فصل: باب الشِّقَاقِ وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الشِّقَاقِ وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِلَى قَوْلِهِ خَبِيرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الشقاق، وهل يشير بالخلع عند الضرورة‏؟‏ وقوله تعالى‏:‏ وإن خفتم شقاق بينهما الآية‏)‏ كذا لأبي ذر والنسفي، ولكن وقع عنده ‏"‏ الضرر ‏"‏ وزاد غيرهما ‏(‏فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها - إلى قوله - خبيرا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء على أن المخاطب بقوله تعالى ‏(‏وإن خفتم شقاق بينهما‏)‏ الحكام، وأن المراد بقوله ‏(‏إن يريدا إصلاحا‏)‏ الحكمان، وأن الحكمين يكون أحدهما من جهة الرجل والآخر من جهة المرأة إلا أن لا يوجد من أهلهما من يصلح فيجوز أن يكون من الأجانب ممن يصلح لذلك، وأنهما إذا اختلفا لم ينفذ قولهما، وإن اتفقا نفذ في الجمع بينهما من غير توكيل‏.‏

واختلفوا فيما إذا اتفقا على الفرقة، فقال مالك والأوزاعي وإسحاق‏:‏ ينفذ بغير توكيل ولا إذن من الزوجين‏.‏

وقال الكوفيون والشافعي وأحمد‏:‏ يحتاجان إلى الإذن، فأما مالك ومن تابعه فألحقوه بالعنين والمولى فإن الحاكم يطلق عليهما فكذلك هذا، وأيضا فلما كان المخاطب بذلك الحكام وأن الإرسال إليهم دل على أن بلوغ الغاية من الجمع أو التفريق إليهم، وجرى الباقون على الأصل وهو أن الطلاق بيد الزوج فإن إذن في ذلك وإلا طلق عليه الحاكم‏.‏

ثم ذكر طرفا من حديث المسور في خطبة على بنت أبي جهل وقد تقدمت الإشارة إليه في النكاح، واعترضه ابن التين بأنه ليس فيه دلالة على ما ترجم به، ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال‏:‏ إنما حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فلا آذن ‏"‏ خلعا ولا يقوى ذلك لأنه قال في الخبر ‏"‏ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ‏"‏ فدل على الطلاق، فإن أراد أن يستدل بالطلاق على الخلع فهو ضعيف وإنما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يمكن أن يؤخذ من كونه صلى الله عليه وسلم أشار بقوله ‏"‏ فلا آذن ‏"‏ إلى أن عليا يترك الخطبة، فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح‏.‏

وقال الكرماني تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك، فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعا، فأراد صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع على من ذلك بطريق الإيماء والإشارة، وهي مناسبة جيدة، ويؤخذ من الآية ومن الحديث العمل بسد الذرائع، لأن الله تعالى أمر ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق قبل وقوعه، كذا قال المهلب، ويحتمل أن يكون المراد بالخوف وجود علامات الشقاق المقتضى لاستمرار النكد وسوء المعاشرة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُمْ فَلَا آذَنُ

الشرح‏:‏

حديث المسور في خطبة على بنت أبي جهل قد تقدمت الإشارة إليه في النكاح، واعترضه ابن التين بأنه ليس فيه دلالة على ما ترجم به، ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال‏:‏ إنما حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فلا آذن ‏"‏ خلعا ولا يقوى ذلك لأنه قال في الخبر ‏"‏ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ‏"‏ فدل على الطلاق، فإن أراد أن يستدل بالطلاق على الخلع فهو ضعيف وإنما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ يمكن أن يؤخذ من كونه صلى الله عليه وسلم أشار بقوله ‏"‏ فلا آذن ‏"‏ إلى أن عليا يترك الخطبة، فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح‏.‏

وقال الكرماني تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك، فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعا، فأراد صلى الله عليه وسلم دفع وقوعه بمنع على من ذلك بطريق الإيماء والإشارة، وهي مناسبة جيدة، ويؤخذ من الآية ومن الحديث العمل بسد الذرائع، لأن الله تعالى أمر ببعثة الحكمين عند خوف الشقاق قبل وقوعه، كذا قال المهلب، ويحتمل أن يكون المراد بالخوف وجود علامات الشقاق المقتضى لاستمرار النكد وسوء المعاشرة

*3*باب لَا يَكُونُ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا يكون بيع الأمة طلاقا‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ طلاقها ‏"‏ ثم أورد فيه قصة بريرة، قال ابن التين‏:‏ لم يأت في الباب بشيء مما يدل عليه التبويب، لكن لو كانت عصمتها عليه باقية ما خيرت بعد عتقها، لأن شراء عائشة كان العتق بإزائه، وهذا الذي قاله عجيب، أما أولا فإن الترجمة مطابقة فإن العتق إذا لم يستلزم الطلاق فالبيع بطريق الأولى، وأيضا فإن التخيير الذي جر إلى الفراق لم يقع إلا بسبب العتق لا بسبب البيع، وأما ثانيا فإنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة، وأما ثالثا فإن آخر كلامه يرد أوله، فإنه يثبت ما نفاه من المطابقة، قال ابن بطال‏:‏ اختلف السلف هل يكون بيع الأمة طلاقا‏؟‏ فقال الجمهور‏:‏ لا يكون بيعها طلاقا، وروى عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب ومن التابعين عن سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد قالوا‏:‏ يكون طلاقا وتمسكوا بظاهر قوله تعالى ‏(‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏)‏ وحجة الجمهور حديث الباب، وهو أن بريرة عتقت فخيرت في زوجها، فلو كان طلاقها يقع بمجرد البيع لم يكن للتخيير معنى‏.‏

ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين المؤجرة، والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها ا هـ ملخصا‏.‏

وما نقله عن الصحابة أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد فيها انقطاع، وفيه عن جابر وأنس أيضا، وما نقله عن التابعين فيه بأسانيد صحيحة، وفيه أيضا عن عكرمة والشعبي نحوه، وأخرجه سعيد بن منصور عن ابن عباس بسند صحيح، وروى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ إذا زوج عبده بأمته فالطلاق بيد العبد وإذا اشترى أمة لها زوج فالطلاق بيد المشتري‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور من طريق الحسن قال‏:‏ إباق العبد طلاقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة بريرة أورد المصنف في أول الصلاة وفي عدة أبواب مطولا ومختصرا، وطريق ربيعة التي أوردها هنا أوردها موصولة من طريق مالك عنه عن القاسم عن عائشة، وأوردها في الأطعمة من طريق إسماعيل بن جعفر عنه عن القاسم مرسلا، ولا يضر إرساله لأن مالكا أحفظ من إسماعيل وأتقن، وقد وافقه أسامة بن زيد وغير واحد عن القاسم، وكذلك رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، لكن صدره بقصة اشتراط الذين باعوها على عائشة أن يكون لهم الولاء، وقد تقدم مستوفى في كتاب العتق، وكذا رواه عروة وعمرة والأسود وأيمن المكي عن عائشة، وكذا رواه نافع عن ابن عمر أن عائشة، ومنهم من قال عن ابن عمر عن عائشة، وروى قصة البرمة واللحم أنس وتقدم حديثه في الهبة ويأتي، وروى ابن عباس قصة تخييرها لما عتقت كما يأتي بعد وطرقه كلها صحيحة‏.‏

قوله ‏(‏كان في بريرة‏)‏ تقدم ذكرها وضبط اسمها في أواخر العتق، وقيل إنها نبطية بفتح النون والموحدة وقيل إنها قبطة بكسر القاف وسكون الموحدة، وقيل إن اسم أبيها صفوان وأن له صحبة، واختلف في مواليها ففي رواية أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة أن بريرة كانت لناس من الأنصار، وكذا عند النسائي من رواية سماك عن عبد الرحمن، ووقع في بعض الشروح لآل أبي لهب وهو وهم من قائله انتقل وهمه من أيمن أحد رواة قصة بريرة عن عائشة إلى بريرة، وقيل لآل بني هلال أخرجه الترمذي من رواية جرير عن هشام ابن عروة‏.‏

قوله ‏(‏ثلاث سنن‏)‏ وفي رواية هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ‏"‏ ثلاث قضيات ‏"‏ وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود ‏"‏ قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أربع قضيات ‏"‏ فذكر نحو حديث عائشة وزاد ‏"‏ وأمرها أن تعتد عدة الحرة ‏"‏ أخرجه الدار قطني، وهذه الزيادة لم تقع في حديث عائشة فلذلك اقتصرت على ثلاث، لكن أخرج ابن ماجه من طريق الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ‏"‏ أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض ‏"‏ وهذا مثل حديث ابن عباس في قوله ‏"‏ تعتد عدة الحرة ‏"‏ ويخالف ما وقع في رواية أخرى عن ابن عباس ‏"‏ تعتد بحيضة ‏"‏ وقد تقدم البحث في عدة المختلعة وأن من قال الخلع فسخ قال تعتد بحيضة، وهنا ليس اختيار العتيقة نفسها طلاقا فكان القياس أن تعتد بحيضة، لكن الحديث الذي أخرجه ابن ماجه على شرط الشيخين بل هو في أعلى درجات الصحة، وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي من طريق أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدة بريرة عدة المطلقة ‏"‏ وهو شاهد قوي، لأن أبا معشر وإن كان فيه ضعف لكن يصلح في المتابعات‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عثمان وابن عمر وزيد بن ثابت وآخرين ‏"‏ أن الأمة إذا أعتقت تحت العبد فطلاقها طلاق عبد وعدتها عدة حرة ‏"‏ وقد قدمت في العتق أن العلماء صنفوا في قصة بريرة تصانيف، وأن بعضهم أوصلها إلى أربعمائة فائدة، ولا يخالف ذلك قول عائشة ‏"‏ ثلاث سنن ‏"‏ لأن مراد عائشة ما وقع من الأحكام فيها مقصودا خاصة، لكن لما كان كل حكم منها يشتمل على تقعيد قاعدة يستنبط العالم الفطن منها فوائد جمة وقع التكثر من هذه الحيثية، وانضم إلى ذلك ما وقع في سياق القصة غير مقصود، فإن في ذلك أيضا فوائد تؤخذ بطريق التنصيص أو الاستنباط، أو اقتصر على الثلاث أو الأربع لكونها أظهر ما فيها وما عداها إنما يؤخذ بطريق الاستنباط، أو لأنها أهم والحاجة إليها أمس‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ معنى ثلاث أو أربع أنها شرعت في قصتها، وما يظهر فيها مما سوى ذلك فكان قد علم من غير قصتها، وهذا أولى من قول من قال‏:‏ ليس في كلام عائشة حصر، ومفهوم العدد ليس بحجة وما أشبه ذلك من الاعتذارات التي لا تدفع سؤال ما الحكمة في الاقتصار على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏إنها أعتقت فخيرت‏)‏ زاد في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ في أن تقر تحت زوجها أو تفارقه ‏"‏ وتقر بفتح وتشديد الراء أي تدوم، وتقدم في العتق من طريق الأسود عن عائشة ‏"‏ فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها من زوجها فاختارت نفسها ‏"‏ وفي رواية للدار قطني من طريق أبان صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة‏:‏ اذهبي فقد عتق معك بضعك ‏"‏ زاد ابن سعد من طريق الشعبي مرسلا ‏"‏ فاختاري ‏"‏ ويأتي تمام ذلك في شرح الباب الذي بعد هذا ببابين‏.‏

قوله ‏(‏وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الولاء لمن أعتق‏)‏ هذه السنة الثانية، وقد تقدم بيان سببها مستوفى في العتق والشروط‏.‏

وفي رواية نافع عن ابن عمر الماضية وكذا عن عدة طرق عن عائشة ‏"‏ إنما الولاء لمن أعتق ‏"‏ ويستفاد منه أن كلمة ‏"‏ إنما ‏"‏ تفيد الحصر وإلا لما لزم من إثبات الولاء للمعتق نفيه عن غيره وهو الذي أريد من الخبر، ويؤخذ منه أنه لا ولاء للإنسان على أحد بغير العتق فينتفي من أسلم على يده أحد، وسيأتي البحث فيه في الفرائض وأنه لا ولاء للملتقط خلافا لإسحاق، ولا لمن حالف إنسانا خلافا لطائفة من السلف، وبه قال أبو حنيفة‏.‏

ويؤخذ من عمومه أن الحربي لو أعتق عبدا ثم أسلما أنه يستمر ولاؤه له وبه قال الشافعي‏.‏

وقال ابن عبد البر إنه قياس قول مالك، ووافق على ذلك أبو يوسف، وخالف أصحابه فإنهم قالوا للعتيق في هذه الصورة أن يتولى من يشاء‏.‏

قوله ‏(‏ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ بيت عائشة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم‏)‏ في رواية إسماعيل بن جعفر ‏"‏ فدعا بالغداء فأتى بخبز‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ألم أر البرمة فيها لحم‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى، ولكن ذاك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة‏)‏ وقع في رواية الأسود عن عائشة في الزكاة ‏"‏ وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بلحم فقالوا هذا ما تصدق به على بريرة ‏"‏ وكذا في حديث أنس في الهبة، ويجمع بينهما بأنه لما سأل عنه أتى به وقيل له هل ذلك‏.‏

ووقع في رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة في كتاب الهبة ‏"‏ فأهدى لها لحم فقيل هذا تصدق به على بريرة ‏"‏ فإن كان الضمير لبريرة فكأنه أطلق على الصدقة عليها هدية لها، وإن كان لعائشة فلأن بريرة لما تصدقوا عليها باللحم أهدت منه لعائشة‏.‏

ويؤيده ما وقع في رواية أسامة بن زيد عن القاسم عند أحمد وابن ماجه ‏"‏ ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرجل يفور بلحم، فقال‏:‏ من أين لك هذا‏؟‏ قلت‏:‏ أهدته لنا بريرة وتصدق به عليها ‏"‏ وعند أحمد ومسلم من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ‏"‏ وكان الناس يتصدقون عليها فتهدي لنا ‏"‏ وقد تقدم في الزكاة ما يتعلق بهذا المعنى، واللحم المذكور وقع في بعض الشروح أنه كان لحم بقر، وفيه نظر بل جاء عن عائشة ‏"‏ تصدق على مولاتي بشاة من الصدقة ‏"‏ فهو أولى أن يؤخذ به، ووقع بعد قوله ‏"‏ هو عليها صدقة ولنا هدية ‏"‏ من رواية أبي معاوية المذكورة ‏"‏ فكلوه‏"‏، وسأذكر فوائده بعد بابين إن شاء الله تعالى

*3*باب خِيَارِ الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب خيار الأمة تحت العبد‏)‏ يعني إذا عتقت، وهذا مصير من البخاري إلى ترجيح قول من قال إن زوج بريرة كان عبدا، وقد ترجم في أوائل النكاح بحديث عائشة في قصة بريرة ‏"‏ باب الحرة تحت العبد ‏"‏ وهو جزم منه أيضا بأنه كان عبدا، ويأتي بيان ذلك في الباب الذي يليه، واعترض عليه هناك ابن المنير بأنه ليس في حديث الباب أن زوجها كان عبدا، وإثبات الخيار لها لا يدل لأن المخالف يدعي أن لا فرق في ذلك بين الحر والعبد، والجواب أن البخاري جرى على عادته من الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يورده، ولا شك أن قصة بريرة لم تتعدد، وقد رجح عنده أن زوجها كان عبدا فلذلك جزم به، واقتضت الترجمة بطريق المفهوم أن الأمة إذا كانت تحت حر فعتقت لم يكن لها خيار، وقد اختلف العلماء في ذلك‏:‏ فذهب الجمهور إلى ذلك، وذهب الكوفيون إلى إثبات الخيار لمن عتقت سواء كانت تحت حر أم عبد، وتمسكوا بحديث الأسود بن يزيد عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا، وقد اختلف فيه على راوية هل هو من قول الأسود أو رواه عن عائشة أو هو قول غيره كما سأبينه، قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفاظ الحديث وهو من أقارن مسلم فيما أخرجه البيهقي عنه‏:‏ خالف الأسود الناس في زوج بريرة‏.‏

وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده، وما جاء عن غيره فليس بذاك، وصح عن ابن عباس وغيره انه كان عبدا، ورواه علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح شيء، وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه ا هـ‏.‏

وسيأتي مزيد لهذا بعد بابين وحاول بعض الحنفية ترجيح رواية من قال كان حرا على رواية من قال كان عبدا فقال‏:‏ الرق تعقبه الحرية بلا عكس، وهو كما قال، لكن محل طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوة أما مع التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود، ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع، والذي يتحصل من كلام محققيهم وقد أكثر منه الشافعي ومن تبعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوة، قال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء أن الأمة إذا عتقت تحت عبد فإن لها الخيار، والمعنى فيه ظاهر لأن العبد غير مكافئ للحرة في أكثر الأحكام، فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار، واحتج من قال إن لها الخيار ولو كانت تحت حر بأنها عند التزويج لم يكن لها رأي لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوجها بغير رضاها فإذا عتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك‏.‏

وعارضهم الآخرون بأن ذلك لو كان مؤثرا لثبت الخيار للبكر إذا زوجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس كذلك فكذلك الأمة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحر فكانت كالكتابية تسلم تحت المسلم، واختلف في التي تختار الفراق هل يكون ذلك طلاقا أو فسخا‏؟‏ فقال مالك والأوزاعي والليث‏:‏ تكون طلقه بائنة، وثبت مثله عن الحسن وابن سيرين أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

وقال الباقون يكون فسخا لا طلاقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُهُ عَبْدًا يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن ابن عباس قال‏:‏ رأيته عبدا يعني زوج بريرة‏)‏ هكذا أورده مختصرا من هذا الوجه وهو لفظ شعبة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق مربع عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه عن شعبة وحده، وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة ‏"‏ رأيته يبكي ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ لقد رأيته يتبعها ‏"‏ وأما لفظ همام فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه بلفظ ‏"‏ أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد ‏"‏ وساقه أحمد عن عفان عن همام مطولا وفيه أنها تعتد عدة الحرة‏.‏

ثم أورد البخاري الحديث من وجهين عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال في أحدهما ‏"‏ ذاك مغيث عبد بني فلان ‏"‏ يعني زوج بريرة، وفي الأخرى ‏"‏ كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث ‏"‏ وهكذا جاء من غير وجه أن اسمه مغيث، وضبط في البخاري بضم أوله كسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة، ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره موحدة، والأول أثبت وبه جزم ابن ماكولا وغيره، ووقع عند المستغفري في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ من طريق محمد ابن عجلان عن يحيى بن عروة عن عروة عن عائشة في قصة بريرة أن اسم زوج بريرة مقسم، وما أظنه إلا تصحيفا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ يَبْكِي عَلَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبدا لبني فلان‏)‏ عند الترمذي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أيوب ‏"‏ كان عبدا أسود لبني المغيرة ‏"‏ وفي رواية هشيم عن سعيد بن منصور ‏"‏ وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم ‏"‏ ووقع في المعرفة لابن منده مغيث مولى أحمد بن جحش، ثم ساق الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة مثل ما وقع في الترمذي، لكن عند أبي داود بسند فيه ابن إسحاق ‏"‏ وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد ‏"‏ وقال ابن عبد البر ‏"‏ مولى بني مطيع ‏"‏ والأول أثبت لصحة إسناده ويبعد الجمع لأن بني المغيرة من آل مخزوم في رواية هشيم وبني جحش من أسد بن خزيمة وبني مطيع من آل عدي بن كعب، ويمكن أن يدعي أنه كان مشتركا بينهم على بعده، أو انتقل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ عَبْدًا لِبَنِي فُلَانٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبدا لبني فلان‏)‏ عند الترمذي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أيوب ‏"‏ كان عبدا أسود لبني المغيرة ‏"‏ وفي رواية هشيم عن سعيد بن منصور ‏"‏ وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم ‏"‏ ووقع في المعرفة لابن منده مغيث مولى أحمد بن جحش، ثم ساق الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة مثل ما وقع في الترمذي، لكن عند أبي داود بسند فيه ابن إسحاق ‏"‏ وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد ‏"‏ وقال ابن عبد البر ‏"‏ مولى بني مطيع ‏"‏ والأول أثبت لصحة إسناده ويبعد الجمع لأن بني المغيرة من آل مخزوم في رواية هشيم وبني جحش من أسد بن خزيمة وبني مطيع من آل عدي بن كعب، ويمكن أن يدعي أنه كان مشتركا بينهم على بعده، أو انتقل‏.‏

*3*باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة‏)‏ أي عند بريرة لترجع إلى عصمته، قال ابن المنير‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يسقط ونحو ذلك، وتعقب بأن قصة بريرة لم تقع الشفاعة فيها عند الترافع، وفيه نظر لأن ظاهر حديث الباب أنه بعد الحكم؛ لكن لم يصرح بالترافع إذ رؤية ابن عباس لزوجها يبكي، وقول العباس وبعده لو راجعته، فيحتمل أن يكون القول عند الترافع لأن الواو لا تقتضي الترتيب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَاجَعْتِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي قَالَ إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ قَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام على ما بينت في المقدمة وقد أخرجه النسائي عن محمد بن بشار وابن ماجه عن محمد بن المثنى ومحمد بن خلاد الباهلي قالوا ‏"‏ حدثنا عبد الوهاب الثقفي‏"‏، وابن بشار وابن المثنى من شيوخ البخاري فيحتمل أن يكون المراد أحدهما‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي وخالد شيخه هو الحذاء، وقد سبق في الباب الذي قبله عن قتيبة عن عبد الوهاب وهو الثقفي هذا عن أيوب، فكأن له فيه شيخين لكن رواية خالد الحذاء أتم سياقا كما ترى، وطريق أيوب أخرجها الإسماعيلي من طريق محمد بن الوليد البصري عن عبد الوهاب الثقفي، وطريق خالد أخرجها من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي عن الثقفي أيضا وساقه عنهما نحو ما وقع عند البخاري‏.‏

قوله ‏(‏يطوف خلفها يبكي‏)‏ في رواية وهيب عن أيوب في الباب الذي قبله ‏"‏ يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها ‏"‏ والسكك بكسر المهملة وفتح الكاف جمع سكة وهي الطرق، ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة ‏"‏ في طرق المدينة ونواحيها، وأن دموعه تسيل على لحيته يترضاها لمختاره فلم تفعل ‏"‏ وهذا ظاهره أن سؤاله لها كان قبل الفرقة، وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الباب ‏"‏ لو راجعته ‏"‏ أن ذلك كان بعد الفرقة، وبه جزم ابن بطال فقال‏:‏ لو كان قبل الفرقة لقال لو اخترته، قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون وقع له ذلك قيل وبعد‏.‏

وقد تمسك برواية سعيد من لم يشترط الفور في الخيار هنا، وسيأتي البحث فيه بعد‏.‏

قوله ‏(‏يا عباس‏)‏ هو ابن عبد المطلب والد راوي الحديث، وتقدم ما فيه‏.‏

وفي رواية ابن ماجه ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس يا عباس ‏"‏ وعند سعيد بن منصور عن هشيم قال ‏"‏ أنبأنا خالد هو الحذاء بسنده أن العباس كان كلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها في ذلك ‏"‏ وفيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة، لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وكان ذلك في أواخر سنة ثمان، ويؤيده أيضا قول ابن عباس أنه شاهد ذلك، وهو إنما قدم المدينة مع أبويه‏.‏

ويؤيد تأخر قصتها أيضا - بخلاف قول من زعم أنها كانت قبل الإفك - أن عائشة في ذلك الزمان كانت صغيرة، فيبعد وقوع تلك الأمور والمراجعة والمسارعة إلى الشراء والعتق منها يومئذ، وأيضا فقول عائشة ‏"‏ إن شاء مواليك أن أعدها لهم عدة واحدة ‏"‏ فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح، وفي كل ذلك رد على من زعم أن قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك، وحمله على ذلك وقوع ذكرها في حديث الإفك، وقد قدمت الجواب عن ذلك هناك‏.‏

ثم رأيت الشيخ تقي الدين السبكي استشكل القصة ثم جوز أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو كان حصل الفسخ وطلب أن ترده بعقد جديد أو كانت لعائشة ثم باعتها ثم استعادتها بعد الكتابة ا هـ، وأقوى الاحتمالات الأول كما ترى‏.‏

قوله ‏(‏لو راجعته‏)‏ كذا في الأصول بمثناة واحدة ووقع في رواية ابن ماجه ‏"‏ لو راجعتيه ‏"‏ بإثبات تحتانية ساكنة بعد المثناة وهي لغة ضعيفة، وزاد ابن ماجه ‏"‏ فإنه أبو ولدك ‏"‏ وظاهره أنه كان له منها ولد‏.‏

قوله ‏(‏تأمرني‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ قال لا ‏"‏ وفيه إشعار بأن الأمر لا ينحصر في صيغة افعل لأنه خاطبها بقوله ‏"‏ لو راجعته‏.‏

فقالت‏:‏ أتأمرني ‏"‏ أي تريد بهذا القول الأمر فيجب علي‏؟‏ وعند ابن مسعود من مرسل ابن سيرين يسند صحيح ‏"‏ فقالت‏:‏ يا رسول الله‏.‏

أشيء واجب على‏؟‏ قال‏:‏ لا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال‏:‏ إنما أنا أشفع‏)‏ في رواية ابن ماجه ‏"‏ إنما أشفع ‏"‏ أي أقول ذلك على سبيل الشفاعة له لا على سبيل الحتم عليك‏.‏

قوله ‏(‏فلا حاجة لي فيه‏)‏ أي فإذا لم تلزمني بذلك لا اختيار العود إليه‏.‏

وقد وقع في الباب الذي بعده ‏"‏ لو أعطاني كذا وكذا ما كنت عنده‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى مَوَالِيهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلَاءَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْمٍ فَقِيلَ إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَزَادَ فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب‏)‏ كذا لهم بغير ترجمة، وهو من متعلقات ما قبله، وأورد فيه قصة بريرة عن عبد الله بن رجاء عن شعبة عن الحكم وهو ابن عتيبة بمثناة وموحدة مصغر عن إبراهيم وهو النخعي عن الأسود وهو ابن يزيد ‏"‏ أن عائشة أرادت أن تشتري بريرة ‏"‏ فساق القصة مختصرة وصورة سياقه الإرسال، لكن أورده في كفارات الأيمان مختصرا عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال فيه ‏"‏ عن الأسود عن عائشة ‏"‏ وكذا أورده في الفرائض عن حفص ابن عمر عن شعبة وزاد في آخره ‏"‏ قال الحكم‏:‏ وكان زوجها حرا ‏"‏ ثم أورده بعده من طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة فساق نحو سياق الباب وزاد فيه ‏"‏ وخيرت فاختارت نفسها وقالت‏:‏ لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه، قال الأسود‏:‏ وكان زوجها حرا ‏"‏ قال البخاري‏:‏ قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس ‏"‏ رأيته عبدا ‏"‏ أصح‏.‏

وقال في الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك، وقد أورد البخاري عقب رواية عبد الله بن رجاء هذه عن آدم عن شعبة ولم يسق لفظه لكن قال ‏"‏ وزاد‏:‏ فخيرت من زوجها ‏"‏ وقد أورده في الزكاة عن آدم بهذا الإسناد فلم يذكر هذه الزيادة، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه فجعل الزيادة من قول إبراهيم ولفظه في آخره ‏"‏ قال الحكم قال إبراهيم‏:‏ وكان زوجها حرا فخيرت من زوجها ‏"‏ فظهر أن هذه الزيادة مدرجة وحذفها في الزكاة لذلك، وإنما أوردها هنا مشيرا إلى أن أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق أخرى وقد قال الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدا، وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم‏.‏

قلت‏:‏ وقع لبعض الرواة فيه غلط، فأخرج قاسم بن أصبغ في مصنفه وابن حزم من طريقه قال أنبأنا أحمد بن يزيد المعلم حدثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة ‏"‏ كان زوج بريرة حرا ‏"‏ وهذا وهم من موسى أو من أحمد، فإن الحفاظ من أصحاب هشام ومن أصحاب جرير قالوا كان عبدا، منهم إسحاق بن راهويه وحديثه عن النسائي، وعثمان بن أبي شيبة وحديثه عند أبي داود، وعلي بن حجر وحديثه عند الترمذي، وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبي أسامة عن هشام وفيه أنه كان عبدا، قال الدار قطني‏:‏ وكذا قال أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه‏.‏

قلت‏:‏ ورواه شعبة عن عبد الرحمن فقال كان حرا، ثم رجع عبد الرحمن فقال ما أدري، وقد تقدم في العتق قال الدار قطني وقال عمران بن حدير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم، قلت‏:‏ في شيئين في قوله حر وفي قوله عائشة، وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس، ولم يختلف على ابن عباس في أنه كان عبدا، وكذا جزم به الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدار قطني وغيرهما، وكذا أخرجه النسائي من حديث صفية بنت أبي عبيد قالت كان زوج بريرة عبدا وسنده صحيح‏.‏

وقال النووي‏:‏ يؤيد قول من قال أنه كان عبدا قول عائشة كان عبدا، ولو كان حرا لم يخيرها، فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدا، ثم عللت بقولها ‏"‏ ولو كان حرا لم يخيرها ‏"‏ ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفا، وتعقب بأن هذه الزيادة في رواية جرير عن هشام بن عروة في آخر الحديث، وهي مدرجة من قول عروة، بين ذلك في رواية مالك وأبي داود والنسائي‏.‏

نعم وقع في رواية أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ‏"‏ كانت بريرة مكاتبة لأناس من الأنصار وكانت تحت عبد ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي، وأسامة فيه مقال، وأما دعوى أن ذلك لا يقال إلا بتوقيف فمردودة فإن للاجتهاد فيه مجالا، وقد تقدم قريبا توجيهه من حيث النظر أيضا، قال الدار قطني ‏"‏ وقال إبراهيم عن الأسود عن عائشة‏:‏ كان حرا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وأصرح ما رأيته في ذلك رواية أبي معاوية ‏"‏ حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ كان زوج بريرة حرا فلما عتقت خيرت ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد عنه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن إدريس عن الأعمش بهذا السند عن عائشة قالت ‏"‏ كان زوج بريرة حرا ‏"‏ ومن وجه آخر عن النخعي عن الأسود أن عائشة حدثته ‏"‏ أن زوج بريرة كان حرا حين أعتقت ‏"‏ فدلت الروايات المفصلة التي قدمتها آنفا على أنه مدرج من قول الأسود أو من دونه فيكون من أمثلة ما أدرج في أول الخبر وهو نادر فإن الأكثر أن يكون في آخره ودونه أن يقع في وسطه، وعلى تقدير أن يكون موصولا فترجح رواية من قال كان عبدا بالكثرة، وأيضا فآل المرء أعرف بحديثه، فإن القاسم ابن أخي عائشة وعروة ابن أختها وتابعهما غيرهما فروايتهما أولى من رواية الأسود فإنهما أقعد بعائشة وأعلم بحديثها والله أعلم‏.‏

ويترجح أيضا بأن عائشة كانت تذهب إلى أن الأمة إذا عتقت تحت الحر لا خيار لها، وهذا بخلاف ما روى العراقيون عنها فكان يلزم على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعوا ما روي عنها لا سيما وقد اختلف عنها فيه، وادعى بعضهم أنه يمكن الجمع بين الروايتين بحمل قول من قال كان عبدا على اعتبار ما كان عليه ثم أعتق، فلذلك قال من قال كان حرا، ويرد هذا الجمع ما تقدم من قول عروة ‏"‏ كان عبدا ولو كان حرا لم تخير ‏"‏ وأخرجه الترمذي بلفظ ‏"‏ أن زوج بريرة كان عبدا أسود يوم أعتقت ‏"‏ فهذا يعارض الرواية المتقدمة عن الأسود، ويعارض الاحتمال المذكور احتمال أن يكون من قال كان حرا أراد ما آل إليه أمره، وإذا تعارضا إسنادا واحتمالا احتيج إلى الترجيح ورواية الأكثر يرجح بها وكذلك الأحفظ وكذلك الألزم، وكل ذلك موجود في جانب من قال كان عبدا‏.‏

وفي قصة بريرة من الفوائد وقد تقدم بعضها في المساجد وفي الزكاة والكثير منها في العتق‏:‏ جواز المكاتبة بالسنة تقريرا لحكم الكتاب، وقد روى ابن أبي شيبة في ‏"‏ الأوائل ‏"‏ بسند صحيح أنها أول كتابة كانت في الإسلام، ويرد عليه قصة سلمان، فيجمع بأن أوليته في الرجال وأولية بريرة في النساء، وقد قيل إن أول مكاتب الإسلام أبو أمية عبد عمر، وادعى الروياني أن الكتابة لم تكن تعرف في الجاهلية وخولف‏.‏

ويؤخذ من مشروعية نجوم الكتابة البيع إلى أجل والاستقراض ونحو ذلك، وفيه إلحاق الإماء بالعبيد لأن الآية طاهرة في الذكور، وفيه جواز كتابة أحد الزوجين الرقيقين، ويلحق به جواز بيع أحدهما دون الآخر، وجواز كتابة من لا مال له ولا حرفة، كذا قيل وفيه نظر لأنه لا يلزم من طلبها من عائشة الإعانة على حالها أن يكون لا مال لها ولا حرفة، وفيه جواز بيع المكاتب إذا رضي ولم يعجز نفسه إذا وقع التراضي بذلك، وحمله من منع على أنها عجزت نفسها قبل البيع ويحتاج إلى دليل، وقيل إنما وقع البيع على نجوم الكتابة وهو بعيد جدا ويؤخذ منه أن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء، فيتفرع منه إجراء أحكام الرقيق كلها في النكاح والجنايات والحدود وغيرها‏.‏

وقد أكثر بسردها من ذكرنا أنهم جمعوا الفوائد المستنبطة من حديث بريرة‏.‏

ومن ذلك أن من أدى أكثر نجومه لا يعتق تغليبا لحكم الأكثر، وأن من أدى من النجوم بقدر قيمته يعتق، وأن من أدى بعض نجومه لم يعتق منه بقدر ما أدى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في شراء بريرة من غير استفصال‏.‏

وفيه جواز بيعه المكاتب والرقيق بشرط العتق، وأن بيع الأمة المزوجة ليس طلاقا كما تقدم تقريره قريبا وأن عتقها ليس طلاقا ولا فسخا لثبوت التخيير، فلو طلقت بذلك واحدة لكان لزوجها الرجعة ولم يتوقف على إذنها، أو ثلاثا لم يقل لها لو راجعته لأنها ما كانت تحل له إلا بعد زوج آخر، وأن بيعها لا يبيح لمشتريها وطأها لأن تخييرها يدل على بقاء علقة العصمة وأن سيد المكاتب لا يمنعه من الاكتساب وأن اكتسابه من حين الكتابة يكون له جواز سؤال المكاتب من يعينه على بعض نجومه وإن لم تحل، وأن ذلك لا يقتضي تعجيزه، وجواز سؤال ما لا يضطر السائل إليه في الحال، وجواز الاستعانة بالمرأة المزوجة، وجواز تصرفها في مالها بغير إذن زوجها، وبذل المال في طلب الأجر حتى في الشراء بالزيادة على ثمن المثل بقصد التقرب بالعتق، ويؤخذ منه جواز شراء من يكون مطلق التصرف السلعة بأكثر من ثمنها لأن عائشة بذلت نقدا ما جعلوه نسيئة في تسع سنين لحصول الرغبة في النقد أكثر من النسيئة، وجواز السؤال في الجملة لمن يتوقع الاحتياج إليه فيتحمل الأخبار الواردة في الزجر عن السؤال على الأولوية‏.‏

وفيه جواز سعي المرقوق في فكاك رقبته ولو كان بسؤال من يشتري ليعتق وإن أضر ذلك بسيده لتشوف الشارع إلى العتق، وفيه بطلان الشروط الفاسدة في المعاملات وصحة الشروط المشروعة لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ‏"‏ وقد تقدم بسطه في الشروط، ويؤخذ منه أن من استثنى خدمة المرقوق عند بيعه لم يصح شرطه، وأن من شرط شرطا فاسدا لم يستحق العقوبة إلا أن علم بتحريمه وأصر عليه، وأن سيد المكاتب لا يمنعه من السعي في تحصيل مال الكتابة ولو كان حقه في الخدمة ثابتا، وأن المكاتب إذا أدى نجومه من الصدقة لم يردها السعيد وإذا أدى نجومه قبل حلولها كذلك، ويؤخذ منه أنه يعتق أخذا من قول موالي بريرة ‏"‏ إن شاءت أن تحتسب عليك ‏"‏ فإن ظاهره في قبول تعجيل ما اتفقوا على تأجيله ومن لازمه حصول العتق، ويؤخذ منه أيضا أن من تبرع عن المكاتب بما عليه عتق، واستدل به على عدم وجوب الوضع عن المكاتب لقول عائشة ‏"‏ أعدها لهم عدة واحدة ‏"‏ ولم ينكر، وأجيب بجواز قصد دفعهم لها بعد القبض‏.‏

وفيه جواز إبطال الكتابة وفسخ عقدها إذا تراضى السيد والعبد، وإن كان فيه إبطال التحرير لتقرير بريرة على السعي بين عائشة ومواليها في فسخ كتابتها لتشتريها عائشة‏.‏

وفيه ثبوت الولاء للمعتق والرد على من خالفه، ويؤخذ من ذلك عدة مسائل كعتق السائبة واللقيط والحليف ونحو ذلك كثر بها العدد من تكلم على حديث بريرة‏.‏

وفيه مشروعية الخطبة في الأمر المهم والقيام فيها، وتقدمة الحمد والثناء، وقول أما بعد عند ابتداء الكلام في الحاجة، وأن من وقع منه ما ينكر استحب عدم تعيينه؛ وأن استعمال السجع في الكلام لا يكره إلا إذا قصد إليه ووقع متكلفا‏.‏

وفيه جواز اليمين فيما لا تجب فيه ولا سيما عند العزم على فعل شيء، وأن لغو اليمين لا كفارة فيه لأن عائشة حلفت أن لا تشترط ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم اشترطي ولم ينقل كفارة‏.‏

وفيه مناجاة الاثنين بحضرة الثالث في الأمر يستحي منه المناجي ويعلم أن من ناجاه يعلم الثالث به ويستثنى ذلك من النهي الوارد فيه، وفيه جواز سؤال الثالث عن المناجاة المذكورة إذا ظن أن له تعلقا به وجواز إظهار السر في ذلك ولا سيما إن كان فيه مصلحة للمناجي‏.‏

وفيه جواز المساومة في المعاملة والتوكيل فيها ولو للرقيق، واستخدام الرقيق في الأمر الذي يتعلق بمواليه وإن لم يأذنوا في ذلك بخصوصه‏.‏

وفيه ثبوت الولاء للمرأة المعتقة فيستثنى من عموم الولاء لحمة كلحمة النسب فإن الولاء لا ينتقل إلى المرأة بالإرث بخلاف النسب‏.‏

وفيه أن الكافر يرث ولاء عتيقه المسلم وإن كان لا يرث قريبه المسلم، وأن الولاء لا يباع ولا يوهب وقد تقدم في باب مفرد في العتق، ويؤخذ منه أن معنى قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ الولاء لمن أعطى الورق ‏"‏ أن المراد بالمعطى المالك لا من باشر الإعطاء مطلقا فلا يدخل الوكيل، ويؤيده قوله في رواية الثوري عند أحمد ‏"‏ لمن أعطى الورق وولى النعمة ‏"‏ وفيه ثبوت الخيار للأمة إذا عتقت على التفصيل المتقدم وأن خيارها يكون على الفور لقوله في بعض طرقه ‏"‏ إنها عتقت فدعاها فخيرها فاختارت نفسها ‏"‏ وللعلماء في ذلك أقوال‏:‏ أحدها وهو قول الشافعي أنه على الفور، وعنه يمتد خيارها ثلاثا، وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهما عن أهل الرأي، وقيل يمتد أبدا وهو قول مالك والأوزاعي وأحمد وأحد أقوال الشافعي، واتفقوا على أنه إن مكنته من وطئها سقط خيارها، وتمسك من قال به بما جاء في بعض طرقه وهو عند أبي داود من طريق ابن إسحاق بأسانيد عن عائشة أن بريرة أعتقت فذكر الحديث وفي آخره ‏"‏ إن قربك فلا خيار لك ‏"‏ وروى مالك بسند صحيح عن حفصة أنها أفتت بذلك‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر مثله، قال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم لهما مخالفا من الصحابة‏.‏

وقال به جمع من التابعين منهم الفقهاء السبعة، واختلف فيما لو وطئها قبل علمها بأن لها الخيار هل يسقط أو لا‏؟‏ على قولين للعلماء أصحهما عند الحنابلة لا فرق، وعند الشافعية تعذر بالجهل‏.‏

وفي رواية الدار قطني‏:‏ إن وطئك فلا خيار لك، ويؤخذ من هذه الزيادة أن المرأة إذا وجدت بزوجها عيبا ثم مكنته من الوطء بطل خيارها‏.‏

وفيه أن الخيار فسخ لا يملك الزوج فيه رجعة، وتمسك من قال له الرجعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لو راجعته ‏"‏ ولا حجة فيه وإلا لما كان لها اختيار فتعين حمل المراجعة في الحديث على معناها اللغوي والمراد رجوعها إلى عصمته، ومنه قوله تعالى ‏(‏فلا جناح عليهما أن يتراجعا‏)‏ مع أنها في المطلق ثلاثا‏.‏

وفيه إبطال قول من زعم استحالة أن يحب أحد الشخصين الآخر والآخر يبغضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ألا تعجب من حيث مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا ‏"‏‏؟‏ نعم يؤخذ منه أن ذلك هو الأكثر الأغلب، ومن ثم وقع التعجب لأنه على خلاف المعتاد، وجوز الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به أن يكون ذلك مما ظهر من كثرة استمالة مغيث لها بأنواع من الاستمالات كإظهاره حبها وتردده خلفها وبكائه عليها مع ما ينضم إلى ذلك من استمالته لها بالقول الحسن والوعد الجميل، والعادة في مثل ذلك أن يميل القلب ولو كان نافرا فلما خالفت العادة وقع التعجب، ولا يلزم منه ما قال الأولون‏.‏

وفيه أن المرء إذا خير بين مباحين فآثر ما ينفعه لم يلم ولو أضر ذلك برفيقه‏.‏

وفيه اعتبار الكفاءة في الحرية‏.‏

وفيه سقوط الكفاءة برضا المرأة التي لا ولي لها، وأن من خير امرأته فاختارت فواقه وقع وانفسخ النكاح بينهما وقد تقدم، وأنها لو اختارت البقاء معه لم ينقص عدد الطلاق‏.‏

وكثر بعض من تكلم على حديث بريرة هنا في سرد تفاريع التخيير‏.‏

وفيه أن المرأة إذا ثبت لها الخيار فقالت لا حاجة لي به ترتب على ذلك حكم الفراق، كذا قيل وهو مبني على أن ذلك وقع قبل اختيارها الفراق ولم يقع إلا بهذا الكلام وفيه من النظر ما تقدم‏.‏

وفيه جواز دخول النساء الأجانب بيت الرجل سواء كان فيه أم لا‏.‏

وفيه أن المكاتبة لا يلحقها في العتق ولدها ولا زوجها‏.‏

وفيه تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا، وجواز التطوع منها على ما يلحق به في تحريم صدقة الفرض كأزواجه ومواليه، وأن موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهن الصدقة وإن حرمت على الأزواج، وجواز أكل الغنى ما تصدق به على الفقير إذا أهداه له وبالبيع أولى، وجواز قبول الغني هدية الفقير‏.‏

وفيه الفرق قين الصدقة والهدية في الحكم‏.‏

وفيه نصح أهل الرجل له في الأمور كلها وجواز أكل الإنسان من طعام من يسر بأكله منه ولو لم يأذن له فيه بخصوصه، وبأن الأمة إذا عتقت جاز لها التصرف بنفسها في أمورها ولا حجر لمعتقها عليها إذا كانت رشيدة، وأنها تتصرف في كسبها دون إذن زوجها إن كان لها زوج‏.‏

وفيه جواز الصدقة على من يمونه غيره لأن عائشة كانت تمون بريرة ولم ينكر عليها قبولها الصدقة، وأن لمن أهدى لأهله شيء أن يشرك نفسه معهم في الإخبار عن ذلك لقوله ‏"‏ وهو لنا هدية ‏"‏ وأن من حرمت عليه الصدقة جاز له أكل عينها إذا تغير حكمها، وأنه يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها ما لا يملكه بغير علمه، وأن تتصرف في بيته بالطبخ وغيره بالاته ووقوده، وجواز أكل المرء ما يجده في بيته إذا غلب الحل في العادة، وأنه ينبغي تعريفه بما يخشى توقفه عنه، واستحباب السؤال عما يستفاد به علم أو أدب أو بيان حكم أو رفع شبهة وقد يجب، وسؤال الرجل عما لم يعهده في بيته، وأن هدية الأدنى للأعلى لا تستلزم الإثابة مطلقا، وقبول الهدية وإن نزر قدرها جبر للمهدي، وأن الهدية تملك بوضعها في بيت المهدي له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول، وأن لمن تصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها بما شاء ولا ينقص أجر المتصدق، وأنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إذا لم يكن فيه شبهة، ولا عن الذبيحة إذا ذبحت بين المسلمين، وأن من تصدق عليه قليل لا يتسخطه‏.‏

وفيه مشاورة المرأة زوجها في التصرفات، وسؤال العالم عن الأمور الدينية، وإعلام العالم بالحكم لمن رآه يتعاطى أسبابه ولو لم يسأل ومشاورة المرأة إذا ثبت لها حكم التخيير في فراق زوجها أو الإقامة عنده، وأن على الذي يشاور بذل النصيحة‏.‏

وفيه جواز مخالفة المشير فيما يشير به في غير الواجب، واستحباب شفاعة الحاكم في الرفق بالخصم حيث لا ضرر ولا إلزام، ولا لوم على من خالف ولا غضب ولو عظم قدر الشافع، وترجم له النسائي ‏"‏ شفاعة الحاكم في الخصوم قبل فصل الحكم ولا يجب على المشفوع عنده القبول‏"‏، ويؤخذ منه أن التصميم في الشفاعة لا يسوغ فيما تشق الإجابة فيه على المسئول بل يكون على وجه العرض والترغيب‏.‏

وفيه جواز الشفاعة قبل أن يسألها المشفوع له لأنه لم ينقل أن مغيثا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له، كذا قيل، وقد قدمت أن في بعض الطرق أن العباس هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فيحتمل أن يكون مغيث سأل العباس في ذلك ويحتمل أن يكون العباس ابتدأ ذلك من قبل نفسه شفقة منه على مغيث، ويؤخذ منه استحباب إدخال السرور على قلب المؤمن‏.‏

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به‏:‏ فيه أن الشافع يؤجر ولو لم تحصل إجابته، وأن المشفوع عنده إذا كان دون قدر الشافع لم تمتنع الشفاعة، قال‏:‏ وفيه تنبيه الصاحب صاحبه على الاعتبار بآيات الله وأحكامه لتعجيب النبي صلى الله عليه وسلم العباس من حب مغيث بريرة، قال‏:‏ ويؤخذ منه أن نظره صلى الله عليه وسلم كان كله بحضور وفكر، وأن كل ما خالف العادة يتعجب منه ويعتبر به‏.‏

وفيه حسن أدب بريرة لأنها لم تفصح برد الشفاعة وإنما قالت ‏"‏ لا حاجة لي فيه‏"‏‏.‏

وفيه أن فرط الحب يذهب الحياء لما ذكر من حال مغيث وغلبة الوجد عليه حتى لم يستطع كتمان حبها، وفي ترك النكير عليه بيان جواز قبول عذر من كان في مثل حاله ممن يقع منه ما لا يليق بمنصبه إذا وقع بغير اختياره، ويستنبط من هذا معذرة أهل المحبة في الله إذا حصل لهم الوجد من سماع ما يفهمون منه الإشارة إن أحوالهم حيث يظهر منهم مالا يصدر عن اختيار من الرقص ونحوه، وفيه استحباب الإصلاح بين المتنافرين سواء كانا زوجين أم لا، وتأكيد الحرمة بين الزوجين إذا كان بينهما ولد لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنه أبو ولدك ‏"‏ ويؤخذ منه أن الشافع يذكر للمشفوع عنده ما يبعث إلى قبوله من مقتضى الشفاعة والحامل عليها، وفيه جواز شراء الأمة دون ولدها وأن الولد يثبت بالفراش والحكم بظاهر الأمر في ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ولم أقف على تسمية أحد من أولاد بريرة، والكلام محتمل لأن يريد به أنه أبو ولدها بالقوة لكنه خلاف الظاهر‏.‏

وفيه جواز نسبة الولد إلى أمه‏.‏

وفيه أن المرأة الثيب لا إجبار عليها ولو كانت معتوقة، وجواز خطبة الكبير والشريف لمن هو دونه‏.‏

وفيه حسن الأدب في المخاطبة حتى من الأعلى مع الأدنى، وحسن التلطف في الشفاعة‏.‏

وفيه أن للعيد أن يخطب مطلقته بغير إذن سيد، وأن خطبة المعتدة لا تحرم على الأجنبي إذا خطبها لمطلقها، وأن فسخ النكاح لا رجعة فيه إلا بنكاح جديد، وأن الحب والبغض بين الزوجين لا لوم فيه على واحد منهما لأنه بغير اختيار، وجواز بكاء المحب على فراق حبيبه وعلى ما يفوته من الأمور الدنيوية ومن الدينية بطريق الأولى، وأنه لا عار على الرجل في إظهار حبه لزوجته، وأن المرأة إذا أبغضت الزوج لم يكن لوليها إكراهها على عشرته، وإذا أحبته لم يكن لوليها التفريق بينهما، وجواز ميل الرجل إلى امرأة يطمع في تزويجها أو رجعتها، وجواز كلام الرجل لمطلقته في الطرق واستعطافه لها واتباعها أين سلكت كذلك، ولا يخفى أن محل الجواز عند أمن الفتنة، وجواز الإخبار عما يظهر من حال المرء وإن لم تفصح به لقوله صلى الله عليه وسلم للعباس ما قال‏.‏

وفيه جواز رد الشافع المنة على المشفوع إليه بقبول شفاعته، لأن قول بريرة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أتأمرني ‏"‏ ظاهر في أنه لو قال ‏"‏ نعم ‏"‏ لقبلت شفاعته، فلما قال ‏"‏ لا ‏"‏ علم أنه رد عليها ما فهم من المنة في امتثال الأمر، كذا قيل وهو متكلف، بل يؤخذ منه أن بريرة علمت أن أمره وجب الامتثال، فلما عرض عليها ما عرض استفصلت هل هو أمر فيجب عليها امتثاله، أو مشورة فتتحير فيها‏؟‏ وفيه أن كلام الحاكم بين الخصوم في مشورة وشفاعة ونحوهما ليس حكما‏.‏

وفيه أنه يجوز لمن سئل قضاء حاجة أن يشترط على الطالب ما يعود عليه نفعه، لأن عائشة شرطت أن يكون لها الولاء إذا أدت الثمن دفعة واحدة‏.‏

وفيه جواز أداء الدين على المدين، وأنه يبرأ بأداء غيره عنه، وإفتاء الرجل زوجته فيما لها حظ وغرض إذا كان حقا، وجواز حكم الحاكم لزوجته بالحق، وجواز قول مشتري الرقيق اشتريته لأعتقه ترغيبا للبائع في تسهل البيع، وجواز المعاملة بالدراهم والدنانير عددا إذا كان قدرها بالكتابة معلوما لقولها ‏"‏ أعدها ‏"‏ ولقولها ‏"‏ تسع أواق ‏"‏ ويستنبط منه جواز بيع المعاطاة‏.‏

وفيه جواز عقد البيع بالكتابة لقوله ‏"‏ خذيها ‏"‏ ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الهجرة ‏"‏ قد أخذتها بالثمن‏"‏‏.‏

وفيه أن حق اللد مقدم على حق الآدمي لقوله ‏"‏ شرط الله أحق وأوثق ‏"‏ ومثله الحديث الآخر ‏"‏ دين الله أحق أن يقضي ‏"‏ وفيه جواز الاشتراك في الرقيق لتكرر ذكر أهل بريرة في الحديث‏.‏

وفي رواية ‏"‏ كانت لناس من الأنصار ‏"‏ ويحتمل مع ذلك الوحدة وإطلاق ما في الخبر على المجاز‏.‏

وفيه أن الأيدي ظاهرة في الملك، وأن مشتري السلعة لا يسأل عن أصلها إذا لم تكن ريبة‏.‏

وفيه استحباب إظهار أحكام العقد للعالم بها إذا كان العاقد يجهلها‏.‏

وفيه أن حكم الحاكم لا يغير الحكم الشرعي فلا يحل حراما ولا عكسه‏.‏

وفيه قبول خبر الواحد الثقة وخبر العبد والأمة وروايتهما‏.‏

وفيه أن البيان بالفعل أقوى من القول، وجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة والمبادرة إليه عند الحاجة، وفيه أن الحاجة إذا اقتضت بيان حكم عام وجب إعلانه أو ندب بحسب الحال‏.‏

وفيه جواز الرواية بالمعنى والاختصار من الحديث، والاقتصار على بعضه بحسب الحاجة، فإن الواقعة واحدة وقد رويت بألفاظ مختلفة وزاد بعض الرواة ما لم يذكر الآخر ولم يقدح ذلك في صحته عند أحد العلماء‏.‏

وفيه أن العدة بالنساء لما تقدم من حديث ابن عباس أنها أمرت أن تعتد عدة الحرة، ولو كان بالرجال لأمرت أن تعتد بعدة الإماء‏.‏

وفيه أن عدة الأمة إذا عتقت تحت عبد فاختارت نفسها ثلاثة قروء، وأما ما وقع في بعض طرقه ‏"‏ تعتد بحيضة ‏"‏ فهو مرجوح، ويحتمل أن أصله ‏"‏ تعتد بحيض ‏"‏ فيكون المراد جنس ما تستبرئ به رحمها لا الوحدة وفيه تسمية الأحكام سننا وإن كان بعضها واجبا، وأن تسمية ما دون الواجب سنة اصطلاح حادث‏.‏

وفيه جواز جبر السيد أمته على تزويج من لا تختاره إما لسوء خلقه أو خلقه وهي بالضد من ذلك، فقد قيل إن بريرة كانت جميلة غير سوداء بخلاف زوجها وقد زوجت منه وظهر عدم اختيارها لذلك بعد عتقها‏.‏

وفيه أن أحد الزوجين قد يبغض الآخر ولا يظهر له ذلك، ويحتمل أن تكون بريرة مع بغضها مغيثا كانت تصير على حكم الله عليها في ذلك ولا تعامله بما يقضيه البغض إلى أن فرج الله عنها‏.‏

وفيه تنبيه صاحب الحق على ما وجب له إذا جهله، واستقلال المكاتب بتعجيز نفسه، وإطلاق الأهل على السادة وإطلاق العبيد على الأرقاء، وجواز تسمية العبد مغيثا، وأن مال الكتابة لا حد لأكثره وأن للمعتق أن يقبل الهدية من معتقه ولا يقدح ذلك في ثواب العتق، وجواز الهدية لأهل الرجل بغير استئذانه، وقبول المرأة ذلك حيث لا ريبة وفيه سؤال الرجل عما لم يعهده في بيته، ولا يرد على هذا ما تقدم في قصة أم زرع حيث وقع في سياق المدح ‏"‏ ولا يسأل عما عهد ‏"‏ لأن معناه كما تقدم ولا يسأل عن شيء عهده وفات فلا يقول لأهله أين ذهب‏؟‏ وهنا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء رآه وعاينه ثم أحضر له غيره فسأل عن سبب ذلك لأنه يعلم أنهم لا يتركون إحضاره له شحا عليه بل لتوهم تحريمه، فأراد أن يبين لهم الجواز‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه دلالة على تبسيط الإنسان في السؤال عن أحوال منزله وما عهده فيه قبل والأول أظهر، وعندي أنه مبني على خلاف ما انبنى عليه الأول، لأن الأول بنى على أنه علم حقيقة الأمر في اللحم وأنه مما تصدق به على بريرة، والثاني بنى على أنه لم يتحقق من أين هو فجائز أن يكون مما أهدى لأهل بيته من بعض إلزامها كأقاربها مثلا ولم يتعين الأول‏.‏

وفيه أنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إليه إذا لم يظن تحريمه أو تظهر فيه شبهة، إذ لم يسأل صلى الله عليه وسلم عمن تصدق على بريرة ولا عن حاله، كذا قيل، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إلى بريرة بالصدقة فلم يتم هذا‏.‏