فصل: باب قَوْلِهِ وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ

قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرِنِي أَعْطِنِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ‏(‏ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك‏)‏ الآية‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ أرني أعطني‏)‏ ‏.‏

وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏رب أرني أنظر إليك‏)‏ قال أعطني‏.‏

وأخرج من طريق السدي قال‏:‏ لما كلم الله موسى أحب أن ينظر إليه قال ‏(‏رب أرني أنظر إليك‏)‏ ‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ تعلق بقوله تعالى ‏(‏لن تراني‏)‏ نفاه رؤية الله تعالى مطلقا من المعتزلة فقالوا لن لتأكيد النفي الذي يدل عليه لا فيكون النفي على التأييد‏.‏

وأجاب أهل السنة بأن التعميم في الوقت مختلف فيه، سلمنا لكن خص بحالة الدنيا التي وقع فيها الخطاب، وجاز في الآخرة لأن أبصار المؤمنين فيها باقية فلا استحالة أن يرى الباقي بالباقي‏.‏

بخلاف حالة الدنيا فإن أبصارهم فيها فانية فلا يرى الباقي بالفاني، وتواترت الأخبار النبوية بوقوع هذه الرؤية للمؤمنين في الآخرة وبإكرامهم بها في الجنة، ولا استحالة فيها فوجب الإيمان بها، وبالله التوفيق‏.‏

وسيأتي مزيد لهذا في كتاب التوحيد حيث ترجم المصنف ‏(‏وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنْ الْأَنْصَارِ لَطَمَ فِي وَجْهِي قَالَ ادْعُوهُ فَدَعَوْهُ قَالَ لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ فَقُلْتُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ قَالَ لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه‏)‏ الحديث تقدم شرحه مستوفى في أحاديث الأنبياء، وقوله فيه ‏"‏ أم جزي ‏"‏ كذا للأكثر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ‏"‏ جوزي ‏"‏ وهو المشهور في غير هذا الموضع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ

الشرح‏:‏

ذكر فيه حديث سعيد بن زيد في الكمأة، وسيأتي شرحه في الطب، وقوله ‏"‏شفاء من العين ‏"‏ أي وجع العين‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ شفاء للعين ‏"‏ تقدم شرح المن والسلوى في تفسير البقرة، وهو المشهور في غير هذه‏.‏

وقوله في أول الإسناد ‏"‏ حدثنا مسلم ‏"‏ وقع لأبي ذر غير منسوب، وعند غيره مسلم ابن إبراهيم

*3*باب قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا‏)‏ ذكر فيه حديث أبي الدرداء فيما كان بين أبي بكر وعمر، وقد تقدم شرحه مستوفى في مناقب أبي بكر، وقوله في أول الإسناد ‏"‏ حدثني عبد الله ‏"‏ كذا وقع غير منسوب عند الأكثر، ووقع عند ابن السكن عن الفربري عن البخاري ‏"‏ حدثني عبد الله بن حماد ‏"‏ وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وعبد الله بن حماد هذا هو الآملي بالمد وضم الميم الخفيفة يكنى أبا عبد الرحمن قال الأصيلي‏:‏ هو من تلامذة البخاري، وكان يورق بين يديه‏.‏

قلت‏:‏ وقد شاركه في كثير من شيوخه، وكان من الحفاظ، مات قبل السبعين، أو بعدها فقال غنجار في ‏"‏ تاريخ بخاري ‏"‏ مات ستة تسع وستين وقيل سنة ثلاث وسبعين‏.‏

وسليمان بن عبد الرحمن هو الدمشقي من شيوخ البخاري، وأما موسى بن هارون فهو النبي بضم الموحدة وتشديد النون‏.‏

والبردي وهو بضم الموحدة وسكون الراء، كوفي قدم مصر ثم سكن الفيوم ومات بها سنة أربع وعشرين ومائتين، وما له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَا حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ قَالَ وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْتَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ غَامَرَ سَبَقَ بِالْخَيْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ غامر سبق بالخير‏)‏ تقدم شرحه أيضا في مناقب أبي بكر‏.‏

*3*بَاب وَقُولُوا حِطَّةٌ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ

الشرح‏:‏

‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن إبراهيم الحنظلي ابن راهويه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ‏(‏وقولوا حطة‏)‏ قال الحسن‏:‏ أي احطط عنا خطايانا، وهذا يليق بقراءة من قرأ حطة بالنصب، وهي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة، وقرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة، وقيل أمروا أن يقولوا على هذه الكيفية، فالرفع على الحكاية، وهي في محل نصب بالقول، وإنما منع النصب حركة الحكاية، وقيل رفعت لتعطي معنى الثبات كقوله سلام، واختلف في معنى هذه الكلمة فقيل‏:‏ هي اسم للهيئة من الحط كالجلسة، وقيل هي التوبة كما قال الشاعر‏:‏ فاز بالحطة التي صير الله بها ذنب عبده مغفورا وقيل لا يدري معناها، وإنما تعبدوا بها‏.‏

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره قال‏:‏ قيل لهم قولوا مغفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبدلوا‏)‏ أي غيروا، وقوله سبحانه وتعالى ‏(‏فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم‏)‏ التقدير فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولا غير الذي قيل لهم، ويحتمل أن يكون ضمن بدل معنى قال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا‏:‏ حبة في شعرة‏)‏ كذا للأكثر، وكذا في رواية الحسن المذكورة بفتحتين، وللكشميهني ‏"‏ في شعيرة ‏"‏ يكسر المهملة وزيادة تحتانية بعدها‏.‏

والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكرا لله تعالى وبقولهم حطة، فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل حطة، أو قالوا حطة وزادوا فيها حبة في شعيرة‏.‏

وروى الحاكم من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال ‏"‏ قالوا هطى سمقا ‏"‏ وهي بالعربية حنطة حمراء قوية فيها شعيرة سوداء، ويستنبط منه أن الأقوال المنصوصة إذا تعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى‏.‏

وليست هذه مسألة الرواية بالمعنى بل هي متفرعة منها، وينبغي أن يكون ذلك قيدا في الجواز، أعني يزاد في الشرط أن لا يقع التعبد بلفظه ولا بد منه، ومن أطلق فكلامه محمول عليه

*3*باب خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ

الشرح‏:‏

قوله باب ‏(‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏)‏ العرف‏:‏ المعروف‏)‏ وصله عبد الرزاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بهذا، وكذا أخرجه الطبري من طريق السدي وقتادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حديث عمر أو شبانا‏)‏ بضم أوله وتشديد الموحدة وبعد الألف نون للأكثر‏.‏

وفي رواية الكشمهيني بفتح أوله وبموحدتين الأولى خفيفة، وسيأتي شرح هذا الحديث في كتاب الاعتصام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ قَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ أَوْ كَمَا قَالَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يحيى‏)‏ نسبه ابن السكن فقال يحيى ابن موسى، ونسبه المستملي فقال يحيى بن جعفر، ولا يخرج عن واحد منهما والأشبه ما قال المستملي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة، وابن الزبير هو عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أنزل الله‏)‏ أي هذه الآية ‏(‏إلا في أخلاق الناس‏)‏ كذا أخرجه ابن جرير عن ابن وكيع عن أبيه بلفظ ‏"‏ ما أنزل الله هذه الآية إلا في أخلاق الناس ‏"‏ وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع‏.‏

وأخرج ابن جرير أيضا من طريق وهب بن كيسان عن عبد الله بن الزبير نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن براد‏)‏ بموحدة وتثقيل الراء، وبراد اسم جده، وهو عبد الله بن عامر بن براد ابن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، ما له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس، أو كما قال‏)‏ وقد اختلف عن هشام في هذا الحديث، فوصله من ذكرنا عنه، وتابعهم عبدة بن سليمان عن هشام عند أبي جرير والطفاوي عن هشام عند الإسماعيلي، وخالفهم معمر وابن أبي الزناد وحماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه من قوله موقوفا‏.‏

وقال أبو معاوية عن هشام عن وهب بن كيسان عن ابن الزبير أخرجه سعيد بن منصور عنه‏.‏

وقال عبيد الله ابن عمر عن هشام عن أبيه عن ابن عمر أخرجه البزار والطبراني وهي شاذة، وكذا رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة عند ابن مردويه‏.‏

وأما رواية أبي معاوية فشاذة أيضا مع احتمال أن يكون لهشام فيه شيخان، وأما رواية معمر ومن تابعه فمرجوحة بأن زيادة من خالفهما مقبولة لكونهم حفاظا، وإلى ما ذهب إليه ابن الزبير من تفسير الآية ذهب مجاهد، وخالف في ذلك ابن عباس فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال ‏"‏ خذ العفو ‏"‏ يعني خذ ما عفا لك من أموالهم أي ما فضل، وكان ذلك قبل فرض الزكاة، وبذلك قال السدي وزاد‏:‏ نسختها آية الزكاة، وبنحوه قال الضحاك وعطاء وأبو عبيدة، ورجح ابن جرير الأول، واحتج له‏.‏

وروي عن جعفر الصادق وقال‏:‏ ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوة الإنسانية‏:‏ عقلية وشهوية وغضبية، فالعقلية الحكمة ومنها الأمر بالمعروف، والشهوية العفة ومنها أخذ العفو، والغضبية الشجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين‏.‏

وروى الطبري مرسلا وابن مردويه موصولا من حيث جابر وغيره ‏"‏ لما نزلت ‏(‏خذ العفو وأمر بالعرف‏)‏ سأل جبريل فقال لا أعلم حتى أسأله ثم رجع فقال‏:‏ إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك‏"‏‏.‏

*3*سورة الْأَنْفَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الأنفال - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ

قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَنْفَالُ الْمَغَانِمُ قَالَ قَتَادَةُ رِيحُكُمْ الْحَرْبُ يُقَالُ نَافِلَةٌ عَطِيَّةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس الأنفال المغانم‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ‏"‏ الأنفال المغانم، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد فيها شيء ‏"‏ وروى أبو داود والنسائي وابن حبان من طريق دواد بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من صنع كذا فله كذا، الحديث فنزلت ‏(‏يسألونك عن الأنفال‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نافلة عطية‏)‏ قال في رواية النسفي ‏"‏ يقال ‏"‏ فذكره‏.‏

وقد قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ومن الليل فتهجد به نافلة لك‏)‏ أي غنيمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُورَةُ الْأَنْفَالِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ الشَّوْكَةُ الْحَدُّ مُرْدَفِينَ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي جَاءَ بَعْدِي ذُوقُوا بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ فَيَرْكُمَهُ يَجْمَعَهُ شَرِّدْ فَرِّقْ وَإِنْ جَنَحُوا طَلَبُوا السِّلْمُ وَالسَّلْمُ وَالسَّلَامُ وَاحِدٌ يُثْخِنَ يَغْلِبَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مُكَاءً إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتَصْدِيَةً الصَّفِيرُ لِيُثْبِتُوكَ لِيَحْبِسُوكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن جنحوا طلبوا‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وإن جنحوا للسلم‏)‏ أي رجعوا إلى المسالمة وطلبوا الصلح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السلم والسلم والسلام واحد‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر وحده، وقد تقدم في تفسير سورة النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يثخن‏)‏ أي يغلب‏.‏

قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض‏)‏ يثخن أي يبالغ ويغلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ مكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم‏)‏ وصله عبد ابن حميد والفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتصدية الصفير‏)‏ وصله عبد بن حميد أيضا كذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هذا في رواية أبي ذر متراخيا عن الذي قبله، وعند غيره بعقبه وهو أولى، وقد قال الفريابي ‏"‏ حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء‏)‏ قال‏:‏ إدخالهم أصابعهم في أفواههم وتصدية الصفير، يخلطون على محمد صلاته ‏"‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ المكاء الصفير والتصدية صفق الأكف ووصله ابن مردويه من حديث ابن عمر مثله من قوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة ريحكم الحرب‏)‏ تقدم في الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشوكة الحد‏)‏ ثبت لغير أبي ذر، قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم‏)‏ مجاز الشوكة الحد، يقال ما أشد شوكة بني فلان أي حدهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مردفين فوجا بعد فوج، يقال ردفني وأردفني جاء بعدي‏)‏ وقال أبو عبيدة في قوله ‏(‏مردفين‏)‏ بكسر الدال فاعلين من أردفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم، وبعضهم يقول ردفني جاء بعدي وهما لغتان، ومن قرأ بفتح الدال فهو من أردفهم الله من بعد من قبلهم انتهى‏.‏

وقراءة الجمهور بكسر الدال ونافع بفتحها‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ بنو فلان يردفوننا أي يجيئون بعدنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيركمه يجمعه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فيركمه جميعا‏)‏ أي فيجمعه بعضه فوق بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرد فرق‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليثبتوك يحبسوك‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه، وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عباس قال ‏"‏ تشاورت قريش فقال بعضهم‏:‏ إذا أصبح محمد فأثبتوه بالوثاق ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذوقوا باشروا وجربوا، وليس هذا من ذوق الفم‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، ونظيره قوله تعالى ‏(‏لا يذوقون فيها الموت‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد بن عبد الرحيم‏)‏ كذا ثبت هذا الحديث في آخر هذه التفاسير عند أبي ذر، وثبت عند غيره في أثنائها والخطب فيه سهل‏.‏

والحديث المذكور سيأتي بأتم من هذا في تفسير سورة الحشر، ويأتي شرحه هناك، وقد تقدم طرف منه أيضا في المغازي‏.‏

*3*باب إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن شر الدواب‏)‏ ذكر فيه حديث مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ هم نفر من بني عبد الدار‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ نزلت في نفر ‏"‏ زاد ابن جرير من طريق شبل بن عباد عن ابن أبي نجيح ‏"‏ لا يتبعون الحق ‏"‏ ثم أورد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏لا يعقلون‏)‏ ‏:‏ لا يتبعون الحق، قال مجاهد قال ابن عباس‏:‏ هم نفر من بني عبد الدار‏.‏

*3*باب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اسْتَجِيبُوا أَجِيبُوا لِمَا يُحْيِيكُمْ يُصْلِحُكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول‏.‏

استجيبوا‏:‏ أجيبوا‏.‏

لما يحييكم‏:‏ لما يصلحكم‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏استجيبوا لله‏)‏ أي أجيبوا لله، يقال استجبت له واستجبته بمعنى وقوله‏:‏ ‏(‏لما يحييكم‏)‏ أي لما يهديكم ويصلحكم انتهى‏.‏

وقد تقدم في آل عمران شيء من هذا في قوله تعالى ‏(‏الذين استجابوا لله والرسول‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ثُمَّ قَالَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْرُجَ فَذَكَرْتُ لَهُ وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ حَفْصًا سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا وَقَالَ هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه، وقد تقدم شرح الحديث في تفسير الفاتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معاذ‏)‏ هو ابن معاذ العنبري البصري، وقد وصله الحسن بن سفيان في مسنده عن عبيد الله ابن معاذ عن أبيه، وفائدة إيراده ما وقع فيه من تصريح حفص بسماعه من أبي سعيد بن المعلى

*3*باب قَوْلِهِ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ

فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى يُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عيينة إلخ‏)‏ كذا في تفسير ابن عيينة رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه قال‏:‏ ويقول ناس ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذابا، ولكن تسميه العرب الغيث يريد قوله تعالى ‏(‏وهو الذي ينزل الغيث‏)‏ كذا وقع في تفسير حم عسق، وقد تعقب كلام ابن عيينة بورود المطر بمعنى الغيث في القرآن في قوله تعالى ‏(‏إن كان بكم أذى من مطر‏)‏ فالمراد به هنا الغيث قطعا، معنى التأذي به البلل الحاصل منه للثوب والرجل وغير ذلك‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ إن كان من العذاب فهو أمطرت، وإن كان من الرحمة فهو مطرت‏.‏

وفيه مطرت‏.‏

وفيه نظر أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فَنَزَلَتْ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أحمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري، وقد روى البخاري الحديث المذكور بعينه عقب هذا عن محمد بن النضر أخي أحمد هذا، قال الحاكم‏:‏ بلغني أن البخاري كان ينزل عليهما ويكثر الكمون عندهما إذا قدم نيسابور‏.‏

قلت‏:‏ وهما من طبقة مسلم وغيره من تلامذة البخاري وإن شاركوه في بعض شيوخه‏.‏

وقد أخرج مسلم هذا الحديث بعينه عن شيخهما عبيد الله بن معاذ نفسه، وعبيد الله بن معاذ المذكور من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، فنزل في هذا الإسناد درجتين لأن عنده الكثير عن أصحاب شعبة بواسطة واحدة بينه وبين شعبة، قال الحاكم‏:‏ أحمد بن النضر يكنى أبا الفضل وكان من أركان الحديث انتهى‏.‏

وليس له في البخاري ولا لأخيه سوى هذا الموضع‏.‏

وقد روى البخاري عن أحمد في التاريخ الصغير ونسبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الحميد صاحب الزيادي‏)‏ هو عبد الحميد بن دينار تابعي صغير، ويقال له ابن كرديد بضم الكاف وسكون الراء وكسر الدال المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم دال أخرى، ووقع كذلك في بعض النسخ، والزيادي الذي نسب إليه من ولد زياد الذي يقال له ابن أبي سفيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو جهل‏:‏ اللهم إن كان هذا إلخ‏)‏ ظاهر في أنه القائل ذلك، وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة فعله بدأ به ورضي الباقون فنسب إليهم، وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال‏:‏ فأنزل الله تعالى ‏(‏سأل سائل بعذاب واقع‏)‏ وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي، ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه، ولكن نسبته إلى أبي جهل‏.‏

وعن قتادة قال‏:‏ قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها‏.‏

وروى ابن جرير من طريق يزيد بن رومان أنهم قالوا ذلك ثم لما أمسوا ندموا فقالوا غفرانك اللهم، فأنزل الله ‏(‏وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون‏)‏ وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن معنى قوله‏:‏ ‏(‏وهم يستغفرون‏)‏ أي من سبق له من الله أنه سيؤمن، وقيل المراد من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين، قاله الضحاك وأبو مالك ويؤيده ما أخرجه الطبري من طريق ابن أبزى قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله تعالى ‏(‏وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم‏)‏ ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله ‏(‏وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون‏)‏ وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله ‏(‏وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام‏)‏ الآية، فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى‏.‏

وروى الترمذي من حديث أبي موسى رفعه قال ‏"‏ أنزل الله على أمتي أمانين ‏"‏ فذكر هذه الآية‏.‏

قال ‏"‏فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار، وهو يقوي القول الأول والحمل عليه أولى، وأن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم وصدهم عن المسجد الحرام، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم‏)‏ تقدم شرحه في الذي قبله‏.‏

*3*باب وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏)‏ سقط ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا إِلَى آخِرِهَا قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ وَإِمَّا يُوثِقُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن يحيى‏)‏ هو البرلسي يكنى أبا يحيى صدوق، أدركه البخاري ولكن روي عنه بواسطة هنا وفي تفسير سورة الفتح فقط، وقد تقدمت الإشارة إلى حال بقية الإسناد في تفسير سورة البقرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عمر أن رجلا جاءه‏)‏ تقدم في تفسير سورة البقرة ما أخرج سعيد بن منصور من أن السائل هو حيان صاحب الدثنية، وروى أبو بكر النجاد في فوائده أنه الهيثم بن حنش وقيل نافع بن الأزرق، وسأذكر في الطريق التي بعد هذه قولا آخر، ولعل السائلين عن ذلك جماعة، أو تعددت القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما يمنعك أن لا تقاتل‏)‏ ‏"‏ لا ‏"‏ زائدة وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأعراف عند قوله‏:‏ ‏(‏ما منعك ألا تسجد‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعير‏)‏ بمهملة وتحتانية ثقيلة للكشميهني في الموضعين، ولغيره بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وتخفيف المثناة الفوقانية وتشديد الراء فيهما، والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه‏)‏ كذا للأكثر فزعم بعض الشراح بأنه غلط وأن الصواب بإثبات النون فيهما لأن ‏"‏ إما ‏"‏ التي تجزم هي الشرطية وليست هنا شرطية‏.‏

قلت‏:‏ وهي رواية أبي ذر، ووجهت رواية الأكثر بأن النون قد تحذف بغير ناصب ولا جازم في لغة شهيرة، وتقدم في تفسير البقرة بلفظ ‏"‏ إما تعذبوه وإما تقتلوه ‏"‏ وقد مضى القول فيه هناك‏.‏

وأما قوله ‏"‏ فما قولك في علي وعثمان ‏"‏ فيؤيد أن السائل من الخوارج‏.‏

فإنهم كانوا يتولون الشيخين ويحطون عثمان وعليا، فرد عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من البني صلى الله عليه وسلم والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد فإنه تعالى صرح في القرآن بأنه عفا عنهم، وقد تقدم في مناقب عثمان سؤال السائل لابن عمر عن عثمان وأنه فر يوم أحد وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان، وبيان ابن عمر له عذر عثمان في ذلك، فيحتمل أن يكون هو السائل هنا، ويحتمل أن يكون غيره وهو الأرجح لأنه لم يتعرض هناك لذكر علي وكأنه كان رافضيا، وأما عدم ذكره للقتال فلا يقتضي التعدد لأن الطريق التي بعدها قد ذكر فيها القتال ولم يذكر قصة عثمان، والأولى الحمل على التعدد لاختلاف الناقلين في تسمية السائلين وإن اتحد المسئول والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكرهتم أن تعفوا عنه‏)‏ بالمثناة الفوقانية وبصيغة الجمع، ومضى في تفسير البقرة بلفظ ‏"‏ أن يعفوا ‏"‏ بالتحتانية أوله والإفراد أي الله، وقوله ‏"‏وهذه ابنته أو بنته ‏"‏ كذا للأكثر بالشك ووافقهم الكشميهني لكن قال ‏"‏ أو أبيته ‏"‏ بصيغة جمع القلة في البيت وهو شاذ، وقد تقدم في مناقب علي من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فقال هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية النسائي ‏"‏ ولكن انظر إلى منزلته من نبي الله صلى الله عليه وسلم ليس في المسجد غير بيته ‏"‏ وهذا يدل على أنه تصحف على بعض الرواة بيته ببنته فقرأها بنته بموحدة ثم نون ثم طرأ له الشك فقال ‏"‏ بنته أو بيته ‏"‏ والمعتمد أنه البيت فقط لما ذكرنا من الروايات المصرحة بذلك‏.‏

وتقدم أيضا في مناقب أبي بكر أشياء تتعلق ببيت علي واختصاصه بكونه بين بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا بَيَانٌ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن يونس‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن يونس نسب لجده، وشيخه زهير هو ابن معاوية الجعفي، وشيخه بيان هو ابن بشر، وشيخه وبرة بفتح الواو والموحدة هو ابن عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل كيف ترى في قتال الفتنة‏)‏ وقع في رواية البيهقي من وجه آخر عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه ‏"‏ فقال له حكيم ‏"‏ وكذا في مستخرج أبي نعيم من وجه آخر عن زهير بن معاوية، والحديث المذكور مختصر من الذي قبله، أو هما واقعتان كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏

*3*باب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ

إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال الآية‏)‏ ساق غير أبي ذر الآية إلى ‏(‏يفقهون‏)‏ وسقط عندهم ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا نَزَلَتْ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ لَا يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَزَلَتْ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ الْآيَةَ فَكَتَبَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ وَزَادَ سُفْيَانُ مَرَّةً نَزَلَتْ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأُرَى الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكتب عليهم أن لا يفر‏)‏ أي فرض عليهم، والسياق وإن كان بلفظ الخبر لكن المراد منه الأمر لأمرين‏:‏ أحدهما أنه لو كان خبرا محضا للزم وقوع خلاف المخبر به وهو محال فدل على أنه أمر، والثاني لقرينة التخفيف فإنه لا يقع إلا بعد تكليف، والمراد بالتخفيف هنا التكليف بالأخف لا رفع الحكم أصلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن لا يفر واحد من عشرة، فقال سفيان غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين‏)‏ أي أن سفيان كان يرويه بالمعنى، فتارة يقول باللفظ الذي وقع في القرآن محافظة على التلاوة وهو الأكثر، وتارة يرويه بالمعنى وهو أن لا يفر واحد من العشرة، ويحتمل أن يكون سمعه باللفظين ويكون التأويل من غيره، ويؤيده الطريق التي بعد هذه فإن ذلك ظاهر في أنه من تصرف ابن عباس‏.‏

وقد روى الطبري من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال ‏"‏ جعل على الرجل عشرة من الكفار، ثم خفف عنهم فجعل على الرجل رجلان ‏"‏ وروى أيضا الطبري من طريق علي بن أبي طلحة ومن طريق العوفي وغيرهما عن ابن عباس نحوه مطولا ومختصرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد سفيان‏)‏ كأنه حدث مرة بالزيادة ومرة بدونها‏.‏

وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال ‏"‏ كان الرجل لا ينبغي له أن يفر من عشرة، ثم أنزل الله ‏(‏الآن خفف الله عنكم‏)‏ الآية فجعل الرجل منهم لا ينبغي له أن يفر من اثنين ‏"‏ وهذا يؤيد ما قلناه أنه من تصرف ابن عباس لا ابن عيينة، فكأنه سمعه من عمرو بن دينار باللفظين، وسأذكر ما فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان وقال ابن شبرمة‏)‏ هو عبد الله قاضي الكوفة وهو موصول، ووهم من زعم أنه معلق فإن في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا‏)‏ أي أنه عنده في حكم الجهاد، لجامع ما بينهما من إعلاء كلمة الحق وإخماد كلمة الباطل

*3*باب الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ

وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

الشرح‏:‏

قوله باب ‏(‏الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا‏)‏ الآية‏)‏ زاد غير أبي ذر ‏"‏ إلى قوله والله مع الصابرين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ قَالَ فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني الزبير بن الخريت‏)‏ بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية بصري ثقة من صغار التابعين، وقد تقدم ذكره في كتاب المظالم‏.‏

ولجرير بن حازم راوي هذا الحديث عن الزبير بن الخريت شيخ آخر أخرجه ابن مردويه من طريق إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في تفسيره عن وهب ابن جرير بن حازم عن أبيه عن محمد بن إسحاق ‏"‏ حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس ‏"‏ وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق زياد بن أيوب عن وهب بن جرير عن أبيه عن الزبير، وهو مما يؤيد أن لجرير فيه طريقين، ولفظ رواية عطاء ‏"‏ افترض الله عليهم أن يقاتل الواحد عشرة، فشق عليهم، فوضع الله عنهم إلى أن يقاتل الواحد الرجلين ‏"‏ ثم ذكر الآية وزاد بعدها ‏"‏ ثم قال لولا كتاب من الله سبق ‏"‏ فذكر تفسيرها ثم قال ‏(‏يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى‏)‏ فذكر قول العباس في العشرين وفي قوله ‏"‏ فأعطاني عشرين عبدا كلهم قد تاجر بمالي مع ما أرجوه من مغفرة الله تعالى‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وفي سند طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة، وصنيع ابن إسحاق - وتبعه الطبراني وابن مردويه - يقتضي أنها موصولة، والعلم عند الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شق ذلك على المسلمين‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق سفيان بن أبي شيبة عن جرير ‏"‏ جهد الناس ذلك وشق عليهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء التخفيف‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فنزلت الآية الأخرى - وزاد - ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثلهم ‏"‏ واستدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما، سواء طلبه أو طلبهما، سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر، وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس ورجحه ابن الصباغ من الشافعية وهو المعتمد لوجود نص الشافعي عليه في الرسالة الجديدة رواية الربيع ولفظه ومن نسخة عليها خط الربيع نقلت قال بعد أن ذكر للآية آيات في كتابه أنه وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين، ثم ذكر حديث ابن عباس المذكور في الباب وساق الكلام عليه، لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة جاز له التولي عنهما جزما، وإن طلبهما فهل يحرم‏؟‏ وجهان أصحهما عند المتأخرين لا، لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن ابن عباس يأباه وهو ترجمان القرآن وأعرف الناس بالمراد، لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين اثنين من الكفار، أما المنفرد وحده بغير العسكر فلا، لأن الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص المنفرد، وهذا فيه نظر، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه سرية وحده‏.‏

وقد استوعب الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن ابن عباس وفي غالبها التصريح بمنع تولي الواحد عن الاثنين، واستدل ابن عباس في بعضها بقوله تعالى ‏(‏ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله‏)‏ وبقوله تعالى ‏(‏فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر‏)‏ كذا في رواية ابن المبارك‏.‏

وفي رواية وهب بن جرير عن أبيه عند الإسماعيلي ‏"‏ نقص من النصر ‏"‏ وهذا قاله ابن عباس توقيفا على ما يظهر، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء‏.‏

*3*سورة بَرَاءَةَ

وَلِيجَةً كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ الشُّقَّةُ السَّفَرُ الْخَبَالُ الْفَسَادُ وَالْخَبَالُ الْمَوْتُ وَلَا تَفْتِنِّي لَا تُوَبِّخْنِي كَرْهًا وَ كُرْهًا وَاحِدٌ مُدَّخَلًا يُدْخَلُونَ فِيهِ يَجْمَحُونَ يُسْرِعُونَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ائْتَفَكَتْ انْقَلَبَتْ بِهَا الْأَرْضُ أَهْوَى أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ عَدْنٍ خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَيْ أَقَمْتُ وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقَالُ فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ فِي مَنْبَتِ صِدْقٍ الْخَوَالِفُ الْخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي وَمِنْهُ يَخْلُفُهُ فِي الْغَابِرِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنْ الْخَالِفَةِ وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلَّا حَرْفَانِ فَارِسٌ وَفَوَارِسُ وَهَالِكٌ وَهَوَالِكُ الْخَيْرَاتُ وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ وَهِيَ الْفَوَاضِلُ مُرْجَئُونَ مُؤَخَّرُونَ الشَّفَا شَفِيرٌ وَهُوَ حَدُّهُ وَالْجُرُفُ مَا تَجَرَّفَ مِنْ السُّيُولِ وَالْأَوْدِيَةِ هَارٍ هَائِرٍ يُقَالُ تَهَوَّرَتْ الْبِئْرُ إِذَا انْهَدَمَتْ وَانْهَارَ مِثْلُهُ لَأَوَّاهٌ شَفَقًا وَفَرَقًا وَقَالَ الشَّاعِرُ إِذَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة براءة‏)‏ هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها، ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة، واختلف في ترك البسملة أولها فقيل لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان، وقيل لأنهم لما جمعوا القرآن شكوا هل هي والأنفال واحدة أو ثنتان ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة‏.‏

وروى ذلك ابن عباس عن عثمان وهو المعتمد، وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرصد طريق‏)‏ كذا في بعض النسخ، وسقط للأكثر وهو قول أبو عبيدة قال في قوله تعالى ‏(‏واقعدوا لهم كل مرصد‏)‏ أي كل طريق، والمراصد الطرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا‏:‏ الإل القرابة والذمة والعهد‏)‏ تقدم في الجزية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليجة‏:‏ كل شيء أدخلته في شيء‏)‏ تقدم في بدء الخلق وسقط هو والذي قبله لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشقة السفر‏)‏ هو كلام أبي عبيدة وزاد ‏"‏ البعيد ‏"‏ وقيل الشقة الأرض التي يشق سلوكها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخبال الفساد‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ما زادوكم إلا خبالا‏)‏ ‏:‏ الخبال الفساد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخبال الموت‏)‏ كذا لهم والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء في آخره وهو ضرب من الجنون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تفتني لا توبخني‏)‏ كذا للأكثر بالموحدة والخاء المعجمة من التوبيخ، وللمستملي والجرجاني ‏"‏ توهني ‏"‏ بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف، ولابن السكن ‏"‏ تؤثمني ‏"‏ بمثلثة ثقيلة وميم ساكنة من الإثم، قال عياض وهو الصواب، وهي الثابتة في كلام أبي عبيدة الذي يكثر المصنف النقل عنه، وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ولا تفتني‏)‏ قال‏:‏ لا تؤثمني ‏(‏ألا في الفتنة سقطوا‏)‏ ألا في الإثم سقطوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كرها وكرها واحد‏)‏ أي بالضم والفتح وهو كلام أبي عبيدة أيضا، وسقط لأبي ذر، وبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي والباقون بالفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدخلا يدخلون فيه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ملجأ يلجئون إليه أو مغارات أو مدخلا‏)‏ يدخلون فيه ويتغيبون انتهى، وأصل مدخلا مدتخلا فأدغم وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر بتشديد الخاء أيضا، وعن ابن كثير في رواية مدخلا بفتحتين بينهما سكون ‏(‏يجمحون‏)‏ يسرعون هو قول أبي عبيدة وزاد‏:‏ لا يرد وجوههم شيء، ومنه فرس جموح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏والمؤتفكات أتتهم رسلهم‏)‏ هم قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهوى ألقاه في هوة‏)‏ هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم، ذكرها المصنف هنا استطرادا من قوله‏:‏ ‏(‏والمؤتفكة أهوى‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عدن خلد إلخ‏)‏ واقتصر أبو ذر على ما هنا، قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏جنات عدن‏)‏ أي خلد يقال‏:‏ عدن فلان بأرض كذا أي أقام، ومنه المعدن، عدنت بأرض أقمت، ويقال في معدن صدق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي، ومنه يخلفه في الغابرين‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله ‏(‏مع الخالفين‏)‏ الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلف عن القوم، ومنه اللهم اخلفني في ولدي‏.‏

وأشار بقوله ‏"‏ ومنه يخلفه في الغابرين ‏"‏ إلى حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويجوز أن يكون النساء من الخالفة، وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏رضوا بأن يكونوا مع الخوالف‏)‏ يجوز أن يكون الخوالف هاهنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على فواعل، غير أنهم قد قالوا فارس وفوارس وهالك وهوالك انتهى‏.‏

وقد استدرك عليه ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن، وهذه الثلاثة مع الاثنين جمع فاعل وهو شاذ، والمشهور في فواعل جمع فاعلة، فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خير فيه‏:‏ والأصلي في جمعه بالنون‏.‏

واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة كأهل وكواهل وجائح وجوائح وغارب وغوارب وغاش وغواش، ولا يرد شيء منها لأن الأولين ليسا من صفات الآدميين، والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر، وقد قال المبرد في الكامل في قول الفرزدق‏:‏ وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأذقان احتاج الفرزدق لضرورة الشعر فأجرى نواكس على أصله، ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة، ولا تجمع النجاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث، ولم يأت ذا إلا في حرفين فارس وفوارس، وهالك وهوالك، أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس، وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال‏.‏

قلت‏:‏ فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشعر والله أعلم‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ الخوالف النساء ويقال خساس النساء ورذالتهم، ويقال فلان خالفه أهله إذا كان دينا فيهم‏.‏

والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع جمع المؤنث تغليبا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏مع الخالفين‏)‏ فجمع جمع الذكور تغليبا لأنه الأصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وأولئك لهم الخيرات‏)‏ جمع خيرة ومعناها الفاضلة من كل شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرجون مؤخرون‏)‏ سقط هذا لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشفا الشفير وهو حده‏)‏ في رواية الكشميهني وهو حرفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والجرف ما تجرف من السيول والأودية‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏على شفا جرف‏)‏ الشفا الشفير، والجرف ما لم بين من الركايا، قال‏:‏ والآية على التمثيل لأن الذي يبني على الكفر فهو على شفا جرف وهو ما تجرف من السيول والأودية ولا يثبت البناء عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هار هائر، تهورت البئر إذا انهدمت، وانهار مثله‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏هار‏)‏ أي هائر‏:‏ والعرب تنزع الياء التي في الفاعل، وقيل لا قلب فيه وإنما هو بمعنى ساقط، وقد تقدم شيء من هذا في آل عمران قوله‏:‏ ‏(‏لأواه شفقا وفرقا، قال الشاعر‏:‏ إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏إن إبراهيم لأواه‏)‏ ‏:‏ هو فعاله من التأوه ومعناه متضرع شفقا وفرقا لطاعة ربه قال الشاعر فذكره‏.‏

وقوله ‏"‏أرحلها ‏"‏ هو بفتح الهمزة والحاء المهملة، وقوله ‏"‏آهة ‏"‏ بالمد للأكثر وفي رواية الأصيلي بتشديد الهاء بلا مد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ هذا الشعر للمثقب العبدي واسمه جحاش بن عائذ، وقيل ابن نهار وهو من جملة قصيدة أولها‏:‏ أفاطم قبل بينك متعيني ومنعك ما سألت كأن تبيني ولا تعدي مواعد كاذبات تمر بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي لما أتبعتها أبدا يميني ويقول فيها‏:‏ فأما أن تكون أخي بحق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقـيك وتتقيني وهي كثيرة الحكم والأمثال‏.‏

وكان أبو محمد بن العلاء يقول‏:‏ لو كان الشعر مثلها وجب على الناس أن يتعلموه‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ

إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَذَانٌ إِعْلَامٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أُذُنٌ يُصَدِّقُ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ وَالزَّكَاةُ الطَّاعَةُ وَالْإِخْلَاصُ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُضَاهُونَ يُشَبِّهُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله براءة من الله ورسوله - إلى - الذين عاهدتم من المشركين‏.‏

أذان إعلام‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وأذان من الله ورسوله‏)‏ قال علم من الله، وهو مصدر من قولك أذنتهم أي أعلمتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ أذن يصدق‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ويقولون هو أذن‏)‏ يعني أنه يسمع من كل أحد، قال الله ‏(‏قل أذن خير لكم يؤمن بالله‏)‏ يعني يصدق بالله، وظهر أن يصدق تفسير يؤمن لا تفسير أذن كما يفهمه صنيع المصنف حيث اختصره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير‏)‏ وفي بعض النسخ ‏"‏ ومثل هذا كثير ‏"‏ أي في القرآن، ويقال التزكية ‏(‏والزكاة الطاعة والإخلاص‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏(‏تطهرهم وتزكيهم بها‏)‏ قال‏:‏ الزكاة طاعة الله والإخلاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة‏)‏ قال‏:‏ هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله‏.‏

وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادا‏.‏

وفي تفسير ابن عباس الزكاة بالطاعة والتوحيد دفع لاحتجاج من احتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يضاهون يشبهون‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏يضاهون قول الذين كفروا‏)‏ أي يشبهون‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ المضاهاة التشبيه‏.‏

ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت، فأما الآية فتقدم حديث ابن عباس في سورة البقرة وأن آخر آية نزلت آية الربا، ويجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب ما اطلعا عليه، وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد آخرية مخصوصة، وأما السورة فالمراد بعضها أو معظمها وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر وقد نزل ‏(‏اليوم أ كملت لكم دينكم‏)‏ وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر، فالظاهر أن المراد‏.‏

معظمها، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في تفسير ‏(‏إذا جاء نصر الله‏)‏ أنها آخر سورة نزلت وأذكر الجمع هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد قيل في آخرية نزول براءة أن المراد بعضها، فقيل قوله‏:‏ ‏(‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة‏)‏ الآية وقيل ‏(‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏)‏ وأصح الأقوال في آخرية الآية قوله تعالى ‏(‏واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله‏)‏ كما تقدم في البقرة، ونقل ابن عبد السلام ‏"‏ آخر آية نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوما ثم نزلت آية البقرة ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ سِيحُوا سِيرُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فسيحوا في الأرض أربعة أشهر‏)‏ ساق إلى ‏(‏الكافرين‏)‏ ‏.‏

‏(‏فسيحوا سيروا‏)‏ هو كلام أبي عبيدة بزيادة قال في قوله تعالى ‏(‏فسيحوا في الأرض‏)‏ قال‏:‏ سيروا وأقبلوا وأدبروا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الليث عن عقيل‏)‏ في الرواية التي بعدها ‏"‏ حدثني الليث حدثني عقيل ‏"‏ ولليث فيه شيخ آخر تقدم في كتاب الحج عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب وأخبرني حميد‏)‏ قال الكرماني‏:‏ بواو العطف إشعارا بأنه أخبره أيضا بغير ذلك، وقيل فهو عطف على مقدر‏.‏

قلت‏:‏ لم أر في طرق حديث أبي هريرة عن أبي بكر الصديق زيادة إلا ما وقع في رواية شعيب عن الزهري، فإن فيه ‏"‏ كان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون، فلما حرم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة، فنزلت ‏(‏وإن خفتم عيلة‏)‏ الآية ثم أحل في الآية الأخرى الجزية ‏"‏ الحديث أخرجه الطبراني وابن مردويه مطولا من طريق شعيب، وهو عند المصنف في كتاب الجزية من هذا الوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ بعثني‏)‏ في رواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب في الباب الذي يليه ‏"‏ أن أبا هريرة أخبره‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ آذَنَهُمْ أَعْلَمَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وأذان من الله ورسوله - إلى قوله - المشركين‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله من وجهين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي الْمُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدٌ ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعثني أبو بكر في تلك الحجة‏)‏ في رواية صالح بن كيسان ‏"‏ التي بعد هذه الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع ‏"‏ وروى الطبري من طريق ابن عباس قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج، وأمره أن يقيم للناس حجهم، فخرج أبو بكر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك‏)‏ في رواية ابن أخي الزهري عن عمه في أوائل الصلاة ‏"‏ في مؤذنين ‏"‏ أي في جماعة مؤذنين، والمراد بالتأذين الإعلام، وهو اقتباس من قوله تعالى ‏(‏وأذان من الله ورسوله‏)‏ أي إعلام‏.‏

وقد وقفت ممن سمى ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة على أسماء جماعة، منهم سعد ابن أبي وقاص فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فلما انتهينا إلى ضجنان أتبعه عليا‏"‏‏.‏

ومنهم جابر روى الطبري من طريق عبد الله بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن لا يحج‏)‏ بفتح الهمزة وإدغام النون في اللام قال الطحاوي في ‏"‏ مشكل الآثار ‏"‏ هذا مشكل، لأن الأخبار في هذه القصة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث أبا بكر بذلك ثم أتبعه عليا فأمره أن يؤذن، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة ومن معه للتأذين مع صرف الأمر عنه في ذلك إلى أعلى‏؟‏ ثم أجاب بما حاصله‏:‏ أن أبا بكر كان الأمير على الناس في تلك الحجة بلا خلاف، وكان علي هو المأمور بالتأذين بذلك، وكأن عليا لم يطق التأذين بذلك وحده واحتاج إلى من يعينه على ذلك فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه على ذلك‏.‏

ثم ساق من طريق المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال ‏"‏ كنت مع علي حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي معه بذلك حتى يصحل صوتي، وكان هو ينادي قبلي حتى يعيي ‏"‏ وأخرجه أحمد أيضا وغيره من طريق محرر بن أبي هريرة‏.‏

فالحاصل أن مباشرة أبي هريرة لذلك كانت بأمر أبي بكر، وكان ينادي بما يلقيه إليه على مما أمر بتبلغه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد العام‏)‏ أي بعد الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يطوف‏)‏ بفتح الفاء عطفا على الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال حميد‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف ‏(‏ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي وأمره أن يؤذن ببراءة‏)‏ هذا القدر من الحديث مرسل، لأن حميدا لم يدرك ذلك ولا صرح بسماعه له من أبي هريرة، لكن قد ثبت إرسال علي من عدة طرق‏:‏ فروى الصبري من طريق أبي صالح عن علي قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة إلى أهل مكة وبعثه على الموسم، ثم بعثني في أثره، فأدركته فأخذتها منه، فقال أبو بكر‏:‏ مالي‏؟‏ قال‏:‏ خير، أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض، غير أنه لا يبلغ عني غيري، أو رجل مني ‏"‏ ومن طريق عمرو بن عطية عن أبيه عن أبي سعيد مثله، ومن طريق العمري عن نافع عن ابن عمر كذلك، وروى الترمذي من حديث مقسم عن ابن عباس مثله مطولا وعند الطبراني من حديث أبي رافع نحوه لكن قال، فأتاه جبريل فقال‏:‏ ‏"‏ إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك ‏"‏ وروى الترمذي وحسنة وأحمد من حديث أنس قال ‏"‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر، ثم دعا عليا فأعطاها إياه وقال‏:‏ لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ‏"‏ وهذا يوضح قوله في الحديث الآخر ‏"‏ لا يبلغ عني ‏"‏ ويعرف منه أن المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ، وروى سعيد بن منصور والترمذي والنسائي والطبري من طريق أبي إسحاق عن زيد بن يثيع قال ‏"‏ سألت عليا بأي شيء بعثت‏؟‏ قال بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر ‏"‏ واستدل بهذا الكلام الأخير على أن قوله تعالى ‏(‏فسيحوا في الأرض أربعة أشهر‏)‏ يختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهد أصلا، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته، فروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال‏:‏ هم صنفان، صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر، وصنف كانت له عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر‏.‏

وروى أيضا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد بقدرها أو يزيد عليها، وأما من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله تعالى ‏(‏فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين‏)‏ ومن طريق عبيدة بن سلمان سمعت الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد ناسا من المشركين من أهل مكة وغيرهم فنزلت براءة فنبذ إلى كل أحد عهده وأجلهم أربعة أشهر، ومن لا عهد له فأجله انقضاء الأشهر الحرم‏.‏

ومن طريق السدي نحوه‏.‏

ومن طريق معمر عن الزهري قال‏:‏ كان أول الأربعة أشهر عند نزول براءة في شوال، فكان آخرها آخر المحرم‏.‏

فبذلك يجمع بين ذكر الأربعة أشهر وبين قوله‏:‏ ‏(‏فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين‏)‏ واستبعد الطبري ذلك من حيث أن بلوغهم الخبر إنما كان عندما وقع النداء به في ذي الحجة فكيف يقال لهم سيحوا أربعة أشهر ولم يبق منها إلا دون الشهرين‏؟‏ ثم أسند عن السدي وغير واحد التصريح بأن تمام الأربعة الأشهر في ربيع الآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يؤذن ببراءة‏)‏ يجوز فيه التنوين بالرفع على الحكاية وبالجر، ويجوز أن يكون علامة الجر فتحة وهو الثابت في الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة فأذن معنا علي‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية الكشميهني وحده ‏"‏ قال أبو بكر فأذن معنا ‏"‏ وهو غلط فاحش مخالف لرواية الجميع، وإنما هو كلام أبي هريرة قطعا، فهو الذي كان يؤذن بذلك‏.‏

وذكر عياض أن أكثر رواة الفربري وافقوا الكشميهني، قال‏:‏ وهو غلط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة فأذن معنا علي‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وكأن حميد بن عبد الرحمن حمل قصة توجه علي من المدينة إلى أن لحق أبا بكر عن غير أبي هريرة، وحمل بقية القصة كلها عن أبي هريرة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر إلخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ فيه إشكال، لأن عليا كان مأمورا بأن يؤذن ببراءة، فكيف يؤذن بأن لا يحج بعد العام مشرك‏؟‏ ثم أجاب بأنه أذن ببراءة ومن جملة ما اشتملت عليه أن لا يحج بعد العام مشرك، من قوله تعالى فيها ‏(‏إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا‏)‏ ويحتمل أن يكون أمر أن يؤذن ببراءة وبما أمر أبو بكر أن يؤذن به أيضا‏.‏

قلت‏:‏ وفي قوله يؤذن ببراءة تجوز، لأنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منتهاها عند قوله تعالى ‏(‏ولو كره المشركون‏)‏ فروى الطبري من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب وغيره قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج سنة تسع، وبعث عليا بثلاثين أو أربعين آية من براءة ‏"‏ وروى الطبري من طريق أبي الصهباء قال سألت عليا عن يوم الحج الأكبر، فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، وبعثني بعده بأربعين آية من براءة، حتى أتى عرفة فخطب ثم التفت إلي فقال‏:‏ يا علي قم فأد رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فقرأت أربعين آية من أول براءة، ثم صدرنا حتى رميت الجمرة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم، لأن الجميع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن لا يحج بعد العام مشرك‏)‏ هو منتزع من قوله تعالى ‏(‏فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا‏)‏ والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام ولو لم يقصدوا الحج، ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه فيكون ما وراءه أولى بالمنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله، وأما ما وقع في حديث جابر فيما أخرجه الطبري وإسحاق في مسنده النسائي والدارمي كلاهما عنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج ‏"‏ حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر علي الحج، فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح، فسمع رغوة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا علي عليها، فقال له‏:‏ أمير أو رسول‏؟‏ فقال‏:‏ بل أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرؤها على الناس، فقدمنا مكة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس بمناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر كذلك، ثم يوم النفر كذلك ‏"‏ فيجمع بأن عليا قرأها كلها في المواطن الثلاثة، وأما في سائر الأوقات فكان يؤذن بالأمور المذكورة أن لا يحج بعد العام مشرك إلخ، وكان يستعين بأبي هريرة وغيره في الأذان بذلك، وقد وقع في حديث مقسم عن ابن عباس عند الترمذي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فقام علي أيام التشريق فنادى‏:‏ ذمة الله وذمة رسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، فكان علي ينادي بها، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها‏.‏

وأخرج احمد بسند حسن عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال‏:‏ لا يبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي ‏"‏ قال الترمذي حسن غريب‏.‏

ووقع في حديث يعلى عند أحمد ‏"‏ لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال‏:‏ أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب، فرجع أبو بكر فقال‏:‏ يا رسول الله نزل في شيء‏؟‏ فقال لا، إلا أنه لن يؤدي - أو لكن جبريل قال لا يؤدي - عنك إلا أنت أو رجل منك ‏"‏ قال العماد بن كثير‏:‏ ليس المراد أن أبا بكر رجع من فوره، بل المراد رجع من حجته، قلت‏:‏ ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة، وأما قوله عشر آيات فالمراد أولها ‏(‏إنما المشركون نجس‏)