فصل: قراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (88- 98):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}
جئتم: فعلتم. إدّا: منكرا عظيما. يتفطَّرون: يتشققن. تخرُّ: تسقط. دعوا: نسبوا. قوماً لُدّا: قوما شديدي الخصومة. رِكزا: صوتا خفيا.
بعد أن فنّد مقولة عبده الأوثان وأثبت أنهم في ضلال يعمهون- أردف ذلك بالردّ على الذين نسبوا إلى الله الولد، وبيّن انها منكَرة يهتزّ لها الكون بأجمعه.
{تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً}.
وقال المشركون: إن الله اتخذ من الملائكة بناتٍ، وقال اليهود والنصارى ان الله اتخذ ولداً، سبحانه وتعالى عن ذلك.
لقد جئتم أيها القائلون بمقالِكم هذا أمراً منكَرا، تنكره العقول المستنيرة. ان السمواتِ تكاد تتشقق من هذا القول لشدّة هوله، وتُخْسف الأرض، وتسقط الجبال لمجرّدِ سماعه.

.قراءات:

قرأ نافع والكسائي: {يكاد} بالياء، والباقون: {تكاد} بالتاء. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وحفص: {يتفطرن} بالتاء. والباقون: {ينفطرن} بالنون.
إنها لكلمةٌ شنيعة لو صورت بصورة محسوسة لم تتحملها هذه الأجرام العظام، ولتفتت وتفرقت اجزاؤها من شدتها.
ثم بين علّة ذلك بقوله: {أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً}.
من أجلِ أنهم نسبوا إلى الله اتخاذ الولد، وما يليق به اتخاذُ الولدن لان اثبات الولد له يقتضي أن يكونَ حادِثاً ومحتاجا، وهذا مُحالٌ على الله سبحانه.
ان كل ما في السموات والأرض من مخلوقات هم عبيدُ الله، ينقادون لحكمنه، ويخضعون له. لقد أحاط بهم جميعاً وبأعمالهم، وعدِّ أشخاصِهم وانفاسهم وافعالهم.
{وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً}.
وهم جميعا سيأتون إليه يوم القيامة منفردين عن النصراء والولد والمال.
وقد تكرر لفظ {الرحمن} في هذه السورة ستَّ عشرة مرة، لأ المشركين كانوا ينكرون هذه الكلمة وكانوا يقولون ما هو الرحمن، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن} [الفرقان: 60]. والرحمن وصفٌ يدل على عموم الرحمة، فهي شاملة لكل موجودٍ. ان الله مع كل ما يأتيه المنكِرون رحمنٌ رحيم سبقت رحمته غضبه.
ثم ختم السورة بذكر احوال المؤمنين عموما وما ينتظرهم يوم القيامة، حيث سيستقبلهم الرحمن بالترحيب والمودة.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً}.
ان الذين آمنوا بالله وصدّقوا برسُله، وعملوا الاعمال الطيبة الصالحة- سيجعل الله لهم محبةً في قلوب الناس، ويكونون في رحاب الله وتكريمه يوم القيامة.
روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اذا أحبَّ الله عبداً يقول لجبريل: إني احببتُ فلانا فأحِبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبّة في الأرض»، فذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات...} الآية وللحديث روايات متعددة..
وبعد، فان هذه لَبشرى للمؤمنين، ومعها إنذار للجاحدين، وقد يسّر الله فهمَ كتابه على العرب، فأنزله بلسانهم ولسان رسوله الأمين.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً}.
لقد يسّرنا القرآن بلغتك لتبشّر برضى الله ونعيمه من اتبعَ أوامره واجتنب نواهيَه، وتنذِرَ بسخط الله وعذابه من كفر واشتد في خصامه.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}.
فلا يحزنك أيها الرسول عنادُهم لك، فقد أهلك اللهُ قبلهم كثيرا من الأمم والاجيال... ولقد اندثروا، فلا ترى منهم أحدا، ولا تسمع لهم صوتا. إنهم بادوا وهلكوا، وخلتْ منهم دورهم واوحشت منازلُهم. وكذلك هؤلاء، فهم صائرون إلى ما صار اليه أولئك ان لم يتداركوا أنفسَهم بالتوبة.

.سورة طه:

.تفسير الآيات (1- 8):

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}
لتشقى: للتعب. تذكرة: تذكيرا. يخشى: يخاف الله. العُلى: جمع العليا، مؤنث الأعلى. العرش: في الأصل سرير الملك، وهنا مركز تدبير العالم. استوى: استولى عليه، ولهذه الكلمة عدة معان. الثرى: التراب، والمراد به هنا الأرض. وأخفى: أخفى من السر كحديث النفس، وما يخطر بالبال.
طه: تقرأ هكذا طاها. واختلف المفسرون اختلافا كبيرا في معناها، هل هو اسم من اسماء الله، أم معناها: يا رجلُ، كما قال الطبري: أو انها اسمٌ من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

.قراءات:

قرأ قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب: {طاها} هكذا. وقرأ حمزة والكسائي وخلَف وأبو بكر: {طه} بالإمالة.
ابتدأ الله تعالى السورةَ بهذه الحروف، لتحدّي المنكِرين والإشارة إلى أن القرآن مكون من هذه الحروف التي تتكلمون بها، ومع ذلك عجزتم عن الإتيان بسورة قصيرةٍ أو آيات مثله.
{مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى....}.
ما أنزلْنا عليك القرآن لتُتعب نفسك في مكابدة الشدائد، وتتحسَّر على عدم إيمان من تدعوه، بل أنزلْناهُ عليك لتبلِّغَ وتذكِّر، وقد فعلت.
قال الواحدي وغيرُه من المفسرين في أسباب النزول: قال أبو جهل والنضرُ بن الحارث، والوليد بن المغيرة، والمطعِم بن عَدِي للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتَتشقى بتركِ ديننا، لما رأوا من طول عبادته واجتهادهِ، فأنزلَ الله تعالى: {طه مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى}.
ولكن أنزلناه تذكيراً لمن يخافُ الله ويطيعه، فحسْبُك ما حملته من متاعب التبليغ والتبشير والانذار.
وفي هذا تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على ما كان يعتزّ به من التعب حين كان يدعو أولئك القوم، وهم معاندون جاحدون.
والذي نزّل القرآن عليك هو خالق الأرضِ والسماوات العلى، إنه هو الرحمن، نزّله عليك من الملأ العلى. لق داستوقى على العرش، وبيدِه زمامُ الأمر كله، وله وحدَه سبحانه ملكُ السموات وما فيها والأرض وما فيها وما عيلها. لقد شملت قدرتُه كل شيء، واحاط علمُه بهذا الكون، فان تجهر بالدعاء يعلمه الله، لأنه يعلم حتى ما تحدِّثُ به نفسك، {والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} [آل عمران: 154].
{الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسمآء الحسنى}.
اللهُ هو الإله الواحد، لا إله غيره، وهو المتصف بصفات الكمال، وكلّ أسمائه حَسنة لأنها تُعبِّر عن أحسن المعاني.

.تفسير الآيات (9- 16):

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}
امكثوا: انتظروا، توقفوا. آنستُ: أبصرت، ولها معان اخرى. بقبس: بشعلة من نار على رأس عود. بالواد المقدّس: الذي اسمُه طُوَى. لذكري: لتكون ذاكرا لي. أكاد اخفيها: ابالغ في اخفائها عن الناس. فتَرْدَى: فتهلك.
بدأ قصة موسى من الآيات التاسعة وتستمر إلى نهاءة الآية السابعة والتسعين، والواقع ان ذِكر موسى في القرآن أكثرُ قَصص المرسَلين وروداً فيه. وتأتي القصة على ما يناسب موضوع السورة. وهنا جاءت قصة موسى لتسلية الرسول الكريم، وتقوية قلوب المؤمنين، وإظهار كيف كانت العاقبة لموسى والنصر حليفه بعد أن شُرِّدَ، وأذاق فرعونُ قومه ألوانَ العذاب. وقد تحمَّل موسى من المكاره ما تنوء به راسياتُ الجبال، وقابل ذلك بعزمٍ لا يفتر.
هل بلغكَ أيها النبيُّ خبرُ موسى وكيف كان بدء الوحي إليه.. لقد أبصر ناراً في مسيره ليلاً من مَدْيَنَ ومعه زوجتُه وبعضُ اهله، فقال لزوجته ومن معها من أهلِه: انتظِروا في مكانكم، إني أبصرتُ نارا، وأرجو ان أَجيئكم بشُعلة منها، أو أجدَ حول النار من يهديني الطريق. وفي سورة القصص 29 {لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} هذا يدلّ على أنه كان هناك بعضُ البرد، والجذوة: الجمرة.
فلما بلغ المكانَ الذي رأى فيه النار، سمع صوتاً عُلوياً يناديه: يا موسى. فلم ير شيئاً وتحيَّ روهو يتلفّت يميناً ويسارا. فإذا بالصوت يقول له: إني أنا اللهُ ربك، فاخلَعْ نعلَيك احتراماً للبقعة المدَّسة، وتكريماً للموقف، فإنك بالوادي المطهَّر المبارك المسمَّى {طوى}، وقد اصطفيتُك من قومك بالنبوّة والرسالة، فأصغِ لما أُوحيه إليك لتعيَه وتبلِّغه إلى قومك، فإن هذا الّذي جاءك أمرٌ عظيم فتأهّبْ له.
ثم بين الله له أهم ما أوحى اليه: {إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكريا}.
لقد عرّفه اللهُ بنفسه وأنه إله واحد إلا هو. ثم بعد ذلك أمرَه بعبادته دون غيره، وان يقيم الصلاة على أحسن وجهٍ ليذكره دائما. فهذان أمران من الأصول: توحيدُ الله، وعبادته بالخلاص. ثم بين الأصلَ الثالث المهم الذي ينكره المشركون والملحِدون. فقال: {إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى}.
إن يوم القيامة آتٍ لا محالة، وإني أنا أُخفي توقيته ليُجزى كل عمل وتحاسَبَ كل نفس على ما عملتْ. وقد فسّر بعض المفسرين: أكاد أخفيها: أكاد أظهرها. وفي اللغة خَفَيْتُ الشيء اظهرته.
فلا يصرفنّك يا موسى عن الإيمان بالساعة والاستعدادِ لها من لا يؤمن بها، ولا يصدِّق بالبعث، فهو لا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا، فإن فعلتَ ذلك يا موسى هلكتَ.

.قراءات:

قرأ حمزة: {فقال لأهلهُ امكثوا} بضم هاء {لأهله}. والباقون {لأهله} بكسر الهاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {أني انا ربك بفتح} همزة {اني}. والباقون {إني} بكسر الهمزة. وقرأ حمزة: {وأنّا اخترناك}، بصيغة الجمع. والباقون: {وانا اخترتك} كما هو في المصحف.

.تفسير الآيات (17- 35):

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}
أتوكأ عليها: اعتمد عليها في المشي. أهشّ بها على غنمي: اخبط بها ورق الشجر لتأكله الغنم. مآرب: واحدها مأرب، ومأربة: الحاجة. سيرتها الأولى. تعود كما كانت عصا. جناحك: أصل الجناح للطائر، والمراد به هنا: الإبط والجانب. من غير سوء: من غير عاهة كالبرص. آية اخرى: معجزة اخرى. طغى: تجاوز الحد. واحلل عقدةً من لساني: كان في لسان موسى حبسة، وهو يسأل الله تعالى ان يطلق لسانه. يفقهوا قولي: يفهموه. وزيرا: معينا. وأشركه في أمري: اجعله شريكا لي في النبوة والرسالة. انك كنت بنا بصيرا: عالماً بأحوالنا.
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى}.
وبينما موسى مستغرقٌ في لحظاتٍ ربَّانية، في نشوة روحانية مما سمع وما تلقّى، قد نسي نفسه وما جاء من اجله، كما نسيَ أهلَه وما هم فيه- إذا بنداءٍ قُدُسي وسؤال يلقى عليه: ماذا تحمل بيمينك يا موسى؛ واللهُ أعلمُ بما في يده. فقال موسى مجيبا: إنها عصايَ، أعتمدُ عليها في سَيري، وتوقفي، واسوق بها غنمي، وأضرب بها ورق الشجر ليسقط وتأكله الغنم، وليَ فيها حاجاتٌ ومنافع اخرى.
وبعد أن ذكر هذه الأجوبة أمره تعالى بإلقائها لتتبين لها فوائدُ لم يعرفها موسى من قبل.
{قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى}.
قال الله لموسى: إرمِ بها على الأرض، فألقها فإذا هي ثعبانٌ عظيم ينتقل من مكان إلى مكان. وكانت مفاجأةً لموسى جعلتْه يهرب منها كما جاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: 10] [القصص: 31].
فلما خافَ منها طمأنَهُ الله وأمره بأخذِها وهي على حالها: {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى}.
خذها بيمينك ولا تخف منها، إنا سنرجعها إلى حالتها الأولى التي كانت عليها من قبل عصا.
{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء آيَةً أخرى}.
أدخِل يدك في جيبك ثم أخرجْها تخرجْ بيضاءَ ناصعةً من غير مرضٍ كالبرص وغيره وذلك لأن موسى كان أسمر، وكان خروجُ يده بيضاء تتلألأ ويسطع منها النور- معجزةً ثانيةً جعلَها الله له بعد العصا. وذلك كله لترى يا موسى بعض معجزات الله الكبرى فتكون دليلاً لك أمام قومك على صِدقك في الرسالة.
وبعد أن زوّده بهذه المعجزات أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغية فقال: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى}.
اذهبْ إلى الطاغية فرعون المتكبر، وادعُه إلى الإيمان بالله الواحد الأحَد، فإنه تجاوز الحدَّ في كفره وطغيانه.
بعد هذا سأل موسى ربه بعض الأمور ليستعين على تبليغ رسالته فقال: {قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي....}.
لقد طلب من ربّه أربعةَ أمور: أن يشرح له صدره فلا يغضبَ بسرعة حتى يؤدي رسالته، ويسهّل له امره بأن يُمده بالعون والتوفيق لأداء ما كلّفه به، وان يطلق حُبْسَة لسانه حتى يستطيع تبليغ رسالته، ويُفهم الناس ما يقول.
أما الطلب الرابع فهو ان يمده بأخيه هارون يكون نبياً معه يُعينه ويساعده، لأن هارون كان فصيحا، وليّنا رقيقا، ووسيما، بخلاف موسى الذي كان حادَ الطبع سريع الغضب. وهذه امور تعين الإنسان على أداء اكبر مهمة تناط به.
ثم قال: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً.. إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً}.
إننا إذا تعاونّا على أداء الرسالة، بإمدادك لي بأخي، فلسوفَ ننزّهك عما لا يليق بك، ونذكُرك وحدك ابتغاء مرضاتك، لأنك تفضّلتَ علينا وكنت دائماً عليما بأحوالنا، ومتكفلاً بأمرنا.

.قراءات:

قرأ ابن عامر: {أشدد بهِ أزري} بفتح همزة {أشدد}، {وأشركه في أمري} بضم همزة {أشركه}، والباقون: {اشدد} بهمزة وصل، فعل امر، {وأشركه} بفتح الهمزة.