فصل: تفسير الآية رقم (221):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأحكام الشرعية:

الحكم الأول: هل الآية الكريمة دالة على تحريم الخمر؟
ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} دالة على تحريم الخمر، لأن الله تعالى ذكر فيها قوله: {قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} وقد حرم الله الإثم بقوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم...} [الأعراف: 33] الآية وهذا اختيار القاضي أبي يعلى.
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية تقتضي ذم الخمر دون تحريمها، بدليل أن بعض الصحابة شربوا الخمر بعد نزولها- كما مرّ في أسباب النزول- ولو فهموا التحريم لما شربها أحد منهم، وهذه الآية منسوخة بآية المائدة وهذا قول مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
قال القرطبي: في هذه الآية ذم الخمر، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى هي آية المائدة [90] {يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان} وعلى هذا أكثر المفسدين.
الحكم الثاني: ما هي الخمر وهل هي اسم لكل مسكر؟
اختلف العلماء في تعريف الخمر ما هي؟
فقال أبو حنيفة: الخمر الشراب المسكر من عصير العنب فقط، وأما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير، فلا يسمى خمراً بل يُسمى نبيذاً. وهذا مذهب الكوفيين والنخعي، والثوري، وابن أبي ليلى.
وذهب الجمهور (مالك والشافعي وأحمد) إلى أن الخمر اسم لكلّ شراب مسكر، سواءً كان من عصير العنب، أو التمر، أو الشعير أو غيره، وهو مذهب جمهور المحدثين وأهل الحجاز.
حجة الكوفيين وأبي حنيفة:
احتج الكوفيون وأبو حنيفة بأن الأنبذة لا تسمى خمراً، ولا يسمى خمراً إلا لشيء المشتد من عصير العنب باللغة، والسنة:
أما اللغة: فقول (أبي الأسود الدؤلي) وهو حجة في اللغة:
دع الخمر تشربْها الغواة فإنني ** رأيت أخاها مغنياً بمكانها

فإن لا تكنْه أو يكنْها فإنه ** أخوها غذته أمه بلبانها

وأما السنة: فما روي عن أبي سعيد الخدري قال: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال له: أشربت خمراً؟ قال: ما شربتها منذ حرّمها الله ورسوله، قال: فماذا شربت؟ قال: الخليطين، قال: فحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخليطين».
فنفى الشارب اسم الخمر عن (الخليطين) بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليه.
حجة الجمهور:
واستدل الحجازيون وجمهور الفقهاء على أن كل مسكر خمر بما يلي:
أولاً: حديث ابن عمر: «كلّ مسكر خمرٌ، وكل مسكر حرامٌ».
ثانياً: حديث أبي هريرة: «الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة».
ثالثاً: حديث أنس: «حرمت الخمر حين حرّمت، وما يُتخذ من خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرنا البُسْرُ والتمر».
رابعاً: حديث ابن عمر: «نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والذرة، والخمرُ ما خامر العقل».
خامساً: حديث أم سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتّر.
واستدلوا لمذهبهم على أن المسكر يسمى خمراً باللغة أيضاً وهو أن الخمر سميت خمراً لمخامرتها للعقل، وهذه الأنبذة تخامر العقل أي تستره وتغيبه فلذلك تسمى خمراً، فالخمرُ هو السكر من أي شرابٍ كان، لأن السكر يغطي العقل، ويمنع من وصول نوره إلى الأعضاء.
قال الفخر الرازي: فهذه الاشتقاقات من أقوى الدلائل على أن مسمّى الخمر هو المسكر، فكيف إذا انضافت الأحاديث الكثيرة إليه؟ لا يقال: إن هذا إثبات للغة بالقياس وهو غير جائز، لأنا نقول: ليس هذا إثباتاً للغة بالقياس بل هو تعيين المسمى بواسطة هذه الاشتقاقات.
والترجيح: ونحن إذا تأملنا أدلة الفريقين- ما ذكر منها وما لم يذكر- ترجح عندنا قول الجمهور وأهل الحجاز، فالخمر حرام، وكمل مسكر خمر كما قال عمر رضي الله عنه، وذلك لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر فهموا منه تحريم الأنبذة، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع، وقد ثبت بالسنة المطهّرة تحريم كل مسكر ومفتّر، وثبت عن أنسٍ أنه كان ساقي القوم في منزل أبي طلحة حين حرمت الخمر، وما كان خمرهم يومئذٍ إلا الفضيخ، فحين سمعوا تحريم الخمر أهراقوا الشراب وكسروا الأواني، وما كان الفضيخ إلا من نقيع البسر، فما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح المعوّل عليه، لا سيّما وأن المتأخرين من الأحناف أفتوا بقول محمد في سائر الأشربة وهو الحق الذي لا محيد عنه.
قال العلامة الألوسي: وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان، وبأي اسم سمي، متى كان بحيث يُسكر حرام، وقليله ككثيره، ويحد شاربه، ويقع طلاقه، ونجاسته غليظة.
الحكم الثالث: ما هي أنواع الميسر المحرّم؟
اتفق العلماء على تحريم ضروب القمار، وأنها من الميسر المحرّم لقوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} فكل لعب يكون فيه ربح لفريق وخسارة لآخر هو من الميسر المحرم، سواءً كان اللعب بالنرد، أو الشطرنج أو غيرهما، ويدخل فيه في زماننا مثل (اليانصيب) سواء منه ما كان بقصد الخير (اليانصيب الخيري) أو بقصد الربح المجرد فكله ربح خبيث: «وإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً».
قال صاحب الكشاف: وفي حكم الميسر أنواع القمار، من النرد والشطرنج وغيرهما، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم وهاتين اللعبتين المشئومتين فإنهما من ميسر العجم».
وعن علي رضي الله عنه: أن النرد والشطرنج من الميسر.
وعن ابن سيرين: كل شيء فيه خطر فهو من الميسر.
قال صاحب (روح المعاني): وفي حكم الميسر جميع أنواع القمار من النرد، والشطرنج، وغيرهما حتى أدخلوا فيه لعب الصبيان بالجوز والكعاب، والقرعة في غير القسمة، وجميع أنواع المخاطرة والرهان.
أما النرد فمحرم بالاتفاق لقوله عليه السلام: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله».
وأما الشطرنج: فقد أباحه الإمام الشافعي بشروط ذكرها الإمام الفخر حيث قال: وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا خلا الشطرنج عن الرهان، واللسان عن الطغيان، والصلاة عن النسيان، لم يكن حراماً، وهو خارج عن الميسر، لأن الميسر ما يوجب دفع المال، أو أخذ مال، وهذا ليس كذلك، فلا يكون قماراً ولا ميسراً.
وأما السبق في الخيل والدواب، والرميُ بالنصَال والسهام فقد رخص فيه بشروط تعرف من كتب الفقه وليس هنا محل تفصيلها والله تعالى أعلم.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
حرم الله الخمر والميسر، لما فيهما من الأضرار الفادحة، والمفاسد الكثيرة، والآثام التي تتولد من هاتين الرذيلتين سواءً في النفس أو البدن أو العقل أو المال.
فمن مضار الخمر أنه يذهب العقل حتى يهذي الشارب كالمجنون، ويفقد الإنسان صحته ويخرّب عليه جهازه الهضمي، فيحدث التهابات في الحلق، وتقرحات في المعدة والأمعاء، وتمدداً في الكبد، ويعيق دورة الدم، وقد يوفقها فيموت السكّير فجأة، وقد أثبت الطب الحديث ضرر الخمر الفادح في الجسم والعقل حتى قال بعض أطباء ألمانيا: اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات، والبيمارستانات (مستشفى الأمراض العقلية) والسجون.
ويكفي الخمر شراً أنها (أم الخبائث) كما ورد في الحديث الشريف.
وأما مضار الميسر فليست بأقل من مضار الخمر، فهو يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويفسد المجتمع بتعويد الناس على البطالة والكسل، بانتظار الربح بدون كد ولا تعب، ويهدّم الأسر ويخرّب البيوت، فكم من أسرة تشرّدت وتحطمت وافتقرت بعد أن كانت تعيش بين أحضان الثروة والغنى بسبب مقامرة أربابها، فكان في ذلك الدمار والهلاك لتلك الأسر المنكوبة، كما انتهى الأمر بالكثير من اللاعبين إلى قتل أنفسهم بالانتحار، أو الرضا بعيشة الذل والمهانة.
ولا تزال الأيام تظهر من مضار الخمر والميسر ما لم يكن معروفاً من قبل، فيتجلى لنا صدق وصف الكتاب الكريم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].

.تفسير الآية رقم (221):

{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
[13] نكاح المشركات:

.التحليل اللفظي:

{تَنْكِحُواْ المشركات}: أي لا تتزوجوا الوثنيات، والمشركة هي التي تعبد الأوثان، وليس لها دين سماوي ومثلها المشرك، وقيل: إنها تعم الكتابيات أيضاً لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وَقَالَتْ النصارى المسيح ابن الله} إلى قوله: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 30- 31].
{وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ}: الأمة: المملوكة بملك اليمين وهي تقابل الحرة، وأصلها (أمو) حذفت على غير قياس وعوّض عنها هاء التأنيث، وتجمع على إماء قال تعالى: {وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} [النور: 32] وقال الشاعر:
أمّا الإماء فلا يدعونني ولداً ** إذا تداعى بنو الأَمَوات بالعار

.المعنى الإجمالي:

يقول الله تعالى ما معناه: لا تتزوجوا- أيها المؤمنون- المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الآخر، ولأمة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من حرة مشركة، وإن أعجبتكم المشركة بجمالها، ومالها، وسائر ما يوجب الرغبة فيها من حسب، أو جاه، أو سلطان.
ولا تَزوِّجُوا المشركين من نسائكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن خيرٌ لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك، مهما أعجبكم في الحسب، والنسب، والشرف، فإن هؤلاء- المشركين والمشركات- الذين حرمت عليكم مناكحتهم ومصاهرتهم، يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار، والله يدعو إلى العمل الذي يوجب الجنة، ويوضح حججه وأدلته للناس ليتذكروا فيميزوا بين الخير والشر، والخبيث والطيب.

.سبب النزول:

أولاً: روي أن هذه الآية نزلت في مرثد من أبي مرثد الغنوي الذي كان يحمل الأسرى من مكة إلى المدينة، وكانت له في الجاهلية صلة بامرأة تسمى (عَناقاً) فأتته وقالت: ألا تخلوا؟ فقال: ويحك إن الإسلام قد حال بيننا، فقالت: فهل لك أن تتزوج بي؟ قال: نعم ولكن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمره فنزلت الآية.
وتعقّب السيوطي هذه الرواية وذكر أنها ليست سبباً في نزول هذه الآية، وإنما هي سبب في نزول آية النور: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً...} [النور: 3]. الآية.
ثانياً: وروي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في (عبد الله بن رواحة) كانت له أمة سوداء، وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هي يا عبد الله؟ فقال: يا رسول الله: هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، فقال يا عبد الله: هذه مؤمنة، فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنّها ففعل، فعابه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن، فنزلت هذه الآية.

.وجوه الإعراب:

أولاً: قوله تعالى: {حتى يُؤْمِنَّ} حتى بمعنى (إلى أن) و(يؤمن) مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب ب (حتى) وأصله (يؤمنْنَ).
ثانياً: قوله تعالى: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} الواو للحالو (لو) هنا بمعنى (إن) وكذا كل موضع وليها الفعل الماضي كقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث} [المائدة: 100] أي وإن أعجبك والتقدير: لأمة مؤمنة خيرٌ من مشركة وإن أعجبتك.
ثالثاً: قوله تعالى: {وَلاَ تُنْكِحُواْ المشركين} بضم التاء هنا لأنه من الرباعي (أنكح) وهو يتعدى إلى مفعولين الأول (المشركين) والثاني محذوف وهو (المؤمنات) أي ولا تزوجوا المشركين المؤمنات.
وأما قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات} فهو من الثلاثي (نكح) أي لا تتزوجوا المشركات وهو يتعدى إلى مفعول واحد فقط.