فصل: إثبات العينين لله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية (نسخة منقحة)



.إثبات العينين لله تعالى:

وقوله: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}، {وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيينا جزاء لمن كان كفر}، {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} (1)......
(1) ذكر المؤلف رحمه الله تعالى لإثبات العينين لله تعالى ثلاث آيات.
الآية الأولى: {وأصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: 48].
* الخطاب هنا للنبي عليه الصلاة والسلام.
* والصبر: بمعنى الحبس، ومنه قوله: قتل صبرًا، أي: قتل وقد حبس للقتل.
فالصبر في اللغة: بمعنى الحبس.
وفي الشرع: قالوا: هو الصبر لأحكام الله، يعني: حبس النفس لأحكام الله.
وأحكام الله عز وجل شرعية وكونية: والشرعية: أوامر ونواه، فالصبر على طاعة الله صبر على الأوامر، والصبر عن معصيته صبر عن النواهي. والكونية: أقدار الله تعالى: فيبصر على أقداره وقضائه.
وهذا معنى قول بعضهم الصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
فقوله تعالى: {واصبر لحكم ربك} : يتناول الأقسام الثلاثة:
1- الصبر على طاعة الله.
2- وعن معصية الله.
3- وعلى أقدار الله.
أي: اصبر لحكم ربك الكوني والشعري.
وبهذا نعرف أن التقسيم الذي ذكره العلماء، وقالوا: إن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله: داخل في هذه الكلمة: {واصبر لحكم ربك}.
ووجه الدخول: أن الحكم إما كوني وإما شرعي، والشرعي أوامر ونواه. والنبي عليه الصلاة والسلام أمره الله عز وجل بأوامر، ونهاه عن نواهي، وقدر عليه مقدورات:
فالأوامر مثل: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]، {ادع إلى سبيل ربك} [النحل: 125]، وهذه أوامر عظيمة، يعني: لو قيل لإنسان: اعبد ربك، فإنه يتمكن من العبادة، لكن الدعوة والتبليغ أمر صعب، لأنه يتعب في معاناة الآخرين وجهادهم، فيكون صعبًا.
وأما النواهي، فقد نهاه عن الشرك، قال: {ولا تكونن من المشركين} [الأنعام: 14]، {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]... وما أشبه ذلك.
وأما الأحكام القدرية: فقد حصل عليه أذى من قومه، أذى قولي وأذى فعلي، لا يصبر عليه إلا أمثال الرسول عليه الصلاة والسلام.
آذوه بالقوة: بالسخرية، والاستهزاء، والتهجين، وتنفير الناس عنه.
وأذوه بالفعل: كان ساجدًا تحت الكعبة في آمن بقعة من الأرض، ساجدًا لربه، فذهبوا، وأتوا بسلى الناقة، ووضعوه على ظهره وهو ساجد!!
ليس هناك أبلغ من هذه الأذية مع العلم بأنه لو يدخل كافر مشرك إلى الحرم، لكان عندهم آمنًا، لا يؤذونه فيه، بل يكرمونه ويطعمونه النبيذ ويسقونه ماء زمزم!! ومحمد عليه الصلاة والسلام سجدًا لله يؤذونه هذا الأذى!!
كانوا يأتون بالعذرة والأنتان والأقذار يضعونه عند عتبة بابه!!
وخرج إلى أهل الطائف، وماذا صار؟! صار الإيذاء العظيم، صف سفهاؤهم وغلمانهم على جانبي الطريق، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبه، فلم يفق إلا في فرن الثعالب.
* فصبر على حكم الله، ولكنه صبر مؤمن يؤمن بأن العاقبة له، لأن الله قال له: {وأصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}... هذا الاعتناء والحفاوة.... أكرم شيء يكون به الإنسان أن تقول له: أنت بعيني، أنت بقلبي... وما أشبه ذلك.
أنت بعيني، معناه: أنا ألاحظك بعيني. وهذا تعبير معروف عند الناس، يكون تمام الحراسة والعناية والحفظ بمثل هذا التعبير: أنت بعيني.
إذًا، قوله: {فإنك بأعيننا}، يعني: فإنك محروس غاية الحراسة، محفوظ غاية الحفظ.
{بأعيننا} : أعيننا معك، نحفظك، ونرعاك، ونعتني بك.
في الآية الكريمة إثبات العين لله عز وجل، لكنها جاءت بصيغة الجمع، لما سنذكر إن شاء الله تعالى.
العين من الصفات الذاتية الخبرية: الذاتية: لأنه لم يزل ولا يزال متصفًا بها، الخبرية: لأن مسماها بالنسبة إلينا أجزاء وأبعاض.
فالعين منا بعض من الوجه، والوجه بعض من الجسم، لكنها بالنسبة لله لا يجوز أن نقول: إنها بعض من الله، لأنه سبق أن هذا اللفظ لم يرد، وأنه يقتضي التجزئة في الخالق، وأن البعض أو الجزء هو الذي يجوز بقاء الكل بفقده، ويجوز أن يفقد، وصفات الله لا يجوز أن تفقد أبدًا، بل هي باقية.
وقد دل الحديث الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لله عينين اثنتين فقط، حين وصف الدجال وقال: «إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور»، وفي لفظ: «أعور العين اليمنى».
وقد قال بعض الناس معنى (أعور)، أي: معيب، وليس من عور العين!!
وهذا لا شك أنه تحريف وتجاهل للفظ الصحيح الذي في البخاري وغيره: «أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية» وهذا واضح.
ولا يقال أيضًا: (أعور) باللغة العربية، إلا لعور العين، أما إذا قيل: (عور) أو (عوار)، فربما يراد به مطلق العيب.
وهذا الحديث يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط.
ووجه الدلالة أنه لو كان لله أكثر من اثنتين، لكان البيان به أوضح من البيان بالعور، لأنه لو كان لله أكثر من عينين، لقال: إن ربكم له أعين، لأنه إذا كان له أعين أكثر من ثنتين، صار وضوح أن الدجال ليس برب أبين.
وأيضًا: لو كان الله عز وجل أكثر من عينين، لكان ذلك من كماله، وكان ترك ذكره تفويتًا للثناء على الله، لأن الكثرة تدل على القوة والكمال والتمام، فلو كان لله أكثر من عينين، لبينها الرسول عليه الصلاة والسلام، لئلا يفوتنا اعتقاد هذا الكمال، وهو الزائد على العينين الثنتين.
وذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (الصواعق المرسلة) حديثًا، لكنه ضعيف لانقطاعه، وهو: «إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن...»: «عيني»: هذه تثنية، لكن الحديث ضعيف، واعتمادنا في عقيدتنا هذه على الحديث الصحيح، حديث الدجال، لأنه واضح لمن تأمله.
ولقد ذكر ذلك عثمان بن سعيد الدرامي رحمه الله في (رده على بشر المريسي)، وكذلك أيضًا ذكره ابن خزيمة في (كتاب التوحيد)، وذكر أيضًا إجماع السلف على ذلك أبو الحسن الأشعري رحمه الله وأبو بكر الباقلاني، والأمر في هذا واضح.
فعقيدتنا التي ندين لله بها: أن لله تعالى عينين اثنتين، لا زيادة.
فإن قيل: إن من السلف من فسر قوله تعالى: {بأعيننا}، بقوله: بمرأى منا. فسره بذلك أئمة سلفيون معروفون، وأنتم تقولون: إن التحريف محرم وممتنع، فما الجواب؟
فالجواب: أنهم فسروها باللازم، مع إثبات الأصل، وهي العين، وأهل التحريف يقولون: بمرأى منا، بدون إثبات العين، وأهل السنة والجماعة يقولون: {بأعيننا} : بمرأى منا، ومع إثبات العين.
لكن ذكر العين هنا أشد توكيدًا وعناية من ذكر مجرد الرؤية، ولهذا قال: {فإنك بأعيننا}.
قالت المعطلة: أجلبتم علينا بالخيل والرجل في إنكاركم علينا التأويل، وأنتم أولتم فأخرجتم الآية عن ظاهرها، فالله يقول: {فإنك بأعيننا}، فخذوا بالظاهر، وإذا أخذتم بالظاهر، كفرتم، وإذا لم تأخذوا بالظاهر، تناقضتم، فمرة تقولون: يجوز التأويل، ومرة تقولون: لا يجوز التأويل، وتسمونه تحريفًا، وهل هذا إلا تحكم بدين الله؟‍
قلنا: نأخذ بالظاهر، وعلى العين والرأس، وهو طريقتنا، ولا نخالفه.
قالوا: الظاهر من الآية أن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعين الله، وسط العين، كما تقول: زيد بالبيت. زيد بالمسجد، فالباء للظرفية، فيكون زيد داخل البيت وداخل المسجد، فيكون قوله: {بأعيننا}، أي: داخل أعيننا‍ وإذا قلتم بهذا كفرتم، لأنكم جعلتم الله محلًا للخلائق، فأنتم حلولية، وإن لم تقولوا به، تناقضتم؟‍
قلنا لهم: معاذ الله ثم معاذ الله ثم معاذ الله أن يكون ما ذكرتموه ظاهر القرآن، وأنتم إن اعتقدتم أن هذا ظاهر القرآن، كفرتم، لأن من اعتقد أن ظاهر القرآن كفر وضلال، فهو كافر ضال.
فأنتم توبوا إلى الله من قولكم: إن هذا هو ظاهر اللفظ‍ واسألوا جميع أهل اللغة من الشعراء والخطباء: هل يقصدون بمثل هذه العبارة أن الإنسان المنظور إليه بالعين حال في جفن العين؟‍ اسألوا من شئتم من أهل اللغة أحياء وأمواتًا‍ فأنت إذا رأيت أساليب اللغة العربية، عرفت أن هذا المعنى الذي ذكروه وألزمونا به لا يرد في اللغة العربية، فضلًا عن أن يكون مضافًا إلى الرب عز وجل، فإضافته إلى الرب كفر منكر، وهو منكر لغة وشرعًا وعقلًا.
فإن قيل: بماذا تفسرون الباء في قوله: {بأعيننا}؟
قلنا: نفسرها بالمصاحبة، إذا قلت: أنت بعين، يعني: أن عيني تصحبك وتنظر إليك، لا تنفك عنك، فالمعنى: أن الله عز وجل بقول لنبيه: أصبر لحكم الله، فإنك محوط بعنايتنا وبرؤيتنا لك بالعين حتى لا ينالك أحد بسوء.
ولا يمكن أن تكون الباء هنا للظرفية، لأنه يقتضي أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عين الله، وهذا محال.
وأيضًا، فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خوطب بذلك وهو في الأرض، فإذا قلتم: إنه كان في عين الله كانت دلالة القرآن كذبًا.
وهذا وجه آخر في بطلان دعوى أن ظاهر القرآن أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عين الله تعالى.
الآية الثانية: قوله تعالى: {وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر} [القمر: 13- 14].
* {وحملناه} : الضمير يعود على نوح عليه الصلاة والسلام.
* وقوله: {وحملناه على ذات ألواح ودسر} : أي: على سفينة ذات ألواح ودسر، وهذه السفينة كان عليه الصلاة والسلام يصنعها، وكان يمر به قومه، فيسخرون منه، فيقول: {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} [هود: 38].
صنعها بأمر الله ورعاية الله وعنايته، وقالب الله له: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} [هود: 37] فالله تعالى ينظر إليه وهو يصنع الفلك، ويلهمه كيف يصنعها.
* ووصفها الله هنا في قوله: {ذات ألواح ودسر} : {ذات} : بمعنى: صاحبة. والألواح: الخشب. والدسر: ما يربط به الخشب كالمسامير والحبال وما أشبه ذلك، وأكثر المفسرين على أن المراد بها المسامير التي تربط بها الأخشاب.
* {تجري بأعيننا} : هذا الشاهد: {بأعيننا} : أي ذات الألواح والدسر بأعين الله عز وجل. والمراد بالأعين هنا عينان فقط، كما مر ومعنى تجري بها، أي: مصحوبة بنظرنا بأعيننا، فالباء هنا للمصاحبة، تجري على الماء الذي نزل من السماء ونبع من الأرض، لأن نوحًا عليه الصلاة والسلام دعا ربه: {أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10] ، قال الله تعالى: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونًا} [القمر: 11- 12]، فكانت هذه السفينة تجري بعين الله عز وجل.
قد يقول قائل: لماذا لم يقل: وحملناه على السفينة، أو: حملناه على فلك، بل قال: {على ذات ألواح ودسر}؟
والجواب على هذا أن نقول: عدل عن التعبير بالفلك والسفينة إلى التعبير بذات ألواح ودسر، ولوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: مراعاة للآيات وفواصلها، فلو قال: حملنا على فلك، لم تتناسب هذه الآية مع ما بعدها ولا ما قبلها. ولو قال: على سفينة، كذلك، لكن من أجل تناسب الآيات في فواصلها وفي كلماتها قال: {على ذات ألواح ودسر}.
الوجه الثاني: من أجل أن يتعلم الناس كيف يصنعون السفن، وبيان أنها من الألواح والمسامير، ولهذا قال الله تعالى: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر} [القمر: 15]، فأبقى الله تعالى علمها آية للخلق يصنعون كما ألهم الله تعالى نوحاً.
الوجه الثالث: الإشارة إلى قوتها، حيث كانت من ألواح ودسر، والتنكير هنا للتعظيم.
وروعي التركيز على مادتها، ونظير ذلك في ذكر الوصف دون الموصوف قوله تعالى: {أن اعمل سابغات} [سبأ: 11] ولم يقل: دروعًا، من أجل العناية بفائدة هذه الدروع، وهي أن تكون سابغة تامة، فهذه مثلها.
* وقوله: {تجري بأعيننا}، نقول فيها ما قلناه في قوله تعالى: {فإنك بأعيننا} [الطور: 48].
الآية الثالثة: قوله: {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} [طه: 39].
* الخطاب لموسى عليه الصلاة والسلام.
* فقوله: {وألقيت عليك محبة مني} : اختلف المفسرون في معناها:
فمنهم من قال: {وألقيت عليك محبة مني}، يعني: أني أحببتك.
ومنهم من قال: ألقيت عليك محبة من الناس، والإلقاء من الله، أي أن: من رآك أحبك، وشاهد هذا أن امرأة فرعون لما رأته أحبته وقالت: {لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا} [القصص: 9].
ولو قال قائل: أيمكنكم أن تحملوا الآية على المعنيين؟ لقلنا: نعم بناء على القاعدة، وهو أن الآية إذا كانت تحمل معنيين لا منافاة بينهما، فإنها تحمل عليهما جميعًا، فموسى عليه الصلاة والسلام محبوب من الله عز وجل، ومحبوب من الناس، إذا رآه الناس، أحبوه، والواقع أن المعنيين متلازمان، لأن الله تعالى إذا أحب عبدًا، ألقى في قلوب العباد محبته.
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أحبه الله وحببه إلى خلقه.
* ثم قال: {ولتصنع على عيني} : الصنع: جعل الشيء على صفة معينة، كصنع صفائح الحديد قدورًا، وصنع الأخشاب أبوابًا، وصنع شيء بحسبه، فصناعة البيت: بناء البيت، وصناعة الحديد: جعلها أواني مثلًا أو محركات، وصنع الآدمي: معناه التربية البدنية والعقلية: تربيته البدنية بالغذاء، وتربيته العقلية بالآداب والأخلاق وما أشبه ذلك.
وموسى على الصلاة والسلام حصل له ذلك، فإنه ربي على عين الله:
لما التقط آل فرعون، حماه الله عز وجل من قتلهم، مع أنهم كانوا يقتلون أبناء بني إسرائيل، فقضى الله تعالى أن هذا الذي تقتل الناس من أجله ستربى في أحضان آل فعون، فالناس يقتلون من أجله، وهو يتربى آمنًا في أحضانهم. وانظر إلى هذه القدرة العظيمة.‍‍
ومن تربية الله له عرض على المراضع- النساء اللاتي يرضعنه-، ولكنه ما رضع من أي واحدة: {وحرمنا عليه المراضع من قبل} [القصص: 12]، فما رضع من امرأة قط، وكانت أخته قد انتدبت من قبل أمه، فرأتهم، وقالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} [القصص: 12]، قالوا: نعم، نحن نود هذا. فقالت: اتبعوني. فتبعوها، قال تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن} [القصص: 13]، ولم يرضع من امرأة قط، مع أنه رضيع لكن هذا من كمال قدرة الله وصدق وعده، لأن الله عز وجل قال لها: {فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: 7].
الأم شفقتها على ابنها لا أحد يتصورها، قيل لها: اجعلي ابنك في صندوق، وألقيه في البحر، وسيأتي إليك.
لولا الإيمان الذي مع هذه المرأة، ما فعلت هذا الشيء تلقي ابنها في البحر لو أن ابنها سقط في تابوته في البحر، لجرته فكيف وهي التي تلقيه؟ لكن لثقتها بالرب عز وجل ووعده ألقته في اليم.
وقوله: {ولتصنع على عيني}، بالإفراد، هل ينافي ما سبق من ذكرها بالجمع؟!
الجواب: لا تنافي، وذلك لأن المفرد المضاف يعم فيشمل كل ما ثبت لله من عين، وحينئذ لا منافاة بين المفرد وبين الجمع أو التثنية.
إذًا، يبقى النظر بين التثنية والجمع، فكيف نجمع بينهما؟!
الجواب أن نقول: إن كان أقل الجمع اثنين، فلا منافاة، لأننا نقول: هذا الجمع دال على اثنتين، فلا ينافيه. وإن كان أقل الجمع ثلاثة، فإن هذا الجمع لا يراد به الثلاثة، وإنما يراد به التعظيم والتناسب بين ضمير الجمع وبين المضاف إليه.
وقد فسر أهل التحريف والتعطيل العين بالرؤية بدون عين، وقالوا: {بأعيننا} : برؤية منا، ولكن لا عين، والعين لا يمكن أن تثبت لله عز وجل أبدًا، لأن العين جزء من الجسم، فإذا أثبتنا العين لله، أثبتنا العين لله، أثبتنا تجزئة وجسمًا، وهذا شيء ممتنع، فلا يجوز، ولكنه ذكر العين من باب تأكيد الرؤية، يعني: كأنما نراك ولنا عين، والأمر ليس كذلك!!
فنقول لهم: هذا القول خطأ من عدة أوجه:
الوجه الأول: أنه مخالف لظاهر اللفظ.
الثاني: أنه مخالف لإجماع السلف.
الثالث: أنه لا دليل عليه، أي: أن المراد بالعين مجرد الرؤية.
الرابع: أننا إذا قلنا بأنها الرؤية، وأثبت الله لنفسه عينًا، فلازم ذلك أنه يرى بتك العين، وحينئذ يكون في الآية دليل على أنها عين حقيقية.