فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأحكام الشرعية:

الحكم الأول: هل الطلاق مباح أو محظور؟
لقد أباح الله تعالى الطلاق بقوله: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ من أبغض المباحات عند الله عز وجل الطلاق».
وفي لفظ: «أبغضُ الحلال إلى الله الطلاق».
قال الحنفية والحنابلة: الطلاق محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله كلَّ مِذْواق مِطْلاق» وإنما أبيح للحاجة، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات التي تتحقق فيه الحاجة المبيحة.
وقد نقل عن ابن حجر أن الطلاق:
أ- إمّا واجب كطلاق المُوْلي بعد التربص مدة أربعة أشهر وطلاقِ الحكمين في الشقاق بين الزوجين إذا لم يمكن الإصلاح.
ب- أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة.
ج- أو حرام وهو الطلاق البدعي.
د- أو مكروه بأن سَلِمَ الحالُ عن ذلك كله للحديث.
الحكم الثاني: ما هو الطلاق السّني وما هي شروطه؟
روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ، فقال: ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، وإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسّها، فتلك العدة التي أمر الله عز وجل.
ولهذا الحديث حصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع، وفي الطهر مأذون فيه إذا لم يجامعها فيه.
والجمهور: على أنه لو طلّق لغير العدة التي أمر الله وقع طلاقه وأثمَ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة جدهن جد وهزلهنّ جد: النكاح، والطلاق، والرجعة».
واختلف الفقهاء فيما يدخل في طلاق السنة.
فقال الحنفية: إن طلاق السنة من وجهين:
أحدهما: في الوقت وهو أن يطلقها طاهراً من غير جماع، أو حاملاً قد استبان جملها.
والآخر: من جهة العدد وهو أن لا يزيد في الطهر الواحد على تطليقة واحدة.
وقال المالكية: طلاق السنة ما جمع شروطاً سبعة:
وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهراً، لم يمسها في ذلك الطهر، ولا تقدَّمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض.
وقال الشافعية: طلاق السنة أن يطلقها كل طهر خاصة، ولو طلقها ثلاثاً في طهر لم يكن بدعة.
وقال الحنابلة: طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه.
فالاتفاق واقع على أن طلاق السنة في طهر لم يجامعها فيه، وأما من أضاف كونها حاملاً فلما ورد في حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «مُرْه فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل».
وأما العدد والخلاف فيه فبحثه عند قوله تعالى: {الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} [البقرة: 229].
وأما قول المالكية: وهي ممن تحيض فهذا شرط متفق عليه.
قال الفخر الرازي: والطلاق في السنة إنما يتصور في البالغة المدخول بها، غير الآيسة، والحامل، إذ لا سنة في الصغيرة وغير المدخول بها، والآيسة، ولا بدعة أيضاً لعدم العدة بالأقراء.
وقال أبو بكر الجصاص: والوقتُ مشروط لمن يطلق في العدة لأنَّ من لا عدة عليها بأن كان طلقها قبل الدخول فطلاقها مباح في الحيض.
وأما بقية الشروط فمختلف فيها وتنظر في كتب الفروع.
الحكم الثالث: هل للمعتدة أن تخرج من بيتها؟
دلّ قوله تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بفاحشة مُّبَيِّنَةٍ} على أنّ المطلقة لا تخرج من مسكن النكاح ما دامت في العدة، فلا يجوز لزوجها أن يُخرجها، ولا يجوز لها الخروج أيضاً إلاّ لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدّة، والرجعيةُ والمبتوتةُ في هذا سواء.
واختلف الفقهاء في خروج المعتدة من بيتها لقضاء حوائجها على مذاهب:
أ- قال مالك وأحمد: المعتدة تخرج في النهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل.
ب- وقال الشافعي: لا تخرج الرجعيّة ليلاً ولا نهاراً وإنما تخرج المبتوتة في النهار.
ج- وقال أبو حنيفة: المطلّقة لا تخرج ليلاً ولا نهاراً، والمتوفّى عنها زوجها لها أن تخرج في النهار.
دليل المالكية والحنابلة:
استدل مالك وأحمد بحديث (جابر من عبد الله) قال: طُلّقت خالتي فأرادت أن تَجُدَ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بلى فجُدّي نخلك، فإنك عسى أن تصدّقي أو تفعلي معروفاً».
دليل الشافعية:
واستدل الشافعي بالآية الكريمة: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} بالنسبة للمطلقة رجعياً فلا تخرج ليلاً ولا نهاراً.
وامّا المبتوتة فاستدل بحديث (فاطمة بنت قيس) فقد ورد في صحيح مسلم أنَّ (فاطمة بنت قيس) قالت يا رسول الله: زوجي طلقني ثلاثاً وأخاف أن يُقْتحم عليّ قال: فأمرها فتحولت.
وفي البخاري: عن عائشة أنَّ (فاطمة بنت قيس) كانت في مكانٍ وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص النبي صلى الله عليه وسلم لها.
دليل الحنفية:
واستدل أبو حنيفة بعموم قوله تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بفاحشة مُّبَيِّنَةٍ} فقد حرمت على المطلّقة أن تخرج ليلاً أو نهاراً، سواءً كانت رجعية أم مبتوتة، وأما المتوفى عنها زوجها فتحتاج للخروج نهاراً لقضاء حوائجها ولا تخرج ليلاً لعدم الضرورة.
قال الحنفية: ليس لها أن تخرج لأن السكنى حق للشرع مؤكد لا يسقط بالإذن حتى لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مؤنة السكنى عن الزوج، ويلزمها أن تكتري بيته، وأما أن يحل لها الخروج فلا.
قال الشافعية: إنهما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما، فالمعنى لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن.
وقد قال الفخر الرازي: فلم يكن لها الخروج، وإن رضي الزوج، ولا إخراجها وإن رضيت إلا عن ضرورة.
الحكم الرابع: ما هي الفاحشة التي تخرج بها المعتدة من المنزل؟
لقد اختلف السلف في المراد بالفاحشة في قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بفاحشة مُّبَيِّنَةٍ} وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء.
فقال أبو حنيفة: بقول ابن عمر: خُروجُها قبل انقضاء العدة فاحشةٌ. فيكون معنى الآية إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق.
والاستثناء عليه راجع إلى {لاَ يَخْرُجْنَ} والمعنى: لا يُسمع لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة، ومن المعلوم أنه لا يُسمع لهن فيه فيكون ذلك منعاً عن الخروج على أبلغ وجه.
قال ابن الهمام: كما يقال: لا تزن إلاَّ أن تكون فاسقاً، ولا تشتم أُمَّك إلا أن تكون قاطع رحم، ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جداً.
وقال أبو يوسف بقول الحسن وزيد بن أسلم: هو أن تزني فتخرج للحد (أي لا تُخْرجوهنَّ إلا إن زنين).
وعن ابن عباس قال: إلا أن تبذو على أهله، فإذا فعلت ذلك حلَّ لهم أن يُخْرجوها، كما ورد عن فاطمة بنت قيس أنها أخرجت لذلك.
وعنه أيضاً قال: جميع المعاصي من سرقة أو قذف أو زنا أو غير ذلك واختاره الطبري.
وقال الضحاك: الفاحشة المبينة: عصيانُ الزوج.
وقال قتادة: إلا أن تَنْشزَ فإذا فعلت حلَّ إخراجها.
قال أبو بكر الجصاص: هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يكون جميعها مراداً، فيكون خروجها فاحشة، وإذا زنت أخرجت للحد، وإذا بذت على أهله أخرجت أيضاً.
فأما عصيان الزوج والنشوز، فإن كان في البذاءة وسوء الخلق اللذين يتعذر القيام معها فيه فجائز أن يكون مراداً، وإن كان إنما عصت زوجها في شيء غير ذلك فإن ذلك ليس بعذر في إخراجها.
وأما ابن العربي فقال: أما من قال إنه الخروج للزنى، فلا وجه له لأن ذلك الخروج هو خروج القتل والإعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام، وأما من قال إنه البذاء فهو مفسر في حديث فاطمة بنت عيس، وأما من قال إنه الخروج بغير حق فهو صحيح وتقدير الكلام: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعاً إلى أن يخرجن تعدياً.
الحكم الخامس: ما حكم الإشهاد في الفرقة والرجعة؟
قال أبو حنيفة: الإشهاد مندوب إليه في الفرقة والرجعة لقوله تعالى: {وأشهدوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] فإنَّ الإشهاد في البيع مندوب لا واجب فكذا هنا وهو قول مالك والشافعي وأحمد في أحد قوليهما.
وقال الشافعي وأحمد: في القول الآخر: الإشهاد واجب في الرَّجعة، مندوب إليه في الفرقة.
أدلة الجمهور:
1- لما جعل الله تعالى للزوج الإمساك أو الفراق، ثم عقَّبه بذكر الإشهاد، كان معلوماً وقوع الرجعة إذا رجع، وجوازُ الإشهاد بعد ذلك؛ إذ لم يجعل الإشهاد شرطاً في الرجعة.
2- لم يختلف الفقهاء في أن المراد بالفراق المذكور في الآية إنما هو تَرْكُها حتى تنقضي عدتها، وأن الفرقة تصح، وإن لم يقع الإشهاد عليها، وقد ذُكر الإشهاد عقيب الفرقة، ثمَّ لم يكن شرطاً في صحتها فكذلك الرجعة.
3- وأيضاً لما كانت الفرقة حقاً للزوج، وجازت بغير الإشهاد، إذ لا يحتاج فيها إلى رضا غيره، وكانت الرجعة أيضاً حقاً له وجب أن تجوز بغير إشهاد.
4- وأيضاً لما أمر الله بالإشهاد على الإمساك، أو الفرقة احتياطاً لهما، ونفياً للتهمة عنهما، إذا علم الطلاق ولم يعلم الرجعة، أو لم يعلم الطلاق والفراق، فلا يؤمن التجاحد بينهما، ولم يكن معنى الاحتياط مقصوراً على الإشهاد في حال الرجعة أو الفرقة، بل يكون الاحتياط باقياً وإن أشهد بعدهما وجب أن لا يختلف حكمهما إذا أشهد بعد الرجعة بساعة أو ساعتين.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولاً: الطلاق السني هو الطلاق الذي يكون في طهر لم تجامع فيه المرأة.
ثانياً: الطلاق البدعي ما كان في الطهر الذي جومعت فيه المرأة، أو في وقت الحيض.
ثالثاً: السكنى واجبة للمطلَّقة على زوجها قبل انتهاء عدتها فقد عصت الله وأثمت.
رابعاً: إذا خرجت المرأة من بيت زوجها قبل انتهاء عدتها فقد عصت الله وأثمت.
خامساً: حدود الله تعالى يجب التزامها وعدم تعديلها لأنها شريعة الله.
سادساً: إقامة الشهادة حق لله تعالى على عباده لدفع الظلم عن الخلائق.
سابعاً: التوكل على الله والالتجاء إليه، ملاك الأمر كله، وراحة النفس.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
الأسرة لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي، وبها قوامه، ففيها تلتقي النفوس على المودة والرحمة، والتعاطف والستر، وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومنه تمتد وشائج الرحمة، وأواصر التكافل.
ولكنّ الحياة الواقعية والطبيعة البشرية تُثْبت بين الفينة والأخرى، أنَّ هناك حالاتٍ لا يمكن معها استمرار الحياة الزوجية، لذلك شرع الله الطلاق كآخر حل من حلول تتقدمه، إن لم تُجْدِ كل المحاولات، وأباح للرجل أن يركن إلى أبغض الحلال وهو الطلاق.
ولكن ليس من السُّنة أن يُطلِّق الرجل في كل وقت يريد، فليس له أن يطلقها وهو راغب عنها في الحيض، وفي ذلك دعوة له ليتمهل ولا يسرع ليفصل عرى الزوجية، ويتفكر في محاسن زوجه لعلَّها تغلب سيئاتها، فتتغير القلوب، وتعود إلى صفائها بعد موجة من الغضب اعترتها، وسحابة غشيتْ المودة التي يُكنُّها الزوج لزوجه.
والطلاق يقع حيثما طلق في الوقت الذي بيَّنه الشرع أو في غيره، لأن فكَّ الزوجية، وهدم اللبنة الأولى للمجتمع ليس لعباً تلوكه الألسنة في كل وقت، وعند أدنى بادرة، بل هو الجد كل الجد فمن نطق به لزمته نتائجه وعصى الله- جلَّت حكمته- لأنه لم يقف عند حدوده، ويتبع تعاليمه.
وأمر الله- العليم الخبير- بإحصاء العدة لضبط انتهائها، ومعرفة أمدها بدقة لعدم إطالة الأمد على المطلَّقة، والإضرار بها، ولكيلا تنقص من مدتها مما لا يؤدي إلى المراد منها وهو التأكد من براءة رحم المطلقة من الحمل.