فصل: قراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (90- 98):

{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}
انما فتنتم به: اتبعتم اهواءكم في عبادة العجل. لن نبرح عليه عاكفين: لا نزال عليه مقيمين. ولم ترقب قولي: لم تحفظ وصيتي ولم تعمل بقولي. فما خطبك: فما شأنك. بصرُت بما لم يبصروا به: علمت ما لم يعلمه القوم. قبضة من اثر الرسول: الرسول جبريل أو موسى. فنبذتها: فطرحتها. سولت نفسي: زينت وحسنت. لا مساس: لا مخالطة، فلا يخاطله احد، فعاش وحيدا طريدا. لن تخلفه: سيأتيك حتما. ظلت: ظللت، اقمت. اليمّ: البحر.
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ...}.
في هذه الآيات تتمةٌ للقصة، فقد نصح هارونُ لقومه الذين عبدوا العِجل قبل رجوع موسى، فقال لهم: يا قوم، ما الذي غركم من عبادة هذا العجل فوقعتم في فتنة السامري؟ إن إلهكم الحق هو الرحمن، فاتبعوني فيما أنصحكم به واطيوني أهدِكم سبيل الرشاد. فلم يسمعوا نصحة، ولم يطيعوا أمره وأجابوه بعناد: {قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى}.
سنبقى مستمرّين على عبادة العجل إلى أن يعود إلينا موسى.
وجاء موسى: فالتفت إلى أخيه هارون بعد أن فرغ من خطاب قومه وبيان خطأهم. {قَالَ ياهرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}.
قال موسى متأثرا مما رآه من عمل قومه: يا هارون، أي سبب منعك ان تلحقني إلى الطور بمن آمنَ معك من قومك، حين رأيت الباقين قد ضلّوا بعبادتهم للعجل؟ أخرجتَ عن طاعتي وخالفت امري؟. فقال هارون مجيباً أخاه في رفق ولين: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.
قال هارون لموسى: يا ابن أمي، لا تغضبْ عليّ ولا تجرَّني بلحيتي، ومن شعر رأسي. لقد خفتُ إن شددتُ عليهم ان يتفرقوا، فتقول لي: لقد فرّقت بين بني اسرائيل، ولم تخلُفْني فيهم كما أمرتُك، ولم تحفظ وصيتي كما عهدت اليك. وقد رأيت من الصواب ان أحفظ العامة، وأداريهم على وجه لا يختلّ به نظامهم حتى ترجع فنتداركَ الأمر بحسب ما ترى. ولقد كادوا يقتلونني، كما جاء في سورة الأعراف الآية 50 {إِنَّ القوم استضعفوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي.} وبعد أن انتهى موسى من سماع اقوال قومه واسنادهم الفساد إلى السامري، ومن سماع اعتذار هارون، التفت إلى السامري ووجه الخطاب اليه: {قَالَ: فَمَا خَطْبُكَ ياسامري}.
ما هذا المر الخطيب الذي أتيتَ، وأفسدتَ به بني اسرائيل؟. {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرسول فَنَبَذْتُهَا وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.
قال السامري لموسى: إني علمتُ ما لم يعلمه قومك، وصنعتُ لهم العِجل من الذهب فعبدوه. وقد اتّبعتُك مدةً واخذتُ من دينك، ثم تبيّن لي أنه غير صحيح فتركته.
كذلك زينتْ لي نفسي أن أفعلَ ما فعلته.
فكأن السامريّ يريد ان يهرب نم ذكر الحقائق ويموّه على موسى.
هذا ما أراه أقرب إلى الصواب في تفسير هذه الآية، وبهذا المعنى قال عدد من المفسرين المحديثن، ولكن اكثر المفسّرين القدامى قالوا: إن المراد بالرسول هو جبريل، وان السامريّ رآه راكبا على فرس، واخذ ترابا من أثرِ الفرس، وألقاه على العِجل حتى صار له خوار. وذكروا أقوالا كثيرة، وروايات عديدة.!!
وهناك معركة كبيرة بين المرحوم عبد الوهاب النجار، ولجنة من علماء الأزهر حول السامري والعجل وحقيقتهما، لمن اراد الاطلاع عليها ان يجدها في كتاب قصص الانبياء ص 220- 223.
{قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ....}.
قال موسى للسامري: اذهبْ فأنت طريدٌ لا يمسّك أحد، ولا تمس أحداً، بعيداً عن الناس، معزولا عنهم، لا يخالطك احد.
وخرج السامري طريدا في البراري. هذا جزاؤه في الدنيا. أما في الآخرة فله موعدٌ محدد لعذابه لا مفرّ منه. وقد ند موسى به وبالهه قائلا: انظر إلى إلهك الذي عبدته، ماذا نصنع به؟ سنحرقه ونلقيه في البحر حتى نتخلّص منه.
ثم يعلنُ بعد ذلك كلّه حقيقة العقيدة، والدين الحق فيقول: {إِنَّمَآ إلهكم الله الذي لا إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
وبهذه الآية وما فيها من غعلان عن الاله الحقيقي الذي لا اله الا هو ينتهي هذا القدْر من قصة موسى في هذه السورة، وتتجلى فيه رحمةُ الله ورعايته بحَمَلِة دعوته من عباده.

.قراءات:

قرأ الجمهور: {يا ابن أمَّ} بفتح الميم. وقرأ ابن عامر وحمزية والكسائي وأبو بكر وخلف: {يا ابن أُم} بكسر الميم.
وقرأ الجمهور: {بصرت بما لم يبصروا} بالياء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {بما لم تبصروا} بالتاء، على انه خطاب لموسى وقومه. وقرأ الجمهور: {لن تخلفه} بفتح اللام. وقرأ ابن كثير ويعقبو: {لن تخلفه} بكسر اللام.

.تفسير الآيات (99- 112):

{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}
ذِكراً: القرآن. ومن اعرض: من كذب. وزرا: حملا، وقد فسره في الآية التي بعدها. الصور: قرن ينفخ فيه ويدعى لاناس إلى المحشر. زرقا: الوانهم متغيرة. يتخافتون: يتحدثون بصوت خفي. أمثلهم: افضلهم. ينسفها: يجعلها كالغبار. يذرُها: يتركها. قاعا: ارضا ملساء. صفصفا: مستوية. عِوجا: انخفاضا. امتا: نتوءا يسيرا. لا عوج له: مستقيم. همسا: صوتا خفيا. عنت: خضعت، ذلّت. القيوم: القائم بتدبير الأمور. هضما: نقصا، بخسا.
بعد أن ذكر الله تعالى قصص موسى مع فرعون ثم السامريَّ وفتنته، بيّن للرسول الكريم في هذه الآيات ان مثل هذا القصص عن الأمم الماضية يلقيه سبحانه وتعالى إليه تسلية لقلبه وإذهابا لحزنه حتى يعلم ان ما يحدث له قد حدث مثلُه للرسل من قبله.
{مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً} ان من كذّب بهذه القرآن واعرض عن اتّباعه، فانه يضل في حياته، ويأتي يوم القيامة حاملاً إثم عناده، ويجازَى بالعذاب الشديد. وسيكون هؤلاء خالدين في ذلك العذاب.
{وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلاً}.
بئس الحمل الي حملوه من الأوزار في ذلك اليوم العصيب. ذلك اليوم الذي يُنفخ فيها بالصور، ويُساق المجرمون إلى المحشَر زُرق الالوان، يرهق وجوهَهم الذلّ، يتهامسون بينهم من الرعب، ويقول بعضهم لبعض ما لبثتم في الدنيا إلا عشرةَ أيام.
والله يسمع تهامسهم وهو أعلمُ بما يقولون بينهم، كما يعلم ما يقول أعدَلُهم رأياً واكملهم عقلا: ما لبثتم إلا يوما واحدا.
ويسألك المنكرِون للبعث ايها الرسول عن مصير الجبال يوم القيامة، فقل لهم: إن الله تعالى يفتّتها، ثم ينسِفها هباء.
اخرج ابنُ المنذر عن ابن جريرج قال: قالت قريش يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال....}.
ثم بعد ذلك يدع أماكنها بعد نسفِها ملساءَ مستوية، ولا تبصِر العين في الأرض انخفاضا ولا ارتفاعا، وكأنها لم تكن معمورة من قبل.
{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي لاَ عِوَجَ لَهُ}.
يومئذ يرى الناس هذه الاهوال، يتّبعون داعي الله إلى المحشر، يجمعهم فيه إلى موقف الجزاوء والحساب، ولا يستطيع احد ان يعدل عنه.
{وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن...}.
بالسكون والرهبةِ لعظَمة الله، فلا تسمع إلا صوتاً خفيّا لا يكاد يبين.
يومئذ لا تنفع الشفاعة من أحد، الا من أكرمه الله فأذِن له بالشفاعة، ورضي قولَه فيها، ولا تنفع الشفاعة في أحد الا من أذِن الرحمن في ان يُشفع له.
والله تعالى يعلم ما تقدّم من امورهم في دنياهم، وما يستقبلونه في الآخرة، ولا يحيطون علماً بتدبيره وحكمته.
وكما ذكر سبحانه وتعالى خشوع الاصوات أتبعَه خضوعَ ذويها فقال: {وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}.
استسلمت الخلائق لخالقها الحيّ الذي لا يموت، القائم على خلقه بتدبير شئونهم. في ذلك اليوم خسر النجاة كل من ظلم نفسه في الدنيا فأشرك بربه.
وبعد أن ذكر أهوال يوم القيامة بيّن حال المؤمنين في ذلك اليوم فقال: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً}.
أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجاؤا ربَّهم في ذلك اليوم، فإنهم في كَنَفِ الله وضيافته، لا يخافون من ظلمٍ ولا نقصٍ لحقوقهم. {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

.قراءات:

قرأ الجمهور: {يوم ينفخ في الصور} بالياء، وقرأ أبو عمرو وحده: {ننفخ} بالنون. وقرأ الجمهور: {فلا يخاف ظلماً ولا هضما} بالياء. وقرأ ابن كثير: {فلا يخف} بالجزم.

.تفسير الآيات (113- 122):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
صرفنا: كررنا وفصلنا. ذكرا: عظمة وعبرة. لا تضحى: لا تبرز للشمس، ولا تتعب. طفقا يخصفان: شرعا يلزقان ورق الجنة. غوى: ضل. اجتباه: اصطفاه وقربه.
{وكذلك أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً....}.
وكما انزلنا ما ذُكر من البيان الحق الذي سلف في هذه السورة، كذلك أنزلنا القرآن كلَّه بأسلوب عربي واضح، وصَرَّفنا فيه القول في أساليب الوعيد ليجتنبوا الشِرك والوقوعَ في المعاصي، أو يتذكروه غذا اذنبوا فيتوبوا إلى الله ويسألوه العفو.
{فتعالى الله الملك الحق...}.
تقدّس الله المتصرفُ بالأمر والنهي، المحقُّ في أُلوهيته وعظمته. ولا تَعْجَلْ يا محمد بقراءة القرآن من قبلِ ان يُتمَّ جبريلُ تبليغه اليك. أَنصِتْ حين نزول الوحي بالقرآن عليك، حتى يفرغ المَلَكُ من قراءته، ثم اقرأه بعده.
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}.
بالقرآنِ ومعانيه وكل شيء. وهذا يدل على فضيلة العلم، فان الله تعالى لم يأمر رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم. ولقد قام الإسلام على العلم والتعلم من بدايته، وبالعلم سيطرت الأمم المسيطِرة في الوقت الحار، ولو أننا اتّبعنا القرآن حق اتباعه لكنّا اليومَ في الذروة من كل شيء.
وسبب نزول هذه الآية ان الرسول الكريم كان إذا لقَّنه جبريلُ الوحي، يتبعه عند تلفظ كل كلمةٍ وكل حرف، لكمالِ اعتنائه بالتلقّي والحفظ، فأرشده الله إلى التأني ريثما يسمعه ويفهمه. ونحوه قوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16- 19].
روى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمّ انفعني بما علّمتني، وعلّمني ما ينفعني، وزِدني علما، والحمدُ لله على كل حال، واعوذ باللهِ من حالِ أهل النار».

.قراءات:

قرأ يعقوب: {من قبل أن نقضي اليك وحيه}. بفتح النون وكسر الضاد ونصب وحيه. والباقون: {من قبل ان يُقضَى اليك وحيُه}، بضم الياء ورفع {وحيه}.
{وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}.
بعد تلك الجولة الطويلة في قصة موسى، والعرضِ الموجز لأحوال القيامة وتذكيرِ الناس بأهوال ذلك اليوم العظيم، ثم ذكرِ القرآن وما فيه من وعيد ومن احكام، والأمر للرسول ان لا يعجل في تلقّيه خوف ان ينسى- يأتي الحديث هنا عن قصة آدم. فقد نسيَ آدمُ ما عهِد الله به اليه، وضَعُفَ أمام الإغراء بالخلود فاستمع لوسوسةِ الشيطان. وكان هذا ابتلاءً من ربّه قبل ان يعهد اليه بخلافة الأرض. ثم تداركت رحمةُ الله آدم فاجتباه وهداه.
ولقد وصينا آدم وقلنا له أن لا يخالف لنا أمرا، فنسي العهدَ وخالف، ولم نجدْ له ثباتا في الرأي، ولا تصميماً قوياً يمنع من أن يتسلل الشيطان إلى نفسه بوسوسته.
وكل هذا العرض بإجمال لأنه فصِّل في سورة البقرة والأعراف والحِجر والإسراء والكهف.
ثم بين الله تعالى ما عهد اليه به وكيفية نسيانه وفقدان عزمه فقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى....}.
اذكر ايها الرسول حين امرنا الملائكةَ ان يسجدوا لآدم سجودَ تعظيم، فامتثلوا ولبّوا الأمر، إلا ابليس الذي امتنع وأبى ان يكون من الساجدين.
فقلنا يا آدم ان هذا الذي رأيتَ منه ما رأيت عدوٌّ لك ولزوجتك، فاحذرا وسوستَه فلا يكونن سبباً إلخراجكما من الجنة فتشقى يا آدم بعد الخروج. إن في هذه الجنة عيشا هينئاً رغداً بلا كلفة ولا مشقة، فلا جوع فيها ولا عُري، ولا ظمأ ولا حر شمس.
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان....}.
بعد أن بين الله أنه عظّم آدم وعرّلإه شدة عداوة ابليس، ذكر هنا أن آدم أطاعَ إبليس، وأكلض من الشجرة المحرّمة عليه، لأن إبليسَ جاءه وقال له: هل أدلّك على شجرةٍ إن اكلتَ منها خلّدت ولم تمتْ أبدا!؟ فنسي آدم العهد وأكل هو وزوجته، وخالفا أمر ربهما، فظهرت لهما عوراتُهما جزاء مخالفتهما الأوامر الربانية، وصارا يقطعان من ورقِ شجر الجنّة، ويستران بها ما بدا منهما.
{وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى}.
خالف آدم أمر ربه، فحُرِم الخلد، وأفسد على نفسه تلك الحياة الهنيئة التي كان يعيشها.
{ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى}.
ثم ادركتْ آدمَ وزوجتَه رحمةُ الله بعد ما عصاه، فاصطفاه للرسالة، وقبل توبته، وهداه إلى الخير.

.قراءات:

قرأ نافع وأبو بكر: {وإنك لا تظمأ فيها} بكسر ان. والباقون: {وأنك} بفتح الهمزة.