فصل: تفسير الآيات (29- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (29- 40):

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}
{انْطَلِقوا إلى ظِلٍّ ذي ثلاثِ شُعَبٍ} قيل إن الشعبة تكون فوقه، والشعبة عن يمينه، والشعبة عن شماله، فتحيط به، قاله مجاهد.
الثاني: أن الشعب الثلاث الضريع والزقوم والغسلين، قاله الضحاك.
ويحتمل ثالثاً: أن الثلاث الشعب: اللهب والشرر والدخان، لأنه ثلاثة أحوال هي غاية أوصاف النار إذا اضطرمت واشتدت.
{لا ظَليلٍ} في دفع الأذى عنه.
{ولا يُغْني مِن اللّهَب} واللهب ما يعلو عن النار إذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر.
{إنها تَرْمي بِشَرَرٍ كالقَصْرِ} والشرر ما تطاير من قطع النار، وفي قوله {كالقصر} خمسة أوجه.
أحدها: أنه أصول الشجر العظام، قاله الضحاك.
الثاني: كالجبل، قاله مقاتل.
الثالث: القصر من البناء وهو واحد القصور، قاله ابن مسعود.
الرابع: أنها خشبة كان أهل الجاهلية يقصدونها، نحو ثلاثة أذرع، يسمونها القصر، قاله ابن عباس.
الخامس: أنها أعناق الدواب، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً سادساً: أن يكون ذلك وصفاً من صفات التعظيم، كنى عنه باسم القصر، لما في النفوس من استعظامه، وإن لم يُردْ به مسمى بعينه.
{كأنّه جِمالةٌ صُفْرٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني جِمالاً صُفراً وأراد بالصفر السود، سميت صفراً لأن سوادها يضرب إلى الصفرة، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة، قال الشاعر:
تلك خَيْلي منه وتلك رِكابي ** هُنّ صُفْرٌ أولادُها كالزبيبِ.

الثاني: أنها قلوس السفن، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثالث: أنها قطع النحاس، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وفي تسميتها بالجمالات الصفر وجهان:
أحدهما: لسرعة سيرها.
الثاني: لمتابعة بعضها لبعض.
{فإنْ كانَ لكم كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فيه وجهان:
أحدهما: إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم، قاله مقاتل.
الثاني: إن استطعتم أن تمتنعوا عني فامتنعوا، وهو معنى قول الكلبي.

.تفسير الآيات (41- 50):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
{وإذا قِيلَ لهم ارْكَعوا لا يَرْكَعون} أي صلّوا لا يصلّون، قال مقاتل.
نزلت في ثقيف امتنعوا عن الصلاة فنزل ذلك فيهم، وقيل إنه قال ذلك لأهل الآخرة تقريعاً لهم.
{فبأيِّ حديثٍ بَعْدَه يُؤْمنُون} أي فبأي كتاب بعد القرآن يصدّقون.

.سورة النبأ:

.تفسير الآيات (1- 16):

{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}
قوله تعالى: {عَمَّ يتساءَلونَ عن النبإ العَظيمِ} يعني عن أي شيء يتساءل المشركون؟ لأن قريشاً حيث بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت تجادل وتَختصم في الذي دعا إليه.
وفي {النبأ العظيم} أربعة أقاويل:
أحدها: القرآن، قاله مجاهد.
الثاني: يوم القيامة، قاله ابن زيد.
الثالث: البعث بعد الموت، قاله قتادة.
الرابع: عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
{الذي هُمْ فيه مُختَلِفَونَ} هو البعث، فأما الموت فلم يختلفوا فيه، وفيه قولان:
أحدهما: أنه اختلف فيه المشركون من بين مصدق منهم ومكذب، قاله قتادة.
الثاني: اختلف فيه المسلمون والمشركون، فصدّق به المسلمون وكذّب به المشركون، قاله يحيى بن سلام.
{كَلاَّ سيعْلَمون ثم كلا سيعلمون} فيه قولان:
أحدهما: أنه وعيد بعد وعيد للكفار، قاله الحسن، فالأول: كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في القيامة، والثاني: كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في جهنم.
القول الثاني: أن الأول للكفار فيما ينالهم من العذاب في النار، والثاني للمؤمنين فيما ينالهم من الثواب في الجنة، قاله الضحاك.
{وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: نعاساً، قاله السدي.
الثاني: سكناً، قاله قتادة.
الثالث: راحة ودعة، ولذلك سمي يوم السبت سبتاً لأنه يوم راحة ودعة، قال أبو جعفر الطبري: يقال سبت الرجل إذا استراح.
الرابع: سُباتا أي قطعاً لأعمالهم، لأن أصل السبات القطع ومنه قولهم سبت الرجل شعره إذا قطعه، قال الأنباري: وسمي يوم السبت لانقطاع الأعمال فيه.
ويحتمل خامساً: أن السبات ما قرت فيه الحواس حتى لم تدرك بها الحس.
{وجَعَلْنا اللّيلَ لِباساً} فيه وجهان:
أحدهما: سكناً، قاله سعيد بن جبير والسدي.
الثاني: غطاء، لأنه يغطي سواده كما يغطى الثوب لابسه، قاله أبو جعفر الطبري.
{وجَعَلنا النهارَ مَعاشاً} يعني وقت اكتساب، وهو معاش لأنه يعاش فيه.
ويحتمل ثانياً: أنه زمان العيش واللذة.
{وجَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً} يعني بالسراج الشمس، وفي الوهّاج أربعة أقاويل:
أحدها: المنير، قاله ابن عباس.
الثاني: المتلألئ، قاله مجاهد.
الثالث: أنه من وهج الحر، قاله الحسن.
الرابع: أنه الوقّاد، الذي يجمع بين الضياء والجمال.
{وأَنْزَلْنا من المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ان المعصرات الرياح، قاله ابن عباس وعكرمة، قال زيد بن أسلم هي الجنوب.
الثاني: أنها السحاب، قاله سفيان والربيع.
الثالث: أن المعصرات السماء، قاله الحسن وقتادة.
وفي الثجاج قولان:
أحدهما: الكثير قاله ابن زيد.
الثاني: المنصبّ، قاله ابن عباس، وقال عبيد بن الأبرص:
فثجّ أعلاه ثم ارتج أسفلُه ** وضاق ذَرْعاً بحمل الماء مُنْصاحِ

{لنُخرج به حبّاً ونَباتاً} فيه قولان:
أحدهما: ان الحب ما كان في كمام الزرع الذي يحصد، والنبات: الكلأ الذي يرعى، وهذا معنى قول الضحاك.
الثاني: أن الحب اللؤلؤ، والنبات: العشب، قال عكرمة: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبتت في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة.
ويحتمل ثالثاً: أن الحب ما بذره الآدميّون، والنبات ما لم يبذروه.
{وجنّاتٍ أَلْفافاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها الزرع المجتمع بعضه إلى جنب بعض، قاله عكرمة.
الثاني: أنه الشجرالملتف بالثمر، قاله السدي.
الثالث: أنها ذات الألوان، قاله الكلبي.
ويحتمل رابعاً: أنها التي يلف الزرع أرضها والشجر أعاليها، فيجتمع فيها الزرع والشجر ملتفات.

.تفسير الآيات (17- 30):

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)}
{إنّ يومَ الفصلِ} يعني يوم القيامة، سمي بذلك لأنه يفصل فيه الحكم بين الأولين والآخرين والمثابين والمعاقبين.
{كانَ مِيقاتاً} فيه وجهان:
أحدهما: ميعاداً للإجتماع.
والثاني: وقتاً للثواب والعقاب.
{وسُيِّرتِ الجبالُ فكانتْ سَراباً} فيه وجهان:
أحدهما: سُيّرت أي أزيلت عن مواضعها.
الثاني: نسفت من أصولها.
{فكانت سراباً} فيه وجهان:
أحدهما: فكانت هباءً.
الثاني: كالسراب لا يحصل منه شيء كالذي يرى السراب يظنه ماء وليس بماء.
{إنّ جهنّمَ كانت مِرْصاداً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني أنها راصدة فجازتهم بأعمالهم، قاله أبو سنان.
الثاني: أن على النار رصداً، لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز لم يجز، قاله الحسن.
الثالث: أن المرصاد وعيد أوعد الله به الكفار، قاله قتادة.
{للطّاغينَ مَآباً} فيه قولان:
أحدهما: مرجعاً ومنقلباً، قاله السدي.
الثاني: مأولى ومنزلاً، قاله قتادة.
والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر أو في دنياه بالظلم.
{لابِثينَ فيها أَحْقاباً} يعني كلما مضى حقب جاء حقب وكذلك إلى الأبد واختلفوا في مدة الحقب على سبعة أقاويل:
أحدها: ثمانون سنة، قاله أبو هريرة.
الثاني: أربعون سنة، قاله ابن عمر.
الثالث: سبعون سنة، قاله السدي.
الرابع: أنه ألف شهر، رواه أبو أمامة مرفوعاً.
الخامس: ثلاثمائة سنة، قاله بشير بن كعب.
السادس: سبعون ألف سنة، قاله الحسن.
السابع: أنه دهر طويل غير محدود، قاله قطرب.
وفي تعليق لبثهم بالأحقاب قولان:
أحدهما: أنه على وجه التكثير، كلما مضت أحقاب جاءَت بعدها أحقاب، وليس ذلك بحد لخلودهم في النار.
الثاني: أن ذلك حد لعذابهم بالحميم والغسّاق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب.
{لا يَذُوقونَ فيها بَرداً ولا شَراباً} في البرد ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه برد الماء، وبرد الهواء، وهو قول كثير من المفسرين.
الثاني: أنه الراحة، قاله قتادة.
الثالث: أنه النوم، قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة.
وأنشد قول الكندي:
بَرَدَتْ مَراشِفُها علىَّ فَصَدَّني ** عنها وعن تَقْبيلِها البَرْدُ

يعني النوم.
والشراب ها هنا: العذاب.
ويحتمل أن يريد بالشراب الري، لأن الشراب يروي وهم فيها عطاش أبداً.
{إلاّ حَميماً وغَسّاقاً} أما الحميم ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الحارّ الذي يحرق، قاله ابن عباس.
الثاني: دموع أعينهم في النار تجتمع في حياض في النار فيُسقونْه، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه نوع من الشراب لأهل النار، قاله السدي. وأما الغسّاق ففيه أربعة أقاويل:
أحدهاك أنه القيح الغليظ، قاله ابن عمر.
الثاني: أنه الزمهرير البارد الذي يحرق من برده، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه صديد أهل النار، قاله قتادة.
الرابع: أنه المنتن باللغة الطحاوية، قاله ابن زيد.
{جزاءً وِفاقاً} وهو جمع وفق، قال أهل التأويل: وافق سوءُ الجزاء سوءَ العمل.
{إنهم كانوا لا يَرْجُونَ حِساباً} فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً، قاله ابن عباس.
الثاني: لا يخافون وعيد الله بحسابهم ومجازاتهم، وهذا معنى قول قتادة.
{وكذّبوا بآياتِنا كِذّاباً} يعني بآيات القرآن، وفي {كِذّاباً} وجهان:
أحدهما: أنه الكذب الكثير.
الثاني: تكذيب بعضهم لبعض، ومنه قول الشاعر:
فَصَدَقْتُها وَكَذَبْتُها ** والمرءُ يَنْفعُهُ كِذابُهْ

وهي لغة يمانية.