فصل: آيات صفة المجيء والإتيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية (نسخة منقحة)



.آيات صفة المجيء والإتيان:

ذكر المؤلف رحمه الله تعالى لإثبات صفة المجيء والإتيان آيات أربع.
قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر} (1).
(1) الآية الأول: قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر} [البقرة: 210].
* قوله: {هل ينظرون} : {هل} : استفهام بمعنى النفي، يعني: ما ينظرون، وكلما وجدت (إلا) بعد الاستفهام، فالاستفهام يكون للنفي. هذه قاعدة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «هل أنت إلا أصبع دميت»، أي: ما أنت.
* ومعنى: {ينظرون} هنا: ينتظرون لأنها لم تتعد بـ: (إلى)، فلو تعدت بـ: (إلى) لكان معناها النظر بالعين غالبًا، أما إذا تعدت بنفسها، فهي بمعنى: ينتظرون. أي: ما ينتظر هؤلاء المكذبون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وذلك يوم القيامة.
* {يأتيهم الله في ظلل} : و: {في} : هنا بمعنى (مع)، فهي للمصاحبة، وليس للظرفية قطعًا، لأنها لو كانت للظرفية، لكانت الظلل محيطة بالله، ومعلوم أن الله تعالى واسع عليم، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.
* فـ: {في ظلل}، أي: مع الظلل، فإن الله عند نزوله جل وعلا للفصل بين عباده {تشقق السماء بالغمام} : غمام أبيض، ظلل عظيمة، لمجيء الله تبارك وتعالى.
* وقوله: {في ظلل من الغمام} الغمام، قال العلماء: إن السحاب الأبيض، كما قال تعالى ممتنًا على بني إسرائيل: {وظللنا عليكم الغمام} [البقرة: 57]، والسحاب الأبيض يبقي الجوز مستنيرًا، بخلاف الأسود والأحمر، فإنه تحصل به الظلمة، وهو أجمل منظرًا.
* وقوله: {والملائكة} : الملائكة بالرفع معطوف على لفظ الجلالة الله، يعني: أو تأتيهم الملائكة، وسبق بيان اشتقاق هذه الكلمة، ومن هم الملائكة.
والملائكة تأتي يوم القيامة، لأنها تنزل في الأرض، ينزل أهل السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة وهكذا... إلى السابعة؟ يحيطون بالناس.
وهذا تحذير من هذا اليوم الذي يأتي على هذا الوجه، فهو مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، يحذر الله به هؤلاء المكذبين.
وقوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} (1).
(1) الآية الثانية: قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} [الأنعام: 158].
* نقول في: {هل ينظرون} ما قلناه في الآية السابقة، أي: ما ينتظر هؤلاء إلا واحدة من هذه الأحوال:
أولًا: {إلا أن تأتيهم الملائكة}، أي: لقبض أرواحهم، قال الله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوهم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} [الأنفال: 50].
ثانيًا: {أو يأتي ربك} : وهذه طلوع الشمس من مغربها، فسرها بذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإنما ذكر الله هذه الأحوال الثلاث:
لأن الملائكة إذا نزلت لقبض أرواحهم، لا تقبل منهم التوبة، لقوله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [الإنسان: 18].
وكذلك أيضًا إذا طلعت الشمس من مغربها، فإن التوبة لا تقبل، وحينئذ لا يستطيعون خلاصًا مما هم عليه.
وذكر الحالة الثالثة بين الحالين، لأن وقت الجزاء وثمرة العمل، فلا يستطيعون التخلص في تلك الحال مما عملوه.
والغرض من هذه الآيات والتي قبلها تحذير هؤلاء المكذبين من أن يفوتهم الأوان ثم لا يستطيعون الخلاص من أعمالهم.
{كلا إذا دكت الأرض دكًا دكا وجاء ربك والملك صفًا صفا} (1)................
(1) الآية الثالثة: قوله: {كلا إذا دكت الأرض دكًا دكا وجاء ربك والملك صفًا صفا} [الفجر: 21- 22].
* {كلا} هنا للتنبيه، مثل (ألا).
* وقوله: {إذا دكت الأرض دكًا دكا} : هذا يوم القيامة.
وأكد هذا الدك لعظمته، لأنها تدك الجبال والشعاب وكل شيء يدك، حتى تكون الأرض كالأديم، والأديم هو الجلد، قال الله تعالى: {فيذرها قاعًا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} [طه: 106- 107]. ويحتمل أن يكون تكرار الدك تأسيسًا لا تأكيدًا، ويكون المعنى: دكًا بعد دك.
* قال: {وجاء ربك والملك صفًا صفا} : {وجاء ربك}، يعني: يوم القيامة، بعد أن تدك الأرض وتسوى ويحشر الناس يأتي الله للقضاء بين عباده.
* وقوله: {والملك} : (الـ) هنا للعموم، يعني: وكل ملك، يعني: الملائكة ينزلون في الأرض.
* {صفًا صفا}، أي: صفًا من وراء صف، كما جاء في الأثر: «تنزل ملائكة السماء الدنيا فيصفون، ومن ورائهم ملائكة السماء الثانية، ومن ورائهم ملائكة السماء الثالثة» هكذا.
{ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلًا} (1)..............................
(1) الآية الرابعة: قوله: {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلًا} [الفرقان: 25].
* يعني: اذكر يوم تشقق السماء بالغمام.
* و: {تشقق} : أبلغ من تنشق، لأن ظاهرها تشقق شيئًا فشيئًا، ويخرج هذا الغمام، يثور ثوران الدخان، ينبعث شيئًا فشيئًا.
تشقق السماء بالغمام، مثل ما يقال: تشقق الأرض بالنبات، يعني: يخرج الغمام من السماء ويثور متتابعًا، وذلك لمجيء الله عز وجل للفضل بين عباه، فهو يوم رهيب عظيم.
* قوله: {ونزل الملائكة تنزيلًا} : ينزلون من السماوات شيئًا فشيئًا، تنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم الثانية، ثم الثالثة... وهكذا.
وهذه الآية في سياقها ليس فيها ذكر مجيء الله، لكن فيها الإشارة إلى ذلك، لأن تشقق السماء بالغمام إنما يكون لمجيء الله تعالى، بدليل الآيات السابقة.
هذه أربع آيات ساقها المؤلف لإثبات صفة من صفات الله، وهي: المجيء والإتيان.
وأهل السنة والجماعة يثبتون أن الله يأتي بنفسه هو، لأن الله تعالى ذكر ذلك عن نفسه، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلًا من غيره وأحسن حديثًا، فكلامه مشتمل على أكمل العلم والصدق والبيان والإرادة، فالله عز وجل يريد أن يبين لنا الحق وهو أعلم وأصدق وأحسن حديثًا.
لكن يبقى السؤال: هل نعلم كيفية هذا المجيء؟
الجواب: لا نعلمه، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه يجيء، ولم يخبرنا كيف يجيء، ولأن الكيفية لا تعلم إلا بالمشاهدة أو مشاهدة النظير أو الخبر الصادق عنها، وكل هذا لا يوجد في صفات الله تعالى، ولأنه إذا جهلت الذات، جهلت الصفات، أي: كيفيتها، فالذات موجودة وحقيقية ونعرفها ونعرف ما معنى الذات وما معنى الذات وما معنى النفس، وكذلك نعرف ما معنى المجيء، لكن كيفية الذات أو النفس وكيفية المجيء غير معلوم لنا.
فنؤمن بأن الله يأتي حقيقة وعلى كيفية تليق به مجهولة لنا.
مخالفو أهل السنة والجماعة والرد عليهم:
وخالف أهل السنة والجماعة في هذه الصفة أهل التحريف والتعطيل، فقالوا: إن الله لا يأتي، لأنك إذا أثبت أن الله يأتي، ثبت أنه جسم، والأجسام متماثلة.‍‍‍
فنقول: هذه دعوى وقياس باطل، لأنه في مقابلة النص، وكل شيء يعود إلى النص بالإبطال، فهو باطل، لقوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: 24].
فإذا قالت: إن هذا الذي عاد النص بالإبطال هو الحق، صار النص باطلًا ولا بد، وبطلان النص مستحيل. وإن قلت: إن النص هو الحق، صار هذا باطلًا ولابد‍.
ثم نقول: ما المانع من أن يأتي الله تعالى بنفسه على الكيفية التي يريدها؟ يقولون: المانع أنك إذا اثبت ذلك، فأنت ممثل.
نقول: هذا خطأ، فإننا نعلم أن المجيء والإتيان يختلف حتى بالنسبة للمخلوق، فالإنسان النشيط الذي يأتي كأنما ينحدر من مرتفع من نشاطه، لكنه لا يمشي مرحًا وإن شئت فقل: إنه يمش مرحًا: هل هذا كالإنسان الذي يمشي على عصا ولا ينقل رجلًا من مكانها إلا بعد تعب.
والإتيان يختلف من وجه آخر، فإتيان إنسان مثلًا من كبراء البلد أو من ولاة الأمور ليس كإتيان شخص لا يحتفى به.
ماذا يقول المعطل في قوله تعالى: {وجاء ربك} ونحوها؟
الجواب: يقول: المعنى: جاء أمر ربك، وأتى أمر ربك؟ لأن الله تعالى قال: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1]، فيجب أن نفسر كل إتيان أضافه الله إلى نفسه بهذه الآية، ونقول: المراد: أتى أمر الله.
فيقال: إن هذا الدليل الذي استدللت به هو دليل عليك وليس لك لو كان الله تعالى يريد إتيان أمره في الآيات الأخرى، فما الذي يمنعه أن يقول: أمره؟‍ فلما أراد الأمر، عبر بالأمر، ولما لم يرده، لم يعبر به.
وهذا في الواقع دليل عليك، لأن الآيات الأخرى ليس فيها إجمال حتى نقول: إنها بينت بهذه الآية. فالآيات الأخرى واضحة، وفي بعضها تقسيم يمنع إرادة مجيء الأمر: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي} يقول: {يأتي ربك}، أي: أمره في مثل هذا التقسيم؟‍
فإذا قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} [المائدة: 52].
فالجواب: أن المراد بذلك إتيان الفتح أو الأمر، لكن أضاف الله الإتيان به إلا نفسه، لأنه من عنده، وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية، فالإتيان إذا قيد بحرف جر مثلًا، فالمراد به ذلك المجرور، وإذا أطلق وأضيف إلى الله بدون قيد، فالمراد به إتيان الله حقيقة.
الآداب المسلكية المستفادة من الإيمان بصفة المجيء والإتيان لله تعالى:
التمرة هي الخوف من هذا المقام وهذا المشهد العظيم الذي يأتي فيه الرب عز وجل للفصل بين عباده وتنزل الملائكة، ولا يبقى أمامك إلا الرب عز وجل والمخلوقات كلها، فإن عملت خيرًا، جوزيت به، وإن عملت سوى ذلك، فإنك ستجزى به، كما قال النبي عليها لصلاة والسلام: «إن الإنسان يخلو به الله عز وجل، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار، ولو بشق تمرة».
فالإيمان يمثل هذه الأشياء العظيمة لا شك أنه يولد للإنسان رهبة وخوفًا من الله سبحانه وتعالى واستقامة على دينه.