فصل: باب كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من رأى أن صاحب الحوض أو القربة أحق بمائه‏)‏ ذكر فيه أربعة أحاديث

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ يَا غُلَامُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد وقد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية أبواب، ومناسبته للترجمة ظاهرة إلحاقا للحوض والقربة بالقدح، فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربا وسقيا‏.‏

وقد خفي هذا على المهلب فقال‏:‏ ليس في الحديث إلا أن الأيمن أحق من غيره بالقدح، وأجاب ابن المنير بأن مراد البخاري أنه إذا استحق الأيمن ما في القدح بمجرد جلوسه واختص به فكيف لا يختص به صاحب اليد والمتسبب في تحصيله‏؟‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنْ الْإِبِلِ عَنْ الْحَوْضِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في ذكر حوض النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي الكلام عليه في ذكر الحوض النبوي من كتاب الرقاق‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ لأذودن ‏"‏ بمعجمة ثم مهملة أي لأطردن، ومناسبته للترجمة من ذكر صلى الله عليه وسلم أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه ولم ينكر ذلك فيدل على الجواز، وقد خفي على المهلب أيضا فقال‏:‏ إن المناسبة من جهة إضافة الحوض إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحق به، وتعقبه ابن المنير بأن أحكام التكاليف لا تنزل على وقائع الآخرة، وإنما استدل بقوله‏:‏ ‏"‏ كما تذاد الغريبة من الإبل ‏"‏ فما جاز لصاحب الحوض طرد إبل غيره عن حوضه إلا وهو أحق بحوضه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا وَأَقْبَلَ جُرْهُمُ فَقَالُوا أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ قَالَتْ نَعَمْ وَلَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا نَعَمْ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في قصة هاجر وزمزم، أورده مختصرا جدا، وسيأتي مطولا في أحاديث الأنبياء، ومناسبته للترجمة من جهة قولها للذين نزلوا عليها ‏"‏ ولا حق لكم في الماء، قالوا نعم ‏"‏ وقرر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

قال الخطابي‏:‏ فيه أن من أنبط ماء في فلاة من الأرض ملكه ولا يشاركه فيه غيره إلا برضاه، إلا أنه لا يمنع فضله إذا استغنى عنه، وإنما شرطت هاجر عليهم أن لا يتملكوه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ قَالَ عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة وقد تقدم من وجه آخر قبل أربعة أبواب وفيه ‏"‏ ورجل له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل ‏"‏ وقال في هذه الطريق ‏"‏ ورجل منع فضل مائه فيقول الله اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك ‏"‏ ومناسبته للترجمة من جهة أن المعاقبة وقعت على منعه الفضل فدل على أنه أحق بالأصل، ويؤخذ أيضا من قوله‏:‏ ‏"‏ ما لم تعمل يداك ‏"‏ فإن مفهومه أنه لو عالجه لكان أحق به من غيره‏.‏

وحكى ابن التين عن أبي عبد الملك أنه قال‏:‏ هذا يخفى معناه، ولعله يريد أن البئر ليست من حفره وإنما هو في منعه غاصب ظالم، وهذا لا يرد فيما حازه وعمله‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يكون هو حفرها ومنعها من صاحب الشفة أي العطشان، ويكون معنى ‏"‏ ما لم تعمل يداك ‏"‏ أي لم تنبع الماء ولا أخرجته، قال‏:‏ وهذا أي الأخير ليس من الباب في شيء والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال علي حدثنا سفيان غير مرة الخ‏)‏ يشير إلى أن سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيرا، ولكنه صحح الموصول لكون الذي وصله من الحفاظ، وقد تابعه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وعبد الرحمن بن يونس ومحمد بن أبي الوزير ومحمد بن يونس فوصلوه قاله الإسماعيلي، قال‏:‏ وأرسله غيرهم‏.‏

قلت‏:‏ وقد وصله أيضا عمرو الناقد أخرجه مسلم عنه، وصفوان بن صالح أخرجه ابن حبان من طريقه، ويأتي الكلام على ما وقع من الاختلاف في سياق المتن في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا حمى إلا لله ولرسوله‏)‏ ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد، قال الشافعي‏:‏ يحتمل معنى الحديث شيئين‏:‏ أحدهما ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر معناه إلا على مثل ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي، وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الخليفة خاصة‏.‏

وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألتين قولين، والراجح عندهم الثاني، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ لكن رجحوا الأول بما سيأتي أن عمر حمى النبي صلى الله عليه وسلم؛ والمراد بالحمى منع الرعي في أرض مخصوصة من المباحات فيجعلها الإمام مخصوصة برعي بهائم الصدقة مثلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْيَى وَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد الأيلي، ورواية الليث عنه من الأقران لأنه قد سمع من شيخه ابن شهاب، وفي الإسناد تابعيان وصحابيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا حمى‏)‏ أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه، والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح، ومعناه أن يمنع من الإحياء من ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها، والأرجح عند الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة، ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم، ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين‏.‏

واستدل به الطحاوي لمذهبه في اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات، وتعقب بالفرق بينهما فإن الحمى أخص من الإحياء والله أعلم‏.‏

قال الجوري من الشافعية‏:‏ ليس بين الحديثين معارضة، فالحمى المنهي ما يحمى من الموات الكثير العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية، والإحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا، وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد، لكنها تشبه العامر لما فيها من المنفعة العامة‏.‏

قوله ‏(‏وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع‏)‏ كذا لجميع الرواة إلا لأبي ذر، والقائل هو ابن شهاب، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه وهو مرسل أو معضل، وهكذا أخرجه أبو داود من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب فذكر الموصول والمرسل جميعا، ووقع عند أبي ذر ‏"‏ وقال أبو عبد الله‏:‏ بلغنا الخ ‏"‏ فظن بعض الشراح أنه من كلام البخاري المصنف وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فذكر الموصول والمرسل جميعا على الصواب كما أخرجه أبو داود، ووقع لأبي نعيم في مستخرجه تخبيط، فإنه أخرجه من الوجه الذي أخرجه منه الإسماعيلي فاقتصر في الإسناد الموصول على المتن المرسل وهو قوله‏:‏ ‏"‏ حمى النقيع ‏"‏ وليس هذا من حديث ابن عباس عن الصعب، وإنما هو بلاغ للزهري كما تقدم‏.‏

وقد أخرجه سعيد بن منصور من رواية عبد الرحمن بن الحارث عن الزهري جامعا بين الحديثين، وأخرجه البيهقي من طريق سعيد ونقل عن البخاري أنه وهم، قال البيهقي‏:‏ لأن قوله حمى النقيع من قول الزهري يعني من بلاغه، ثم روى من حديث ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه ‏"‏ وفي إسناده العمري وهو ضعيف، وكذا أخرجه أحمد من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النقيع‏)‏ بالنون المفتوحة، وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة، وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه، وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء، وفي الحديث ذكر النقيع الخضمات وهو الموضع الذي جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة، والمشهور أنه غير النقيع الذي فيه الحمى وحكى ابن الجوزي أن بعضهم قال إنهما واحد، قال والأول أصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن عمر حمى الشرف والربذة‏)‏ هو معطوف على الأول، وهو من بلاغ الزهري أيضا، وقد ثبت وقوع الحمى من عمر كما سيأتي في أواخر الجهاد من طريق أسلم ‏"‏ أن عمر استعمل مولى له على الحمى ‏"‏ الحديث‏.‏

والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور، وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء، قال وفي موطأ ابن وهب بفتح المعجمة والراء قال‏:‏ وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب، وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا تدخله الألف واللام، والربذة بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضـع معروف بين مكة والمدينة تقدم ضبطه، وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة‏.‏

*3*باب شُرْبِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ مِنْ الْأَنْهَارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار‏)‏ أراد بهذه الترجمة أن الأنهار الكائنة في الطرق لا يختص بالشرب منها أحد دون أحد، ثم أورد فيه حديثين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ

الشرح‏:‏

عن أبي هريرة في ذكر الخيل وسيأتي الكلام عليه مفصلا في الجهاد، والمقصود منه قوله فيه ‏"‏ ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي ‏"‏ فإنه يشعر بأن من شأن البهائم طلب الماء ولم يرد ذلك صاحبها، فإذا أجر على ذلك من غير قصد فيؤجر بقصده من باب الأولى، فثبت المقصود من الإباحة المطلقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ قَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا

الشرح‏:‏

حديث زيد بن خالد في اللقطة وسيأتي فيها مشروحا، والمقصود منه قوله فيه‏:‏ ‏"‏ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر‏"‏‏.‏

*3*باب بَيْعِ الْحَطَبِ وَالْكَلَإِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بيع الحطب والكلأ‏)‏ بفتح الكاف واللام بعده همزة بغير مد وهو العشب رطبه ويابسه‏.‏

وموقع هذه الترجمة من كتاب الشرب اشتراك الماء والحطب والمرعى في جواز انتفاع الناس بالمباحات منها من غير تخصيص، قال ابن بطال‏:‏ إباحة الاحتطاب في المباحات والاختلاف من نبات الأرض متفق عليه حتى يقع ذلك في أرض مملوكة فترتفع الإباحة، ووجهه أنه إذا ملك بالاحتطاب والاحتشاش فلأن يملك بالإحياء له أولى‏.‏

ثم أورد فيه المصنف ثلاثة أحاديث‏.‏

أولها وثانيها حديث الزبير بن العوام وأبي هريرة بمعناه في الترغيب في الاكتساب بالاحتطاب، وقد تقدم الكلام عليهما في كتاب الزكاة‏.‏

ثالثها حديث علي في قصة شارفيه مع حمزة بن عبد المطلب، والشاهد منه قوله‏:‏ ‏"‏ وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا لأبيعه ‏"‏ فإنه دال على ما ترجم به من جواز الاحتطاب والاحتشاش، وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في آخر كتاب الجهاد في فرض الخمس إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْقَطَائِعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القطائع‏)‏ مع قطيعة تقول قطعته أرضا جعلتها له قطيعة، والمراد به ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض الموات فيختص به ويصير أولى بإحيائه ممن لم يسبق إلى إحيائه‏.‏

واختصاص الإقطاع بالموات متفق عليه في كلام الشافعية، وحكى عياض أن الإقطاع تسويغ الإمام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك، قال‏:‏ وأكثر ما يستعمل في الأرض، وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأن يملكه إياه فيعمره، وإما بأن يجعل له غلته مدة انتهى‏.‏

قال السبكي‏:‏ والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا إقطاعا، ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره‏.‏

وتخريجه على طريق فقهي مشكل‏.‏

قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر، لكنه لا يملك الرقبة بذلك انتهى‏.‏

وبهذا جزم المحب الطبري‏.‏

وادعى الأذرعي نفي الخلاف في جواز تخصيص الإمام بعض الجند بغلة أرض إذا كان مستحقا لذلك والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ حَتَّى تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا قَالَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيي بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري، ووقع للبيهقي من وجه آخر عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه التصريح بالتحديث لحماد من يحيى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع من البحرين‏)‏ يعني للأنصار‏.‏

وفي رواية البيهقي ‏"‏ دعا الأنصار ليقطع لهم البحرين ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ ليقطع لهم البحرين أو طائفة منها ‏"‏ وكأن الشك فيه من حماد، فسيأتي للمصنف في الجزية من طريق زهير عن يحيى بلفظ ‏"‏ دعا الأنصار ليكتب لهم البحرين ‏"‏ ولهم في مناقب الأنصار من رواية سفيان عن يحيى ‏"‏ إلى أن يقطع لهم البحرين ‏"‏ وظاهره أنه أراد أن يجعلها لهم إقطاعا‏.‏

واختلف في المراد بذلك، فقال الخطابي‏:‏ يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالإحياء، ويحتمل أن يكون أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس؛ لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها‏.‏

وتعقب بأنها فتحت صلحا كما سيأتي في كتاب الجزية، فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها، وبه جزم إسماعيل القاضي وابن قرقول، ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقسم فلا تملك‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ إنما يسمى إقطاعا إذا كان من أرض أو عقار، وإنما يقطع من الفيء ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد‏.‏

قال‏:‏ وقد يكون الإقطاع تمليكا وغير تمليك، وعلى الثاني يحمل إقطاعه صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة، كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبراني ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور ‏"‏ يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم انتهى‏.‏

وسيأتي في أواخر الخمس حديث أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير ‏"‏ يعني بعد أن أجلاهم‏.‏

والظاهر أنه ملكه إياها وأطلق عليها إقطاعا على سبيل المجاز والله أعلم‏.‏

والذي يظهر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم فهو الجزية لأنهم كانوا صالحوا عليها، وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا، وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها، منها إقطاعه تميما الداري بيت إبراهيم، فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم، واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية، وبيدهم كتاب من النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك، وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثل الذي تقطع لنا‏)‏ زاد في رواية البيهقي ‏"‏ فلم يكن ذلك عنده ‏"‏ يعني سبب قلة الفتوح يومئذ كما في رواية الليث التي في الباب الذي يلي هذا، وأغرب ابن بطال فقال‏:‏ معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه كان أقطع المهاجرين أرض بني النضير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سترون بعدي أثرة‏)‏ بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور، وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش عن الأنصار بالأموال والتفضيل في العطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في مناقب الأنصار إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ

وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كتابة القطائع‏)‏ أي لتكون توثقة بيد المقطع دفعا للنزاع عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث‏)‏ م أره موصولا من طريقه‏.‏

قال الإسماعيلي وغيره‏:‏ أورده عن الليث غير موصول، زاد أبو نعيم‏:‏ وكأنه أخذه عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه‏.‏

واعترض على المصنف بأن رواية الليث لا ذكر للكتابة فيها، وأجيب بأنها مذكورة في الشق الثاني، وبأنه جرى على عادته في الإشارة إلى ما يرد في بعض الطرق، وقد تقدم أنه عنده في الجزية من رواية زهير، وهو عند أحمد عن أبي معاوية عن يحيى بن سعيد والله أعلم‏.‏

وفي الحديث فضيلة ظاهرة للأنصار لتوقفهم عن الاستئثار بشيء من الدنيا دون المهاجرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا‏:‏ ‏(‏يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏)‏ فحصلوا في الفضل على ثلاث مراتب‏:‏ إيثارهم على أنفسهم، ومواساتهم لغيرهم، والاستئثار عليهم‏.‏

وسيأتي الكلام على ما يتعلق بالبحرين في كتاب الجزية إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب حَلَبِ الْإِبِلِ عَلَى الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حلب الإبل على الماء‏)‏ أي عند الماء، والحلب بفتح اللام الاسم والمصدر سواء قاله ابن فارس، تقول حلبتها أحلبها حلبا بفتح اللام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ حَقِّ الْإِبِلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تحلب‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وهو بالحاء المهملة في جميع الروايات، وأشار الداودي إلى أنه روي بالجيم وقال‏:‏ أراد أنها تساق إلى موضع سقيها، وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال أن تحلب إلى الماء لا على الماء، وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين، ولأن ذلك ينفع الإبل أيضا، وهو نحو النهي عن الجداد بالليل، أراد أن تجد نهارا لتحضر المساكين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الماء‏)‏ زاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ والبرقاني في ‏"‏ المصافحة ‏"‏ من طريق المعافى بن سليمان عن فليح ‏"‏ يوم ورودها ‏"‏ وساق البرقاني بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث أخر في نسق، وقد تقدم معنى حديث الباب في الزكاة من طريق الأعرج عن أبي هريرة مطولا وفيه ‏"‏ ومن حقها أن تحلب على الماء ‏"‏ وتقدم شرحه هناك‏.‏