فصل: إثبات أن القرآن منزل من الله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية (نسخة منقحة)



.إثبات أن القرآن منزل من الله تعالى:

(2) ذكر المؤلف رحمه الله الآيات التي فيها أن القرآن منزل من الله تعالى:
الآية الأولى: قوله: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} [الأنعام:155].
{وهذا كتاب}؛ أي: مكتوب؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، ومكتوب في الصحف التي بأيدي السفرة، ومكتوب في المصاحف التي بأيدينا.
وقوله: {مبارك}؛ أي: ذو بركة.
فهو مبارك؛ لأنه شفاء لما في الصدور، إذا قرأه الإنسان بتدبر وتفكر؛ فإنه يشفي القلب من المرض، وقد قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء:82].
مبارك في اتباعه؛ إذ به صلاح الأعمال الظاهرة والباطنة.
مبارك في آثاره العظيمة؛ فقد جاهد المسلمون به بلاد الكفر؛ لأن الله يقول: {وجاهدهم به جهادًا كبيرًا} [الفرقان:52]، والمسلمون فتحوا مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرآن حتى ملكوها، ولو رجعنا إليه؛ لملكنا مشارق الأرض ومغاربها بهذا القرآن حتى ملكوها، ولو رجعنا إليه؛ لملكنا مشارق الأرض ومغاربها؛ كما ملكها أسلافنا، ونسأل الله ذلك.
مبارك في أن من قرأه؛ فله بكل حرف عشر حسنات؛ فكلمة (قال) مثلًا فيها ثلاثون حسنة، وهذا من بركة القرآن؛ فنحن نحصل خيرات كثيرة لا تحصى بقراءة آيات وجيزة من كلام الله عز وجل.
والحاصل: أن القرآن كتاب مبارك؛ فكل أنواع البركة حاصلة بهذا القرآن العظيم.
والشاهد في قوله: {أنزلناه}.
وثبوت نزوله من الله دليل على أنه كلامه.
(1) الآية الثانية: قوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله} [الحشر:21].
الجبل من أقسى ما يكون، والحجارة التي منها تتكون الجبال هي مضرب المثل في القساوة؛ قال الله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة: 74]، ولو نزل هذا القرآن على جبل؛ لرأيت هذا الجبل خاشعًا متصدعًا من خشية الله.
{خاشعًا}؛ أي: ذليلًا.
ومن شدة خشيته لله يكون {متصدعًا} يتفلق ويتفتق.
وهو ينزل على قلوبنا، وقلوبنا- إلا أن يشاء الله- تضمر وتقسو لا تتفتح ولا تتقبل.
فالذين آمنوا إذا نزلت عليهم الآيات؛ زادتهم إيمانًا، والذين في قلوبهم مرض؛ تزيدهم رجسًا إلى رجسهم؛ والعياذ بالله!
ومعنى ذلك: أن قلوبهم تتصلب وتقسو أكثر وتزداد رجسًا إلى رجسها، نعوذ بالله من ذلك!
وهذا القرآن لو أنزل على جبل؛ لتصدع الجبل وخشع؛ لعظمة ما أنزل عليه من كلام الله.
وفي هذا دليل على أن للجبل إحساسًا؛ لأنه يخشع ويتصدع، والأمر كذلك، قال النبي، صلى الله عليه وسلم في أحد: «هذا أحد جبل يحبنا ونحبه».
وبهذا الحديث نعرف الرد على المثبتين للمجاز في القرآن، والذي يرفعون دائمًا علمهم مستدلين بهذه الآية: {فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض} [الكهف:77]؛ يقول: كيف يريد الجدار؟!
فنقول: يا سبحان الله! العليم الخبير يقول: {يريد أن ينقض}، وأنت تقول: لا يريد! أهذا معقول؟
فليس من حقك بعد هذا أن تقول: كيف يريد؟!
وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا: هل نحن أوتينا علم كل شيء؟
فنجيب بالقول بأننا ما أوتينا من العلم إلا قليلًا.
فقول من يعلم الغيب والشهادة: {يريد أن ينقض} : لا يسوغ لنا أن نعترض عليه، فنقول: لا إرادة للجدار! ولا يريد أن ينقض!
وهذا من مفاسد المجاز؛ لأنه يلزم منه نفي ما أثبته القرآن.
أليس الله تعالى يقول: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء:44]؛ هل تسبح بلا إرادة؟!
يقول: {تسبح له} : اللام للتخصيص؛ إذا؛ هي مخلصة، وهل يتصور إخلاص بلا إرادة؟! إذا؛ هي تريد وكل شيء يريد لأن الله يقول: {وإن من شيء إلا يسبح}، وأظنه لا يخفى علينا جميعًا أن هذا من صيغ العموم؛ فـ: (إن): نافية بمعنى (ما)، و: {من شيء} : نكرة في سياق النفي، {إلا يسبح بحمده}، فيعم كل شيء.
فيا أخي المسلم! إذا رأيت قلبك لا يتأثر بالقرآن؛ فاتهم نفسك؛ لأن الله أخبر أن هذا القرآن لو أنزل على جبل لتصدع، وقلبك يتلى عليه القرآن، ولا يتأثر. اسأل الله أن يعينني وإياكم.
(1) الآية الثالثة والرابعة والخامسة: قوله: {وإذ بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} [النحل: 101- 103].
قوله عز وجل: {وإذا بدلنا آية مكان آية} : قوله: {بدلنا}؛ أي: جعلنا آية مكان آية، وهذا إشارة إلى النسخ المذكور في قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة:106]، فالله سبحانه إذا نسخ آية؛ جعل بدلها آية، سواء نسخها لفظًا، أو نسخها حكمًا.
وقوله: {والله أعلم بما ينزل} : هذه جمله اعتراضية، وهي من أحسن ما يكون في هذا الموضع، والمعنى أن تبديلنا للآية ليس سفهًا وعبثًا، بل هو صادر عن علم بما يصلح الخلق، فنبدل آية مكان آية؛ لعلمنا أن ذلك أصلح للخلق وأنفع لهم.
وفيها أيضًا فائدة أخرى، وهي أن هذا التبديل ليس من عمل الرسول عليه الصلاة والسلام. بل هو من الله، أنزله بعلمه، وأبدل آية مكان آية بعلمه، وليس منك أيها الرسول.
قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا أنت بقرآن غير هذا أو بدله} [يونس: 15]؛ فماذا كان الجواب؟ كان الجواب بأن أجاب عن شيء من كلامهم وترك شيئًا فقال تعالى: {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي} [يونس:15]، ولم يقل: ولا أتي بقرآن غيره. لماذا؟ لأنه قد يأتي بتبديل من عنده، وإذا كان لا يمكنه تبديله؛ فالإتيان بغيره أولى بالامتناع.
فالمهم: أن الذي يبدل آية مكان آية، سواء لفظها أو حكمها، هو الله سبحانه.
قوله: {إنما أنت مفتر} : الجملة جواب {وإذا}.
قوله: {إنما أنت} : الخطاب هنا لمحمد، صلى الله عليه وسلم.
قوله: {مفتر}؛ أي: كذاب، بالأمس تقول لنا كذا، واليوم تقول لنا كذا، هذا كذب، بالأمس تقول لنا كذا، واليوم تقول لنا كذا، هذا كاذب، إنما أنت مفتر!!
لكن هذا القول الذي يقولونه إزاء إتيانه بآية مكان آية هو قول سفه، ولو أمعنوا النظر؛ لعلموا علم اليقين أن الذي يأتي بآية مكان آية هو الله سبحانه، وذلك يدل على صدقه، صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكذاب يحذر غاية الحذر أن يأتي بكلام غير كلامه الأول؛ لأنه يخشى أن يطلع على كذبه، فلو كان كاذبًا كما يدعون أن ذلك من علامة الكذب؛ ما أتى بشيء يخالف الأول؛ لأنه إذا أتى بشيء يخالف الأول على زعمهم تبين كذبه بل إتيانه بما يخالف الأول دليل على صدقه بلا شك.
ولهذا قال هنا: {بل أكثرهم لا يعلمون}، وهذا إضراب إبطالي؛ معناه: بل لست مفتريًا، ولكن أكثرهم لا يعلمون، ولو أنهم كانوا من ذوي العلم لعلموا أنه إذا بدلت آية مكان آية فإنما ذلك دليل على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} : {روح القدس} : هو جبريل، ووصفه بذلك لطهارته من الخيانة عليه الصلاة والسلام. ولهذا قال في آية أخرى: {إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مطاع ثم أمين} [التكوير:19- 20].
قوله: {من ربك} قال: {من ربك}، ولم يقل: من رب العالمين؛ إشارة إلى الربوبية الخاصة؛ ربوبية الله للنبي، صلى الله عليه وسلم، وهي ربوبية أخص الخاصة.
وقوله: {بالحق} : إما أن يكون وصفًا للنازل أو للمنزول به.
فإن كان وصفًا للنازل؛ فمعناه: أن نزوله حق، وليس بكذب.
وإن كان وصفًا للمنزول به؛ فمعناه: أن ما جاء به فهو حق.
وكلاهما مراد؛ فهو حق من عند الله، ونازل بالحق.
قال الله تعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} [الإسراء:105].
فالقرآن حق، وما نزل به حق.
قوله: {وهدى وبشرى للمسلمين}؛ أي: هدى يهتدون به، ومنارًا يستنيرون به، وبشارة لهم يستبشرون به.
بشارة؛ لأن من عمل به، واستسلم له كان ذلك دليلًا على أنه من أهل السعادة، قال الله تعالى: {فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى} [الليل:5- 7].
ولهذا ينبغي للإنسان أن يفرح إذا رأى من نفسه الخير والثبات عليه والإقبال عليه، يفرح؛ لأن هذه بشارة له؛ فإن الرسول، صلى الله عليه وسلم لما حدث أصحابه؛ قال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار». قالوا أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: «لا؛ اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له»، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} [الليل:5- 10].
فإذا رأيت من نفسك أن الله عز وجل قد من عليك بالهداية، والتوفيق والعمل الصالح ومحبة الخير وأهل الخير؛ فأبشر؛ فإن في هذا دليلًا على أنك من أهل اليسرى، الذين كتبت لهم السعادة.
ولهذا قال هنا: {وهدى وبشرى للمسلمين}.
قوله: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر}؛ قال: {ولقد نعلم}، ولم يقل: لقد علمنا؛ لأن قولهم هذا يتجدد، فكان التعبير بالمضارع أولى من التعبير بالماضي؛ لأنه لو قال: لقد علمنا؛ لتبادر إلى ذهن بعض الناس أن المعنى: علمنا أنهم قالوا ذلك سابقًا، لا أنهم يستمرون عليه.
وسبب نزول هذه الآية أن قريشًا قالت: إن هذا القرآن الذي يأتي به محمد ليس من عند ربه، وإنما هو من شخص يعلمه ويقص عليه من قصص الأولين، ويأتي ليقول لنا: هذا من عند الله! أعوذ بالله!!
ادعوا أنه كلام البشر! والعجيب أنهم يدعون أنه كلام بشر، ويقال لهم: ائتوا بمثله، ولا يستطيعون!!
وقد أبطل الله افتراءهم هذا بقوله تعالى: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي}، ومعنى {يلحدون} يميلون؛ لأن قولهم هذا ميل عن الصواب بعيد عن الحق.
والأعجمي: هو الذي لا يفصح بالكلام، وإن كان عربيًا، والعجمي بدو همزة هو: المنسوب إلى العجم وإن كان يتكلم العربية.
فلسان هذا الذي يلحدون إليه أعجمي لا يفصح بالكلام العربي.
وأما القرآن؛ فإن الله قال فيه: {وهذا لسان عربي مبين}. بين في نفسه مبين لغيره.
فالقرآن كلام عربي، وهو أفصح الكلام، كيف يأتي من هذا الرجل الأعجمي، الذي لسانه لا يفصح بالكلام؟!
والشاهد هو قوله: {والله أعلم بما ينزل}، وقوله: {قل نزله روح القدس من ربك}، وقوله: {وهذا لسان عربي مبين}.
وكل هذه تدل على أن القرآن كلام الله تعالى منزل من عنده.
والمؤلف ترك الآية التي بعدها؛ لأنه ليس فيها شاهد، ولكنها مفيدة؛ فنذكرها: قال تعالى: {إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون} [النحل:104- 105].
ومعنى هذه الآية: أن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولا ينتفعون بآياته، والعياذ بالله؛ فالهداية مسدودة عليهم.
وهذه الحقيقة فيها فائدة كبيرة، وهي: أن من لم يؤمن بآيات الله لا يهديه الله.
ومفهوم المخالفة فيها: أن من آمن بآيات الله؛ هداه الله.
مثال ذلك: أننا نجد من لم يؤمن بالآيات؛ لم يهتد لبيان وجهها؛ مثل قول بعضهم: يكف ينزل الله إلى السماء الدنيا وهو في العلو؟!
فنقول: آمن تهتد! فإذا آمنت بأنه ينزل حقيقة علمت أن هذا ليس بمستحيل: لأنه في جانب الله عز وجل، ولا يماثله شيء.
ونجد من يقول في قوله تعالى: {جدارا يريد أن ينقض فأقامه} [الكهف:77]: كيف يريد الجدار؟
فنقول: آمن بأن الجدار يريد أن يتبين لك أن هذا ليس بغريب.
وهذه قاعدة ينبغي أن تكون أساسية عندك، وهي: آمن تهتد!
والذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله، ويبقى القرآن عليهم عمى- والعياذ بالله- ولا يستطيعون الاهتداء به، نسأل الله لنا ولكم الهداية.
ما نستفيده من الناحية المسلكية من هذه الآيات:
نستفيد أننا إذا علمنا أن هذا القرآن تكلم به رب العالمين؛ أوجب لنا ذلك تعظيم هذا القرآن، واحترامه، وامتثال ما جاء فيه من الأوامر، وترك ما فيه من المنهيات والمحذورات، وتصديق ما جاء فيه من الأخبار عن الله تعالى وعن مخلوقاته السابقة واللاحقة.