فصل: تفسير الآيات (10- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (10- 13):

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}
قوله عز وجل: {وَكَأيّن مِّن قَرْيَةٍ} أي وكم من قرية، وأنشد الأخفش للبيد:
وكائن رأينا من ملوك وسوقة ** ومفتاح قيد للأسير المكبل

فيكون معناه: وكم من أهل قرية.
{هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} أي أهلها أشد قوة.
{مِّن قَرْيَتِكَ} يعني مكة.
{الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها عند هجرتك منها.
{أَهْلكْنَاهُمْ} يعني بالعذاب.
{فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} يعني فلا مانع لهم منا، وهذا وعيد.

.تفسير الآيات (14- 15):

{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}
قوله عز وجل: {أَفَمَن كَان عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبّهِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه القرآن، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه محمد صلى الله عليه وسلم، قاله أبو العالية، والبينة الوحي.
الثالث: أنهم المؤمنون، قاله الحسن، والبينة معجزة الرسول.
الرابع: أنه الدين، قاله الكلبي.
{كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} فيه قولان:
أحدهما: عبادتهم الأوثان، قاله الضحاك.
الثاني: شركهم، قاله قتادة، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم كافة المشركين.
الثاني: أنهم الإثنا عشر رجلاً من قريش.
وفيمن زينه لهم قولان:
أحدهما: الشيطان.
الثاني: أنفسهم.
{وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءَهُم} فيه قولان:
أحدهما: أنه نعت لمن زين له سوء عمله.
الثاني: أنهم المنافقون، قاله ابن زيد.

.تفسير الآيات (16- 19):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}
قوله عز وجل: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} هم المنافقون: عبد الله بن أُبيّ بن سلول، ورفاعة بن التابوت، وزيد بن الصليت، والحارث بن عمرو، ومالك بن الدخشم. وفيما يستمعونه قولان:
أحدهما: أنهم كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه، فإذا خرجوا سألوا عنه، قاله الكلبي ومقاتل.
الثاني: أنهم كانوا يحضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين، فيسمعون منه ما يقول، فيعيه المؤمن ولا يعيه المنافق.
{حَتَّى إِذا خَرَجُواْ مِن عِندِكَ} أي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{قَالُواْ لِلَّذِينَ أوتُواْ الْعِلْمَ} فيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنه عبد الله بن عباس، قاله عكرمة.
الثاني: عبد الله بن مسعود، قاله عبد الله بن بريدة.
الثالث: أبو الدرداء، قاله القاسم بن عبد الرحمن.
الرابع: أنهم الصحابة، قاله ابن زيد.
{مَاذَا قَالَ ءَانِفاً} هذا سؤال المنافقين للذين أُوتوا العلم إذا خرجوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه وجهان:
أحدهما: يعني قريباً.
الثاني: مبتدئاً.
وفي مقصودهم بهذا السؤال وجهان:
أحدهما: الإستهزاء بما سمعوه.
الثاني: البحث عما جهلوه.
قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الإستهزاء زاد المؤمنين هدى، قاله الفراء.
الثاني: أن القرآن زادهم هدى، قاله ابن جريج.
الثالث: أن الناسخ والمنسوخ زادهم هدى، قاله عطية.
وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل:
أحدها: زادهم علماً، قاله الربيع بن أنس.
الثاني: علموا ما سمعوا، وعلموا بما عملوا، قاله الضحاك.
الثالث: زادهم بصيرة في دينهم وتصديقاً لنبيهم، قاله الكلبي.
الرابع: شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان.
ويحتمل خامساً: والذين اهتدوا بالحق زادهم هدى للحق.
{وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: آتاهم الخشية، قاله الربيع.
الثاني: ثواب تقواهم في الآخرة، قاله السدي.
الثالث: وفقهم للعمل الذي فرض عليهم، قاله مقاتل.
الرابع: بين لهم ما يتقون، قاله ابن زياد.
الخامس: أنه ترك المنسوخ والعمل بالناسخ، قاله عطية.
قوله عز وجل: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُم بَغْتَةً} أي فجأة.
{فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أشراطها آياتها، قاله ابن زيد.
الثاني: أوائلها، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه انشقاق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.
الرابع: ظهور النبي، قاله الضحاك. قال الضحاك لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتِينِ» وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى.
{فَأَنَّى لَهُمْ} قال السدي: معناه فكيف لهم النجاة.
{إذَا جَآءَتْهُمْ ذِكرَاهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: إذا جاءتهم الساعة، قاله قتادة.
الثاني: إذا جاءتهم الذكرى عند مجيء الساعة، قاله ابن زيد.
وفي الذكرى وجهان:
أحدهما: تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر.
الثاني: هو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً أو تخويفاً. روى أبان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَحْسِنُواْ أَسْمَآءَكُم فَإِنَّكُم تُدْعَوْنَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، يَا فُلاَنُ قُمْ إِلَى نُورِكَ، يَا فُلاَنُ قُمْ فَلاَ نُورَ لَكَ».
قوله عز وجل: {فَاعلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ} وفي- وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم عالماً به- ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني اعلم أن الله أعلمك أن لا إله إلا الله.
الثاني: ما علمته استدلالاً فاعلمه خبراً يقيناً.
الثالث: يعني فاذكر أن لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه.
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني استغفر الله أن يقع منك ذنب.
الثاني: استغفر الله ليعصمك من الذنوب.
{وَلِلْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي استغفر لهم ذنوبهم.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: متقلبكم في أسفاركم، ومثواكم في أوطانكم.
الثاني: متقلبكم في أعمالكم نهاراً ومثواكم في ليلكم نياماً.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)}
قوله عز وجل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوْلاَ نُزَّلِتْ سُورَةٌ} كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه ليعلموا أوامر الله وتعبده لهم.
{فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ} وفي قراءة ابن مسعود: فإذا أنزلت سورة محدثة {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}.
في السورة المحكمة قولان:
أحدهما: أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام، قاله ابن زياد النقاش.
الثاني: أنها التي يذكر فيها القتال: وهي أشد القرآن على المنافقين، قاله قتادة.
ويحتمل:
ثالثاً: أنها التي تضمنت نصوصاً لم يتعقبها ناسخ ولم يختلف فيها تأويل.
{رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} هم المنافقون، لأن قلوبهم كالمريضة بالشك. فإذا أنزلت السورة المحكمة سر بها المؤمنون وسارعوا إلى العمل بما فيها، واغتم المنافقون ونظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{نَظَرَ الْمَغْشِّيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوتِ} غماً بها وفزعاً منها.
{فَأَوْلَى لَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه وعيد، كأنه قال: العقاب أولى لهم، قاله قتادة.
الثاني: أولى لهم، {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} من أن يجزعوا من فرض الجهاد عليهم، قاله الحسن.
وفيه وجه ثالث: أن قوله {طَاعَةٌ وَقُوْلٌ مَعْرُوفٌ} حكاية من الله عنهم قبل فرض الجهاد عليهم، ذكره ابن عيسى.
والطاعة هي الطاعة لله ورسوله في الأوامر والنواهي. وفي القول المعروف وجهان:
أحدهما: هو الصدق والقبول.
الثاني: الإجابة بالسمع والطاعة.
{فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ} أي جد الأمر في القتال.
{فَلَوْ صَدَقُواْ اللَّه} بأعمالهم {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} من نفاقهم.
قوله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: فهل عسيتم إن توليتم أمور الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم، قاله الكلبي.
الثاني: فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكاماً أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا، قاله أبو العالية.
الثالث: فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام. {وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ}، قاله قتادة.
الرابع: فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام، قاله ابن جريج.
وفي هذه الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عنى بها المنافقين وهو الظاهر.
الثاني: قريشاً، قاله أبو حيان.
الثالث: أنها نزلت في الخوارج، قاله بكر بن عبد الله المزني.