فصل: تفسير الآيات (7- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (12- 13):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
يبايعنك: يعاهدنك على الطاعة والالتزام بالاوامر واجتناب النواهي. ببهتان: بباطل وكذب. غضبَ الله عليهم: طردهم من رحمته. يئسوا من الآخرة: يئسوا من ثوابها لأنهم لم يؤمنوا بها. كما يئس الكفار من اصحاب القبور: لانهم يعتقدون انهم لا يرجعون.
يا ايها النبي إذا جاءك المؤمناتُ يعاهدنك ويقدّمن لك الطاعة، ويعبدن الله ولا يشركن به شيئا، ولا يسرقن من مال احد، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادَهن كما كان يفعل أهل الجاهلية، ولا يُلحقن بأزواجهنّ من ليس من اولادهم بهتانا وكذبا يختلقنه بين ايديهن وارجلهن، ولا يخالفنك في معروف تدعوهنّ اليه- فعاهِدْهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله، {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يغفر الذنوب جميعا، ويشمل عباده برحمته.
ثم كرر الله النهيَ هنا عن موالاة المشركين. فقد بدأ اولُ السورة بنداء المؤمنين ونهيهم عن موالاة المشركين، ثم خُتمت بتكرار النهي عن موالاتهم، وأن الله غضبَ عليهم وطردَهم من رحمته.. والغرض هو تحذير المؤمنين من اعداء الله، وان لا يأمنوهم على شيء، ولا يركنوا إلى اكاذيبهم ودسائسهم.
ثم بين أوصافهم ومعتقداتهم بقوله: {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الآخرة كَمَا يَئِسَ الكفار مِنْ أَصْحَابِ القبور}.
انهم لا يرجون لقاء الله ولم يؤمنوا بالبعث، كما يئس الكفار من بعث موتاهم مرة اخرى.
نسأل الله حسن الختام، والحمد لله رب العالمين.

.سورة الصف:

.تفسير الآيات (1- 6):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}
كبر مقتاً: ما أعظمه من بغض. المقت أشد البغض، ويقال رجل مقيت وممقوت إذا كان مبغضا للناس. بنيان مرصوص: بنيان محكم كأنه قطعة واحدة. زاغوا: انحرفوا عن الحق. أزاغ الله قلوبهم: صرفها عن قبول الحق.
{سَبَّحَ لِلَّهِ..}
قدّس اللهَ ونزّهه كلُّ شيء في هذا الكون: بعضُها بلسان الحال، وبعضها بلسان المقال. وقد تقدم ان كل شيء في هذا الوجود يسبّح الله، ويشهد له بالربوبية والوحدانية والقدرة وغيرها من صفات الكمال، وهو الغالبُ على كل شيء، الحكيم في تدبير خلقه.
وبعد أن وصف نفسَه بصفات الكمال، وجّه المؤمنين إلى الاخلاق الفاضلة، والصدق في القول والعمل، فخاطبهم بقوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} ّ.
قال ابن عباس: كان اناس من المؤمنين يقولون: لَوَدِدْنا ان الله دلّنا على أحبِّ الاعمال اليه فنعمل به، فأخبر الله نبيّه ان احب الاعمال اليه ايمانٌ بالله لا شكّ فيه، وجهادٌ في سبيله. فلما فُرضَ الجهادُ كره ذلك ناسٌ من المؤمنين وشقّ عليهم أمرُه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم بيّن الله شدة قبحِ مخالفة القول للعمل وأنه بلغ الغاية في بُغض الله له فقال: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}
إن أبغضَ شيء عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. فتحَلُّوا بالصدق، والوفاء بالوعد، وجميل الخصال تنتصروا.
ثم مدح الذين صدقوا وقاتلوا في سبيله بعزم واخلاص فقال: {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}.
ان الله تعالى يحب النظامَ في كل شيء، وهو يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله منتظمين في أماكنهم كأنهم بنيانٌ متلاحمُ الأجزاء، كأنه قطعة واحدة، فالنظام أساسُ بنيان الأمة، وان وعدَ الله حقّ، وقد وعد المجاهدين بالنصر إذا أخلصوا وصدَقوا وحافظوا على النظام. وقد سبقتنا الأممُ المتحضّرة بالنظام ودقة المحافظة عليه، في جميع أعمالها.
والجهادُ يبدأ في البيت بالتربية الاسلامية الصحيحة البعيدة عن التزمُّت والتعصب، وفي المدرسة وفي المزارع والحقول، والتجارة، وفي المصانع، وباكتساب العلوم وإجادتها واتقان استعمالها كما اتقنها أسلافُنا الأولون. فالصناعة والعلم والزراعة من الامور الضرورية في حياتنا، فاذا أتقنّاها باتَ يمكننا ان نجاهدَ جهادا حقيقيا، فلا جهادَ إلا بعلمٍ وعمل وتصنيع.
وبعد أن هذّب المؤمنين وعلّمهم ان يكونوا صادقين في أقوالهم وافعالهم، وحضّهم على اتّباع النظام في الجهاد- ذَكَرَ أن حالهم يشبه حالَ موسى مع قومه حين ندبَهم للقتال فلم يطيعوه، بل آذوه أشدَّ الايذاء، فوبّخهم الله على ذلك بقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي....}.
اذكر يا محمد لقومك حين قال موسى لقومه: يا قومي، لمَ تُؤذونني وتخالِفون أَمري، وانتم تعلمون أنّي رسولُ الله اليكم؟
فأصرّوا على المخالفة والعصيان.
فلما أصروا على الانحراف، صرف الله قلوبهم عن الهدى {والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} الذين خرجوا عن طاعته.
وأتى بمثلٍ آخر يشبه حالَهم، وهو بنو اسرائيل حين قال لهم عيسى: إني رسولُ الله وإني مصدّقٌ بالتوراة، وجاءهم بالبينات والمعجزات الدالة على صدقه، واني مبشِّر برسولٍ سيأتي من بعدي اسمه أحمد، وقد جاء هذا التبشير صريحا في التوراة والانجيل.
{فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ}.
فلمّا جاء الرسولُ الكريم احمدُ، عليه صلوات الله وسلامه، بالأدلة الواضحة والمعجزات الباهرة، كذّبوه وقالوا: هذا الذي جئتنا به سحرٌ مبين.
ومثلُ هذه الآية قوله تعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [الأعراف: 157].
وفي هذا تسلية لرسوله الكريم على ما أصابه من قومه ومن غيرهم من الجاحدين، وأن الانبياء مِن قبله نالهم الأذى وكذّبهم أقوامهم. وفيه أيضا تهذيبٌ وتربية للمؤمنين بان لا يؤذوا النبي بل يُخلِصوا في ايمانهم.

.تفسير الآيات (7- 14):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
الاسلام: معناه هنا الاستسلام والانقياد لأمر الله. نور الله: دينه الذي يدعو اليه الرسول الكريم. بأفواههم: يعني بأكاذيبهم واباطيلهم. والله متم نوره: والله مظهرٌ دينَه، وقد صدق. بالهدى: بالقرآن. ودين الحق: الدين الصحيح. نصر من الله وفتح قريب: فتح مكة. الحواريون: الأصفياء والخلاّن. انصار الله: الناصرون لدينه. ظاهرين: غالبين.
من أشدُّ ظلماً وعدواناً ممن اختلقَ على الله الكذب، وهو يدعو إلى الاسلام! لقد دعاهم الرسولُ الكريم إلى نبذ الشِرك، ودعاهم إلى الايمان بالله وحده فلم يؤمنوا، وأثاروا حوله الشكوك والافتراءات، {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} الّذين يفترون على الله الكذب.
ثم بين الله تعالى أنهم حاولوا إبطالَ الدِين وردَّ المؤمنين عنه، لكنّهم لم يستطيعوا وخابوا في سعيهم فقال: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ}.
ان هؤلاء الجاحدين من قريشٍ، وبني اسرائيل في المدينة، والمنافقين معهم- حاولوا القضاءَ على الإسلام بالدسائس والأكاذيب فخذلَهم الله تعالى، وأظهر دِينه فهو الدينُ القيم الذي انار الكون، وخاب سعيهم.
{والله مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون}.
ثم بين الله تعالى أنه ارسل رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن الذي هدى الناس وأنار الون، وبدينِ الإسلام الحق {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون}. وقد وردت هاتان الآيتان في سورة التوبة، مع تغيي ربسيط في الالفاظ في الآية الأولى.
وبعد أن حث على الجهاد في سبيله، ونهى المسلمين ان يكونوا مثلَ قوم موسى أو قوم عيسى- بيّن هنا ان الايمان بالله والجهادَ في سبيله بالمال والنفس تجارةً رابحة، لأن المجاهدين ينالون الفوز بالدنيا، فيظفر واحدهم بالنصر والغنائم وكرائمِ الاموال والثوابَ العظيم في الآخرة اذ يحظى بالغفران، ورضوان الله، والخلود في جنات عدن.
فهذه هي التجارة الرابحة، الثبات على الايمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله بأموالكم وانفسكم، وذلك هو الخير العظيم، ثم يتبعه الغفران، والخلود في {جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفوز العظيم} وأيّ فوز اعظم من هذا!!
ثم أتبع ذلك كله ببشرى عظيمة يحبها المؤمنون وينتظرونها وهي: {وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}
نعمة كبرى تحبونها: النصر من الله، وفتح مكة. وهو آت قريب. وقد أنجز الله وعده.
{وَبَشِّرِ المؤمنين} يا محمد بهذه النعم، وان الله تعالى نصَرَهم لأنهم آمنوا حقيقة، وجاهدوا جهاداً كبيرا ولم ينتظروا من أحدٍ ان يساعدَهم وهم قاعدون.. كما يفعل العرب والمسلمون اليوم.
ثم امر الله تعالى المؤمنين ان يعملوا ويجدّوا ويكونوا انصار الله في كل حين، فلا يتخاذلوا ولا يتناحروا ويتحاربوا، وان لا يتوكلوا فيقعدوا ويطلبوا النصر، بل عليهم ان يعملوا ويجاهدوا حتى يكتب الله لهم النصر. فقال: {يا أيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله} فاستعدّوا وأعدّوا من قوتكم ما استطعتم، ولا تنتظروا من أعدائكم ان يحلّوا لكم قضيتكم وينصروكم.
وكيف ينصرونكم والبلاء منهم، وهم الذين يدعمون عدوكم ويمدّونه بالمال والسلاح!!
وخلاصة القول: كونوا أنصار الله في جميع أعمالكم وأقوالكم واستعدّوا دائما، كما استجاب الحواريّون لعيسى.
{فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}.
وانتم أيها المسلمون في هذا العصر إذا كنتم تريدون ان تبقوا في بلادكم وان تستردوا الاراضي المقدسة وما اغتُصب من وطنكم، على يد اليهود والدولة الكبرى حليفتهم والمؤيدة لهم- فجاهدوا جهادا حقيقيا في سبيل الله ينصركم الله، وتصبحوا ظاهرين غالبين.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص وخلف: {متم نوره} بضم الميم والاضافة بجر {نوره}. والباقون: {متم نوره} بتنوين {متم}، ونصب {نوره}. وقرأ ابن عامر: {ننجيكم من عذاب أليم} بفتح النون الثانية وبتشديد الجيم. والباقون: {ننجيكم} بضم النون الأولى وإسكان الثانية وكسر الجيم دون تشديد. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: {كونوا انصارا لله} بالتنوين. وقرأ الباقون: {كونوا انصار الله} بالاضافة. وقرأ نافع وحده: {من انصاريَ إلى الله} بفتح الياء. والباقون: {انصاري إلى الله}.

.سورة الجمعة:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)}
القدّوس: صفة من صفات الله ومعناها: المنزه عن النقائص. الأُميون: هم العرب، لأنهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة إلا نسبة قليلة منهم. يزكيهم: يطهّرهم من الشرك وآخرين لمّا يلحقوا بهم: وغيرهم من الناس سيأتون بعدهم.
يسبّح لله وينزّهه عما لا يليق به كلُّ ما في هذا الوجود من بشرٍ وحيوان وشجر وجماد، هو الملكُ القُدّوس المنزه عن النقائص، المتصفُ بالكمال، {العزيز الحكيم}.
والله تعالى هو الذي ارسلَ رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم من العرب الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون، كي يتلو عليهم القرآن، ويزكّيهم بالاخلاق الفاضلة ويطهرهم من الشرك وعبادة الاوثان، ويعلّمهم الشرائع والعلم النافع ليقودوا العالم وينشروا القِيَم الفاضلة في الشرق والغرب.. وقد كان ذلك من أولئك الأميين بفضل الإسلام وتحت راية القرآن.
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}
وأي ضلالٍ اكبر من عبادة الاصنام وإتيان الفواحش، كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يخاطب النجاشيّ ملكَ الحبشة لما هاجروا اليه:
(أيها الملك كنّا قوماً أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجِوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصِدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلى الله لنوحّده ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الامانة وصلة الرحم، وحُسن الوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكْل مال اليتيم، وقذف المحصنات. وأمَرَنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام)
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم}
وبعثه الله تعالى إلى جماعات آخرين من العرب وغيرِهم من جميع العالم لم يجيئوا بعد، سيأتون ويحملون مِشعلَ الهداية وينشرون نور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا يعني أن هذه الأمة المباركة موصولةُ الحلقات ممتدة في جميع اطراف الأرض على مدى الزمان، تحمل هذه الأمانةَ وتُخرج الناس من الظلمات إلى النور. والتاريخُ شاهد على ذلك، وهذه الآية من دلائل النبوة، ومن الأدلّة على أن القرآن من عند الله.
{وَهُوَ العزيز الحكيم} والله ذو العزة والسلطان.
{ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله ذُو الفضل العظيم}
إن ذلك الاختيارَ من الله، اختيارَ رسوله الكريم في هذه الأمة التي هي خير أمةٍ أُخرجت للناس- فضلٌ كبير من الله لا يَعدِله فضل، وتكريم كبير لأمة الإسلام السابقين واللاحقين منهم.
نسأل الله تعالى ان يرد زعماء هذه الأمة إلى دينهم، ويبصّرهم شئون أمتهم ويهديهم سواء السبيل.