فصل: تفسير الآيات (19- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (8- 10):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}
قوله عز وجل: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: لاَوِي عنقه إعراضاً عن الله ورسوله، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
الثاني: معناه لاَوِي عنقه كِبْرا عن الإِجابة، وهذا قول ابن عباس.
قال المفضل: والعِطف الجانب، ومنه قولهم فلان ينظر في أعطافه أي في جوانبه. قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث.
{لِيضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: تكذيبه للرسول وإعراضه عن أقواله.
والثاني: فإذا أراد أحد من قومه الدخول في الإسلام أحضره وأقامه وشرط له وعاتبه وقال: هذا خير لك مما يدعوك إليه محمد، حكاه الضحاك.

.تفسير الآيات (11- 13):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني على وشك وهو قول مجاهد، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر.
والثاني: على شرط، وهو قول ابن كامل.
والثالث: على ضعف في العبادة كالقيام على حرف، وهو قول علي بن عيسى.
ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً: أن حرف الشي بعضه، فكأنه يعبد الله بلسانه ويعصيه بقلبه.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} وهذا قول الحسن.
الثاني: أن ذلك نزل في بعض قبائل العرب وفيمن حول المدينة من أهل القرى، كانوا يقولون: نأتي محمداً فإن صادفنا خيراً اتبعناه، وإلا لحقنا بأهلنا، وهذا قول ابن جريج، فأنزل الله تعالى: {فإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأنَّ بِهِ}.
ويحتمل وجهين آخرين:
أحدهما: اطمأن بالخير إلى إيمانه.
الثاني: اطمأنت نفسه إلى مقامه.
{وَإِن أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} أي محنة في نفسه أو ولده أو ماله.
{انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} يحتمل عندي وجهين:
أحدهما: رجع عن دينه مرتداً.
الثاني: رجع إلى قومه فزعاً.
{خَسِرَ الدُّنْيَا والآخرة} خسر الدنيا بفراقه، وخسر الآخرة بنفاقه.
{ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانِ الْمُبِينُ} أي البيِّن لفساد عاجله وذَهَاب آجله.
قوله عز وجل: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئسْ الْعَشِيرُ} يعني الصنم، وفيه وجهان:
أحدهما: أن المولى الناصر، والعشير الصاحب، وهذا قول ابن زيد.
والثاني: المولى المعبود، والعشير الخليط، ومنه قيل للزوج عشير لخلطته مأخوذ من المعاشرة.

.تفسير الآيات (14- 17):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}
قوله عز وجل: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن يرزقه الله، وهو قول مجاهد، والنصر الرزق، ومنه قول الأعشى.
أبوك الذي أجرى عليّ بنصره ** فأنصب عني بعده كل قابل

والثالث: معناه أن لن يمطر أرضه، ومنه قول رؤبة:
إني وأسطار سطران سطرا ** لقائل يا نصرَ نصرٍ نصرا

إني عبيدة: يقال للأرض الممطرة أرض منصورة.
{فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} والنصر في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بظهور الحجة.
ويحتمل وجهاً آخر أن يكون النصر في الدنيا علو الكلمة، وفي الآخرة علو المنزلة.
{فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} فيه تأويلان:
أحدهما: فليمدد بحبل إلى سماء الدنيا ليقطع الوحي عن محمد ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي يذهب الكيد منه ما يغيظه من نزول الوحي عليه، وهذا قول ابن زيد.
والثاني: فليمدد بحبل إلى سماء بيته وهو سقفه، ثم لِيخْنقَ به نفسه فلينظر هل يذهب ذلك بغيظه من ألا يرزقه الله تعالى، وهذا قول السدي.

.تفسير الآية رقم (18):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
قوله عز وجل: {وَمَن يُهِن اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكرمٍ} فيه وجهان:
أحدهما: ومن يهن الله فيدخله النار فما له من مكرم فيدخله الجنة.
{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} من ثواب وعقاب، وهذا قول يحيى بن سلام.
والثاني: ومن يهن الله بالشقوة فما له من مكرم بالسعادة.
{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءَ} من شقوة، وهذا قول الفراء وعلي بن عيسى.
ويحتمل عندي وجهاً ثالثاً: ومن يهن الله بالإِنتقام فما له من مكرم بالإنعام، إن الله يفعل ما يشاء من إنعام وانتقام.

.تفسير الآيات (19- 22):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قوله عز وجل: {هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ} والخصمان ها هنا فريقان، وفيهما أربعة أقاويل:
أحدها: أنهما المسلمون والمشركون حين اقتتلوا في بدر، وهذا قول أبي ذر، وقال محمد بن سيرين: نزلت في الثلاثة الذين بارزوا يوم بدر ثلاثة من المشركين فقتلوهم.
والثاني: أنهم أهل الكتاب قالوا: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم.
ونحن خير منكم، فقال المسلمون كتابنا يقضي على كتابكم، ونبينا خاتم الأنبياء.
ونحن أولى بالله منكم، وهذا قول قتادة.
والثالث: أنهم أهل الإِيمان والشرك في اختلافهم في البعث والجزاء، وهذا قول مجاهد، والحسن، وعطاء.
والرابع: هما الجنة والنار اختصمتا، فقالت النار: خلقني الله لنقمته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته، وهذا قول عكرمة.
{فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعْتَ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} معناه أن النار قد أحاطت بها كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم، فصارت من هذا الوجه ثياباً، لأنها بالإِحاطة كالثياب.
{يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ} ها هنا هو الماء الحار، قال الشاعر:
كأن الحميم على متنها ** إذا اغترفته بأطساسها

جُمان يحل على وجنةٍ ** علته حدائد دوّاسها

وضم الحميم إلى النار وإن كانت أشد منه لأنه ينضج لحومهم، والنار بانفرادها تحرقها، فيختلف به العذاب فيتنوع، فيكون أبلغ في النكال.
وقيل إنها نزلت في ثلاثة من المسلمين قتلوا ثلاثة من المشركين يوم بدر حمزة بن عبد المطلب قتل عتبة بن ربيعة، وعليّ بن أبي طالب قتل الوليد بن عتبة، وعبيدة بن الحارث قتل شيبة بن ربيعة.
قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يحرق به وهو قول يحيى بن سلام.
والثاني: يقطع به، وهو قول الحسن.
والثالث: ينضج به، وهو قول الكلبي ومنه قول العجاج:
شك السفافيد الشواء المصطهرْ ** والرابع: يذاب به، وهو قول مجاهد، مأخوذ من قولهم: صهرت الألية إذا أذبتها، ومنه قول ابن أحمر:

تروي لقى ألقى في صفصفٍ ** تصهره الشمس فما ينْصهِر

{وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} والمقامع: جمع مقمعة، والمقمعة ما يضرب به الرأس لا يعي فينكب أو ينحط.

.تفسير الآيات (23- 24):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قوله عز وجل: {وَهُدُواْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه قول لا إله إلا الله، وهو قول الكلبي.
والثاني: أنه الإِيمان، وهو قول الحسن.
والثالث: القرآن، وهو قول قطرب.
والرابع: هو الأمر بالمعروف.
ويحتمل عندي تأويلاً خامساً: أنه ما شكره عليه المخلوقون وأثاب عليه الخالق.
{وَهُدُواْ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} فيه تأويلان:
أحدهما: الإِسلام، وهو قول قطرب.
والثاني: الجنة.
ويحتمل عندي تأويلاً ثالثاً: أنه ما حمدت عواقبه وأمنت مغبته.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قوله عز وجل: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد المسجد نفسه، ومعنى قوله: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم.
{سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ} وهو المقيم، {وَالْبَادِ} وهو الطارئ إليه، وهذا قول ابن عباس.
والقول الثاني: أن المراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، وعلى هذا في قوله: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} وجهان:
أحدهما: أنهم سواء في دوره ومنازله، وليس العاكف المقيم أولى بها من البادي المسافر، وهذا قول مجاهد ومَنْ منع بيع دور مكة كأبي حنيفة.
والثاني: أنهما سواء في أن من دخله كان آمناً، وأنه لا يقتل بها صيداً ولا يعضد بها شجراً.
{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} والإِلحاد: الميل عن الحق والباء في قوله: {بِإِلْحَادٍ} زائدة كزيادتها في قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] ومثلها في قول الشاعر:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ** نضرب بالسيف ونرجو بالفَرَجِ

أي نرجو الفرج، فيكون تقدير الكلام: ومن يرد فيه إلحاداً بظلم.
وفي الإِلحاد بالظلم أربعة تأويلات:
أحدها: أنه الشرك بالله بأن يعبد فيه غير الله، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه استحلال الحرام فيه، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث: استحلال الحرام متعمداً، وهذا قول ابن عباس.
والرابع: أنه احتكار الطعام بمكة، وهذا قول حسان بن ثابت.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرته عام الحديبية.