسن.
الثاني: خلطت فصارت بحراً واحداً، وهذا معنى قول ابن عباس، قال: وهو سبعة أبحر فتصير بحراً واحداً.
الثالث: فجر عذبها في مالحها: ومالحها في عذبها، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً: أي فاضت.
{وإذا القبور بُعْثِرتْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بحثت وثوّرت، قاله ابن عباس وعكرمة، وقال الفراء: فيخرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها ثم تخرج الموتى.
الثاني: حركت للبعث، قاله السدي.
الثالث: بعث من فيها من الأموات، قاله قتادة.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قدَّمَتْ وأَخرَتْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما عملت وما تركت، قاله ابو رزين.
الثاني: ما قدمت من طاعة، وأخرت من حق الله، قاله ابن عباس.
الثالث: ما قدمت من الصدقات وما أخرت من الميراث.
ويحتمل ما قدمت من معصية وأخرت من طاعة، لأنه خارج مخرج الوعيد، وهذا جواب {إذا السماء انفطرت} لأنه خبر، وجعلها الحسن قَسَماً وقعت على قوله {علمت نفس} الآية.
والأظهر ما عليه الجماعة من أنه خبر وليس بقسم.
{يا أيها الإنسان ما غّرَّك بربِّكَ الكريم} في الإنسان ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه إشارة إلى كل كافر.
الثاني: أنه أبي بن خلف، قاله عكرمة.
الثاث: أنه أبو الأشد بن كلدة بن أسد الجمحي، قاله ابن عباس.
وفي الذي غرَّه قولان:
أحدهما: عدوه الشيطان، قاله قتادة.
الثاني: جهله، وهو قول عمر بن الخطاب.
ويحتمل قولاً ثالثاً: إنه إمهاله.
{الكريم} الذي يتجاوز ويصفح، وروى الحسن أن عمر بن الخطاب لما قرأ {يا أيها الإنسان}..... الآية، قال: حمقه وجهله.
{الذي خَلَقَك فسَوَّاك فَعدَلك} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: فسوى خلقك وعدل خلقتك.
الثاني: فسوَّى أعضاءك بحسب الحاجة وعدلها في المماثلة لا تفضل يد على يد، ولا رجل على رجل.
الثالث: فسواك إنساناً كريماً وعدل بك عن أن يجعلك حيواناً بهيماً.
قال أصحاب الخواطر: سوّاك بالعقل وعدلك بالإيمان.
{في أَيِّ صورَةٍ ما شاءَ رَكّبَكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما شاء ركبك من شبه أم أو أب أو خال أو عم، قاله مجاهد.
الثاني: من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى، قاله ابن عيسى.
الثالث: في أي صورة من صور الخلق ركبك حتى صرت على صورتك التي أنت عليها أيها الإنسان لا يشبهك شيء من الحيوان.
وروى موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجده: «ما ولِدَ لك؟» قال: يا رسول الله وما عسى أن يولد لي إما غلام وإما جارية، قال رسول الله: «ومن عسى أن يشبه؟» قال: إما أباه وإما أمه، فقال عليه السلام عندها: «مه لا تقولن هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم أما قرأت في كتاب الله: في أي صورة ما شاء ركبك.»
{كلاّ بَلْ تُكّذِّبونَ بالدِّين} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بالحساب والجزاء، قاله ابن عباس.
الثاني: بالعدل والقضاء، قاله عكرمة.
الثالث: بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، حكاه ابن عيسى.
{وإنَّ عليكم لحافِظِينَ} يعني الملائكة، يحفظ كلَّ إنسان ملكان، أحدهما عن يمينه يكتب الخير، والآخر عن شماله يكتب الشر.
{كِراماً كاتِبينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كراماً على الله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: كراماً بالإيمان، قاله السدي.
الثالث: لأنهم لا يفارقون ابن آدم إلا في موطنين عند الغائط وعند الجماع يعرضان عنه ويكتبان ما تكلم به، فلذلك كره الكلام عند الغائط والجماع.
ويحتمل رابعاً: كراماً لأداء الأمانة فيما يكتبونه من عمله فلا يزيدون فيه ولا ينقصون منه.