فصل: تفسير الآيات (4- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (4- 8):

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)}
الغرور: بفتح الغين: الشيطان، وقد فسره في الآية التي بعدها. السعير: نار جهنم.
بعد أن قرر الله التوحيدَ وهو أصلُ الأصول في الايمان- ذكر هنا الأصلَ الثاني وهو الرسالة، وسلّى رسوله الكريم عن تكذيب قومه له بأنه ليس ببدعٍ بين الرسل، فقد كُذِّب كثيرٌ منهم قبله، فعليه ان يتأسّى بهم ويصبر على أذى قومه، والى الله مرجعُ الجميع.
ثم ذكر الأصل الثالث وهو البعثُ والنشور، وانه حق لا شك فيه... فلا تغرَّنكم الحياة الدنيا، فيذهلكم التمتعُ بها وبزخرفها عن طلب الآخرة، ولا يخدعنّكم الشيطان عن اتّباع الرسول، ان الشيطان لكم عدوٌّ قديم فلا تنخدعوا بوعوده، واحذروا منه واتخذوه عدوا حقيقيا.
{الذين كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}
الذين كفروا من أتباعِ الشيطان واغتروا به هم أصحابُ النار، يقابلهم الذين آمنوا فلم ينخدعوا باقوال الشيطان، بل آمنوا بالله وعزّروا إيمانهم بالعمل الصالح... وهؤلاء اصحاب الجنة {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} من الله.
ثم بيّن البعدَ بين الفريقين: الضالين والمهتدين، واختلاف حالهم فقال: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً}
أفمن زين له الشيطان عمله السيّء فرآه حسنا هو في الواقع كمن هداه الله فرأى الحسنَ حسنا والسيء سيئا؟ انهما لا يستويان أبدا.
{فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ}
يضلّ من يشاء من الجاحدين الذين ارتضوا سبيل الضلال، ويهدي من يشاء ممن اختاروا سبيل الهداية.
ثم يخاطب الرسولَ الكريم حتى يسليه فيقول: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}
فلا تُهلك نفسَك حزناً على الضالين الذين لم يؤمنوا وحسرةً عليهم، ان الله محيط علمه بما يصنعون من شر فيجزيهم به.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)}
ارسل الرياح: أطلقها. تثير: تحرك. بلد ميت: لا نبات فيه. النشور: إحياء الاموات يوم القيامة. العزة: الشرف والمنعة. يبور: يفسد ويهلك من البوار وهو الهلاك. ازواجا: اصنافا، ذكورا واناثا. يعمّر: يمد في عمره: طال عمره.
الله الذي يرسل الرياحَ فتحرّك سحاباً كان ساكنا، فيسوقه إلى بلدٍ ميتٍ لا نبات فيه، فيحيي به أرضَها بعد جدْبها ويبسها، كذلك يحيي الامواتَ ويبعثهم للحشر يوم القيامة.
من كان يريد الشرف والمَنَعة فإنهما لله جميعا يَهبُهما لمن يطيعه، إليه يرتفع الكلام الطّيب والعملُ الصالح فيقبلهما ويثيب عليهما، وللذين يمكرون ويدبّرون المكائد للمؤمنين عذابٌ شديد، أما تدبيرهم ومكرهم فهو فاسد لا قيمة له ولا يحقق غرضاً.
والله تعالى خلقكم ايها البشَر من تراب، ثم خَلَقَكم من نطفة هي الماء الذي يصبّ في الأرحام، ثم جعلكم ذكوراً واناثا. وما تحمل انثى ولا تضع حَملها الا بعلمه تعالى، وما يمد في عمرِ أحدٍ ولا ينقص من عمره الا مسجَّلٌ في كتاب، ومقرر في علم الله القديم.
{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ}.

.قراءات:

قرأ ابن كثير والكسائي: {الريح} بالافراد. والباقون: {الرياح} بالجمع. وقرأ نافع وحمزة اولكسائي وحفص: {الى بلد ميّت} بتشديد الياء. والباقون {ميت} بسكون الياء. وقرأ يعقوب وحده: {ولا ينقص} بفتح الياء. وضم القاف. والباقون: {ولا ينقص} بضم الياء وفتح القاف.

.تفسير الآيات (12- 18):

{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
العذب: الطيب السائغ من الماء والشرب والطعام والكلام. الفرات: الوافر والشديد العذوبة. سائغ: سهل المرور في الحلق. أُجاج: شديد الملوحة. حلية: كل ما يتحلى به الإنسان من لؤلؤ ومرجان وغير ذلك. مواخر: جمع ماخرة تشق الماء حين جريانها. يولج: يدخل. القطمير: القشرة الرقيقة التي على نواة التمرة. يكفرون بشرككم: يجحدون باشراككم وعبادتكم لهم. ولا ينبئك مثل خبير: ولا يخبرك بالأمر مثل الخيبر به. ولا تزر وازرة وزر اخرى: لا تحمل نفس آثمة اثم نفس اخرى، يعني لا يحمل احد ذنب الآخر، الوزر: الذنب. المثقلة: النفس التي أثقلتها الذنوب. تزكى: تطهر من دنس الأوزار.
وما يستوي البحران: أحدُهما ماؤه عذْب شرابه سائغ يجري في الانهار المفيدة للناس فيحي الاقاليم والامصار، والثاني مالح ساكن تسير فيه السفن. ومن كلٍ منها تأكلون السمك الطري فضلا من الله، كما تستخرجون حلياً، كالدرّ والأصداف والمرجان وغيرها، وتجري السفن في كل منهما تشقه شقا لتطلبوا من فضل الله ما تحصلونه بالتجارة. ولعلّكم تشكرون لربكم هذه النعم.
إنه يُدخل الليلَ في النهار ويدخلُ النهارَ في الليل، وسخَّر الشمس والقمر كلٌّ يجري إلى موعدٍ مقرر. والذي يصنع هذا كلَّه هو الله ربكم، له الملك التام والسلطان الملطق، أما لاذين تعبدونهم من الأصنام والأوثان فإنهم لا يملكون شيئا مهما كان صغيرا تافها.
وهذه الآلهة لا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرّون، وان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا دعاءَكم ما أجابوكم بشيء مما تطلبون. وهم ينكرون اشراككم لهم مع الله يوم القيامة.
{وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}
ولا يخبرك الحقيقة الا الخبير العليم، الله تعالى:
يا ايها الناس: انتم الفقراء المحتاجون إلى الله في كل شيء والله هو الغني عن خلقه المستحق للحمد على كل حال.
والله إن شاءَ يهلككم ويأتي بخلْقٍ جديد يطيعونه ويؤمنون به، وليس هذا على الله بمستحيل.
ثم أخبرَ عن أحوال يوم القيامة فقال: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}
في ذلك اليوم العصيب يكون كلُّ إنسان مسئولا عن اعماله وعن نفسه، فلا تحمل نفسٌ مذنبةٌ ذَنْبَ نفس اخرى.
وان تسأل نفسٌ ذاتُ حَملٍ ثقيل أحداً أن يحمل عنها بعض ذنوبها لن تجد من يجيبها أو يحمل عنها شيئا، وذلك لانشغال كل إنسان بنفسه. {لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37] ثم سلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم دعوتَه وإصرارهم على عنادهم فقال: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير}
لا تحزن ايها النبي لعنادِ قومك، انماينفع تحذيرُك الذين يخافون ربهم ويقيمون الصلاة، ومن تطهَّرَ فانما يتطهر لنفسه، والى الله المرجع في النهاية.

.تفسير الآيات (19- 28):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)}
استوى هذا وذاك: تساويا. الظل: الفيء جمعه ظلال. الحرور: الريح الحارة، السموم. خلا: سلف ومضى. الزُّبُر: مفردها زبور: الكتب. نكيري: انكاري لعملهم. جدد: واحدها جدة، وهي الطرق المختلفة الألوان في الجبل ونحوه. غرابيب: واحدها غربيب وهو شديد السواد.
ليس يتساوى الأعمى الذي لا يهتدي والبصيرُ الذي آمن واهتدى، ولا ظلمات الكفر مع نور الايمان، وما يستوي أحياءُ القلوب بالإيمان بالله ورسوله مع أمواتِ القلوب بالكفر والعناد. {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا؟} [الأنعام: 126].
{إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ} ان الهداية والتوفيق بيده سبحانه. {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور} جعل الله المشركين كالأموات الذين في القبور لا يسمعون. وما انت ايها لرسول الا نذير تبلّغ وتنذر.
إنا أرسلناك أيها الرسول بالإيمان بي وحدي مبشراً بالجنة من صدَّقك، ومنذرا بالعقاب من كذَّبك، وما من أمة من الأمم الماضية الا جاءها من عند الله من ينذرها. وإن يكذَّبْك قومك فقد كذّب الذين من قبلهم رسُلهم حين {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير}.
ثم أخذتُ الذين كفروا أخذاً شديدا، فانظر كيف كان إنكاري لعملهم وغضبي عليهم!!
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا}
الم تشاهد أيها الرائي أنا خلقنا الاشياءَ المختلفة من الشيء الواحد، فأنزلنا من السماءِ ماءً وأخرجنا به ثمراتٍ مختلفةً ألوانُها وطعمها ورائحتها.
{وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}
وخلق في الجبال طرقاً بيضاً وحمرا وذات الوان اخرى، وجعل منها جبالاً سودا حالكة.
هذا كما خلق من الناس والدوابّ والإبل والبقر والغنم الواناً مختلفة كذلك في الشكل والحجم واللون.
ولم عدّد الله آياتِه وأعلامَ قدرته وآثارَ صنعه بيّن انه لا يعرف ذلك حقَّ المعفرة الا العلماءُ بأسرار الكون، العالمون بدقائق صنعه، فهم الذين يخشون ربهم حقَّ الخشية: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ}.

.تفسير الآيات (29- 35):

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}
يتلون كتاب الله: يقرأونه ويتّبعونه. يرجون تجارةً لن تبور: مغفرة من الله لن تكسد. الكتاب: القرآن. مقتصد: عاملٌ به تارةً ومخالف له اخرى. سابق: متقدم إلى ثواب الله. جنات عدْن: جنات الاقامة. أذهَبَ عنا الحزن: الخوف. دار المقام: دار الاقامة، دار الخلود، وهي الجنة. النصَب: التعب. اللغوب: الفتور والكلال.
ان الذين يقرأون كتاب الله، فيعملون به، قد أقاموا الصلاة على وجهها، وانفقوا مما رزقناهم على المحتاجين والمصالح العامة وفي سبيل الله، سرا وجهرا يتاجرون تجارة رابحة عند الله لا تكسد، وسيوفّيهم الله أجورهم ويزيدهم من فضله {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}.
ثم اشار إلى طبيعة الكتاب، وما فيه من الحق، تمهيداً للحديث عن ورثة هذا الكتاب: {والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب هُوَ الحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لما سبقه في العصور من الكتب المنزلة على الرسل قبلك، أنها من نبع واحد، {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}.
ثم جعلْنا هذا الكتابَ ميرثاً للذين اخترناهم من عبادنا، فكانوا فئات ثلاثاً: فمنهم ظالمٌ لنفسه بغَلَبة سيئاته على حسناته، ومنه مقتصد لم يسرف في السيئات ولم يكثر من الحسنات، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله.
{ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير} ذلك الميراث والاصطفاء فضل عظيم من الله لا يقدَّر قدره.
ثم بين جزاءهم ومآلهم بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
ويقولون عند دخولهم الجنة: الحمدُ لله الذي أذهبَ عنا الخوفَ من كل ما نحذر. {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} أنزَلَنا دار النعيم الدائم من فضله لا يصيبنا فيه تعبٌ ولا يمسّنا فيها إعياءٌ ولا فتور.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: {يدخَلونها} بضم الياء وفتح الخاء، والباقون {يدخلونها} بفتح الياء وضم الخاء.