فصل: سورة الروم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (64- 66):

{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)}
قوله تعالى: {إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} قال الضحاك: الحياة الدائمة وقال أبو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.

.تفسير الآيات (67- 69):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}
قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءَآمِناً} قال عبد الرحمن بن زيد: هي مكة وهم قريش أمنهم الله بها.
{وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} قال الضحاك: يقتل بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً فأذكرهم الله بهذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة.
{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أفبالشرك، قاله قتادة.
الثاني: بإبليس، قاله يحيى بن سلام.
{وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بعافية الله، قاله ابن عباس.
الثاني: بعطاء الله وإحسانه، قاله ابن شجرة.
الثالث: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف، حكاه النقاش، وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الاستفهام.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} بأن جعل لله شريكاً أو ولداً.
{أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بالتوحيد، قاله السدي.
الثاني: بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن شجرة.
{مَثْوًى} أي مستقراً.
قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: قاتلوا المشركين طائعين لنا.
الثاني: جاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً منا.
الثالث: اجتهدوا في العمل بالطاعة والكف عن المعصية رغبة في ثوابنا وحذراً من عقابنا.
الرابع: جاهدوا أنفسهم في التوبة من ذنوبهم.
{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني الطريق إلى الجنة، قاله السدي.
الثاني: نوفقهم لدين الحق، حكاه النقاش.
الثالث: معناه الذين يعملون بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون، قاله عباس أبو أحمد.
الرابع: معناه لنخلصنّ نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم، قاله يوسف بن أسباط.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} أي في العون لهم، الله أعلم.

.سورة الروم:

.تفسير الآيات (1- 7):

{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}
قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ} الآية. روى ابن جبير عن ابن عباس قال: كان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان.
قال ابن شهاب: فغلبت فارس الروم فسر بذلك المشركون وقالوا للمسلمين إنكم تزعمون أنكم ستغلبوننا لأنكم أهل كتاب، وقد غلبت فارس الروم والروم أهل كتاب.
وقيل: إنه كان آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فساءه فأنزل الله هاتين الآيتين فلما قال: {وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيْغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} سر بذلك المسلمون وبادر أبو بكر رضي الله عنه إلى مشركي قريش فأخبرهم بما أنزل عليهم وأن الروم ستغلب الفرس. قال قتادة: فاقتمر أبو بكر والمشركون على ذلك، وذلك قبل تحريم القمار مدة اختلف الناس فيها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: مدة ثلاث سنين تظهر الروم فيها على فارس، قاله السدي.
الثاني: خمس سنين، قاله قتادة.
الثالث: سبع سنين، قاله الفراء.
وكان الذي تولى ذلك من المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، واختلف في الذي تولاه من المشركين مع أبي بكر على قولين:
أحدهما: أنه أبو سفيان بن حرب، قاله السدي.
الثاني: أنه أُبي بن خلف، قاله قتادة. وحكىلنقاش أن أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم عَلِق به أبي بن خلف وقال: اعطني كفيلاً بالخطر إن غلبت فكفله ابنه عبد الرحمن.
واختلف في قدر العوض المبذول على قولين:
أحدهما: أربع قلائص، قاله عامر.
الثاني: خمس قلائص، قاله قتادة.
فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر لهم هذه المدة أنكرها وقال: «مَا حَمَلَكَ عَلَىَ مَا فَعَلْتَ؟» قال: ثقة بالله وبرسوله، قال: «فَكَم البِضْعُ» قال: ما بلغ بين الثلاث والعشر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «زِدْهُم فِي الخَطَرِ فِي وَزِدْ الأَجَلِ» فزادهم قلوصين وازداد منهم في الأجل سنتين فصارت القلائص ستاً على القول الأول، وسبعاً على الثاني، وصار الأجل خمساً على القول الأول، وسبعاً على الثاني: وتسعاً على الثالث.
واختلف في الاستزاده والزيادة على قولين:
أحدهما: أنها كانت بعد انقضاء الأجل الأول قبل ظهور الغلبة، قاله عامر.
الثاني: أنها كانت قبل انقضاء الأجل الأول، قاله ابن شهاب، فأظفر الله الروم بفارس قبل انقضاء الأجل الثاني تصديقاً لخبره في التقدير ولرسوله صلى الله عليه وسلم في التنزيل.
واختلف في السنة التي غلبت الروم أهل فارس على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها عام بدر ظهر الروم على فارس فيه وظهر المسلمون على قريش فيه، قاله أبو سعيد، قال: فكان يوم بدر.
الثاني: أن ظهور فارس على الروم كان قبل الهجرة بسنتين، وظهور المسلمين على قريش كان في عام بدر بعد الهجرة بسنتين، ولعله قول عكرمة.
الثالث: عام الحديبية ظهرت الروم على فارس وكان ظهور المسملين على المشركين في الفتح بعد مدة الحديبية، قاله عبيد الله بن عبد الله.
فأما قوله تعالى: {فِي أَدْنَى الأَرْضِ} ففيه قولان:
أحدهما: في أدنى أرض فارس؛ حكاه النقاش.
الثاني: في أدنى أرض الروم، وهو قول الجمهور وفي أدنى أرض الروم أربعة أقاويل:
أحدها: أطراف الشام، قاله ابن عباس.
الثاني: الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، قاله مجاهد.
الثالث: الأردن وفلسطين، قاله السدي.
الرابع: أذرعات الشام وكانت بها الوقعة، قاله يحيى بن سلام.
وقرأ أبو عمرو وحده: {غَلَبَتِ} بالفتح أي ظهرت فقيل له علام غلبت؟ فقال: في أدنى ريف الشام.
قوله تعالى: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} وهو ما بين الثلاث إلى العشر وهذا نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال بعض أهل اللغة هو ما بين العقدين من الواحد إلى العشرة فيكون من الثاني إلى التاسع.
وأما النيف ففيه قولان:
أحدهما: ما بين الواحد والتسعة، قاله ابن زيد.
الثاني: ما بين الواحد والثلاثة، وهو قول الجمهور.
{لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} فيه وجهان:
أحدهما: من قبل أن تغلب الروم ومن بعد ما غلبت.
الثاني: من قبل غلبة دولة فارس على الروم ومن بعد غلبة دولة الروم على فارس.
{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه الخبر الذي ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بهلاك كسرى ففرح ومن معه فكان هذا يوم فرحهم بنصر الله لضعف الفرس وقوة العرب.
الثاني: يعني به نصر الروم على فارس.
وفي فرحهم بذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: تصديق خبر الله وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: لأنهم أهل كتاب مثلهم.
الثالث: لأنه مقدمة لنصرهم على المشركين.
{بِنَصْرِ اللَّهِ} يعني من أوليائه لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصر وإنما هو ابتلاء.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} في نقمته {الرَّحِيمُ} لأهل طاعته.
قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فيه وجهان:
أحدهما: يعلمون أمر معايشهم متى يزرعون ومتى يحصدون وكيف يغرسون وكيف يبنون، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقال الضحاك: هو بنيان قصورها وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها فهذا ظاهر الحياة الدنيا.
الثاني: يعلمون ما ألقته الشياطين لهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع من سماء الدنيا، قاله ابن جبير.
ويحتمل ثالثاً: أن ظاهر الحياة الدنيا العمل لها، وباطنها عمل الآخرة.
{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: عما أعده الله في الآخرة من ثواب عن طاعته وعقاب على معصيته.
الثاني: عما أمرهم الله به من طاعة وألزمهم إياه.

.تفسير الآيات (8- 10):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: بالعدل.
الثاني: بالحكمة.
الثالث: إلا ما استحق عليهم الطاعة والشكر.
والرابع: قاله الفراء، معناه إلا للحق يعني الثواب والعقاب.
{وَأَجَلِ مُّسَمًّى} فيه وجهان:
أحدهما: قيام الساعة، قاله ابن عباس.
الثاني: وهو محتمل أنه أجل كل مخلوق على ما قدر له.
فدل ذل على أمرين:
أحدهما: دل به على الفناء وعلى أن لكل مخلوق أجلاً.
الثاني: نبه على ثواب المحسن وعقاب المسيء.
قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَآءُواْ} قال ابن عباس: كفرواْ.
{السُّوأَى} فيه وجهان:
أحدهما: جهنم، قاله السدي.
الثاني: العذاب في الدنيا والآخرة، قاله الحسن.
وفي الفرق بين الإساءة والسوء وجهان:
أحدهما: أن الإساءة إنفاق العمر في الباطل، والسوء إنفاق رزقه في المعاصي.
الثاني: أن الإِساءَة فعل المسيء والسوء الفعل مما يسوء.
{أَن كَذَّبُواْ} لأن كذبواْ.
{بِئَايَاتِ اللَّهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، قاله الكلبي.
الثاني: بالعذاب أن ينزل بهم، قاله مقاتل.
الثالث: بمعجزات الرسل، قاله الضحاك.
{وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ} أي بالآيات.