فصل: صفة السمع والبصر لله تعالى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية (نسخة منقحة)



.صفة السمع والبصر لله تعالى:

وقوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما كما إن الله سميع بصير} (1)................................................
(1) ذكر المؤلف رحمه الله في إثبات صفتي السمع والبصر آيات سبعاً:
الآية الأولى: قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} [المجادلة: 1].
* {قد} : للتحقيق.
والمجادلة: هي التي جاءت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشتكي زوجها حين ظاهر منها.
والظهار: أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي. أو كلمة نحوها.
وكان الظهار في الجاهلية طلاقًا بائنًا، فجاءت تشتكي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتبين له كيف يطلقها هذا الرجل ذلك الطلاق البائن وهي أم أولاده، وكانت تحاور النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي: تراجعه الكلام فأفتاها الله عز وجل بما أفتاها به في الآيات المذكورة.
* والشاهد من هذه الآيات قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك}، ففي هذا إثبات السمع لله سبحانه وتعالى، وأنه يسمع الأصوات مهما بعدت ومهما خفيت.
قالت عائشة رضي الله عنها: «تبارك (أو قالت: الحمد لله) الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي ناحية البيت، وإني ليخفى على بعض حديثها».
والسمع المضاف إلى الله عز وجل ينقسم إلى قسمين:
1- سمع يتعلق بالمسموعات، فيكون معناه إدراك الصوت.
2- وسمع بمعنى الاستجابة، فيكون معناه أن الله يجيب من دعاه، لأن الدعاء صوت ينطلق من الداعي، وسمع الله دعاءه، يعني: استجاب دعاءه، وليس المراد سمعه مجرد سماع فقط، لأن هذا لا فائدة منه، بل الفائدة أن يستجيب الله الدعاء.
فالسمع الذي بمعنى إدراك الصوت ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يقصد به التأييد.
والثاني: ما يقصد به التهديد.
والثالث: ما يقصد به بيان إحاطة الله سبحانه وتعالى.
(1) أما ما يقصد به التهديد، فكقوله تعالى: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} [الزخرف: 80]، وقوله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181].
2- وأما ما يقصد به التأييد، فكقوله تعالى لموسى وهارون: {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46]، أراد الله عز وجل أن يؤيد موسى وهارون بذكر كونه معهما يسمع ويرى، أي: يسمع ما يقولان وما يقال لهما ويراهما ومن أرسلا إليه، وما يفعلان، وما يفعل بهما.
3- وأما ما يقصد به بيان الإحاطة، فمثل هذه الآية، وهي: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} [المجادلة: 1].
{لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} (1) {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} (2)........................................
الآية الثانية: قوله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181].
* {لقد} : جملة مؤكدة باللام، و: (قد)، والقسم المقدر، تقديره: والله، فهي مؤكدة بثلاث مؤكدات.
والذين قالوا: {إن الله فقير ونحن أغنياء} : هم اليهود قاتلهم الله، فهم وصفوا الله بالعيب، قالوا: {إن الله فقير}.
وسبب قولهم هذا: أنه لما نزل قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له} [البقرة: 245]، قالوا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا محمد! إن ربك افتقر، يسأل القرض منا.
الآية الثالثة: قوله: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} [الزخرف: 80].
* {أم} في مثل هذا التركيب، يقولون: إنها متضمنة معنى (بل)، والهمزة، يعني: بل أيحسبون، ففيها إضراب وفيها استفهام، أي: بل أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم.
* والسر: ما يسره الإنسان إلى صاحبه.
والنجوى: ما يناجي به صاحبه ويخاطبه، فهو أعلى من السر.
والنداء: ما يرفع به صوته لصاحبه.
فها هنا ثلاثة أشياء: سر ومناجاة ونداء.
فمثلًا: إذا كان شخص إلى جانب: وساررته، أي: كلمته بكلام لا يسمعه غيره، نسمي هذا مسارة.
وإذا كان الحديث بين القوم يسمعونه كلهم ويتجاذبونه، سمي مناجاة وأما المناداة، فتكون من بعيد لبعيد.
فهؤلاء يسرون ما يقولونه من المعاصي، ويتناجون بها، فيقول الله عز وجل مهددًا إياهم: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى}.
* و: {بلى} : حرف إيجاب، يعني: بلى نسمع، وزيادة على ذلك: {ورسلنا لديهم يكتبون}، أي: عندهم يكتبون ما يسرون وما به يتناجون، والمراد بالرسل هنا الملائكة الموكلون بكتابة أعمال بني آدم، ففي هذه الآية إثبات أن الله تعالى يسمع سرهم ونجواهم.
وقوله: {إنني معكما أسمع وأرى} (1)...............................................
الآية الرابعة: قوله: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46].
* الخطاب لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، يقول الله سبحانه وتعالى لهما: {إنني معكما أسمع وأرى}، أي: أسمع ما تقولان، وأسمع ما يقال لكما، وأراكما، وأرى أن من أرسلتما إليه، وأرى ما تفعلان، وأرى ما يفعل بكما.
لأنه إما أن يساء إليهما بالقول أو بالفعل، فإن كان بالقول، فهو مسموع عند الله، وإن كان بالفعل، فهو مرئي عند الله.
وقوله: {ألم يعلم بأن الله يرى} (1)............................................
الآية الخامسة: قوله: {ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق: 14].
* الضمير في: {ألم يعلم} يعود إلى من يسيء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: {أرأيت الذين ينهى عبدًا إذا صلى أريت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى} [العلق: 9- 14]، وقد ذكر المفسرون أن المراد به أبو جهل.
وفي هذه الآية: إثبات صفة الرؤية لله عز وجل.
والرؤية المضافة إلى الله لها معنيان.
المعنى الأول: العلم.
المعنى الثاني: رؤية المبصرات، يعني: إدراكها بالبصر.
فمن الأول: قوله تعالى عن القيامة: {إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً} [المعارج: 6]، فالرؤية هنا رؤية العلم، لأن اليوم ليس جسماً يرى، وأيضاً هو لم يكن بعد، فمعنى: {ونراه قريباً}، أي: نعلمه قريباً..
*وأما قوله: {ألم يعلم بأن الله يرى}، فهي صالحة لأن تكون بمعنى العلم وبمعنى الرؤية البصرية، وإذا كانت صالحة لهما، ولا منافاة بينهما وجب أن تحمل عليهما جميعًا، فيقال: إن الله يرى، أي: يعلم ما يفعله هذا الرجل وما يقوله، ويراه أيضًا.
{الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم} (1)...............
الآية السادسة: قوله: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم} [الشعراء: 218- 220].
* وقبل هذه الآية قوله: {وتوكل على العزيز الرحيم} [الشعراء: 217].
* والرؤية هنا رؤية البصر، لأن قوله: {الذي يراك حين تقوم} لا تصح أن تكون بمعنى العلم، لأن الله يعلم به حين يقوم وقبل أن يقوم، وأيضًا لقوله: {وتقلبك في الساجدين} وهو يؤيد أن المراد بالرؤية هنا رؤية البصر.
* ومعنى الآية: أن الله تعالى يراه حين يقوم للصلاة وحده وحين يتقلب في الصلاة مع الساجدين في صلاة الجماعة.
* {إنه هو السميع العليم} : {إنه}، أي: الله الذي يراك حين تقوم: {هو السميع العليم}.
وفي الآية هنا ضمير الفصل {هو}، من فوائده الحصر، فهل الحصر هنا حقيقي، بمعنى: أنه حصر لا يوجد شيء من المحصور في غير المحصور فيه، أو هو إضافي؟
الجواب: هو إضافي من وجه حقيقي من وجه، لأن المراد بـ: {السميع} هنا: ذو السمع الكامل المدرك لكل مسموع، وهذا هو الخاص بالله عز وجل، والحصر بهذا الاعتبار حقيقي، أما مطلق السمع، فقد يكون من الإنسان، كما في قوله تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا} [الإنسان: 2]، فجعل الله تعالى الإنسان سميعًا بصيرًا. وكذلك {عليم}، فإن الإنسان عليم، كما قال الله تعالى: {وبشروه بغلام عليم} [الذاريات: 28]، لكن العلم المطلق- أي: الكامل- خاص بالله سبحانه وتعالى، فالحصر بهذا الاعتبار حقيقي.
وفي هذه الآية الجمع بين السمع والرؤية.
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} (1)............................
الآية السابعة: قوله: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} [التوبة: 105].
* والذي قبل هذه الآية: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم} [التوبة: 103- 104].
* في هذه الآية يقول: {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
قال ابن كثير وغيره: قال مجاهد: هذا وعيد- يعني من الله تعالى- للمخالفين أوامره، بأن أعمالهم ستعرض عليه وعلى الرسول والمؤمنين، وهذا كائن لا محالة يوم القيامة، وقد يظهر ذلك للناس في الدنيا.
والرؤية هنا شاملة للعلمية والبصرية.
ففي الآية: إثبات الرؤية بمعنييها: الرؤية العلمية، والرؤية البصرية.
وخلاصة ما سبق من صفتي السمع والرؤية:
أن السمع ينقسم إلى قسمين:
1- سمع بمعنى الاستجابة.
2- وسمع بمعنى إدراك الصوت.
وأن إدراك الصوت ثلاثة أقسام.
وكذلك الرؤية تنقسم إلى قسمين:
1- رؤية بمعنى العلم.
2- ورؤية بمعنى إدراك المبصرات.
وكل ذلك ثابت لله عز وجل.
والرؤية التي بمعنى إدراك المبصرات ثلاثة أقسام:
1- قسم يقصد به النصر والتأييد، كقوله: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه: 46].
2- وقسم يقصد به الإحاطة والعلم، مثل قوله: {إن الله نعمًا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} [البقرة: 271].
3- وقسم يقصد به التهديد، مثل قوله: {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله} [التوبة: 94].
ما نستفيده من الناحية المسلكية في الإيمان بصفتي السمع والرؤية:
- أما الرؤية، فنستفيد من الإيمان بها الخوف والرجاء: الخوف عند المعصية، لأن الله يرانا. والرجاء عند الطاعة، لأن الله يرانا. ولا شك أنه سيثيبنا على هذا، فتتقوى عزائمنا بطاعة الله، وتضعف إرادتنا لمعصيته.
- وأما السمع، فالأمر فيه ظاهر، لأن الإنسان إذا آمن بسمع الله، استلزم إيمانه كمال مراقبة الله تعالى فيما يقول خوفًا ورجاءً: خوفًا، فلا يقول ما يسمع الله تعالى منه من السوء، ورجاء، فيقول الكلام الذي يرضي الله عز وجل.