فصل: باب إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*بَاب إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر‏)‏ هذا السياق صورته الإرسال، لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة لكنه محمول على أنه سمعه من عمر بدليل قوله في أثنائه ‏"‏ قال عمر فحركت بعيري إلخ ‏"‏ وإلى ذلك أشار القابسي، وقد جاء من طريق أخرى سمعت عمر ‏"‏ أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك ثم قال ‏"‏ لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا ابن عثمة وابن غزوان ‏"‏ انتهي‏.‏

ورواية ابن غزوان - وهو عبد الرحمن أبو نوح المعروف بقراد - قد أخرجها أحمد عنه، واستدركها مغلطاي على البزار ظانا أنه غير ابن غزوان، وأورده الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق هذين ومن طريق يزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب وإسحاق الحنيني أيضا، فهؤلاء خمسة رووه عن مالك بصريح الاتصال، وقد تقدم في المغازي أن الإسماعيلي أيضا أخرج طريق ابن عثمة، وكذا أخرجها الترمذي، وجاء في رواية الطبراني من طريق عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن السفر المذكور هو عمرة الحديبية، وكذا في رواية معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال ‏"‏ لما رجعنا من الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة فنزلت ‏"‏ وسيأتي حديث سهل بن حنيف في ذلك قريبا‏.‏

واختلف في المكان الذي نزلت فيه‏:‏ فوقع عند محمد بن سعد بضجنان وهي بفتح المعجمة وسكون الجيم ونون خفيفة، وعند الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ بكراع الغميم، وعن أبي معشر بالجحفة، والأماكن الثلاثة متقاربة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه‏)‏ يستفاد منه أنه ليس لكل كلام جواب، بل السكوت قد يكون جوابا لبعض الكلام‏.‏

وتكرير عمر السؤال إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهما عنده، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك، وإنما ترك إجابته أولا لشغله بما كان فيه من نزول الوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثكلت‏)‏ بكسر الكاف ‏(‏أم عمر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثكلتك أم عمر ‏"‏ والثكل فقدان المرأة ولدها، دعا عمر على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح، ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزرت‏)‏ بزاي ثم راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر، أي ألححت عليه قاله ابن فارس والخطابي‏.‏

وقال الداودي‏:‏ معنى المثقل أقللت كلامه إذا سألته ما لا يجب أن يجيب عنه، وأبعد من فسر نزرت براجعت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما نشبت‏)‏ بكسر المعجمة بعدها موحدة ساكنة، أي لم أتعلق بشيء غير ما ذكرت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن سمعت صارخا يصرخ بي‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس‏)‏ أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح، قال ابن العربي‏:‏ أطلق المفاضلة بين المنزلة التي أعطيها وبين ما طلعت عليه الشمس، ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر، ولا استواء بين تلك المنزلة والدنيا بأسرها‏.‏

وأجاب ابن بطال بأن معناه أنها أحب إليه من كل شيء لأنه لا شيء إلا الدنيا والآخرة فأخرج الخبر عن ذكر الشيء بذكر الدنيا إذ لا شيء سواها إلا الآخرة‏.‏

وأجاب ابن العربي بما حاصله‏:‏ أن أفعل قد لا يراد بها المفاضلة كقوله‏:‏ ‏(‏خير مستقرا وأحسن مقيلا‏)‏ ولا مفاضلة بين الجنة والنار، أو الخطاب وقع على ما استقر في أنفس أكثر الناس فإنهم يعتقدون أن الدنيا لا شيء مثلها أو أنها المقصودة فأخبر بأنها عنده خير مما يظنون أن لا شيء أفضل منه انتهى‏.‏

ويحتمل أن يراد المفاضلة بين ما دلت عليه وبين ما دل عليه غيرها من الآيات المتعلقة به فرجحها، وجميع الآيات وإن لم تكن من أمور الدنيا لكنها أنزلت لأهل الدنيا فدخلت كلها فيما طلعت عليه الشمس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ

الشرح‏:‏

قوله سمعت قتادة عن أنس ‏(‏إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال‏:‏ الحديبية‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وقد أخرجه في المغازي بأتم من هذا، وبين أن بعض الحديث عن أنس موصول وبعضه عن عكرمة مرسل، وسمي ما وقع في الحديبية فتحا لأنه كان مقدمة الفتح وأول أسبابه، وقد تقدم شرح ذلك مبينا في كتاب المغازي‏.‏

الحديث الثالث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَعَلْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مغفل‏)‏ بالمعجمة والفاء وزن محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرجع فيها‏)‏ أي ردد صوته بالقراءة، وقد أورده في التوحيد من طريق أخرى بلفظ ‏"‏ كيف ترجيعه‏؟‏ قال‏:‏ إإإ ثلاث مرات ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ هو محمول على إشباع المد في موضعه، وقيل كان ذلك بسبب كونه راكبا فحصل الترجيع من تحريك الناقة‏.‏

وهذا فيه نظر لأن في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي ‏"‏ وهو يقرأ قراءة لينة، فقال‏:‏ لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن ‏"‏ وكذا أخرجه أبو عبيدة في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ عن أبي النضر عن شعبة، وسأذكر تحرير هذه المسألة في شرح حديث ‏"‏ ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏"‏‏.‏

*3*بَاب لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ

وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا زِيَادٌ هُوَ ابْنُ عِلَاقَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا

الشرح‏:‏

‏"‏ قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ‏"‏ وقد تقدم شرحه في صلاة الليل من كتاب الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ سَمِعَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنبأنا حيوة‏)‏ هو ابن شريح المصري، وأبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن النوفلي المعروف بيتيم عرروة، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه مدنيون، وقد تقدم شرحه في صلاة الليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كثر لحمه‏)‏ أنكره الداودي وقال‏:‏ المحفوظ ‏"‏ فلما بدن ‏"‏ أي كبر فكأن الراوي تأوله على كثرة اللحم انتهى‏.‏

وتعقبه أيضا ابن الجوزي فقال‏:‏ لم يصفه أحد بالسمن أصلا، ولقد مات صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز الشعير في يوم مرتين، وأحسب بعض الرواة لما رأى ‏"‏ بدن ‏"‏ ظنه كثر لحمه، وليس كذلك وإنما هو بدن تبدينا أي أسن، قاله أبو عبيدة‏.‏

قلت‏:‏ وهو خلاف الظاهر، وفي استدلاله بأنه لم يشبع من خبز الشعير نظر، فإنه يكون من جملة المعجزات‏.‏

كما في كثرة الجماع وطوافه في الليلة الواحدة على تسع وإحدى عشرة مع عدم الشبع وضيق العيش، وأي فرق بين تكثير المني مع الجوع وبين وجود كثرة اللحم في البدن مع قلة الأكل‏؟‏ وقد أخرج مسلم من طريق عبد الله بن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا ‏"‏ لكن يمكن تأويل قوله ‏"‏ ثقل ‏"‏ أي ثقل عليه حمل لحمه وإن كان قليلا لدخوله في السن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع‏)‏ في رواية هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع ‏"‏ أخرجاه، وقد تقدم في آخر أبواب تقصير الصلاة، وأخرجا من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة بلفظ ‏"‏ فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ‏"‏ ولمسلم من طريق عمرة عن عائشة ‏"‏ فإذا أراد أن يركع قام فقرأ قدر ما يقرأ إنسان أربعين آية ‏"‏ وقد روى مسلم من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة في صفة تطوعه صلى الله عليه وسلم وفيه ‏"‏ وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد ‏"‏ وهذا محمول على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جميعا بين الحديثين، وقد تقدم بيان ذلك والبحث فيه في صلاة الليل، وكثير من فوائده أيضا في آخر أبواب تقصير الصلاة‏.‏

*3*بَاب إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا قَالَ فِي التَّوْرَاةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو ميسرة‏:‏ الأواه الرحيم بالحبشية‏)‏ تقدم في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وسقط هنا من رواية أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ بادئ الرأي ما ظهر لنا‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ الجودي جبل بالجزيرة‏.‏

وقال الحسن ‏(‏إنك لأنت الحليم الرشيد‏)‏ يستهزئون به‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ أقلعي أمسكي، وفار التنور نبع الماء‏.‏

وقال عكرمة وجه الأرض‏)‏ تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء وسقط هنا لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ عصيب شديد‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله‏:‏ ‏(‏وقال هذا يوم عصيب‏)‏ قال‏:‏ شديد‏.‏

وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله‏.‏

وقال‏:‏ ومنه قول الراجز ‏"‏ يوم عصيب يعصب الأبطالا ‏"‏ ويقولون‏:‏ عصب يومنا يعصب عصبا أي اشتد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا جرم بلى‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏لا جرم أن الله‏)‏ قال أي بلى إن الله يعلم‏.‏

وقال الطبري معنى جرم أي كسب الذنب ثم كثر استعماله في موضع لا بد كقولهم لا جرم أنك ذاهب، وفي موضع حقا كقولك لا جرم لتقومن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره وحاق نزل يحيق ينزل‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وحاق بهم‏)‏ أي نزل بهم وأصابهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يئوس فعول من يئست‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، قال في قوله تعالى ‏(‏ليئوس كفور‏)‏ هو فعول من يئست‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد تبتئس تحزن‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا قال في قوله ‏(‏فلا تبتئس‏)‏ قال‏:‏ لا تحزن، ومن طريق قتادة وغير واحد نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يثنون صدورهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله إن استطاعوا‏)‏ وهو قول مجاهد أيضا قال في قوله‏:‏ ‏(‏ألا إنهم يثنون صدورهم‏)‏ قال شك وامتراء في الحق ليستخفوا من الله إن استطاعوا، وصله الطبري من طرق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه، ومن طريق معمر عن قتادة قال‏:‏ أخفى ما يكون الإنسان إذا أسر في نفسه شيئا بثوبه، والله مع ذلك يعلم ما يسرون وما يعلنون‏.‏

ومن طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ‏(‏يثنون صدورهم‏)‏ الشك في الله وعمل السيئات يستغشي بثيابه ويستكن من الله، والله يراه ويعلم ما يسر وما يعلن‏.‏

والثني يعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه‏.‏

ومن طريق عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين، كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وطأطأ رأسه وتغشى بثوبه لئلا يراه، أسنده الطبري من طرق عنه، وهو بعيد فإن الآية مكية، وسيأتي عن ابن عباس ما يخالف القول الأول، لكن الجمع بينهما ممكن‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قدمت هذه التفاسير من أول السورة إلى هنا في رواية أبي ذر، وهي عند الباقين مؤخرة عما سيأتي إلى قوله ‏"‏ أقلعي أمسكي‏"‏‏.‏

*3*بَاب هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ فَجَعَلَ يَنْفِرُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا وَجَعَلَ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

حديث البراء في نزول السكينة سيأتي بتمامه في فضائل القرآن مع شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*بَاب قَوْلِهِ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ

الشرح‏:‏

أحدها حديث جابر ‏(‏كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة‏)‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَذْفِ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيَّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ يَأْخُذُ مِنْهُ الْوَسْوَاسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني كذا للأكثر، ووقع في رواية المستملي ‏(‏علي بن سلمة‏)‏ وهو اللبقي بفتح اللام والموحدة ثم قاف خفيفة وبه جزم الكلاباذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن المغفل المزني ممن شهد الشجرة قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخذف‏)‏ بخاء معجمة أي الرمي بالحصى بين إصبعين، وسيأتي الكلام عليه في الأدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عقبة بن صهبان سمعت عبد الله بن مغفل المزني في البول في المغتسل‏)‏ كذا للأكثر وزاد في رواية الأصيلي وكذا لأبي ذر عن السرخسي ‏(‏يأخذ منه الوسواس‏)‏ وهذان الحديثان المرفوع والموقوف الذي عقبه به لا تعلق لهما بتفسير هذه الآية بل ولا هذه السورة، وإنما أورد الأول لقول الراوي فيه ‏"‏ ممن شهد الشجرة ‏"‏ فهذا القدر هو المتعلق بالترجمة، ومثله ما ذكره بعده عن ثابت بن الضحاك وذكر المتن بطريق التبع لا القصد‏.‏

وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن مغفل، وهذا من صنيعه في غاية الدقة وحسن التصرف فلله دره‏.‏

وهذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم في المستخرج والحاكم من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عقبة بن صهبان عن عبد الله بن مغفل قال ‏"‏ نهي - أو زجر - أن يبال في المغتسل ‏"‏ وهذا يدل على أن زيادة ذكر الوسواس التي عند الأصيلي ومن وافقه في هذه الطريق وهم‏.‏

نعم أخرج أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من طريق أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رفعه ‏"‏ لا يبولن أحدكم في مستحمه، فإن عامة الوسواس منه ‏"‏ قال الترمذي غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث، وتعقب بأن الطبري أخرجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن أيضا، وهذا التعقب وارد على الإطلاق، وإلا فإسماعيل ضعيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد‏)‏ هو الحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك وكان من أصحاب الشجرة‏)‏ هكذا ذكر القدر الذي يحتاج إليه من هذا الحديث ولم يسق المتن، ويستفاد من ذلك أنه لم يجر على نسق واحد في إيراد الأشياء التبعية، بل تارة يقتصر على موضع الحاجة من الحديث وتارة يسوقه بتمامه، فكأنه يقصد التفنن بذلك‏.‏

وقد تقدم لحديث ثابت المذكور طريق أخرى في غزوة الحديبية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَالَ رَجُلٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ نَعَمْ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعلى‏)‏ هو ابن عبيد الطنافسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن سياه‏)‏ بمهملة مكسورة ثم تحتانية خفيفة وآخر هاء منونة، تقدم في أواخر الجزية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتيت أبا وائل أساله‏)‏ لم يذكر المسئول عنه، وبينه أحمد في روايته عن يعلى بن عبيد ولفظه ‏"‏ أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي - يعني الخوارج - قال‏:‏ كنا بصفين فقال رجل ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال كنا بصفين‏)‏ هي مدينة قديمة على شاطئ الفرات بين الرقة ومنبج كانت بها الواقعة المشهورة بين علي ومعاوية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل‏:‏ ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله‏)‏ ساق أحمد إلى أخر الآية‏.‏

هذا الرجل هو عبد الله بن الكواء، ذكره الطبري، وكان سبب ذلك أن أهل الشام لما كاد أهل العراق يغلبونهم أشار عليهم عمرو بن العاص برفع المصاحف والدعاء إلى العمل بما فيها، وأراد بذلك أن تقع المطاولة فيستريحوا من الشدة التي وقعوا فيها فكان كما ظن، فلما رفعوها وقالوا بيننا وبينكم كتاب الله، وسمع من بعسكر علي وغالبهم ممن يتدين، قال قائلهم ما ذكر؛ فأذعن علي إلى التحكيم موافقة لهم واثقا بأن الحق بيده‏.‏

وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن أحمد بن سليمان عن يعلى بن عبيد بالإسناد الذي أخرجه البخاري فذكر الزيادة نحو ما أخرجها أحمد، وزاد بعد قوله كنا بصفين ‏"‏ قال فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو بن العاص لمعاوية‏:‏ أرسل المصحف إلى علي فادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك، فأتي به رجل فقال‏:‏ بيننا وبينكم كتاب الله، فقال علي‏:‏ أنا أولى بذلك بيننا‏.‏

كتاب الله، فجاءته الخوارج - ونحن يومئذ نسميهم القراء - وسيوفهم على عواتقهم فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين ما ننتظر بهؤلاء القوم، ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم‏؟‏ فقام سهل بن حنيف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال علي نعم‏)‏ زاد أحمد والنسائي ‏"‏ أنا أولى بذلك ‏"‏ أي بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله لأنني واثق بأن الحق بيدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم‏)‏ أي في هذا الرأي لأن كثيرا منهم أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا لله، فقال على كلمة حق أريد بها باطل، وأشار عليهم كبار الصحابة بمطاوعة علي وأن لا يخالف ما يشير به لكونه أعلم بالمصلحة، وذكر لهم سهل بن حنيف ما وقع لهم بالحديبية وأنهم رأوا يومئذ أن يستمروا على القتال ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وسيأتي ما يتعلق بهذه القصة في كتاب استتابة المرتدين إن شاء الله تعالى، وسبق ما يتعلق بالحديبية مستوفى في كتاب الشروط‏.‏

*3*سورة الْحُجُرَاتِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا تُقَدِّمُوا لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ امْتَحَنَ أَخْلَصَ وَلَا تَنَابَزُوا يُدْعَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَلِتْكُمْ يَنْقُصْكُمْ أَلَتْنَا نَقَصْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الحجرات‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، واقتصر غيره على الحجرات حسب‏.‏

والحجرات بضمتين جمع حجرة بسكون الجيم والمراد بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ لا تقدموا لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الله على لسانه‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ورويناه في كتاب ‏"‏ ذم الكلام ‏"‏ من هذا الوجه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ضبط أبو الحجاج البناسي ‏"‏ تقدموا ‏"‏ بفتح القاف والدال وهي قراءة ابن عباس وقراءة يعقوب الحضرمي وهي التي ينطبق عليها هذا التفسير، وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا فأنزلها الله، قال وقال الحسن‏:‏ هم ناس من المسلمين ذبحوا قبل الصلاة يوم النحر فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏امتحن أخلص‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه بلفظه، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ أخلص الله قلوبهم فيما أحب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تنابزوا‏:‏ يدعي بالكفر بعد الإسلام‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ ‏"‏ لا يدعو الرجل بالكفر وهو مسلم ‏"‏ وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ولا تلمزوا أنفسكم‏)‏ قال‏:‏ لا يطعن بعضكم على بعض ‏(‏ولا تنابزوا بالألقاب‏)‏ قال‏:‏ لا تقل لأخيك المسلم‏:‏ يا فاسق يا منافق‏.‏

وعن الحسن قال‏:‏ كان اليهودي يسلم فيقال له يا يهودي‏.‏

فنهوا عن ذلك‏.‏

وللطبري من طريق عكرمة نحوه‏.‏

وروى أحمد وأبو داود من طريق الشعبي حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال ‏"‏ فينا نزلت ‏(‏ولا تنابزوا بالألقاب‏)‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله لقبان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا‏:‏ إنه يغضب منه، فنزلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يلتكم ينقصكم، ألتنا نقصنا‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه، وبه في قوله‏:‏ ‏(‏وما ألتناهم من عملهم من شيء‏)‏ قال‏:‏ ما نقصنا الآباء للأبناء‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذا الثاني من سورة الطور ذكره هنا استطرادا، وإنما يتناسب ألتنا مع الآية الأخرى على قراءة أبي عمرو هنا فإنه قرأ ‏"‏ لا يألتكم ‏"‏ بزيادة همزة، والباقون بحذفها، وهو من لات يليت قاله أبو عبيدة، قال وقال رؤبة‏:‏ وليلة ذات ندا سريت ولم يلتني عن سراها ليت وتقول العرب‏:‏ ألاتني حقي وألاتني عن حاجتي أي صرفني‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏وما ألتناهم‏)‏ فهو من ألت يألت أي نقص‏.‏

*3*باب لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الْآيَةَ تَشْعُرُونَ تَعْلَمُونَ وَمِنْهُ الشَّاعِرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي الآية‏)‏ كذا للجميع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تشعرون تعلمون ومنه الشاعر‏)‏ هو كلام أبي عبيدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ الْآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يسرة‏)‏ بفتح الياء الأخيرة والمهملة وجد جميل بالجيم وزن عظيم ونافع بن عمر هو الجمحي المكي، وليس هو نافع مولى ابن عمر، ونبه الكرماني هنا على شيء لا يتخيله من له أدنى إلمام بالحديث والرجال فقال‏:‏ ليس هذا الحديث ثلاثيا لأن عبد الله بن أبي مليكة تابعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كاد الخيران‏)‏ كذا للجميع بالمعجمة بعدها تحتانية ثقيلة وحكى بعض الشراح رواية بالمهملة وسكون الموحدة‏.‏

‏(‏يهلكان‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

وفي رواية ‏"‏ يهلكا ‏"‏ بحذف النون؛ قال ابن التين كذا وقع بغير نون وكأنه نصب بتقدير أن انتهى‏.‏

وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ أن يهلكا ‏"‏ وهو بكسر اللام ونسبها ابن التين لرواية أبي ذر، ثم هذا السياق صورته الإرسال لكن ظهر في آخره أن ابن أبي مليكة حمله عن عبد الله بن الزبير، وسيأتي في الباب الذي بعده التصريح بذلك ولفظه عن ابن أبي مليكة ‏"‏ أن عبد الله بن الزبير أخبرهم ‏"‏ فذكره بكماله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رفعا أصواتهما حين قدم عليه ركب بني تميم‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ وفد بني تميم ‏"‏ وكان قدومهم سنة تسع بعد أن أوقع عيينة بن حصن ببني العنبر وهم بطن من بني تميم، ذكر ذلك أبو الحسن المدائني قوله‏:‏ ‏(‏فأشار أحدهما‏)‏ هو عمر، بينه ابن جريج في الرواية التي في الباب بعده، ووقع عند الترمذي من رواية مؤمل بن إسماعيل عن نافع بن عمر بلفظ ‏"‏ إن الأقرع بن حابس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر لا تستعمله يا رسول الله ‏"‏ الحديث‏.‏

وهذا يخالف رواية ابن جريج، وروايته أثبت من مؤمل بن إسماعيل والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع‏)‏ الأقرع لقب واسمه فيما نقل ابن دريد فراس بن حابس بن عقال بكسر المهملة وتخفيف القاف ابن محمد بن سفيان بن مجاشع بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي، وكانت وفاة الأقرع بن حابس في خلافة عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأشار الآخر‏)‏ هو أبو بكر، بينه ابن جريج في روايته المذكورة برجل آخر فقال نافع‏:‏ لا أحفظ اسمه، سيأتي في الباب الذي بعده من رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه القعقاع بن معبد بن زرارة أي ابن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم التميمي الدارمي‏.‏

قال الكلبي في ‏"‏ الجامع ‏"‏‏:‏ كان يقال له تيار الفرات لجوده، قلت‏:‏ وله ذكر في غزوة حنين، أورده البغوي في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ بإسناد صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أردت إلا خلافي‏)‏ أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي‏.‏

وفي رواية أحمد ‏"‏ إنما أردت خلافي ‏"‏ وهذا هو المعتمد‏.‏

وحكى ابن التين أنه وقع هنا ‏"‏ ما أردت إلى خلافي ‏"‏ بلفظ حرف الجر، و ‏"‏ ما ‏"‏ في هذا استفهامية ‏"‏ وإلى ‏"‏ بتخفيف اللام، والمعنى أي شيء قصدت منتهيا إلى مخالفتي‏.‏

وقد وجدت الرواية التي ذكرها ابن التين في بعض النسخ لأبي ذر عن الكشميهني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فارتفعت أصواتهما‏)‏ في رواية ابن جريج ‏"‏ فتماريا ‏"‏ حتى ارتفعت أصواتهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏)‏ في رواية ابن جريج ‏"‏ فنزل في ذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم الآية‏)‏ زاد وكيع كما سيأتي في الاعتصام ‏"‏ إلى قوله عظيم ‏"‏ وفي رواية ابن جريج ‏"‏ فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - إلى قوله - ولو أنهم صبروا ‏"‏ وقد استشكل ذلك، قال ابن عطية‏:‏ الصحيح أن سبب نزول هذه الآية كلام جفاة الأعراب‏.‏

قلت‏:‏ لا يعارض ذلك هذا الحديث، فإن الذي يتعلق بقصة الشيخين في تخالفهما في التأمير هو أول السورة ‏(‏لا تقدموا‏)‏ ولكن لما اتصل بها قوله‏:‏ ‏(‏لا ترفعوا‏)‏ تمسك عمر منها بخفض صوته، وجفاة الأعراب الذين نزلت فيهم هم من بني تميم، والذي يختص بهم قوله‏:‏ ‏(‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏"‏ إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات فقال‏:‏ يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذاك الله عز وجل، ونزلت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ولا مانع أن تنزل الآية لأسباب تتقدمها، فلا يعدل للترجيح مع ظهور الجمع وصحة الطرق، ولعل البخاري استشعر ذلك فأورد قصة ثابت بن قيس عقب هذا ليبين ما أشرت إليه من الجمع، ثم عقب ذلك كله بترجمة ‏"‏ باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ‏"‏ إشارة إلى قصة جفاة الأعراب من بني تميم، لكنه لم يذكر في الترجمة حديثا كما سأبينه قريبا، وكأنه ذكر حديث ثابت لأنه هو الذي كان الخطيب لما وقع الكلام في المفاخرة بين بني تميم المذكورين كما أورده ابن إسحاق في المغازي مطولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه‏)‏ في رواية وكيع في الاعتصام ‏"‏ فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه‏"‏‏.‏

قلت وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، وقد أخرجه الحاكم موصولا من حديث أبي هريرة نحوه، وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال ‏"‏ لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الآية قال أبو بكر‏:‏ قلت يا رسول الله آليت أن لا أكلمك إلا كأخي السرار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر‏)‏ قال مغلطاي‏:‏ يحتمل أنه أراد بذلك أبا بكر عبد الله بن الزبير أو أبا بكر عبد الله بن أبي مليكة فإن أبا مليكة له ذكر في الصحابة‏.‏

قلت‏:‏ وهذا بعيد عن الصواب، بل قرينة ذكر عمر ترشد إلى أن مراده أبو بكر الصديق‏.‏

وقد وقع في رواية الترمذي قال ‏"‏ وما ذكر ابن الزبير جده ‏"‏ وقد وقع في رواية الطبري من طريق مؤمل بن إسماعيل عن نافع بن عمر فقال في آخره ‏"‏ وما ذكر ابن الزبير جده يعني أبا بكر ‏"‏ وفيه تعقب على من عد في الخصائص النبوية أن أولاد بنته ينسبون إليه لقوله ‏"‏ إن ابني هذا سيد ‏"‏ وقد أنكره القفال على ابن القاص وعده القضاعي فيما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء، وفيه نظر فقد احتج بن يحيى بن يعمر بأن عيسى نسب إلى إبراهيم وهو ابن بنته، وهو استدلال صحيح، وإطلاق الأب على الجد مشهور، وهو مذهب أبي بكر الصديق كما تقدم في المناقب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ شَرٌّ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ مُوسَى فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الْآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏افتقد ثابت بن قيس‏)‏ تقدم شرحه مستوفى في أواخر علامات النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل يا رسول الله‏)‏ هو سعد بن معاذ بينه حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن أنس، وقيل هو عاصم بن عدي، وقيل أبو مسعود، والأول المعتمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا أعلم لك علمه‏)‏ أي أعلم لأجلك علما متعلقا به‏.‏

قول ‏(‏فقال موسى‏)‏ هو ابن أنس راوي الحديث عن أنس‏.‏

*3*باب إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون‏)‏ ذكر فيه حديث ابن الزبير وقد تقدم شرحه في الذي قبله، وروى الطبري من طريق مجاهد قال‏:‏ هم أعراب بني تميم‏.‏

ومن طريق أبي إسحاق عن البراء قال ‏"‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد، إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال‏:‏ ذاك الله تبارك وتعالى ‏"‏ وروى من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلا وزاد ‏"‏ فأنزل الله‏:‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات الآية‏"‏‏.‏

ومن طريق الحسن نحوه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ وَقَالَ عُمَرُ بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَى أَوْ إِلَّا خِلَافِي فَقَالَ عُمَرُ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَتَّى انْقَضَتْ الْآيَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة‏)‏ كذا قال حجاج بن محمد تقدم في التفسير من طريق هشام ابن يوسف عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة بالعنعنة، وتابعه هشام بن يوسف، وأخرجه ابن المنذر من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج فزاد فيه رجلا قال ‏"‏ أخبرني رجل أن ابن أبي ملكية أخبره ‏"‏ فيحمل على أن ابن جريج حمله عن ابن أبي ملكية بواسطة، ثم لقيه فسمعه منه

*3*باب قَوْلِهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم‏)‏ هكذا في جميع الروايات الترجمة بغير حديث، وقد أخرج الطبري والبغوي وابن أبي عاصم في كتبهم في الصحابة من طريق موسى بن عقبة عن أبي سلمة قال ‏"‏ حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمد، اخرج إلينا، فنزلت ‏(‏إن الذين ينادونك من وراء الحجرات‏)‏ الحديث ‏"‏ وسياقه لابن جرير، قال ابن منده‏:‏ الصحيح عن أبي سلمة أن الأقرع مرسل، وكذا أخرجه أحمد على الوجهين، وقد ساق محمد بن إسحاق قصة وفد بني تميم في ذلك مطولة بانقطاع، وأخرجها ابن منده في ترجمة ثابت بن قيس في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ من طريق أخرى موصولة‏.‏

*3*سورة ق

رَجْعٌ بَعِيدٌ رَدٌّ فُرُوجٍ فُتُوقٍ وَاحِدُهَا فَرْجٌ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وَرِيدَاهُ فِي حَلْقِهِ وَالْحَبْلُ حَبْلُ الْعَاتِقِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْ عِظَامِهِمْ تَبْصِرَةً بَصِيرَةً حَبَّ الْحَصِيدِ الْحِنْطَةُ بَاسِقَاتٍ الطِّوَالُ أَفَعَيِينَا أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ وَقَالَ قَرِينُهُ الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ فَنَقَّبُوا ضَرَبُوا أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ رَصَدٌ سَائِقٌ وَشَهِيدٌ الْمَلَكَانِ كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ شَهِيدٌ شَاهِدٌ بِالْغَيْبِ مِنْ لُغُوبٍ النَّصَبُ وَقَالَ غَيْرُهُ نَضِيدٌ الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ وَإِدْبَارِ النُّجُومِ وَأَدْبَارِ السُّجُودِ كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتِي فِي ق وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي الطُّورِ وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا وَيُنْصَبَانِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ الْخُرُوجِ يَوْمَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْبَعْثِ مِنْ الْقُبُورِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة ق‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، وروي عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ ق اسم من أسماء القرآن‏.‏

وعن ابن جريج عن مجاهد قال‏:‏ جبل محيط بالأرض، وقيل هي القاف من قوله قضي الأمر، دلت على بقية الكلمة كما قال الشاعر ‏"‏ قلت لها قفي لنا قالت قاف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رجع بعيد‏:‏ رد‏)‏ هو قول أبي عبيدة بلفظه‏.‏

وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج قال‏:‏ أنكروا البعث فقالوا من يستطيع أن يرجعنا ويحيينا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فروج‏:‏ فتوق واحدها فرج‏)‏ أي بسكون الراء، هو قول أبي عبيدة بلفظه، وروى الطبري من طريق مجاهد قال‏.‏

الفرج الشق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من حبل الوريد وريداه في حلقه، والحبل حبل العاتق‏)‏ سقط هذا لغير أبي ذر، وهو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد‏:‏ فأضافه إلى الوريد كما يضاف الحبل إلى العاتق‏.‏

وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏من حبل الوريد‏)‏ قال من عرق العنق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ ما تنقص الأرض منهم من عظامهم‏)‏ وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح بهذا، وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ ما تأكل الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ يعني الموتى تأكلهم الأرض إذا ماتوا‏.‏

وعن جعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن‏:‏ أي من أبدانهم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زعم ابن التين أنه وقع في البخاري بلفظ ‏"‏ من أعظامهم ‏"‏ ثم استشكله وقال‏:‏ الصواب من عظامهم‏.‏

وفعل بفتح الفاء وسكون العين لا يجمع على أفعال إلا نادرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تبصرة بصيرة‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد هكذا‏.‏

وقاله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ‏(‏تبصرة‏)‏ قال‏:‏ نعمة من الله عز وجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حب الحصيد‏:‏ الحنطة‏)‏ وصله الفريابي أيضا عنه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ هو البر والشعير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باسقات الطوال‏)‏ وصله الفريابي أيضا كذلك‏.‏

وروى الطبري من طريق عبد الله بن شداد قال بسوقها طولها في قامة‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ يعني طولها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفعيينا أفأعيي علينا‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رقيب عتيد رصد‏)‏ وصله الفريابي أيضا كذلك‏.‏

وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ يكتب كل ما تكلم به من خير وشر‏.‏

ومن طريق سعيد بن أبي عروبة قال‏:‏ قال الحسن وقتادة ‏(‏ما يلفظ من قول‏)‏ أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه‏.‏

وكان عكرمة يقول‏:‏ إنما ذلك في الخير والشر قوله‏:‏ ‏(‏سائق وشهيد‏:‏ الملكان كاتب وشهيد‏)‏ وصله الفريابي كذلك‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال‏:‏ سائق يسوقها وشهيد يشهد عليها بعملها‏.‏

وروى نحوه بإسناد موصول عن عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قرينه الشيطان الذي قيض له‏)‏ وصله الفريابي أيضا؛ وقال عبد الرزاق عن قتادة نحو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنقبوا ضربوا‏)‏ وصله الفريابي أيضا وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول ‏(‏فنقبوا في البلاد‏)‏ قال‏:‏ أثروا‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فنقبوا‏)‏ طافوا وتباعدوا، قال امرؤ القيس‏:‏ وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب قوله‏:‏ ‏(‏أو ألقى السمع‏:‏ لا يحدث نفسه بغيره‏)‏ وصله الفريابي أيضا‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في هذه الآية قال‏:‏ هو رجل من أهل الكتاب ألقى السمع أي استمع للقرآن وهو شهيد على ما في يديه من كتاب الله أنه يجد النبي محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا، قال معمر وقال الحسن‏:‏ هو منافق استمع ولم ينتفع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين أنشأكم وأنشأ خلقكم‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في بدء الخلق، وهو بقية تفسير قوله ‏(‏أفعيينا‏)‏ وحقه أن يكتب عندها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهيد شاهد بالغيب‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ بالقلب ‏"‏ ووصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ الأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما مسنا من لغوب من نصب‏)‏ وصله الفريابي كذلك، وتقدم في بدء الخلق أيضا‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ قالت اليهود إن الله خلق الخلق في ستة أيام وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت، فأكذبهم الله فقال ‏(‏وما مسنا من لغوب‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيرهم نضيد‏:‏ الكفري ما دام في أكمامه، ومعناه منضود بعضه على بعض، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد‏)‏ هو قول أبي عبيدة بمعناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأدبار النجوم‏)‏ وأدبار السجود ‏(‏كان عاصم يفتح التي في ق ويكسر التي في الطور ويكسران جميعا وينصبان‏)‏ هو كما قال، ووافق عاصما أبو عمرو وابن عامر والكسائي على الفتح هنا، وقرأ الباقون بالكسر هنا، وقرأ الجمهور بالفتح في الطور وقرأها بالكسر عاصم على ما نقل المصنف؛ ونقلها غيره في الشواذ، فالفتح جمح دبر والكسر مصدر أدبر يدبر إدبارا، ورجح الطبري الفتح فيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس يوم الخروج يوم يخرجون إلى البعث من القبور‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بلفظه، وتقدم في الجنائز نحوه‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وتقول هل من مزيد‏)‏ اختلف النقل عن قول جهنم ‏(‏هل من مزيد‏)‏ فظاهر أحاديث الباب أن هذا القول منها لطلب المزيد، وجاء عن بعض السلف انه استفهام إنكار كأنها تقول ما بقي في موضع للزيادة، فروى الطبري من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله‏:‏ ‏(‏هل من مزيد‏)‏ أي هل من مدخل قد امتلأت‏؟‏ ومن طريق مجاهد نحوه، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس وهو ضعيف ورجح الطبري أنه لطلب الزيادة على ما دلت عليه الأحاديث المرفوعة‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ الذي قاله مجاهد موجه، فيحمل على أنها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُلْقَى فِي النَّارِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أنس ‏(‏يلق في النار وتقول هل من مزيد‏)‏ في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ‏"‏ لا تزال جهنم يلقى فيها ‏"‏ أخرجه أحمد ومسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يضع قدمه فيها‏)‏ كذا في رواية شعبة‏.‏

وفي رواية سعيد ‏"‏ حتى يضع رب العزة فيها قدمه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقول قط قط‏)‏ في رواية سعيد ‏"‏ فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك ‏"‏ وفي رواية سليمان التيمي عن قتادة ‏"‏ فتقول قد قد ‏"‏ بالدال بدل الطاء، وفي حديث أبي هريرة ‏"‏ فيضع الرب عليها قدمه فتقول قط قط ‏"‏ وفي الرواية التي تليها ‏"‏ فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول قط قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ‏"‏ وفي حديث أبي بن كعب عند أبي يعلى ‏"‏ وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ فيلقى في النار أهلها فتقول هل من مزيد ويلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتنزوي فتقول قدني قدني ‏"‏ وقوله ‏"‏ قط قط ‏"‏ أي حسبي حسبي، وثبت بهذا التفسير عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة، وقط بالتخفيف ساكنا، ويجوز الكسر بغير إشباع، ووقع في بعض النسخ عن أبي ذر ‏"‏ قطي قطي ‏"‏ بالإشباع و ‏"‏ قطني ‏"‏ بزيادة نون مشبعة‏.‏

ووقع في حديث أبي سعيد ورواية سليمان التيمي بالدال بدل الطاء وهي لغة أيضا، كلها بمعنى يكفي‏.‏

وقيل قط صوت جهنم‏.‏

والأول هو الصواب عند الجمهور‏.‏

ثم رأيت في تفسير ابن مردويه من وجه آخر عن أنس ما يؤيد الذي قبله ولفظه ‏"‏ فيضعها عليها فتقطقط كما يقطقط السقاء إذا امتلأ ‏"‏ انتهى‏.‏

فهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن في سنده موسى بن مطير وهو متروك‏.‏

واختلف في المراد بالقدم فطريق السلف في هذا وغيره مشهورة وهو أن تمر كما جاءت ولا يتعرض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النقص على الله وخاض كثير من أهل العلم في تأويل ذلك فقال‏:‏ المراد إذلال جهنم، فإنها‏)‏ إذا بالغت في الطغيان وطلب المزيد أذلها الله فوضعها تحت القدم، وليس المراد حقيقة القدم، والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال ولا تريد أعيانها، كقولهم رغم أنفه وسقط في يده‏.‏

وقيل المراد بالقدم الفرط السابق أي يضع الله فيها ما قدمه لها من أهل العذاب، قال الإسماعيلي‏:‏ القدم قد يكون اسما لما قدم كما يسمى ما خبط من ورق خبطا، فالمعنى ما قدموا من عمل‏.‏

وقيل المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين فالضمير للمخلوق معلوم، أو يكون هناك مخلوق اسمه قدم، أو المراد بالقدم الأخير لأن القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتى يضع الله في النار آخر أهلها فيها ويكون الضمير للمزيد‏.‏

وقال ابن حبان في صحيحه بعد إخراجه‏:‏ هذا من الأخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي عصى الله فيها فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب فيها موضعا من الأمكنة المذكورة فتمتلئ لأن العرب تطلق القدم على الموضع، قال تعالى ‏(‏أن لهم قدم صدق‏)‏ يريد موضع صدق‏.‏

وقال الداودي‏:‏ المراد بالقدم قدم صدق وهو محمد، والإشارة بذلك إلى شفاعته، وهو المقام المحمود فيخرج من النار من كان في قلبه شيء من الإيمان‏.‏

وتعقب بأن هذا منابذ لنص الحديث لأن فيه يضع قدمه بعد أن قالت هل من مزيد، والذي قاله مقتضاه أنه ينقص منها، وصريح الخبر أنها تنزوي بما يجعل فيها لا يخرج منها‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يوجه بأن من يخرج منها يبدل عوضهم من أهل الكفر كما حملوا عليه حديث أبي موسى في صحيح مسلم ‏"‏ يعطي كل مسلم رجلا من اليهود والنصارى فيقال‏:‏ هذا فداءك من النار ‏"‏ فإن بعض العلماء قال‏:‏ المراد بذلك أنه يقع عند إخراج الموحدين، وأنه يجعل مكان كل واحد منهم واحدا من الكفار بأن يعظم حتى يسد مكانه ومكان الذي خرج، وحينئذ فالقدم سبب للعظم المذكور، فإذا وقع العظم حصل الملء الذي تطلبه‏.‏

ومن التأويل البعيد قول من قال‏:‏ المراد بالقدم قدم إبليس، وأخذه من قوله ‏"‏ حتى يضع الجبار فيها قدمه ‏"‏ وإبليس أول من تكبر فاستحق أن يسمى متجبرا وجبارا، وظهور بعد هذا يغني عن تكلف الرد عليه‏.‏

وزعم ابن الجوزي أن الرواية التي جاءت بلفظ ‏"‏ الرجل ‏"‏ تحريف من بعض الرواة لظنه أن المراد بالقدم الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ، ثم قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة كما تقول رجل من جراد، فالتقدير يضع فيها جماعة، وأضافهم إليه إضافة اختصاص‏.‏

وبالغ ابن فورك فجزم بأن الرواية بلفظ ‏"‏ الرجل ‏"‏ غير ثابتة عند أهل النقل، وهو مردود لثبوتها في الصحيحين‏.‏

وقد أولها غيره بنحو ما تقدم في القدم فقيل رجل بعض المخلوقين، وقيل إنها اسم مخلوق من المخلوقين، وقيل إن الرجل تستعمل في الزجر كما تقول وضعته تحت رجلي، وقيل إن الرجل تستعمل في طلب الشيء على سبيل الجد كما تقول قام في هذا الأمر على رجل‏.‏

وقال أبو الوفاء بن عقيل‏:‏ تعالى الله عن أنه لا يعمل أمره في النار حتى يستعين عليها بشيء من ذاته أو صفاته وهو القائل للنار ‏(‏كوني بردا وسلاما‏)‏ فمن يأمر نارا أججها غيره أن تنقلب عن طبعها وهو الإحراق فتنقلب كيف يحتاج في نار يؤججها هو إلى استعانة انتهى‏.‏

ويفهم جوابه من التفصيل الواقع ثالث أحاديث الباب حيث قال فيه ‏"‏ ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار ‏"‏ فذكر الحديث وقال فيه ‏"‏ ولا يظلم الله من خلقه أحدا ‏"‏ فإن فيه إشارة إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشئوهم الله لأجل ملئها، وأما النار فلا ينشئ لها خلقا بل يفعل فيها شيئا عبر عنه بما ذكر يقتضي لها أن ينضم بعضها إلى بعض فتصير ملأى ولا تحتمل مزيدا، وفيه دلالة على أن الثواب ليس موقوفا على العمل بل ينعم الله بالجنة على من لم يعمل خيرا قط كما في الأطفال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطْ قَطْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن موسى القطان‏)‏ هو الواسطي، وأبو سفيان الحميري أدركه البخاري بالسن ولم يلقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عوف‏)‏ لأبي سفيان فيه سند آخر أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن عمر الجزائري عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة مطولا، وقوله‏:‏ ‏(‏رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان‏)‏ القائل ذلك محمد ابن موسى الراوي عنه‏.‏

وقال يوقفه من الرباعي وهو لغة والفصيح يقفه من الثلاثي، والمعنى أنه كان يرويه في أكثر الأحوال موقوفا ويرفعه أحيانا، وقد رفعه غيره أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَاجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة‏)‏ وقع في مصنف عبد الرزاق في آخره ‏"‏ قال معمر واخبرني أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ‏"‏ وأخرجه مسلم بالوجهين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تحاجت‏)‏ أي تخاصمت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالمتكبرين والمتجبرين‏)‏ قيل هما بمعنى، وقيل المتكبر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه وقيل الذي لا يكترث بأمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضعفاء الناس وسقطهم‏)‏ بفتحتين أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم، هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات، لكنهم بالنسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده، فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة ‏"‏ إلا ضعفاء الناس ‏"‏ الأغلب، قال النووي‏:‏ هذا الحديث على ظاهره، وإن الله يخلق في الجنة والنار تمييزا يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ويحتمل أن يكون بلسان الحال، وسيأتي مزيدا لهذا في ‏"‏ باب قوله إن رحمة الله قريب من المحسنين ‏"‏ من كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

*3*باب قَوْلِهِ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‏)‏ كذا لأبي ذر في الترجمة، وفي سياق الحديث، ولغيره ‏(‏وسبح‏)‏ بالواو فيهما وهو الموافق للتلاوة فهو الصواب، وعندهم أيضا ‏"‏ وقبل الغروب ‏"‏ وهو الموافق لآية السورة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ

الشرح‏:‏

أورد فيه حديث جرير ‏"‏ إنكم سترون ربكم ‏"‏ الحديث وفي آخره ‏"‏ ثم قرأ ‏(‏وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‏)‏ وهذه الآية في طه‏.‏

قال الكرماني‏:‏ المناسب لهذه السورة ‏"‏ وقبل الغروب ‏"‏ لا غروبها‏.‏

قلت‏:‏ لا سبيل إلى التصرف في لفظ الحديث، وإنما أورد الحديث هنا لاتحاد دلالة الآيتين وقد تقدم في الصلاة، وكذا وقع هنا في نسخة من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ‏"‏ ثم قرأ‏:‏ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ‏"‏ وسيأتي شرح حديث جرير في التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏

ومضى منه شيء في فضل وقت العصر من المواقيت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِدْبَارَ السُّجُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مجاهد قال قال ابن عباس‏:‏ أمره أن يسبح‏)‏ يعني أمر الله نبيه‏.‏

وأخرجه الطبري من طريق ابن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ‏"‏ قال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فسبحه وأدبار السجود‏)‏ قال‏:‏ هو التسبيح بعد الصلاة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أدبار الصلوات كلها‏)‏ يعني قوله وأدبار السجود، كذا لهم وروى الطبري من وجه آخر عن ابن عباس قال ‏"‏ قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا ابن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود ‏"‏ وإسناده ضعيف، لكن روى ابن المنذر من طريق أبي تميم الجيشاني قال ‏"‏ قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ‏(‏وأدبار السجود‏)‏ ‏:‏ هما الركعتان بعد المغرب ‏"‏ وأخرجه الطبري من طرق عن علي وعن أبي هريرة وغيرهما مثله‏.‏

وأخرج ابن المنذر عن عمر مثله‏.‏

وأخرج الطبري من طريق كريب بن يزيد أنه كان إذا صلى الركعتين بعد الفجر والركعتين بعد المغرب قرأ أدبار النجوم وأدبار السجود، أي بهما‏.‏