فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} اختلف في نبوته على قولين:
أحدهما: أنه نبي، قاله عكرمة والشعبي.
الثاني: أنه حكيم وليس بنبي، قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب. ووهب بن منبه، قال إسماعيل: كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة. وقال قتادة: خير الله لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النبوة فأتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح ينطق بها، فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه العون منه ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إليّ.
واختلف في جنسه على قولين:
أحدهما: أنه كان من النوبة قصيراً أفطس، قاله جابر بن عبد الله.
الثاني: كان عبداً حبشياً، قاله ابن عباس.
واختلف في صنعته على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان خياطاً بمصر، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنه كان راعياً فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قَدَرُ الله وأدائي الأمانة، وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر.
الثالث: أنه كان نجاراً فقال له سيده: اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره فذبح له شاة ثم قال: أَلقِ أخبثها مضغتين فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت باللسان والقلب فقال إنه ليس شيئ أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا، قاله خالد الربعي.
واختلف في زمانه على قولين:
أحدهما: أنه كان فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
الثاني: أنه ولد كوش بن سام بن نوح، ولد لعشر سنين من ملك داود عليه السلام وبقي إلى زمن يونس عليه السلام.
وفي {الْحِكْمَةَ} التي أوتيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الفهم والعقل، قاله السدي.
الثاني: الفقه والعقل والإصابة في القول، قاله مجاهد.
الثالث: الأمانة.
{أَنِ اشكُرْ لِلَّهِ} يعني نعم اللَّه، فيه وجهان:
أحدهما: معنى الكلام: ولقد آتيناه الحكمة وآتيناه الشكر لله، قاله المفضل.
الثاني: آتيناه الحكمة لأن يشكر لله، قاله الزجاج.
وفي (شكره) أربعة أوجه:
أحدها: هو حمده على نعمه.
الثاني: هو ألا يعصيه على نعمه.
الثالث: هو ألا يرى معه شريكاً في نعمه عليه.
الرابع: هو طاعته فيما أمره.
{وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي يعود شكره إلى نفسه لأنه على النعمة إذا زاد من الشكر.
{وَمَن كَفَرَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني كفر بالله واليوم الآخر، قاله مجاهد.
الثاني: كُفْرُ النعمة، قاله يحيى بن سلام.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: غني عن خلقه حميد في فعله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: غني عن شكره مستحمد إلى خلقه، قاله ابن عيسى.

.تفسير الآيات (13- 15):

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ} أي واذكر يا محمد مقالة لقمان لابنه، وفي اسم ابنه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مشكم، قاله الكلبي.
الثاني: أنعم، حكاه النقاش.
الثالث: بابان.
{وَهُوَ يَعِظُهُ} أي يُذكِرُهُ ويؤدبه.
{يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} يعني عند اللَّه، وسماه ظلماً لأنه قد ظلم به نفسه، وقيل إنه قال ذلك لابنه وكان مشركاً، وقوله {يَا بُنَيَّ} ليس هو حقيقة التصغير وإن كان على لفظه وإنما هوعلى وجه الترقيق كما يقال للرجل يا أُخَيّ. وللصبي هو كُوَيّس.
قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} يعني براً وتحنناً عليهما. وفيهما قولان:
أحدهما: أنها عامة وإن جاءت بلفظ خاص والمراد به جميع الناس، قاله ابن كامل.
الثاني: خاص في سعد بن أبي وقاص وُصي بأبويه؛ واسم أبيه مالك واسم أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية، حكاه النقاش.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه شدة على شدة، قاله ابن عباس.
الثاني: جهداً على جهد. قاله قتادة.
الثالث: ضعفاً على ضعف، قاله الحسن وعطاء. ومن قول قعنب ابن أم صاحب:
هل للعواذل من ناهٍ فيزجرها ** إن العواذل فيها الأيْنُ والوهن

يعني الضعف.
ثم فيه على هذا التأويل ثلاثة أوجه:
أحدها: ضعف الولد على ضعف الوالدة، قاله مجاهد.
الثاني: ضعف نطفة الأب على نطفة الأم، قاله ابن بحر.
الثالث: ضعف الولد حالاً بعد حال فضعفه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً سوياً ثم مولوداً ثم رضيعاً ثم فطيماً، قاله أبو كامل.
ويحتمل رابعاً: ضعف الجسم على ضعف العزم.
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} يعني بالفصال الفطام من رضاع اللبن.
واختلف في حكم الرضاع بعد الحولين هل يكون في التحريم كحكمه في الحولين على أربعة أقاويل:
أحدهما: أنه لا يحرم بعد الحولين ولو بطرفة عين لتقدير الله له بالحولين ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ رَضَاعةَ بَعْدَ الحَولَينِ» وهذا قول الشافعي.
الثاني: أنه يحرم بعد الحولين بأيام، وهذا قول مالك.
الثالث: يحرم بعد الحولين بستة أشهر استكمالاً لثلاثين شهراً لقوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] قاله أبو حنيفة.
الرابع: أن تحريمه غير مقدر وأنه يحرم في الكبير كتحريمه في الصغير، وهذا قول بعض أهل المدينة.
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} أي اشكر لي النعمة ولوالديك التربية. وشكر الله بالحمد والطاعة وشكر الوالدين بالبر والصلة، قال قتادة: إن الله فرق بين حقه وحق الوالدين وقال اشكر لي ولوالديك.
{إِلَيَّ الْمَصِيرُ} يعني إلى اللَّه المرجع فيجازي المحسن بالجنة والمسيء بالنار، وقد روى عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رِضَا الرَّبِّ مِن رِضَا الوَالَدِ وَسَخَط الرَّبِّ مَن سَخَط الوَالِدِ».
قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ} يعني أراداك.
{عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} معناه أنك لا تعلم أن لي شريكاً. {فَلا تُطِعْهُمَا} يعني في الشرك.
{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} أي احْتِسَاباً. قال قتادة: تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا، وتواسيهما مما أعطاك الله تعالى.
{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} قال يحيى بن سلام: من أقبل بقلبه مخلصاً وهو النبي صلى الله عليه السلام والمؤمنون. روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت أم سعد ألا تأكل ولا تشرب حتى تشرب حتى يتحوّل سعد عن دينه فأبى عليها فلم تزل كذلك حتى غشى عليها ثم دعت الله عليه فأنزل الله فيه هذه الآية.

.تفسير الآيات (16- 19):

{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}
قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} وهذا مثل مضروب لمثقال حبة من خردل. قال قتادة: من خير أو شر.
{فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} فيها قولان:
أحدهما: أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة قاله الرُبَيعُ بن أنس والسدي. قال عبد الله بن الحارث وهي صخرة على ظهر الحوت، قال الثوري: بلغنا أن خضرة السماء من تلك الصخرة، وقال ابن عباس هذه الصخرة ليست في السماء ولا في الأرض. وقيل إن هذه الصخرة هي سجِّين التي يكتب فيها أعمال الكفار ولا ترفع إلى السماء.
الثاني: معنى قوله في صخرة أي في جبل، قاله قتادة.
{أَوْ فِي السَّمَواتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} فيه وجهان:
أحدهما: بجزاء ما وازنها من خير أو شر.
الثاني: يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء، كذلك قليل العمل من خير أو شر يعلمه الله فيجازي عليه.
{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} باستخراجها. {خَبِيرٌ} بمكانها، قاله الربيع بن أنس.
روى علي بن رباح اللخمي قال: لما وعظ لقمان ابنه بهذا أخذ حبة من خردلٍ فأتى بها البحر فألقاها في عرضه ثم مكث ما شاء ثم ذكرها وبسط يده فبعث الله ذبابة فاختطفتها وحملتها حتى وضعتها في يده.
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: على ما أصابك من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثاني: على ما أصابك من البلوى في نفسك أو مالك.
{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما أمر الله به من الأمور.
الثاني: من ضبط الأمور، قاله المفضل.
الثالث: من قطع الأمور.
وفي العزم والحزم وجهان:
أحدهما: أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
الثاني: معناهما مختلف وفي اختلافهما وجهان:
أحدهما: أن الحزم الحذر والعزم القوة، ومنه المثل: لا خير في عزم بغير حزم.
الثاني: أن الحزم التأهب للأمر والعزم النفاذ فيه، ومنه قولهم في بعض الأمثال: رَوِّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم.
قوله تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع.
{تُصَاعِر} بألف، وتصاعر تفاعل من الصعر وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الكبر، قاله ابن عباس.
الثاني: الميل، قاله المفضل.
الثالث: التشدق في الكلام، حكاه اليزيدي، وتُصِّعرْ هو على معنى المبالغة.
وفي معنى الآية خمسة أوجه:
أحدها: أنه إعراض الوجه عن الناس تكبراً، قاله ابن جبير.
الثاني: هوالتشدق، قاله إبراهيم النخعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الثالث: أن يلوي شدقه عند ذكر الإنسان احتقاراً، قاله أبو الجوزاء، قال عمرو بن كلثوم.
وكنا إذا الجبّارُ صعر خَدّه ** أقمنا له من صعره فتقوّما

الرابع: هو أن يعرض عمن بينه وبينه إحنة هجراً له فكأنه أمر بالصفح والعفو، قاله الربيع بن أنس.
{وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني بالمعصية، قاله الضحاك.
الثاني: بالخيلاء والعظمة، قاله ابن جبير.
الثالث: أن يكون بطراً أشراً، قاله ابن شجرة.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المنان، قاله أبو ذر.
الثاني: المتكبر، قاله مجاهد.
الثالث: البطر، قاله ابن جبير. وروى أبو ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُم اللَّهُ: الفَقِيرُ المُخْتَالُ، والبَخِيلُ المَنَّانُ، والبَيّعُ الحَلاَّفُ».
{فَخُورٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المتطاول على الناس بنفسه، قاله ابن شجرة.
الثاني: أنه المفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنه الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله فيما أعطاه، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: معناه تواضع في نفسك، قاله مجاهد.
الثاني: انظر في مشيك موضع قدمك، قاله الضحاك.
الثالث: اسرْع في مشيتك، قاله يزيد بن أبي حبيب.
الرابع: لا تسرع في المشي، حكاه النقاش. وقد روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سُرْعَةُ المَشْيِ تُذْهِبُ بَهَاءَ وَجْهِ المَرْءِ».
الخامس: لا تختل في مشيتك، قاله ابن جبير.
{وَاغْضُضْ مِن صَوتِكَ} أي اخفض من صوتك والصوت هو أرفع من كلام المخاطبة.
{إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} يعني شر الأصوات، قاله عكرمة وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أقبح الأصوات، قاله ابن جبير.
الثاني: قد تقدم.
الثالث: أشد، قاله الحسن.
الرابع: أبعد، قاله المبرد.
{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنها العطسة المرتفعة، قاله جعفر الصادق.
الثاني: أنه صوت الحمار.
وفي تخصيصه بالذكر من بين الحيوان وجهان:
أحدهما: لأنه أقبحها في النفس وأنكرها عند السمع وهو عند العرب مضروب به المثل، قال قتادة: لأن أوله زفير وآخره شهيق.
الثاني: لأن صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان، قاله سفيان الثوري، وقد حكي عن بشر بن الحارث أنه قال: نهيق الحمار دعاء على الظلمة.
والسبب في أن ضرب الله صوت الحمار مثلا ما روى سليمان بن أرقم عن الحسن أن المشركين كانواْ في الجاهلية يتجاهرون ويتفاخرون برفع الأصوات فمن كان منهم أشد صوتاً كان أعز، ومن كان أخفض صوتاً كان أذل، فقال الله تعالى: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي لو أن شيئاً يُهَابُ لصوته لكان الحمار فجعلهم في المثل بمنزلته.