فصل: تفسير الآيات (28- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (26- 27):

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)}
قوله: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: مطيعون، قاله مجاهد. روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة.
الثاني: مصلون، قاله ابن عباس.
الثالث: مقرون بالعبودية، قاله عكرمة وأبو مالك والسدي.
الرابع: كل له قائم يوم القيامة، قاله الربيع بن أنس.
الخامس: كل له قائم بالشهادة أنه عبد له، قاله الحسن.
السادس: أنه المخلص، قاله ابن جبير.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته، وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلاً على ما خفي من إعادته استدلالاً بالشاهد على الغائب.
ثم أكد ذلك بقوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إن إعادة الخلق أهون من ابتداء إنشائهم لأنهم ينقلون في الابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم يعود رضيعاً ثم فطيماً، وهو في الإعادة يصاح به.
فيقوم سوياً وهذا مروي عن ابن عباس.
الثالث: معناه وهو هين عليه فجعل {أهْونُ} مكان {هَيِّنٌ} كقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتاً دعائمه أعز وأطول

أي دعائمه عزيرة طويلة.
وفي تأويل {أَهْوَنُ} وجهان:
أحدهما: أيسر، قاله ابن عباس.
الثاني: أسهل، وأنشد ابن شجرة قول الشاعر:
وهان على أسماءَ أن شطت النوى ** يحن إليها والهٌ ويتوق

أي هي أسهل عليه، وقال الربيع بن هيثم في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} قال: ما شيء على الله بعزيز.
{وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} أي الصفة العليا. وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه ليس كمثله شيء، قاله ابن عباس.
الثاني: هو شهادة أن لا إله إلا الله، قاله قتادة.
الثالث: أنه يحيي ويميت، قاله الضحاك.
ويحتمل رابعاً:-هو أعلم- أنه جميع ما يختص به من الصفات التي لا يشاركه المخلوق فيها.
{فِي السَّموَاتِ وَالأَرْضِ} أي لا إله فيها غيره.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فيه وجهان:
أحدهما: المنيع في قدرته.
الثاني: في انتقامه.
{الْحَكِيمُ} فيه وجهان:
أحدهما: في تدبيره لأمره وهو معنى قول أبي العالية.
الثاني: في إعذاره وحجته إلى عباده، قاله جعفر بن الزبير.

.تفسير الآيات (28- 29):

{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)}
قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ} اختلف في سبب ضرب الله لهم المثل على ثلاثة أقاويل:
أحدها: لأن المشركين أشركوا به في العبادة غيره، قاله قتادة.
الثاني: لأنه كانت تلبية قريش في الجاهلية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً وهو لك، تملكه وما ملك، فأنزل الله هذه الآية، قاله ابن جبير.
الثالث: لأنهم كانوا لا يورثون مواليهم فضرب الله هذا المثل، قاله السدي.
وتأويله: أنه لم يشارككم عبيدكم في أموالكم لأنكم مالكون لهم، فالله أوْلى ألا يشاركه أحد من خلقه في العبادة لأنه مالكهم وخالقهم.
{تَخَافُونَهُم كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تخافون أن يشاركوكم في أموالكم كما تخافون ذلك من شركائكم، قاله أبو مجلز.
الثاني: تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم، قاله السدي.
الثالث: تخافون لائمتهم كما تخافون بعضكم بعضاً، قاله يحيى بن سلام.

.تفسير الآيات (30- 32):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قصدك.
الثاني: دينك، قاله الضحاك.
الثالث: عملك، قاله الكلبي.
{لِلدِّينِ حَنِيفاً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: مسلماً، وهذا قول الضحاك.
والثاني: مخلصاً، وهذا قول خصيف.
الثالث: متبعاً، قاله مجاهد.
الرابع: مستقيماً، قاله محمد بن كعب.
الخامس: حاجّاً، قاله ابن عباس.
السادس: مؤمناً بالرسل كلهم، قاله أبو قلابة.
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} فيها تأويلان:
أحدهما: صنعة الله التي خلق الناس عليها، قاله الطبري.
الثاني: دين الله الذي فطر خلقه عليه، قاله ابن عباس والضحاك والكلبي يريد به الإسلام وقد روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مِن فِطْرةِ إِبْرَاهِيمَ السُّوَاكُ» ومن قول كعب بن مالك:
إن تقتولنا فدين الله فطرتنا ** والقتل في الحق عند الله تفضيل

{لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا تبديل لدين الله، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني: لا تغيير لخلق الله من البهائم أن يخصي فحولها، قاله عمر بن الخطاب وابن عباس وعكرمة.
الثالث: لا تبديل خالق غير الله فيخلق كخلق الله، لأنه خالق يخلق، وغيره مخلوق لا يخلق، وهو معنى قول ابن بحر.
ويحتمل رابعاً، لا يشقى من خلقه سعيداً ولا يسعد من خلقه شقيّاً.
{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} فيه تأويلان:
أحدهما: ذلك الحساب البين، قاله مقاتل بن حيان.
الثاني: ذلك القضاء المستقيم، قاله ابن عباس.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً وإلهاً قديماً:
قوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: مقبلين إليه، قاله يحيى بن سلام والفراء.
الثاني: داعين إليه، قاله عبيد بن يعلى.
الثالث: مطيعين له، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الرابع: تائبين إليه من الذنوب، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
فإن تابوا فإن بني سليم ** وقومهم هوازن قد أنابوا

وفي أصل الإنابة قولان:
أحدهما: أن أصله القطع ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة.
الثاني: أن أصله الرجوع مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد مرة ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة.
قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} أي أوقعوا فيه الاختلاف حتى صاروا فرقاً وقرئ {فَارَقُواْ دِينَهُم} أي تركوه وقد قرأ بذلك علي رضي الله عنه وهي قراءة حمزة والكسائي وفيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم اليهود، قاله قتادة.
الثاني: أنهم اليهود والنصارى، قاله معمر.
الثالث: أنهم الخوارج من هذه الأمة، وهذا قول أبي هريرة ورواه أبو أمامة مرفوعاً.
الرابع: أنهم أصحاب الأهواء والبدع، روته عائشة مرفوعاً.
{وَكَانُواْ شِيَعاً} فيه وجهان:
أحدهما: فرقاً، قاله الكلبي.
الثاني: أدياناً، قاله مقاتل.
ويحتمل ثالثاً: أنهم أنصار الأنبياء وأتباعهم.
{كُلُّ حِزْبٍ} أي فرقة.
{بِمَا لَدَيْهِمْ فِرِحُونَ} أي بما عندهم من الضلالة.
{فَرِحُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مسرورون، قاله الجمهور.
الثاني: معجبون، قاله ابن زيد.
الثالث: متمسكون، قاله مجاهد.

.تفسير الآيات (33- 37):

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)}
قوله: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني كتاباً، قاله الضحاك.
الثاني: عذراً، قاله قتادة.
الثالث: برهاناً، وهو معنى قول السدي وعطاء.
الرابع: رسولاً، حكاه ابن عيسى محتملاً.
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: معناه يخبر به.
الثاني: يحتج له.
قوله: {وَإِذَآ أَذَقْنا النَّاسَ رَحْمَةً} فيها وجهان:
أحدهما: أنها العافية والسعة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: النعمة والمطر، حكاه النقاش.
ويحتمل أنها الأمن والدعة.
{فَرِحُواْ بِهَا} أي بالرحمة.
{وَإِن تُصِبْهُمْ سِيِّئَةً} فيها وجهان:
أحدهما: بلاء وعقوبة، قاله مجاهد.
الثاني: قحط المطر، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً: أنها الخوف والحذر.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بذنوبهم.
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن القنوط اليأس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور.
الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن.