فصل: باب سَكْرِ الْأَنْهَارِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كتاب المساقاة

*3*باب فِي الشُّرْبِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ الْأُجَاجُ الْمُرُّ الْمُزْنُ السَّحَابُ بَاب فِي الشُّرْبِ وَمَنْ رَأَى صَدَقَةَ الْمَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً مَقْسُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ

وَقَالَ عُثْمَانُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - في الشرب‏.‏

وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون‏)‏ وقوله جل ذكره‏:‏ ‏(‏أفرأيتم الماء الذي تشربون - إلى قوله - فلولا تشكرون‏)‏‏)‏ كذا لأبي ذر، وزاد غيره في أوله ‏(‏كتاب المساقاة‏)‏ ولا وجه له فإن التراجم التي فيه غالبها تتعلق بإحياء الموات‏.‏

ووقع في شرح ابن بطال ‏(‏كتاب المياه‏)‏ وأثبت النسفي ‏"‏ باب ‏"‏ خاصة، وساق عن أبي ذر الآيتين‏.‏

والشرب بكسر المعجمة والمراد به الحكم في قسمة الماء قاله عياض‏.‏

وقال‏:‏ ضبطه الأصيلي بالضم والأول أولى‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ من ضبطه بالضم أراد المصدر‏.‏

وقال غيره المصدر مثلث وقرئ‏:‏ ‏(‏فشاربون شرب الهيم‏)‏ مثلثا، والشرب في الأصل بالكسر النصيب والحظ من الماء تقول‏:‏ كم شرب أرضكم‏؟‏ وفي المثل ‏"‏ آخرها شربا أقلها شربا ‏"‏ قال ابن بطال معنى قوله‏:‏ ‏(‏وجعلنا من الماء كل شيء حي‏)‏ أراد الحيوان الذي يعيش بالماء، وقيل أراد بالماء النطفة، ومن قرأ‏:‏ ‏"‏ وجعلنا من الماء كل شيء حيا ‏"‏ دخل فيه الجماد أيضا لأن حياتها هو خضرتها وهي لا تكون إلا بالماء‏.‏

قلت‏:‏ وهذا المعنى أيضا يخرج هن القراءة المشهورة، ويخرج من تفسير قتادة حيث قال‏:‏ ‏"‏ كل شيء حي فمن الماء خلق ‏"‏ أخرجه الطبري عنه‏.‏

وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن المراد بالماء النطفة، وروى أحمد من طريق أبي ميمونة عن أبي هريرة ‏"‏ قلت يا رسول الله أخبرني عن كل شيء، قال‏:‏ كل شيء خلق من الماء ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجاجا منصبا‏)‏ هو في رواية المستملي وحده، وهو تفسير ابن عباس ومجاهد وقتادة أخرجه الطبري عنهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المزن السحاب‏)‏ هو تفسير مجاهد وقتادة أخرجه الطبري عنهما‏.‏

وقال غيرهما‏:‏ المزن السحاب الأبيض واحد مزنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والأجاج المر‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة في ‏"‏ معاني القرآن ‏"‏ وأخرجه ابن أبي حاتم عن قتادة مثله، وقيل هو الشديد الملوحة أو المرارة، وقيل المالح وقيل الحار حكاه ابن فارس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فراتا عذبا‏)‏ هو في رواية المستملي وحده، وهو منتزع من قوله تعالى في السورة الأخرى ‏(‏هذا عذب فرات‏)‏ وروى ابن أبي حاتم عن السدي قال‏:‏ العذب الفرات الحلو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم‏)‏ كذا لأبي ذر، وللنسفي ‏"‏ ومن رأى الخ ‏"‏ جعله من الباب الذي قبله، ولغيرهما ‏"‏ باب في الشرب ومن رأى ‏"‏ وأراد المصنف بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏)‏ أي ابن عفان ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين‏)‏ سقط هذا التعليق من رواية النسفي، وقد وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة من طريق ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي القشيري قال‏:‏ ‏"‏ شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال‏:‏ أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال‏:‏ من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها في الجنة‏؟‏ فاشتريتها من صلب مالي‏؟‏ وقالوا‏:‏ اللهم نعم ‏"‏ الحديث بطوله، وقد أخرجه المصنف في كتاب الوقف بغير هذا السياق وليس فيه ذكر الدلو، والذي ذكره هنا مطابق للترجمة، ويأتي الكلام على شرحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ في حديث عثمان أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه إذا شرط ذلك، قال‏:‏ فلو حبس بئرا على من يشرب منها فله أن يشرب منها وإن لم يشترط ذلك لأنه داخل في جملة من يشرب‏.‏

ثم فرق بفرق غير قوي‏.‏

وسيأتي البحث في هذه المسألة في ‏"‏ باب هل ينتفع الواقف بوقفه ‏"‏ في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب حديثي سهل وأنس في شرب النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه الأيمن فالأيمن، وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأشربة، ومناسبتهما لما ترجم له من جهة مشروعية قسمة الماء، لأن اختصاص الذي على اليمين بالبداءة دال على ذلك‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ مراده أن الماء يملك، ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشركاء فيه، ورتب قسمته يمنة ويسرة، ولو كان باقيا على إباحته لم يدخله ملك، لكن حديث سهل ليس فيه بيان أن القدح كان فيه ماء، بل جاء مفسرا في كتاب الأشربة بأنه كان لبنا، والجواب أنه أورده ليبين أن الأمر جرى في قسمة الماء الذي شيب به اللبن كما جاء في حديث أنس مجرى اللبن الخالص الذي في حديث سهل، فدل على أنه لا فرق في ذلك بين اللبن والماء، فيحصل به الرد على من قال إن الماء لا يملك‏.‏

وقوله في حديث سهل ‏"‏ حدثنا أبو غسان ‏"‏ هو محمد بن مطرف المدني، والإسناد مصريون إلا شيخه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وعن يمينه غلام ‏"‏ هو الفضل بن عباس حكاه ابن بطال، وقيل أخوه عبد الله حكاه ابن التين وهو الصواب كما سيأتي‏.‏

وقوله في حديث أنس‏:‏ ‏"‏ وعن يمينه أعرابي ‏"‏ قيل إن الأعرابي خالد بن الوليد حكاه ابن التين، وتعقب بأن مثله لا يقال له أعرابي، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي قال‏:‏ ‏"‏ دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على يمينه وخالد على شماله، فقال لي الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت‏:‏ ما كنت أوثر على سؤرك أحدا ‏"‏ فظن أن القصة واحدة، وليس كذلك فإن هذه القصة في بيت ميمونة وقصة أنس في دار أنس فافترقا‏.‏

نعم يصلح أن يعد خالد من الأشياخ المذكورين في حديث سهل بن سعد والغلام هو ابن عباس، ويقويه قوله في حديث سهل أيضا ‏"‏ ما كنت أوثر بفضلي منك أحدا ‏"‏ ولم يقع ذلك في حديث أنس، وليس في حديث ابن عباس ما يمنع أن يكون مع خالد بن الوليد في بيت ميمونة غيره، بل قد روى ابن أبي حازم عن أبيه في حديث سهل بن سعد ذكر أبي بكر الصديق فيمن كان على يساره صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد البر وخطأه، قال ابن الجوزي‏:‏ إنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابي لأن الأعرابي لم يكن له علم بالشريعة فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ دَاجِنٌ وَهِيَ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَشِيبَ لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ فَأَعْطَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى إِذَا نَزَعَ الْقَدَحَ مِنْ فِيهِ وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ عُمَرُ وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَعْرَابِيَّ أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ فَأَعْطَاهُ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أنس ‏(‏فقال عمر أعط أبا بكر‏)‏ كذا لجميع أصحاب الزهري، وشذ معمر فيما رواه وهيب عنه فقال‏:‏ ‏"‏ عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ بدل عمر أخرجه الإسماعيلي، والأول هو الصحيح، ومعمر لما حدث بالبصرة حدث من حفظه فوهم في أشياء فكان هذا منها، ويحتمل أن يكون محفوظا بأن يكون كل من عمر وعبد الرحمن قال ذلك لتوفير دواعي الصحابة على تعظيم أبي بكر‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ألحق بعضهم بتقديم الأيمن في المشروب تقديمه في المأكول، ونسب لمالك‏.‏

وقال ابن عبد البر لا يصح عنه‏.‏

*3*باب مَنْ قَالَ إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائه حتى يروى، قلت وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك، وكأن الذين ذهبوا إلى أنه يملك - وهم الجمهور - هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يمنع‏)‏ ضم أوله على البناء للمجهول وبالرفع على أنه خبر والمراد به مع ذلك النهي‏.‏

وذكر عياض أنه في رواية أبي ذر بالجزم بلفظ النهي‏.‏

وكأن السر في إيراد البخاري الطريق الثاني كونها وردت بصريح النهي وهو ‏"‏ لا تمنعوا ‏"‏ والمراد بالفضل ما زاد على الحاجة‏.‏

ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة‏:‏ ‏"‏ لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغني عنه ‏"‏ وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك، والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته، والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، هذا هو الصحيح عند الشافعية، ورخص المالكية هذا الحكم بالموات‏.‏

وقالوا في البئر التي في الملك‏:‏ لا يجب عليه بذل فضلها، وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضل الماء‏)‏ فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل، وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره، والمراد تمكين أصحاب الماشية من الماء ولم يقل أحد إنه يجب على صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره مع قدرة المالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليمنع به الكلأ‏)‏ فتح الكاف واللام بعدها همزة مقصور هو النبات رطبه ويابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي، وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور، وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية، ويلتحق به الرعاة إذ احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك‏.‏

ويحتمل أن يقال‏:‏ يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول، ويلتحق بذلك الزرع عند مالك، والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية، وفرق الشافعي - فيما حكاه المزني عنه - بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وبهذا أجاب النووي وغيره، واستدل لمالك بحديث جابر عند مسلم ‏"‏ نهى عن بيع فضل الماء ‏"‏ لكنه مطلق فيحمل على المقيد في حديث أبي هريرة، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا مانع من المنع لانتفاء العلة، قال الخطابي‏:‏ والنهي عند الجمهور للتنزيه فيحتاج إلى دليل يوجب صرفه عن ظاهره، وظاهر الحديث أيضا وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور، وقيل‏:‏ لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في إطعام المضطر، وتعقب بأنه يلزم منه جواز المنع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة، ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتترتب له القيمة في ذمة المبذول له حتى يكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ذلك، نعم في رواية لمسلم من طريق هلال بن أبي ميمونة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ لا يباع فضل الماء ‏"‏ فلو وجب له العوض لجاز له البيع والله أعلم‏.‏

واستدل ابن حبيب من المالكية على أن البئر إذا كانت بين مالكين فيها ماء فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن يسقي منها لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه، وعموم الحديث يشهد له وإن خالفه الجمهور، واستدل به بعض المالكية للقول بسد الذرائع لأنه نهى عن منع الماء لئلا يتذرع به إلى منع الكلأ، لكن ورد التصريح في بعض طرق حديث الباب بالنهي عن منع الكلأ صححه ابن حبان من رواية أبي سعيد مولى بني غفار عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال وتجوع العيال ‏"‏ والمراد بالكلأ هنا النابت في الموات، فإن الناس فيه سواء‏.‏

وروى ابن ماجة من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ ثلاثة لا يمنعن‏:‏ الماء والكلأ والنار ‏"‏ وإسناده صحيح، قال الخطابي‏:‏ معناه الكلأ ينبت في موات الأرض، والماء الذي يجري في المواضع التي لا تختص بأحد، قيل والمراد بالنار الحجارة التي توري النار‏.‏

وقال غيره المراد النار حقيقة والمعنى لا يمنع من يستصبح منها مصباحا أو يدني منها ما يشعله منها، وقيل المراد ما إذا أضرم نارا في حطب مباح بالصحراء فليس له منع من ينتفع بها، بخلاف ما إذا أضرم في حطب يملكه نارا فله المنع‏.‏

*3*باب مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ البئر جبار ‏"‏ بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر، قال ابن المنير‏:‏ الحديث مطلق، والترجمة مقيدة بالملك وهي إحدى صور المطلق وأقعدها سقوط الضمان لأنه إذا لم يضمن إذا حفر في غير ملكه فالذي يحفر في ملكه أحرى بعدم الضمان ا هـ‏.‏

وإلى التفرقة بين الحفر في ملكه وغيره ذهب الجمهور، وخالف الكوفيون، وسيأتي تفصيل ذلك مع بقية شرح الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ

الشرح‏:‏

محمود شيخه في هذا الحديث هو ابن غيلان، وعبيد الله شيخ محمود هو ابن موسى وهو من شيوخ البخاري وربما أخرج عنه بواسطة كهذا‏.‏

*3*باب الْخُصُومَةِ فِي الْبِئْرِ وَالْقَضَاءِ فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الخصومة في البئر والقضاء فيها‏)‏ ذكر فيه حديث الأشعث ‏"‏ كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ‏"‏ يعني فتخاصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أورده مختصرا، وسيأتي بتمامه في التفسير وفي الأيمان والنذور وغير موضع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا الْآيَةَ فَجَاءَ الْأَشْعَثُ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي فَقَالَ لِي شُهُودَكَ قُلْتُ مَا لِي شُهُودٌ قَالَ فَيَمِينُهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ

الشرح‏:‏

اسم ابن عمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي ولقبه الجفشيش بوزن فعليل مفتوح الأول، واختلف في ضبط هذا الأول على ثلاثة أقوال‏:‏ أشهرها بالجيم والشين معجمة في الموضعين، وقوله في الحديث‏:‏ ‏"‏ كانت لي بئر في أرض ‏"‏ زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة تفرد بذكر البئر عن الأعمش قال‏:‏ ولا أعلم فيمن رواه عن الأعمش إلا قال‏:‏ ‏"‏ في أرض ‏"‏ قال والأكثرون أولى بالحفظ من أبي حمزة ا هـ‏.‏

وذكر البئر ثابت عند البخاري في غير رواية أبي حمزة كما سيأتي مع بقية الكلام على الحديث في كتاب الأيمان والنذور، ونذكر في التفسير الخلاف في سبب نزول الآية المذكورة إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ شهودك أو يمينه ‏"‏ بالنصب فيهما أي أحضر شهودك أو اطلب يمينه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ إذن يحلف ‏"‏ بالنصب قال السهيلي لا غير، وحكى ابن خروف جواز الرفع في مثل هذا‏.‏

*3*باب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْ الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إثم من منع ابن السبيل من الماء‏)‏ أي الفاضل عن حاجته، ويدل عليه قوله في حديث الباب ‏"‏ رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه دلالة على أن صاحب البئر أولى من ابن السبيل عند الحاجة، فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع ابن السبيل ا هـ‏.‏

وقد ترجم المصنف بذلك بعد أربعة أبواب ‏"‏ من رأى أن صاحب الحوض أحق بمائه ‏"‏ ويأتي الكلام على شرح هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا

الشرح‏:‏

قوله في هذه الرواية ‏"‏ ورجل بايع إمامه ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إماما‏"‏‏.‏

*3*باب سَكْرِ الْأَنْهَارِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب سكر الأنهار‏)‏ السكر بفتح المهملة وسكون الكاف‏:‏ السد والغلق، مصدر سكرت النهر إذا سددته‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ أصله من سكرت الريح إذا سكن هبوبها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة‏)‏ يأتي بعد باب من رواية ابن جريج عن ابن شهاب ‏"‏ عن عروة أنه حدثه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن الزبير أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير‏)‏ هذا هو المشهور من رواية الليث بن سعد عن ابن شهاب، وقد رواه ابن وهب عن الليث ويونس جميعا ‏"‏ عن ابن شهاب أن عروة حدثه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام ‏"‏ أخرجه النسائي وابن الجارود والإسماعيلي، وكأن ابن وهب حمل رواية الليث على رواية يونس وإلا فرواية الليث ليس فيها ذكر الزبير والله أعلم‏.‏

وأخرجه المصنف في الصلح من طريق شعيب عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن الزبير بغير ذكر عبد الله، وقد أخرجه المصنف في الباب الذي يليه من طريق معمر عن ابن شهاب عن عروة مرسلا، وأعاده في التفسير من وجه آخر عن معمر، وكذا أخرجه الطبري من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا ابن شهاب، وأخرجه المصنف بعد باب من رواية ابن جريج كذلك بالإرسال، لكن أخرجه الإسماعيلي - من وجه آخر - عن ابن جريج كرواية شعيب التي ليس فيها ‏"‏ عن عبد الله‏"‏‏.‏

وذكر الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ أن ابن أبي عتيق وعمر بن سعد وافقا شعيبا وابن جريج على قولهما‏:‏ ‏"‏ عرو عن الزبير ‏"‏ قال وكذلك قال أحمد بن صالح وحرملة عن ابن وهب، قال وكذلك قال شبيب بن سعيد عن يونس، قال وهو المحفوظ‏.‏

قلت‏:‏ وإنما صححه البخاري مع هذا الاختلاف اعتمادا على صحة سماع عروة من أبيه وعلى صحة سماع عبد الله بن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيفما دار فهو على ثقة‏.‏

ثم الحديث ورد في شيء يتعلق بالزبير فداعية ولده متوفرة على ضبطه، وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير، وزعم الحميدي في جمعه أن الشيخين أخرجاه من طريق عروة عن أخيه عبد الله عن أبيه، وليس كما قال، فإنه بهذا السياق في رواية يونس المذكورة ولم يخرجها من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي وأشار إليها الترمذي خاصة، وقد جاءت هذه القصة من وجه آخر أخرجها الطبري والطبراني من حديث أم سلمة، وهي عند الزهري أيضا من مرسل سعيد بن المسيب كما سيأتي بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا من الأنصار‏)‏ زاد في رواية شعيب ‏"‏ قد شهد بدرا ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبري في هذا الحديث أنه من بني أمية من زيد وهم بطن من الأوس، ووقع في رواية يزيد بن خالد عن الليث عن الزهري عند ابن المقري في معجمه في هذا الحديث أن اسمه حميد، قال أبو موسى المديني في ‏"‏ ذيل الصحابة ‏"‏‏:‏ لهذا الحديث طرق لا أعلم في شيء منها ذكر حميد إلا في هذه الطريق ا هـ‏.‏

وليس في البدر بين من الأنصار من اسمه حميد، وحكى ابن بشكوال في مبهماته عن شيخه أبي الحسن بن مغيث أنه ثابت بن قيس بن شماس، قال ولم يأت على ذلك بشاهد‏.‏

قلت‏:‏ وليس ثابت بدريا، وحكى الواحدي أنه ثعلبة من حاطب الأنصاري الذي نزل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومنهم من عاهد الله‏)‏ ولم يذكر مستنده وليس بدريا أيضا، نعم ذكر ابن إسحاق في البدريين ثعلبة بن حاطب وهو من بني أمية بن زيد وهو عندي غير الذي قبله لأن هذا ذكر ابن الكلبي أنه استشهد بأحد وذاك عاش إلى خلافة عثمان، وحكى الواحدي أيضا وشيخه الثعلبي والمهدوي أنه حاطب بن أبي بلتعة، وتعقب بأن حاطبا وإن كان بدويا لكنه من المهاجرين، لكن مستند ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‏)‏ الآية قال‏:‏ نزلت في الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء ‏"‏ الحديث وإسناده قوي مع إرساله‏.‏

فإن كان سعيد بن المسيب سمعه من الزبير فيكون موصولا، وعلى هذا فيؤول قوله من الأنصار على إرادة المعني الأعم كما وقع ذلك في حق غير واحد كعبد الله بن حذافة، وأما قول الكرماني بأن حاطبا كان حليفا للأنصار ففيه نظر، وأما قوله‏:‏ ‏"‏ من بني أمية بن زيد ‏"‏ فلعله كان مسكنه هنا كعمر كما تقدم في العلم‏.‏

وذكر الثعلبي بغير سند أن الزبير وحاطبا لما خرجا مرا بالمقداد قال‏:‏ لمن كان القضاء‏؟‏ فقال حاطب‏:‏ قضى لابن عمته، ولوى شدقه، ففطن له يهودي فقال‏:‏ قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ويتهمونه، وفي صحة هذا نظر، ويترشح بأن حاطبا كان حليفا لآل الزبير بن العوام من بني أسد وكأنه كان مجاورا للزبير والله أعلم‏.‏

وأما قول الداودي وأبى إسحاق الزجاج وغيرهما أن خصم الزبير كان منافقا فقد وجهه القرطبي بأن قول من قال إنه كان من الأنصار يعني نسبا لا دينا، قال وهذا هو الظاهر من حاله، ويحتمل أنه لم يكن منافقا ولكن أصدر ذلك منه بادرة النفس كما وقع لغيره ممن صحت توبته، وقوى هذا شارح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ التوربشتي ووهى ما عداه وقال‏:‏ لم تجر عادة السلف بوصف المنافقين بصفة النصرة التي هي المدح ولو شاركهم في النسب، قال‏:‏ بل هي زلة من الشيطان تمكن به منها عند الغضب، وليس ذلك بمستنكر من غير المعصوم في تلك الحالة ا هـ‏.‏

وقد قال الداودي بعد جزمه بأنه كان منافقا‏:‏ وقيل كان بدريا، فإن صح فقد وقع ذلك منه قبل شهودها لانتفاء النفاق عمن شهدها ا هـ‏.‏

وقد عرفت أنه لا ملازمة بين صدور هذه القضية منه وبين النفاق‏.‏

وقال ابن التين إن كان بدريا فمعني قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤمنون‏)‏ لا يستكملون الإيمان والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خاصم الزبير‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ خاصم الزبير رجلا ‏"‏ والمخاصمة مفاعلة من الجانبين فكل منهما مخاصم للآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في شراج الحرة‏)‏ بكسر المعجمة وبالجيم جمع شرج بفتح أوله وسكون الراء مثل بحر وبحار ويجمع عل شروج أيضا، وحكى ابن دريد شرج بفتح الراء، وحكى القرطبي شرجة والمراد بها هنا مسبل الماء، وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها فيها، والحرة موضع معروف بالمدينة تقدم ذكرها، وهي في خمسة مواضع‏:‏ المشهور منها اثنتان حرة واقم، وحرة ليلى‏.‏

وقال الداودي‏:‏ هو نهر عند الحرة بالمدينة، فأغرب وليس بالمدينة نهر، قال أبو عبيد‏:‏ كان بالمدينة واديان يسيلان بماء المطر فيتنافس الناس فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعلى فالأعلى‏.‏

قوله ‏(‏التي يسقون بها النخل‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ كانا يسقيان بها كلاهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الأنصاري‏)‏ يعني للزبير ‏(‏سرح‏)‏ فعل أمر من التسريح أي أطلقه‏.‏

وإنما قال له ذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحبسه لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره، فالتمس منه الأنصاري تعجيل ذلك فامتنع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اسق يا زبير‏)‏ بهمزة وصل من الثلاثي، وحكى ابن التين أنه بهمزة قطع من الرباعي تقول سقى وأسقى، زاد ابن جريج في روايته كما سيأتي بعد باب ‏"‏ فأمره بالمعروف ‏"‏ وهي جملة معترضة من كلام الراوي، وقد أوضحه شعيب في روايته حيث قال في آخره ‏"‏ وكان قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري ‏"‏ وضبطه الكرماني ‏"‏ فأمره ‏"‏ هنا بكسر الميم وتشديد الراء على أنه فعل أمر من الإمرار، وهو محتمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن كان ابن عمتك‏)‏ بفتح همزة أن وهي للتعليل، كأنه قال حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك، وكانت أم الزبير صفية بنت عبد المطلب‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ يحذف حرف الجر من أن كثيرا تخفيفا، والتقدير لأن كان أو بأن كان، ونحو ‏(‏أن كان ذا مال وبنين‏)‏ أي لا تطعه لأجل ذلك، حكى القرطبي تبعا لعياض أن همزة أن ممدودة، قال لأنه استفهام على جهة إنكار‏.‏

قلت‏:‏ ولم يقع لنا في الرواية مد، لكن يجوز حذف همزة الاستفهام‏.‏

وحكى الكرماني ‏"‏ إن كان ‏"‏ بكسر الهمزة على أنها شرطية والجواب محذوف، ولا أعرف هذه الرواية‏.‏

نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق ‏"‏ فقال اعدل يا رسول الله، وإن كان ابن عمتك ‏"‏ والظاهر أن هذه بالكسر، وابن بالنصب على الخبرية‏.‏

ووقع في رواية معمر في الباب الذي يليه ‏"‏ أنه ابن عمتك ‏"‏ قال ابن مالك يجوز في أنه فتح الهمزة وكسرها لأنها وقنت بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها، فإذ كسرت قدر ما قبلها بالفاء، وإذا فتحت قدر ما قبلها اللام، وبعضهم يقدر بعد الكلام المصدر بالمكسورة مثل ما قبلها مقرونا بالفاء فيقول في قوله مثلا اضربه أنه مسيء‏:‏ اضربه إنه مسيء فاضربه، ومن شواهده ‏(‏ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة‏)‏ ولم يقرأ هنا إلا بالكسر، وإن جاز الفتح في العربية‏.‏

وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى ‏(‏إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم‏)‏ قرأ نافع والكسائي أنه بالفتح والباقون بالكسر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتلون‏)‏ أي تغير، وهو كناية عن الغضب، زاد عبد الرحمن بن إسحاق في روايته حتى عرفنا أن قد ساءه ما قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يرجع إلى الجدر‏)‏ أي يصير إليه، والجدر - بفتح الجيم وسكون الدال المهملة - هو المسناة، وهو ما وضع بين شربات النخل كالجدار، وقيل المراد الحواجز التي تحبس الماء وجزم به السهيلي، ويروى الجدار بضم الدال حكاه أبو موسى وهو جمع جدار‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ضبط في أكثر الروايات بفتح الدال وفي بعضها بالسكون وهو الذي في اللغة وهو أصل الحائط‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ لم يقع في الرواية إلا بالسكون، والمعنى أن يصل الماء إلى أصول النخل، قال ويروى بكسر الجيم وهو الجدار والمراد به جدران الشربات التي في أصول النخل فإنها ترفع حتى تصير تشبه الجدار، والشربات بمعجمة وفتحات هي الحفر التي تحفر في أصول النخل، وحكى الخطابي الجذر بسكون الذال المعجمة وهو جذر الحساب والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب‏.‏

قال الكرماني‏:‏ المراد بقوله أمسك أي أمسك نفسك عن السقي، ولو كان المراد أمسك الماء لقال بعد ذلك أرسل الماء إلى جارك‏.‏

قلت‏:‏ قد قالها في هذا الباب كما سيأتي في رواية معمر في التفسير حيث قال‏:‏ ‏"‏ ثم أرسل الماء إلى جارك ‏"‏ وصرح في رواية شعيب أيضا بقوله ‏"‏ احبس الماء ‏"‏ والحاصل أن أمره بإرسال الماء كان قبل اعتراض الأنصاري، وأمره بحبسه كان بعد ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك ‏(‏فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم‏)‏ زاد في رواية شعيب ‏"‏ إلى قوله‏:‏ تسليما ‏"‏ ووقع في رواية ابن جريح الآتية ‏"‏ فقال الزبير‏:‏ والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق ‏"‏ ونزلت فلا وربك الآية ‏"‏ والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان لا يجزم بذلك، لكن وقع في رواية أم سلمة عند الطبري والطبراني الجزم بذلك وأنها نزلت في قصة الزبير وخصمه، وكذا في مرسل سعيد بن المسيب الذي تقدمت الإشارة إليه، وجزم مجاهد والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها وهي قوله تعالى ‏(‏ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت‏)‏ الآية، فروى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي قال‏:‏ ‏"‏ كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله‏:‏ ‏(‏ويسلموا تسليما‏)‏ ‏"‏ وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه، وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس ‏"‏ أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب‏"‏، وروى بإسناد صحيح آخر صحيح إلى مجاهد ‏"‏ أنه كعب بن الأشرف‏"‏، وقد روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي‏:‏ انطلق بنا إلى محمد‏.‏

وقال المنافق‏:‏ بل نأتي كعب بن الأشرف ‏"‏ فذكر القصة وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر ‏"‏ الفاروق‏"‏‏.‏

وهذا الإسناد وإن كان ضعيفا لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد، وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور قيس، ورجح الطبري في تفسيره وعزاه إلى أهل التأويل في تهذيبه أن سبب نزولها هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، قال ولم يعرض بينها ما يقتضي خلال ذلك، ثم قال‏:‏ ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن العباس قال أبو عبد الله‏:‏ ليس أحد يذكر عروة عن عبد الله إلا الليث فقط‏)‏ هكذا وقع في رواية أبي ذر عن الحموي وحده عن الفربري وهو القائل ‏"‏ قال محمد بن العباس ‏"‏ ومحمد بن العباس هو السلمي الأصبهاني، وهو من أقران البخاري وتأخر بعده مات سنة ست وسنن، وأبو عبد الله هو البخاري المصنف، وهو مصرح بتفرد الليث بذكر عبد الله بن الزبير في إسناده، فإن أراد مطلقا ورد عليه ما أخرجه النسائي وغيره من طريق ابن وهب عن الليث ويونس جميعا عن الزهري، وإن أراد بقيد أنه لم يقل فيه عن أبيه بل جعله من مسند عبد الله بن الزبير فمسلم فإن رواية ابن وهب فيها عن عبد الله عن أبيه كما تقدم بيانه في أول الباب، وقد نقل الترمذي عن البخاري أن ابن وهب روى عن الليث ويونس نحو رواية قتيبة عن الليث‏.‏

*3*باب شُرْبِ الْأَعْلَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب شرب الأعلى قبل الأسفل‏)‏ في رواية الحموي والكشميهني قبل السفلى، والأول أولى، وكأنه يشير إلى ما وقع في مرسل سعيد بن المسيب في هذه القصة ‏"‏ فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسقي الأعلى ثم الأسفل‏.‏

قال العلماء‏:‏ الشرب من نهر أو مسيل غير مملوك يقدم الأعلى فالأعلى، ولا حق للأسفل حتى يستغني الأعلى، وحده أن يعطي الماء الأرض حتى لا تشريه ويرجع إلى الجدار ثم يطلقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ يَبْلُغُ الْمَاءُ الْجَدْرَ ثُمَّ أَمْسِكْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ فَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أرسل‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ ثم أرسل الماء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اسق يا زبير حتى يبلغ‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ اسق يا زبير ثم يبلغ الماء الجدر‏"‏، وسقط من رواية أبي ذر ذكر الماء، زاد في التفسير من وجه آخر عن معمر ‏"‏ ثم أرسل الماء إلى جارك، واستوعى للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري ‏"‏ وفي رواية شعيب في الصلح ‏"‏ فاستوعى للزبير حينئذ حقه، وكان قبل ذلك أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري ‏"‏ فقوله استوعى أي استوفى، وهو من الوعي كأنه جمعه له في وعائه، وقوله ‏"‏أحفظه ‏"‏ بالمهملة والظاء المشالة أي أغضبه، قال الخطابي‏:‏ هذه الزيادة يشبه أن تكون من كلام الزهري، وكانت عادته أن يصل بالحديث من كلامه ما يظهر له من معنى الشرح والبيان‏.‏

قلت‏:‏ لكن الأصل في الحديث أن يكون حكمه كله واحدا حتى يرد ما يبين ذلك، ولا يثبت الإدراج بالاحتمال‏.‏

قال الخطابي وغيره‏:‏ وإنما حكم صلى الله عليه وسلم على الأنصاري في حال غضبه - مع نهيه أن يحكم الحاكم وهو غضبان - لأن النهي معلل بما يخاف على الحاكم من الخطأ والغلط، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمون لعصمته من ذلك حال السخط‏.‏

*3*باب شِرْبِ الْأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب شرب الأعلى إلى الكعبين‏)‏ يشير إلى ما حكاه الزهري من تقدير ذلك كما سيأتي في آخر الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنْ الْحَرَّةِ يَسْقِي بِهَا النَّخْلَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ فَقَدَّرَتْ الْأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ زاد في رواية أبي الوقت ‏"‏ هو ابن سلام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمره بالمعروف‏)‏ كذا ضبطناه في جميع الروايات على أنه فعل ماض من الأمر، وهي جملة معترضة من كلام الراوي، وحكى الكرماني أنه بلفظ فعل الأمر من الإمرار وقد تقدم ما فيه، وقد قال الخطابي‏:‏ معناه أمره بالعادة المعروفة التي جرت بينهم في مقدار الشرب ا هـ‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد أمره بالقصد والأمر الوسط مراعاة للجوار، ويدل عليه رواية شعيب المذكورة، ومثلها لمعمر في التفسير، وهو ظاهر في أنه أمره أولا أن يسامح ببعض حقه على سبيل الصلح، وبهذا ترجم البخاري في الصلح إذا أشار الإمام بالمصلحة، فلما لم يرض الأنصاري بذلك استقصى الحكم وحكم به‏.‏

وحكى الخطابي أن فيه دليلا على جواز فسخ الحاكم حكمه، قال‏:‏ لأنه كان له في الأصل أن يحكم بأي الأمرين شاء فقدم الأسهل إيثارا لحسن الجوار، فلما جهل الخصم موضع حقه رجع عن حكمه الأول وحكم بالثاني ليكون ذلك أبلغ في زجره، وتعقب بأنه لم يثبت الحكم أولا كما تقدم بيانه، قال‏:‏ وقيل بل الحكم كان ما أمر به أولا، فلما لم يقبل الخصم ذلك عاقبه بما حكم عليه به ثانيا على ما بدر منه وكان ذلك لما كانت العقوبة بالأموال ا هـ‏.‏

وقد وافق ابن الصباغ من الشافعية على هذا الأخير، وفيه نظر، وسياق طرق الحديث يأبى ذلك كما ترى، لا سيما قوله‏:‏ ‏"‏ واستوعى للزبير حقه في تصريح الحكم ‏"‏ وهي رواية شعيب في الصلح ومعمر في التفسير، فمجموع الطرق دال على أنه أمر الزبير أولا أن يترك بعض حقه، وثانيا أن يستوفي جميع حقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لي ابن شهاب‏)‏ القائل هو ابن جريج راوي الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدرت الأنصار والناس‏)‏ هو من عطف العام على الخاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ذلك إلى الكعبين‏)‏ يعني أنهم لما رأوا أن الجدر يختلف بالطول والقصر قاسوا ما وقعت فيه القصة فوجدوه يبلغ الكعبين فجعلوا ذلك معيارا لاستحقاق الأول فالأول، والمراد بالأول هنا من يكون مبدأ الماء من ناحيته‏.‏

وقال بعض المتأخرين من الشافعية‏:‏ المراد به من لم يتقدمه أحد في الغراس بطريق الإحياء، والذي يليه من أحيا بعده، وهلم جرا‏.‏

قال‏.‏

وظاهر الخبر أن الأول من يكون أقرب إلى مجرى الماء وليس هو المراد‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين، وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر، قال‏:‏ وأما الزروع فإلى الشراك‏.‏

وقال الطبري‏:‏ الأراضي مختلفة، فيمسك لكل أرض ما يكفيها، لأن الذي في قصة الزبير واقعة عين‏.‏

واختلف أصحاب مالك‏:‏ هل يرسل الأول بند استيفائه جميع الماء، أو يرسل منه ما زاد على الكعبين‏؟‏ والأول أظهر، ومحله إذا لم يبق له به حاجة والله أعلم‏.‏

وقد وقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مسيل مهزور ومذينب أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل‏.‏

ومهزور بفتح أوله وسكون الهاء وضم الزاي وسكون الواو بعدها راء، ومذينب بذال معجمة ونون بالتصغير‏:‏ واديان معروفان بالمدينة وله إسناد موصول في ‏"‏ غرائب مالك للدار قطني ‏"‏ من حديث عائشة وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود وابن ماجة والطبري من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناد كل منهما حسن‏.‏

وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث المرسل بإسناد آخر موصول، ثم روى عن معمر عن الزهري قال‏:‏ نظرنا في قوله‏:‏ ‏"‏ احبس الماء حتى يبلغ الجدر ‏"‏ فكان ذلك إلى الكعبين ا هـ‏.‏

وقد روى البيهقي من رواية ابن المبارك عن معمر قال‏:‏ سمعت غير الزهري يقول‏:‏ نظروا في قوله‏:‏ ‏"‏ حتى يرجع إلى الجدر ‏"‏ فكان ذلك إلى الكعبين‏.‏

وكأن معمرا سمع ذلك من ابن جريج فأرسله في رواية عبد الرزاق، وقد بين ابن جريج أنه سمعه من الزهري‏.‏

ووقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق ‏"‏ احبس الماء إلى الجدر أو إلى الكعبين ‏"‏ وهو شك منه، والصواب ما رواه ابن جريج‏.‏

وذكر الشاشي من الشافعية أن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ إلى الجدر ‏"‏ أي إلى الكعبين، وكأنه أشار إلى هذا التقدير، وإلا فليس الجدر مرادفا للكعب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجدر هو الأصل‏)‏ كذا هنا في رواية المستملي وحده‏.‏

وفي هذا الحديث غير ما تقدم أن من سبق إلى شيء من مياه الأودية والسيول التي لا تملك فهو أحق به، لكن ليس له إذا استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه‏.‏

وفيه أن للحاكم أن يشير بالصلح بين الخصمين ويأمر به ويرشد إليه، ولا يلزمه به إلا إذا رضي‏.‏

وأن الحاكم يستوفي لصاحب الحق حقه إذا لم يتراضيا، وأن يحكم بالحق لمن توجه له ولو لم يسأله صاحب الحق‏.‏

وفيه الاكتفاء من المخاصم بما يفهم عنه مقصوده من غير مبالغة في التنصيص على الدعوى ولا تحديد المدعي ولا حصره بجميع صفاته‏.‏

وفيه توبيخ من جفى على الحاكم ومعاقبته، ويمكن أن يستدل به على أن للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلق به، لكن محل ذلك ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع‏.‏

وإنما لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القصة لما كان عليه من تأليف الناس، كما قال في حق كثير من المنافقين ‏"‏ لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ فلو صدر مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم أو في حق شريعته لقتل قتلة زنديق‏.‏

ونقل النووي نحوه عن العلماء‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل سقي الماء‏)‏ أي لكل من احتاج إلى ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ بالمهملة مصغرا، زاد في المظالم ‏"‏ مولى أبي بكر ‏"‏ أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ زاد في المظالم ‏"‏ السمان ‏"‏ والإسناد مدنيون إلا شيخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينا رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يمشي‏)‏ قال في المظالم ‏"‏ بينما رجل بطريق‏"‏، وللدار قطني في ‏"‏ الموطئات ‏"‏ من طريق روح عن مالك ‏"‏ يمشي بفلاة ‏"‏ وله من طريق ابن وهب عن مالك ‏"‏ يمشي بطريق مكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاشتد عليه‏)‏ وقعت الفاء هنا موضع ‏"‏ إذا ‏"‏ كما وقعت إذا موضعها في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا هم يقنطون‏)‏ وسقطت هذه الفاء من رواية مسلم وكذا من الرواية الآتية في المظالم للأكثر‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فاشتد عليه العطش‏)‏ كذا للأكثر، وكذا هو في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ووقع في رواية المستملي ‏"‏ العطاش‏"‏، قال ابن التين‏:‏ العطاش داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى وهو غير مناسب هنا، قال‏:‏ وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث منه هذا الداء كالزكام‏.‏

قلت‏:‏ وسياق الحديث يأباه، وظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يلهث‏)‏ بفتح الهاء، اللهث بفتح الهاء هو ارتقاع النفس من الإعياء، قال ابن التين‏:‏ لهث الكلب أخرج لسانه من العطش وكذلك الطائر، ولهث الرجل إذا أعيا، ويقال إذا بحث بيديه ورجليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأكل الثرى‏)‏ أي يكدم بفمه الأرض الندية، وهي إما صفة وإما حال، وليس بمفعول ثان لرأى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بلغ هذا مثل‏)‏ بالفتح أي بلغ مبلغا مثل الذي بلغ بي، وضبطه الدمياطي بخطه بضم مثل ولا يخفى توجيهه، وزاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي صالح ‏"‏ فرحمه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فملأ خفه‏)‏ في رواية ابن حبان ‏"‏ فنزع أحد خفيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أمسكه‏)‏ أي أحد خفيه الذي فيه الماء، وإنما احتاج إلى ذلك لأنه كان يعالج بيديه ليصعد من البئر، وهو يشعر بأن الصعود منها كان عسرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم رقي‏)‏ بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنا ومعنى، وذكره ابن التين بفتح القاف بوزن مضى وأنكره‏.‏

وقال عياض في ‏"‏ المشارق ‏"‏ هي لغة طيئ يفتحون العين فيما كان من الأفعال معتل اللام والأول أفصح وأشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسقى الكلب‏)‏ زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح ‏"‏ حتى أرواه ‏"‏ أي جعله ريانا، وقد مضى في الطهارة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشكر الله له‏)‏ أي أثنى عليه أو قبل عمله أو جازاه بفعله، وعلى الأخير فالفاء في قوله‏:‏ ‏"‏ فغفر له ‏"‏ تفسيرية أو من عطف الخاص على العام‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏ فشكر الله له ‏"‏ أي أظهر ما جازاه به عند ملائكته‏.‏

ووقع في رواية عبد الله بن دينار بدل فغفر له ‏"‏ فأدخله الجنة ‏"‏ وكذا في رواية ابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏)‏ سمي من هؤلاء السائلين سراقة بن مالك بن جعشم، رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن لنا‏)‏ هو معطوف على شيء محذوف تقديره الأمر كما ذكرت وإن لنا ‏(‏في البهائم‏)‏ أي في سقي البهائم أو الإحسان إلى البهائم ‏(‏أجرا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كل كبد رطبة أجر‏)‏ أي كل كبد حية، والمراد رطوبة الحياة، أو لأن الرطوبة لازمة للحياة فهو كناية، ومعنى الظرفية هنا أن يقدر محذوف، أي الأجر ثابت في إرواء كل كبد حية، والكبد يذكر ويؤنث، ويحتمل أن تكون ‏"‏ في ‏"‏ سببية كقولك في النفس الدية، قال الداودي‏:‏ المعنى في كل كبد حي أجر وهو عام في جميع الحيوان‏.‏

وقال أبو عبد الملك‏:‏ هذا الحديث كان في بني إسرائيل، وأما الإسلام فقد أمر بقتل الكلاب‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ في كل كبد ‏"‏ فمخصوص ببعض البهائم مما لا ضرر فيه، لأن المأمور بقتله كالخنزير لا يجوز أن يقوى ليزداد ضرره، وكذا قال النووي‏:‏ إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسقيه، ويلتحق به إطعامه وغير ذلك من وجوه الإحسان إليه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لا يمتنع إجراؤه على عمومه، يعني فيسقى ثم يقتل لأنا أمرنا بأن نحسن القتلة ونهينا عن المثلة‏.‏

واستدل به على طهارة سؤر الكلب وقد تقدم البحث في ذلك في كتاب الطهارة‏.‏

ومما قيل في الرد على من استدل به‏:‏ إنه فعل بعض الناس ولا يدري هل هو كان ممن يقتدى به أم لا، والجواب أنا لم نحتج بمجرد الفعل المذكور بل إذا فرغنا على أن شرع من قبلنا شرع لنا فإنا لا نأخذ بكل ما ورد عنهم، بل إذا ساقه إمام شرعنا مساق المدح إن علم ولم يقيده بقيد صح الاستدلال به‏.‏

وفي الحديث جواز السفر منفردا وبغير زاد، ومحل ذلك في شرعنا ما إذا لم يخف على نفسه الهلاك‏.‏

وفيه الحث على الإحسان إلى الناس، لأنه إذا حصلت المغفرة بسبب سقي الكلب فسقي المسلم أعظم أجرا‏.‏

واستدل به على جواز صدقة التطوع للمشركين، وينبغي أن يكون محله ما إذا لم يوجد هناك مسلم فالمسلم أحق، وكذا إذا دار الأمر بين البهيمة والآدمي المحترم واستويا في الحاجة فالآدمي أحق، والله أعلم‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب حديثي أسماء بنت أبي بكر وابن عمر في قصة المرأة التي ربطت الهرة حتى ماتت فدخلت النار، وسيأتي الكلام عليه في بدء الخلق، وتقدم حديث أسماء بأتم من هذا في أوائل صفة الصلاة، وأما حديث ابن عمر فذكر الدار قطني أن معن بن عيسى تفرد بذكره في الموطأ، قال‏:‏ ورواه في غير الموطأ ابن وهب والقعنبي وابن أبي أويس ومطرف، ثم ساقه من طرقهم‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي من طريق معن وابن وهب، وأخرجه أبو نعيم من طريق القعنبي‏.‏

ومناسبة حديث الهرة للترجمة من جهة أن المرأة عوقبت على كونها لم تسقها، فمقتضاه أنها لو سقتها لم تعذب‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ دل الحديث على تحريم قتل من لم يؤمر بقتله عطشا ولو كان هرة وليس فيه ثواب السقي ولكن كفى بالسلامة فضلا‏.‏