فصل: باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ذكر الدجال‏)‏ هو فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية، وسمي الكذاب دجالا لأنه يغطي الحق بباطله، ويقال دجل البعير بالقطران إذا غطاه والإناء بالذهب إذا طلاه‏.‏

وقال ثعلب‏:‏ الدجال المموه سيف مدجل إذا طلى‏.‏

وقال ابن دريد‏.‏

سمي دجالا لأنه يغطي الحق بالكذب، وقيل لضربه نواحي الأرض، يقال دجل مخففا ومشددا إذا فعل ذلك، وقيل بل قيل ذلك لأنه يغطي الأرض فرجع إلى الأول‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ التذكرة ‏"‏‏:‏ اختلف في تسميته دجالا على عشرة أقوال‏.‏

ومما يحتاج إليه في أمر الدجال أصله وهل هو ابن صياد أو غيره، وعلى الثاني فهل كان موجودا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا، ومتى يخرج، وما سبب خروجه، ومن أين يخرج، وما صفته، وما الذي يدعيه، وما الذي يظهر عند خروجه من الخوارق حتى تكثر أتباعه، ومتى يهلك ومن يقتله‏؟‏ فأما الأول فيأتي بيانه في ‏"‏ كتاب الاعتصام ‏"‏ في شرح حديث جابر أنه كان يحلف أن ابن صياد هو الدجال، وأما الثاني فمقتضى حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم الداري الذي أخرجه مسلم أنه كان موجودا في العهد النبوي وأنه محبوس في بعض الجزائر، وسيأتي بيان ذلك عند شرح حديث جابر أيضا‏.‏

وأما الثالث ففي حديث النواس عند مسلم أنه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينية‏.‏

وأما سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنه يخرج من غضبة يغضبها‏.‏

وأما من أين يخرج‏؟‏ فمن قبل المشرق جزما‏.‏

ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجها مسلم‏.‏

وأما صفته فمذكورة في أحاديث الباب‏.‏

وأما الذي يدعيه فإنه يخرج أولا فيدعي الإيمان والصلاح ثم يدعي النبوة ثم يدعي الإلهية كما أخرج الطبراني من طريق سليمان بن شهاب قال ‏"‏ نزل علي عبد الله بن المعتمر وكان صحابيا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ الدجال ليس به خفاء، يجيء من قبل المشرق فيدعو إلى الدين فيتبع ويظهر، فلا يزال حتى يقدم الكوفة فيظهر الدين ويعمل به فيتبع ويحث على ذلك، ثم يدعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك فيقول‏:‏ أنا الله، فتغشى عينه وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ‏"‏ وسنده ضعيف‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به وتحذير الأنبياء منه والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة، وأجيب بأجوبة أحدها أنه ذكر في قوله ‏(‏يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها‏)‏ فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل‏:‏ الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ‏"‏ الثاني قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى بن مريم في قوله تعالى ‏(‏وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته‏)‏ وفي قوله تعالى ‏(‏وإنه لعلم للساعة‏)‏ وصح أنه الذي قتل الدجال فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب المسيح كعيسى؛ لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى‏.‏

الثالث أنه ترك ذكره احتقارا، وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال والذي قبله، وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكمة في ترك التنصيص عليه‏؟‏ وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره وأما من لم يجيء بعد فلم يذكر منهم أحدا انتهى‏.‏

وهذا ينتقض بيأجوج ومأجوج‏.‏

وقد وقع في تفسير البغوي أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى ‏(‏لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس‏)‏ وأن المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق الكل على البعض‏.‏

وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى‏.‏

وأما ما يظهر على يده من الخوارق فسيذكر هنا‏.‏

وأما متى يهلك ومن يقتله‏؟‏ فإنه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلها إلا مكة والمدينة، ثم يقصد بيت المقدس فينزل عيسى فيقتله أخرجه مسلم أيضا‏.‏

وسأذكر لفظه‏.‏

وفي حديث هشام بن عامر ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال ‏"‏ أخرجه الحاكم‏.‏

وعند الحاكم من طريق قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه أنه ‏"‏ يخرج - يعني الدجال - في نقص من الدنيا وخفة من الدين وسوء ذات بين، فيرد كل منهل وتطوى له الأرض ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن من طريق كعب الأحبار قال‏:‏ يتوجه الدجال فينزل عند باب دمشق الشرقي‏.‏

ثم يلتمس فلا يقدر عليه؛ ثم يرى عند المياه التي عند نهر الكسوة، ثم يطلب فلا يدري أين توجه، ثم يظهر بالمشرق فيعطى الخلافة، ثم يظهر السحر، ثم يدعي النبوة فتتفرق الناس عنه، فيأتي النهر فيأمره أن يسيل إليه فيسيل، ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس ويأمر جبل طور وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحا، ويأمر الريح أن تثير سحابا من البحر فتمطر الأرض ويخوض البحر في يوم ثلاث خوضات فلا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيمد الطويلة في البحر فتبلغ قعره فيخرج من الحيتان ما يريد‏.‏

وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان ابن عطية أحد ثقات التابعين من الحلية بسند حسن صحيح إليه قال‏:‏ لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة، وهذا لا يقال من قبل الرأي فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب‏.‏

وذكر المصنف في الباب أحد عشر حديثا‏:‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مَا سَأَلْتُهُ وَإِنَّهُ قَالَ لِي مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ قُلْتُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ قَالَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يحيى‏)‏ هو القطان ‏"‏ وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال لي المغيرة بن شعبة‏)‏ عند مسلم من رواية إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ‏"‏ عن المغيرة بن شعبة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أكثر مما سألته‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وأنه قال لي ما يضرك منه‏)‏ في رواية مسلم قال ‏"‏ وما ينصبك منه ‏"‏ بنون وصاد مهملة ثم موحدة من النصب بمعنى التعب، ومثله عنده من رواية يزيد بن هارون عن إسماعيل وزاد ‏"‏ فقال لي أي بني وما ينصبك منه ‏"‏ وعنده من طريق هشيم عن إسماعيل ‏"‏ وما سؤالك عنه، أي وما سبب سؤالك عنه ‏"‏ وقال أبو نعيم في المستخرج‏:‏ معنى قوله ما ينصبك أي ما الذي يغمك منه من الغم حتى يهولك أمره قلت وهو تفسير باللازم وإلا فالنصب التعب وزنه ومعناه ويطلق على المرض فيه تعبا‏.‏

قال ابن دريد‏:‏ يقال نصبه المرض وأنصبه، وهو تغير الحال من تعب أو وجع‏.‏

قوله ‏(‏قلت لأنهم يقولون‏)‏ هو متعلق بمحذوف تقديره الخشية منه مثلا في رواية المستملي أنهم يقولون وهي رواية مسلم والضمير في أنهم للناس أو لأهل الكتاب‏.‏

قوله ‏(‏جبل خبز‏)‏ بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي والمراد أن معه من الخبز قدر الجبل، وأطلق الخبز وأراد به أصله وهو القمح مثلا، زاد في رواية هشيم عند مسلم ‏"‏ معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن حميد ‏"‏ إن معه الطعام والأنهار ‏"‏ وفي رواية يزيد بن هارون ‏"‏ أن معه الطعام والشراب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ونهر ماء‏)‏ بسكون الهاء وبفتحها‏.‏

قوله ‏(‏قال بل هو أهون على الله من ذلك‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ بل ‏"‏ من رواية مسلم‏.‏

وقال عياض‏:‏ معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا ويرتاب الذين في قلوبهم مرض فهو مثل قول الذي يقتله ما كنت أشد بصيرة مني فيك، لا أن قوله ‏"‏ هو أهون على الله من ذلك ‏"‏ أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد أهون من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرأها من قرأ ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه‏.‏

قلت‏:‏ الحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع ‏"‏ ومعه جبل من خبز ونهر من ماء ‏"‏ أخرجه أحمد والبيهقي في البعث من طريق جنادة بن أبي أمية عن مجاهد قال ‏"‏ انطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال ولا تحدثنا عن غيره ‏"‏ فذكر حديثا فيه ‏"‏ تمطر الأرض ولا ينبت الشجر، ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار ومعه جبل خبز ‏"‏ الحديث بطوله ورجاله ثقات، ولأحمد من وجه آخر عن جنادة عن رجل من الأنصار ‏"‏ معه جبال الخبز وأنهار الماء ‏"‏ ولأحمد من حديث جابر ‏"‏ معه جبال من خبز والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران ‏"‏ الحديث، فدل ما ثبت من ذلك على أن قوله ‏"‏ هو أهون على الله من ذلك ‏"‏ ليس المراد به ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئا من ذلك، بل هو على التأويل المذكور، وسيأتي في الحديث الثامن أن معه جنة ونارا، وغفل القاضي ابن العربي فقال في الكلام على حديث المغيرة عند مسلم لما قال له لن يضرك قال‏:‏ إن معه ماء ونارا‏.‏

قلت‏:‏ ولم أر ذلك في حديث المغيرة‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ أخذ بظاهر قوله ‏"‏ هو أهون على الله من ذلك ‏"‏ من رد من المبتدعة الأحاديث الثابتة أن معه جنة ونارا وغير ذلك قال‏:‏ وكيف يرد بحديث محتمل ما ثبت في غيره من الأحاديث الصحيحة‏:‏ فلعل الذي جاء في حديث المغيرة جاء قبل أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم أمره ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ هو أهون ‏"‏ أي لا يجعل له ذلك حقيقة وإنما هو تخييل وتشبيه على الأبصار فيثبت المؤمن ويزل الكافر، ومال ابن حبان في صحيحه إلى الآخر فقال‏:‏ هذا لا يضاد خبر أبي مسعود، بل معناه أنه أهون على الله من أن يكون نهر ماء يجري، فإن الذي معه يرى أنه ماء وليس بماء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا وهيب‏)‏ بالتصغير وأيوب هو السختياني‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن عمر أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ القائل ‏"‏ أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ هو البخاري، وقد سقط قوله ‏"‏ أراه إلخ ‏"‏ للمستملي ولأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني فصارت صورته موقوفا، وبذلك جزم الإسماعيلي فقال بعد أن أورده من رواية أحمد بن منصور الرمادي عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري بسنده إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رواه البخاري عن موسى فلم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو نعيم في المستخرج عن الطبراني عن أحمد بن داود المكي عن موسى وصرح برفعه أيضا، واقتصر المزي على ما وقع في رواية السرخسي وغيره بلفظ ‏"‏ أراه ‏"‏ والحديث في الأصل مرفوع فقد أخرجه مسلم من رواية حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد تقدم في أحاديث الأنبياء في ترجمة عيسى بن مريم من طريق موسى بن عقبة عن نافع قال ‏"‏ قال عبد الله هو ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الناس المسيح الدجال ‏"‏ فذكر هذا الحديث وسياقه هناك أتم‏.‏

قوله ‏(‏أعور العين اليمنى‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ أعور عين اليمنى ‏"‏ بغير ألف ولام، ومثله في رواية الطبراني، وقد تقدم في ترجمة عيسى بلفظه ‏"‏ أعور عينه اليمنى ‏"‏ وتقدم توجيهه والبحث في إعرابه‏.‏

قوله ‏(‏كأنها عنبة طافية‏)‏ يأتي الكلام عليه في الحديث السادس، هكذا وقع في هذا الموضع عند الجميع لم يذكر الموصوف بذلك، ومثله في رواية الإسماعيلي لكن قال في آخره ‏"‏ يعني الدجال ‏"‏ ووقع في رواية الطبراني في أوله ‏"‏ الدجال أعور عين اليمنى‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا سعد بن حفص‏)‏ بسكون العين، وفي بعض النسخ بكسرها وزيادة ياء وهو تحريف‏.‏

قوله ‏(‏شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن نسبه عباس الدوري عن سعد بن حفص شيخ البخاري فيه أخرجه الإسماعيلي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏

قوله ‏(‏يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة‏)‏ في حديث أبي سعيد الآتي بعد باب ‏"‏ ينزل بعض السباخ التي في المدينة‏:‏ وفي رواية حماد بن سلمة عن إسحاق عن أنس ‏"‏ فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه فيخرج إليه كل منافق ومنافقة ‏"‏ والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء مكان بطريق المدينة من جهة الشام على ميل وقيل على ثلاثة أميال، والمراد بالرواق الفسطاط‏.‏

ولابن ماجه من حديث أبي أمامة ‏"‏ نزل عند الطريق الأحمر عند منقطع السبخة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ترجف ثلاث رجفات‏)‏ في رواية الدوري ‏"‏ فترجف ‏"‏ وهي أوجه؛ وقد تقدم في آخر كتاب الحج من طريق الأوزاعي عن إسحاق أتم من هذا وفيه ‏"‏ ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة ‏"‏ وتقدم شرحه هناك، والجمع بين قوله ‏"‏ ترجف ثلاث رجفات ‏"‏ وبين قوله في الحديث الذي يلي هذا ‏"‏ لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ‏"‏ وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد والحاكم رفعه ‏"‏ يجيء الدجال فيصعد أحدا فيتطلع فينظر إلى المدينة فيقول لأصحابه‏:‏ ألا ترون إلى هذا القصر الأبيض‏؟‏ هذا مسجد أحمد‏.‏

ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقب من نقابها ملكا مصلتا سيفه، فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه‏.‏

ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فتخلص المدينة، فذلك يوم الخلاص ‏"‏ وفي حديث أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الذي تقدمت الإشارة إليه أول الباب ‏"‏ وتطوى له الأرض طي فروة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها ويمنع داخلها، ثم يأتي إيليا فيحاصر عصابة من المسلمين ‏"‏ وحاصل ما وقع به الجمع أن الرعب المنفي هو الخوف والفزع حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب نزوله قربها شيء منه، أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها، والمراد بالرجفة الأرفاق وهو إشاعة مجيئه وأنه لا طاقة لأحد به، فيسارع حينئذ إليه من كان يتصف بالنفاق أو الفسق، فيظهر حينئذ تمام أنها تنفى خبثها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن عبد الله إلخ‏)‏ ثبت هذا للمستملي وحده هنا وسقط لسائرهم، وقد مضى في آخر كتاب الحج سندا ومتنا‏.‏

وإبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وسعد هو الذي روى عنه محمد بن بشر في السند الثاني‏.‏

قوله ‏(‏لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال‏)‏ تقدم ضبط المسيح في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة وهو قبيل كتاب الجمعة، وتقدم فيه أيضا أن من قاله بالخاء المعجمة صحف، والقول في سبب تسميته المسيح بما يغني عن إعادته هنا‏.‏

وحكى شيخنا مجد الدين الشيرازي صاحب القاموس في اللغة أنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية الدجال المسيح خمسون قولا، وبالغ القاضي ابن العربي فقال‏:‏ ضل قوم فرووه المسيخ بالخاء المعجمة، وشدد بعضهم السين ليفرقوا بينه وبين المسيح عيسى بن مريم بزعمهم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله في الدجال ‏"‏ مسيح الضلالة ‏"‏ فدل على أن عيسى مسيح الهدى، فأراد هؤلاء تعظيم عيسى فحرفوا الحديث‏.‏

قوله ‏(‏لها يومئذ سبعة أبواب‏)‏ قال عياض‏:‏ هذا يؤيد أن المراد بالأنقاب في حديث أبي هريرة يعني ثاني أحاديث الباب الذي يليه الأبواب وفوهات الطريق‏.‏

قوله ‏(‏على كل باب ملكان‏)‏ كذا في رواية إبراهيم بن سعد‏.‏

وفي رواية محمد بن بشر ‏"‏ لكل باب ملكان ‏"‏ وأخرجه الحاكم من رواية الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن عياض بن مسافع عن أبي بكرة قال ‏"‏ أكثر الناس في شأن مسيلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كذاب من ثلاثين كذابا قبل الدجال، وأنه ليس بلد إلا يدخله رعب الدجال إلا المدينة، على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وقال ابن إسحاق‏)‏ هو محمد صاحب المغازي‏.‏

قوله ‏(‏عن صالح بن إبراهيم‏)‏ أي ابن عبد الرحمن بن عوف وهو أخو سعد بن إبراهيم‏.‏

قوله ‏(‏عن أبيه قال قدمت البصرة‏)‏ أراد بهذا التعليق ثبوت لقاء إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف لأبي بكرة لأن إبراهيم مدني وقد تستنكر روايته عن أبي بكرة لأنه نزل البصرة من عهد عمر إلى أن مات‏.‏

قوله ‏(‏فقال لي أبو بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بهذا‏)‏ هذا التعليق وصله الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من رواية محمد بن مسلمة الحراني عن محمد بن إسحاق بهذا السند وبقيته بعد قوله ‏"‏ فلقيت أبا بكرة ‏"‏‏:‏ فقال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكا مصلتا بالسيف فيرده عنها ‏"‏ قال الطبراني‏:‏ لم يروه عن صالح إلا ابن إسحاق‏.‏

قلت‏:‏ وصالح المذكور ثقة مقل أخرجا له في الصحيحين حديثا واحدا غير هذا، وقوله ‏"‏بهذا ‏"‏ يريد أصل الحديث، وإلا فبين لفظ صالح بن إبراهيم ولفظ سعد بن إبراهيم مغايرات تظهر من سياقهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن عبد الله‏)‏ هو الأويسي، وإبراهيم هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو الزهري‏.‏

قوله ‏(‏قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال‏)‏ هكذا أورده هنا، وطوله في كتاب الجهاد من طريق معمر عن الزهري بهذا السند وأوله ‏"‏ أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد ‏"‏ القصة بطولها وفيه ‏"‏ خبأت لك خبيا ‏"‏ وفيه ‏"‏ فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنقه ‏"‏ ثم ذكر بعده قال ابن عمر‏:‏ ‏"‏ انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد ‏"‏ فذكر القصة الأخرى وفيها ‏"‏ وهو مضطجع في قطيفة ‏"‏ وفيها ‏"‏ لو تركته بين ‏"‏ ثم ذكر بعده ‏"‏ قال ابن عمر ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم في الناس ‏"‏ الحديث، فجمع هذه الأحاديث الثلاثة في أواخر ‏"‏ كتاب الجهاد ‏"‏ في ‏"‏ باب كيف يعرض الإسلام على الصبي ‏"‏ وكذا صنع في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ أورده فيه من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، واقتصر في أواخر ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ على الأولين ولم يذكر الثالث أورده فيه من طريق يونس بن يزيد عن الزهري وكذا صنع في الشهادات أورده فيه من طريق شعيب وقد شرحتهما هناك، وأورده مسلم من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بسنده في هذا الباب بتمامه مشتملا على الأحاديث الثلاثة‏.‏

قوله ‏(‏وما من نبي إلا وقد أنذره قومه‏)‏ زاد في رواية معمر ‏"‏ لقد أنذره نوح قومه ‏"‏ وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح عند أبي داود والترمذي وحسنه ‏"‏ لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال ‏"‏ وعند أحمد ‏"‏ لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده ‏"‏ أخرجه من وجه آخر عن ابن عمر، وقد استشكل إنذار نوح قومه بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت، وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية، والجواب أنه كان وقت خروجه أخفى على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومهم من فتنته، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرقه ‏"‏ إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ‏"‏ فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه وعلاماته، فكان يجوز أن يخرج في حياته صلى الله عليه وسلم ثم بين له بعد ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به، فبذلك تجتمع الأخبار‏.‏

وقال ابن العربي إنذار الأنبياء قومهم بأمر الدجال تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى لا يزعزعها عن حسن الاعتقاد، وكذلك تقريب النبي صلى الله عليه وسلم له زيادة في التحذير، وأشار مع ذلك إلى أنهم إذا كانوا على الإيمان ثابتين دفعوا الشبه باليقين‏.‏

قوله ‏(‏ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه‏)‏ قيل إن السر في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور، مع أنه أوضح الأدلة في تكذيب الدجال أن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها ممن تقدم من الأمم، ودل الخبر على أن علم كونه يختص خروجه بهذه الأمة كأن طوى عن غير هذه الأمة كما طوى عن الجميع علم وقت قيام الساعة‏.‏

قوله ‏(‏أنه أعور وإن الله ليس بأعور‏)‏ إنما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية، فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب، وزاد مسلم في رواية يونس والترمذي في رواية معمر‏:‏ قال الزهري فأخبرني عمرو بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ للناس وهو يحذرهم ‏"‏ تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت ‏"‏ وعند ابن ماجه نحو هذه الزيادة من حديث أبي أمامة، وعند البزار من حديث عبادة بن الصامت، وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب لأن رؤية الله تعالى مقيدة بالموت والدجال يدعي أنه الله ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله تعالى في اليقظة تعالى الله عن ذلك ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله تعالى في الدنيا القوة التي ينعم بها على المؤمنين في الآخرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن عقيل‏)‏ بالضم هو ابن خالد‏.‏

قوله ‏(‏بينا أنا نائم أطوف بالكعبة‏)‏ زاد في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء عن أحمد بن محمد المكي عن إبراهيم بن سعد بهذا السند إلى ابن عمر قال ‏"‏ لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر، ولكن قال بينما ‏"‏ الحديث وزاد في رواية شعيب عن ابن شهاب ‏"‏ رأيتني ‏"‏ قبل قوله ‏"‏ أطوف ‏"‏ وهو بضم المثناة، وتقدم في التعبير من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أراني الليلة عند الكعبة ‏"‏ وهو بفتح الهمزة وكل ذلك يقتضي أنها رؤيا منام، والذي نفاه ابن عمر في هذه الرواية جاء عنه إثباته في رواية مجاهد عنه قال ‏"‏ رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى ‏"‏ فذكر الحديث وتقدم القول في ذلك في ترجمته مستوفى وأن الصواب أن مجاهدا إنما روى هذا عن ابن عباس‏.‏

قوله ‏(‏فإذا رجل آدم‏)‏ بالمد، في رواية مالك ‏"‏ رأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال ‏"‏ بضم الهمزة وسكون الدال‏.‏

قوله ‏(‏سبط الشعر‏)‏ بفتح المهملة وكسر الموحدة وسكونها أيضا‏.‏

قوله ‏(‏ينطف‏)‏ بكسر الطاء المهملة ‏(‏أو يهراق‏)‏ كذا بالشك، ولم يشك في رواية شعيب، وزاد في رواية مالك ‏"‏ له لمة ‏"‏ بكسر اللام وتشديد الميم ‏"‏ كأحسن ما أنت راء من اللمم ‏"‏ وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ تضرب به لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قد رجلها‏)‏ بتشديد الجيم ‏(‏يقطر ماء‏)‏ ووقع في رواية شعيب ‏"‏ بين رجلين ‏"‏ وفي رواية مالك ‏"‏ متكئا على عواتق رجلين يطوف بالبيت ‏"‏ وفي حديث ابن عباس ‏"‏ ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ‏"‏ زاد في حديث أبي هريرة بنحوه ‏"‏ كأنما خرج من ديماس ‏"‏ يعني الحمام‏.‏

وفي رواية حنظلة عن سالم عن ابن عمر ‏"‏ يسكب رأسه أو يقطر ‏"‏ وفي حديث جابر عند مسلم ‏"‏ فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قلت من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ ابن مريم‏)‏ في رواية مالك ‏"‏ فسألت من هذا‏؟‏ فقيل‏:‏ المسيح ابن مريم ‏"‏ وفي رواية حنظلة ‏"‏ فقالوا عيسى بن مريم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين‏)‏ زاد في رواية مالك ‏"‏ جعد قطط أعور ‏"‏ وزاد شعيب ‏"‏ أعور العين اليمنى ‏"‏ وقد تقدم القول فيه أول الباب‏.‏

وفي رواية حنظلة ‏"‏ ورأيت وراءه رجلا أحمر جعد الرأس أعور العين اليمنى ‏"‏ ففي هذه الطرق أنه أحمر ووقع في حديث عبد الله بن مغفل عند الطبراني أنه آدم جعد، فيمكن أن تكون أدمته صافية، ولا ينافي أن يوصف مع ذلك بالحمرة لأن كثيرا من الأدم قد تحمر وجنته‏.‏

ووقع في حديث سمرة عند الطبراني وصححه ابن حبان والحاكم ‏"‏ ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى شيخ من الأنصار ‏"‏ انتهى‏.‏

وهو بكسر المثناة الفوقانية ضبطه ابن ماكولا عن جعفر المستغفري ولا يعرف إلا من هذا الحديث‏.‏

قوله ‏(‏كأن عينه عنبة طافية‏)‏ بياء غير مهموزة أي بارزة، ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوؤها، قال القاضي عياض‏:‏ رويناه عن الأكثر بغير همز، وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها، قال وضبطه بعض الشيوخ بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره، فقد جاء في آخر أنه ممسوح العين مطموسة وليست جحراء ولا ناتئة، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها، وهو يصحح رواية الهمز‏.‏

قلت‏:‏ الحديث المذكور عند أبي داود يوافقه حديث عبادة بن الصامت ولفظه ‏"‏ رجل قصير أفحج ‏"‏ بفاء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم جيم من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين أو الفخذين، وقيل تدانى صدور القدمين مع تباعد العقبين، وقيل هو الذي في رجله اعوجاج، وفي الحديث المذكور ‏"‏ جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة ‏"‏ بنون ومثناة ‏"‏ ولا جحراء ‏"‏ بفتح الجيم وسكون المهملة ممدود أي عميقة، وبتقديم الحاء أي ليست متصلبة، وفي حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ ممسوح العين ‏"‏ وفي حديث سمرة مثله وكلاهما عند الطبراني ولكن في حديثهما ‏"‏ أعور العين اليسرى ‏"‏ ومثله لمسلم من حديث حذيفة، وهذا بخلاف قوله في حديث الباب ‏"‏ أعور العين اليمنى ‏"‏ وقد اتفقا عليه من حديث ابن عمر فيكون أرجح، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر لكن جمع بينهما القاضي عياض فقال‏:‏ تصحح الروايتان معا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي التي ذهب ضوؤها وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر، وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخاعة في حائط هي الطافية بلا همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى، وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معا فكل واحدة منهما عوراء أي معيبة، فإن الأعور من كل شيء المعيب، وكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها، والأخرى بنتوئها انتهى‏.‏

قال النووي‏:‏ هو في نهاية الحسن‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ حاصل كلام القاضي أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والأخرى بأصل خلقها معيبة، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله‏.‏

وأجاب صاحبه القرطبي في التذكرة بأن الذي تأوله القاضي صحيح، فإن المطموسة وهي التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الإدراك، والأخرى وصفت بأن عليها ظفرة غليظة وهي جلدة تغشى العين وإذا لم تقطع عميت العين، وعلى هذا فالعور فيهما لأن الظفرة مع غلظها تمنع الإدراك أيضا، فيكون الدجال أعمى أو قريبا منه إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة وجاء في العين الشمال في حديث سمرة فالله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا هو الذي أشار إليه شيخه بقوله إن كل واحدة منهما جاء وصفها بمثل ما وصفت الأخرى ثم قال في ‏"‏ التذكرة ‏"‏ يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة فإن في حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة قال‏:‏ وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى، قال‏:‏ وقد فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة‏.‏

قلت‏:‏ وقع في حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ‏"‏ فوصف عينيه معا، ووقع عند أبي يعلى من هذا الوجه ‏"‏ أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري ‏"‏ ولعلها أبين لأن المراد بوصفها بالكوكب شدة اتقادها، وهذا بخلاف وصفها بالطمس ووقع في حديث أبي بن كعب عند أحمد والطبراني ‏"‏ إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء ‏"‏ وهو يوافق وصفها بالكوكب، ووقع في حديث سفينة عند أحمد والطبراني ‏"‏ أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة ‏"‏ والذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية أنه بغير همز فإنها قيدت في رواية الباب بأنها اليمنى ‏"‏ وصرح في حديث عبد الله بن مغفل وسمرة وأبي بكرة بأن عينه اليسرى ممسوحة والطافية هي البارزة وهي غير الممسوحة، والعجب ممن يجوز رواية الهمز في ‏"‏ طافية ‏"‏ وعدمه مع تضاد المعنى في حديث واحد فلو كان ذلك في حديثين لسهل الأمر، وأما الظفرة فجائز أن تكون في كلا عينيه لأنه لا يضاد الطمس ولا النتوء، وتكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة والمعيبة مع بقاء ضوئها هي البارزة، وتشبيهها بالنخاعة في الحائط لمجصص في غاية البلاغة، وأما تشبيهها بالزجاجة الخضراء وبالكوكب الدري فلا ينافي ذلك فإن كثيرا ممن يحدث له في عينه النتوء يبقى معه الإدراك فيكون الدجال من هذا القبيل والله أعلم‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النقص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ الظفرة لحمة تنبت عند الماق، وقيل جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف، ولا يمنع أن تكون في العين السالمة بحيث لا توارى الحدقة بأسرها بل تكون على حدتها‏.‏

قوله ‏(‏هذا الدجال‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ قلت من هذا‏؟‏ قالوا ‏"‏ وكذا في رواية حنظلة‏.‏

وفي رواية مالك ‏"‏ فقيل المسيح الدجال ‏"‏ ولم أقف على اسم القائل معينا‏.‏

قوله ‏(‏أقرب الناس به شبها ابن قطن‏)‏ زاد في رواية شعيب ‏"‏ وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة ‏"‏ وفي رواية حنظلة ‏"‏ أشبه من رأيت به ابن قطن ‏"‏ وزاد أحمد بن محمد المكي في روايته ‏"‏ قال الزهري هلك في الجاهلية ‏"‏ وقدمت هناك سياق نسبه إلى خزاعة من فوائد الدمياطي، وسأذكر اسمه في آخر الباب مع بقية صفته إن شاء الله تعالى، واستشكل كون الدجال يطوف بالبيت وكونه يتلو عيسى بن مريم، وقد ثبت أنه إذا رآه يذوب، وأجابوا عن ذلك بأن الرؤيا المذكورة كانت في المنام، ورؤيا الأنبياء وإن كانت وحيا لكن فيها ما يقبل التعبير‏.‏

وقال عياض‏:‏ لا إشكال في طواف عيسى بالبيت، وأما الدجال فلم يقع في رواية مالك أنه طاف وهي أثبت ممن روى طوافه‏.‏

وتعقب بأن الترجيح مع إمكان الجمع مردود، لأن سكوت مالك عن نافع عن ذكر الطواف لا يرد رواية الزهري عن سالم، وسواء ثبت أنه طاف أم لم يطف فرؤيته إياه بمكة مشكلة مع ثبوت أنه لا يدخل مكة ولا المدينة، وقد انفصل عنه القاضي عياض بأن منعه من دخولها إنما هو عند خروجه في آخر الزمان‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده ما دار بين أبي سعيد وبين ابن صياد فيما أخرجه مسلم وأن ابن صياد قال له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقد خرجت من المدينة أريد مكة، فتأوله من جزم بأن ابن صياد هو الدجال، على أن المنع إنما هو حيث يخرج، وكذا الجواب عن مشيه وراء عيسى عليه السلام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ فِي صَلَاتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال ‏"‏ وهو مختصر من حديث تقدم بتمامه في ‏"‏ باب الدعاء قبل السلام ‏"‏ وهو قبيل كتاب الجمعة أورده من طريق شعيب عن الزهري بهذا السند مطولا ثم قال ‏"‏ وعن الزهري ‏"‏ فذكر هذا الحديث هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الدَّجَّالِ إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَمَاؤُهُ نَارٌ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرني أبي‏)‏ هو عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة ابن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد الملك‏)‏ هو ابن عمير، ونسب عند مسلم في رواية محمد بن جعفر عن شعبة فقال ‏"‏ عن عبد الملك بن عمير‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ربعي‏)‏ بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة اسم بلفظ النسب، وهو ابن حراش بمهملة وآخره معجمة، وحذيفة هو ابن اليمان‏.‏

قوله ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال إن معه‏)‏ كذا ذكره شعبة مختصرا، وتقدم في أول ذكر بني إسرائيل من طريق أبي عوانة عن عبد الملك عن ربعي قال ‏"‏ قال عقبة بن عمرو لحذيفة ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ سمعته يقول إن مع الدجال إذا خرج ‏"‏ وكذا لمسلم من طريق شعيب بن صفوان عن عبد الملك‏.‏

قوله ‏(‏إن معه ماء ونارا‏)‏ عند مسلم من طريق نعيم بن أبي نعيم بن أبي هند عن ربعي ‏"‏ اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة لأنا بما مع الدجال أعلم منه ‏"‏ وفي رواية أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج ‏"‏ وفي رواية شعيب بن صفوان ‏"‏ فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد ‏"‏ الحديث، وفي حديث سفينة عند أحمد والطبراني ‏"‏ معه واديان أحدهما جنة والآخر نار، فناره جنة وجنته نار ‏"‏ وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه ‏"‏ وإن من فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فناره ماء بارد وماؤه نار‏)‏ زاد محمد بن جعفر في روايته ‏"‏ فلا تهلكوا ‏"‏ وفي رواية أبي مالك ‏"‏ فإن أدركه أحد فليأت النهر الذي يراه نارا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب ‏"‏ وفي رواية شعيب ابن صفوان ‏"‏ فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب ‏"‏ وكذا في رواية أبي عوانة وفي حديث أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار ‏"‏ أخرجه أحمد، وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكون الدجال ساحرا فيخيل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا وباطن النار جنة، وهذا الراجح‏.‏

وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس، ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار فيظنها جنة وبالعكس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن قتادة عن أنس‏)‏ يأتي في التوحيد عن حفص بن عمر عن شعبة أنبأنا قتادة سمعت أنسا‏.‏

قوله ‏(‏ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب‏)‏ في رواية حفص ‏"‏ ما بعث الله من نبي ‏"‏ وقد تقدم بيانه في الحديث الخامس‏.‏

قوله ‏(‏ألا إنه أعور‏)‏ بتخفيف اللام وهي حرف تنبيه‏.‏

قوله ‏(‏وإن ربكم ليس بأعور‏)‏ تقدم بيان الحكمة فيه في الحديث الخامس بما فيه مقنع‏.‏

قوله ‏(‏وإن بين عينيه مكتوب كافر‏)‏ كذا للأكثر والجمهور ‏"‏ مكتوبا ‏"‏ ولا إشكال فيه لأنه إما اسم إن وإما حال، وتوجيه الأول أنه حذف اسم إن والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر إن والاسم المحذوف إما ضمير الشأن أو يعود على الدجال، ويجوز أن يكون كافر مبتدأ والخبر بين عينيه، وعند مسلم من رواية محمد ابن جعفر عن شعبة ‏"‏ مكتوب بين عينيه ك ف ر ‏"‏ ومن طريق هشام عن قتادة حدثني أنس بلفظ ‏"‏ الدجال مكتوب بين عينيه ك ف ر ‏"‏ أي كافر، ومن طريق شعيب بن الحبحاب عن أنس ‏"‏ مكتوب بين عينيه كافر ثم تهاجها ك ف ر يقرؤه كل مسلم ‏"‏ وفي رواية عمر بن ثابت عن بعض الصحابة ‏"‏ يقرؤه كل من كره عمله ‏"‏ أخرجه الترمذي، وهذا أخص من الذي قبله‏.‏

وفي حديث أبي بكرة عند أحمد ‏"‏ يقرؤه الأمي والكاتب ‏"‏ ونحوه في حديث معاذ عند البزار‏.‏

وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه ‏"‏ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ‏"‏ ولأحمد عن جابر ‏"‏ مكتوب بين عينيه كافر ‏"‏ مهجاة ومثله عند الطبراني من حديث أسماء بنت عميس، قال ابن العربي‏:‏ في قوله ك ف ر إشارة إلى أن فعل وفاعل من الكفر إنما يكتب بغير ألف وكذا هو في رسم المصحف وإن كان أهل الخط أثبتوا في فاعل ألفا فذاك لزيادة البيان، وقوله ‏"‏يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ‏"‏ إخبار بالحقيقة ‏"‏ وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة كما يرى المؤمن الأدلة بعين بصيرته ولا يراها الكافر فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم لأن ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك ‏"‏ ويحتمل قوله يقرؤه من كره عمله أن يراد به المؤمنون عموما ويحتمل أن يختص ببعضهم ممن قوي إيمانه‏.‏

وقال النووي‏:‏ الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال فيظهر الله المؤمن عليها ويخفيها على من أراد شقاوته‏.‏

وحكى عياض خلافا وأن بعضهم قال ‏"‏ هي مجاز عن سمة الحدوث عليه ‏"‏ وهو مذهب ضعيف، ولا يلزم من قوله ‏"‏ يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ‏"‏ أن لا تكون الكتابة حقيقة بل يقدر الله على غير الكاتب علم الإدراك فيقرأ ذلك وإن لم يكن سبق له معرفة الكتابة، وكأن السر اللطيف في أن الكاتب وغير الكاتب يقرأ ذلك لمناسبة أن كونه أعور يدركه كل من رآه فالله أعلم‏.‏

الحديث العاشر والحادي عشر، قوله ‏(‏فيه أبو هريرة وابن عباس‏)‏ أي يدخل في الباب حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس، فيحتمل أن يريد أصل الباب فيتناول كلامه كل شيء ورد مما يتعلق بالدجال من حديث المذكورين، ويحتمل أن يريد خصوص الحديث الذي قبله وهو أن كل نبي أنذر قومه الدجال وهو أقرب، فمما ورد عن أبي هريرة في ذلك ما تقدم في ترجمة نوح من أحاديث الأنبياء من رواية يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه‏؟‏ إنه أعور، وإنه يجيء معه تمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه ‏"‏ وأخرج البزار بسند جيد عن أبي هريرة ‏"‏ سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق يقول‏:‏ يخرج مسيح الضلالة فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوما، فيلقى المؤمنون منه شدة شديدة ‏"‏ الحديث، ومما ورد في ذلك من حديث ابن عباس ما تقدم أيضا في الملائكة من طريق أبي العالية عن ابن عباس في ذكر صفة موسى عليه السلام وفيه ‏"‏ وذكر أنه رأى الدجال ‏"‏ ووقع عند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال ‏"‏ أعور هجان - بكسر أوله وتخفيف الجيم أي أبيض أزهر - كأن رأسه أصلة أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فأما هلك الهلك فإن ربكم ليس بأعور ‏"‏ وفي لفظ للطبراني ‏"‏ ضخم فيلماني - بفتح الفاء وسكون التحتانية وفتح اللام وبعد الألف نون - أي عظيم الجثة كأن رأسه أغصان شجرة ‏"‏ يريد أن شعر رأسه كثير متفرق قائم ‏"‏ أشبه الناس بعبد العزى بن قطن رجل من خزاعة ‏"‏ وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم والترمذي وابن ماجه ‏"‏ شاب قطط عينه قائمة ‏"‏ ولابن ماجه ‏"‏ كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ‏"‏ وعند البزار من حديث الغلتان بن عاصم ‏"‏ أجلي الجبهة عريض النحر ممسوح العين اليسرى كأنه عبد العزى بن قطن ‏"‏ وقد تقدم في ترجمة عيسى سياق نسب عبد العزى بن قطن، ووقع في حديث أبي هريرة عند أحمد نحوه لكن قال ‏"‏ كأنه قطن بن عبد العزى ‏"‏ وزاد ‏"‏ فقال يا رسول الله هل يضرني شبهه‏؟‏ قال‏:‏ لا؛ أنت مؤمن وهو كافر ‏"‏ وهذه الزيادة ضعيفة فإن في سنده المسعودي وقد اختلط والمحفوظ أنه عبد العزى بن قطن وأنه هلك في الجاهلية كما قال الزهري، والذي قال ‏"‏ هل يضرني شبهه ‏"‏ هو أكتم بن أبي الجون، وإنما قاله في حق عمرو بن لحي كما أخرجه أحمد والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ عرضت على النار فرأيت فيها عمرو بن لحي ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ وأشبه من رأيت به أكتم بن أبي الجون‏.‏

فقال أكتم‏:‏ يا رسول الله أيضرني شبهه‏؟‏ قال‏:‏ لا؛ إنك مسلم وهو كافر ‏"‏ فأما الدجال فشبهه بعبد العزى بن قطن وشبه عينه الممسوحة بعين أبي يحيى الأنصاري كما تقدم والله أعلم، وفي حديث حذيفة عند مسلم ‏"‏ جفال الشعر ‏"‏ وهو بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيرة

*3*باب لَا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا يدخل الدجال المدينة‏)‏ أي المدينة النبوية، ذكر فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ الأول قوله ‏"‏ حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال ‏"‏ كذا ورد من هذا الوجه مبهما وقد ورد من غير هذا الوجه عن أبي سعيد ما لعله يؤخذ منه ما لم يذكر كما في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد أنه يهودي وأنه لا يولد له وأنه لا يدخل المدينة ولا مكة أخرجه مسلم‏.‏

وفي رواية عطية عن ابن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال كما تقدم وفيه ‏"‏ ومعه مثل الجنة والنار، وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية دخل أوائله ‏"‏ أخرجه أبو يعلى والبزار وهو عند أحمد بن منيع مطول وسنده ضعيف‏.‏

وفي رواية أبي الوداك عن أبي سعيد رفعه في صفة عين الدجال أيضا وفيه ‏"‏ معه من كل لسان، ومعه صورة الجنة الخضراء يجري فيها الماء وصورة النار سوداء تدخن‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يأتي الدجال‏)‏ أي إلى ظاهر المدينة‏.‏

قوله ‏(‏فينزل بعض السباخ‏)‏ بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبخة بفتحتين وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها، وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة‏.‏

قوله ‏(‏التي تلي المدينة‏)‏ أي من قبل الشام‏.‏

قوله ‏(‏فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خيار الناس‏)‏ في رواية صالح عن ابن شهاب عند مسلم ‏"‏ أو من خير الناس ‏"‏ وفي رواية أبي الوداك عن أبي سعيد عند مسلم ‏"‏ فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فيلقاه مسالح الدجال فيقولون أو ما تؤمن بربنا‏؟‏ فيقول ما بربنا خفاء، فينطلقون به إلى الدجال بعد أن يريدوا قتله، فإذا رآه قال‏:‏ يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية عطية ‏"‏ فيدخل القرى كلها غير مكة والمدينة حرمتا عليه، والمؤمنون متفرقون في الأرض، فيجمعهم الله فيقول رجل منهم‏:‏ والله لأنطلقن فلأنظرن هذا الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمنعه أصحابه خشية أن يفتتن به، فيأتي حتى إذا أتى أدنى مسلحة من مسالحه أخذوه فسألوه ما شأنه فيقول‏:‏ أريد الدجال الكذاب ‏"‏ فيكتبون إليه بذلك فيقول أرسلوا به إلي، فلما رآه عرفه‏.‏

قوله ‏(‏فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه‏)‏ في رواية عطية ‏"‏ أنت الدجال الكذاب الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وزاد ‏"‏ فيقول له الدجال لتطيعني فيما آمرك به أو لأشقنك شقتين، فينادي‏:‏ يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر‏؟‏ فيقولون‏:‏ لا‏)‏ في رواية عطية ‏"‏ ثم يقول الدجال لأوليائه ‏"‏ وهذا يوضح أن الذي يجيبه بذلك أتباعه، ويرد قول من قال‏:‏ إن المؤمنين يقولون له ذلك تقية، أو مرادهم لا نشك أي في كفرك وبطلان قولك‏.‏

قوله ‏(‏فيقتله ثم يحييه‏)‏ في رواية أبي الوداك ‏"‏ فيأمر به الدجال فيشبح فيشبع ظهره وبطنه ضربا ‏"‏ فيقول‏:‏ أما تؤمن بي‏؟‏ فيقول‏:‏ أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول‏:‏ قم، فيستوي قائما ‏"‏ وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم ‏"‏ فيدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك ‏"‏ وفي رواية عطية ‏"‏ فيأمر به فيمد برجليه ثم يأمر بحديدة فتوضع على عجب ذنبه ثم يشقه شقتين، ثم قال الدجال لأوليائه‏:‏ أرأيتم إن أحييت لكم هذا، ألستم تعلمون أني ربكم‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، فيأخذ عصا فضرب أحد شقيه فاستوى قائما فلما رأى ذلك أولياؤه صدقوه وأحبوه وأيقنوا بذلك أنه ربهم ‏"‏ وعطية ضعيف‏.‏

قال ابن العربي هذا اختلاف عظيم يعني في قتله بالسيف وبالميشار، قال فيجمع بأنهما رجلان يقتل كلا منهما قتلة غير قتلة الآخر، كذا قال، والأصل عدم التعدد، ورواية الميشار تفسر رواية الضرب بالسيف، فلعل السيف كان فيه فلول فصار كالميشار وأراد المبالغة في تعذيبه بالقتلة المذكورة، ويكون قوله ‏"‏ فضربه بالسيف ‏"‏ مفسرا لقوله إنه نشره وقوله ‏"‏ فيقطعه جزلتين ‏"‏ إشارة إلى آخر أمره لما ينتهي نشره‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ وقد وقع في قصة الذي قتله الخضر أنه وضع يده في رأسه فاقتلعه، وفي أخرى فأضجعه بالسكين فذبحه، فلم يكن بد من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى لكون القصة واحدة‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في تفسير الكهف بيان التوفيق بين الروايتين أيضا بحمد الله تعالى‏.‏

قال الخطابي‏:‏ فإن قيل كيف يجوز أن يجري الله الآية على يد الكافر‏؟‏ فإن إحياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء فكيف ينالها الدجال وهو كذاب مفتر يدعي الربوبية‏؟‏ فالجواب أنه على سبيل الفتنة للعباد إذ كان عندهم ما يدل على أنه مبطل غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر يقرؤه كل مسلم، فدعواه داحضة مع وسم الكفر ونقص الذات والقدر، إذ لو كان إلها لأزال ذلك عن وجهه، وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة فلا يشتبهان وقال الطبري‏:‏ لا يجوز أن تعطى أعلام الرسل لأهل الكذب والإفك في الحالة التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به فيها إلا الفصل بين المحق منهم والمبطل، فأما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق من الكاذب فمن ظهر ذلك على يده فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين، فهذا بيان الذي أعطيه الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده ومحنة لمن عاينه انتهى‏.‏

وفي الدجال مع ذلك دلالة بينة لمن عقل على كذبه‏.‏

لأنه ذو أجزاء مؤلفة، وتأثير الصنعة فيه ظاهر مع ظهور الآفة به من عور عينيه، فإذا دعا الناس إلى أنه ربهم فأسوأ حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره ويعدله ويحسنه ولا يدفع النقص عن نفسه، فأقل ما يجب أن يقول‏:‏ يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض صور نفسك وعدلها وأزل عنها العاهة، فإن زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئا فأزل ما هو مكتوب بين عينيك‏.‏

وقال المهلب‏:‏ ليس في اقتدار الدجال على إحياء المقتول المذكور ما يخالف ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هو أهون على الله من ذلك ‏"‏ أي من أن يمكن من المعجزات تمكينا صحيحا، فإن اقتداره على قتل الرجل ثم إحيائه لم يستمر له فيه ولا في غيره ولا استضر به المقتول إلا ساعة تألمه بالقتل مع حصول ثواب ذلك له، وقد لا يكون وجد للقتل ألما لقدرة الله تعالى على دفع ذلك عنه‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ الذي يظهر على يدي الدجال من الآيات من إنزال المطر والخصب على من يصدقه والجدب على من يكذبه واتباع كنوز الأرض له وما معه من جنة ونار ومياه تجري كل ذلك محنة من الله واختبار ليهلك المرتاب وينجو المتيقن، وذلك كله أمر مخوف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا فتنة أعظم من فتنة الدجال ‏"‏ وكان يستعيذ منها في صلاته تشريعا لأمته، وأما قوله في الحديث الآخر عند مسلم ‏"‏ غير الدجال أخوف لي عليكم ‏"‏ فإنما قال ذلك للصحابة لأن الذي خافه عليهم أقرب إليهم من الدجال فالقريب المتيقن وقوعه لمن يخاف عليه يشتد الخوف منه على البعيد المظنون وقوعه به ولو كان أشد‏.‏

قوله ‏(‏فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم‏)‏ في رواية أبي الوداك ‏"‏ ما ازددت فيك إلا بصيرة ‏"‏ ثم يقول ‏"‏ يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ‏"‏ وفي رواية عطية ‏"‏ فيقول له الدجال أما تؤمن بي‏؟‏ فيقول‏:‏ أنا الآن أشد بصيرة فيك مني‏.‏

ثم نادى في الناس‏:‏ يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب، من أطاعه فهو في النار، ومن عصاه فهو في الجنة ‏"‏ ونقل ابن التين عن الداودي أن الرجل إذا قال ذلك للدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، كذا قال، والمعروف أن ذلك إنما يحصل للدجال إذا رأى عيسى بن مريم‏.‏

قوله ‏(‏فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه‏)‏ في رواية أبي الوداك ‏"‏ فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاس فلا يستطيع إليه سبيلا ‏"‏ وفي رواية عطية ‏"‏ فقال له الدجال‏:‏ لتطيعني أو لأذبحنك، فقال‏:‏ والله لا أطيعك أبدا، فأمر به فاضجع فلا يقدر عليه ولا يتسلط عليه مرة واحدة ‏"‏ زاد في رواية عطية ‏"‏ فأخذ يديه ورجليه فألقى في النار وهي غبراء ذات دخان ‏"‏ وفي رواية أبي الوداك ‏"‏ فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة ‏"‏ زاد في رواية عطية ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذلك الرجل أقرب أمتي مني وأرفعهم درجة ‏"‏ وفي رواية أبي الوداك ‏"‏ هذا أعظم شهادة عند رب العالمين ‏"‏ ووقع عند أبي يعلى وعبد بن حميد من رواية حجاج بن أرطأة عن عطية أنه ‏"‏ يذبح ثلاث مرات ثم يعود ليذبحه الرابعة فيضرب الله على حلقه بصفيحة نحاس فلا يستطيع ذبحه ‏"‏ والأول هو الصواب‏.‏

ووقع في حديث عبد الله بن عمرو رفعه في ذكر الدجال ‏"‏ يدعو برجل لا يسلطه الله إلا عليه ‏"‏ فذكر نحو رواية أبي الوداك وفي آخره ‏"‏ فيهوى إليه بسيفه فلا يستطيعه فيقول‏:‏ أخروه عني ‏"‏ وقد وقع في حديث عبد الله بن معتمر ثم يدعو برجل فيما يرون فيؤمر به فيقتل ثم يقطع أعضاءه كل عضو على حدة فيفرق بينها حتى يراه الناس ثم يجمعها ثم يضرب بعصاه فإذا هو قائم فيقول‏:‏ أنا الله الذي أميت وأحيي، قال وذلك كله سحر سحر أعين الناس ليس يعمل من ذلك شيئا، وهو سند ضعيف جدا‏.‏

وفي رواية أبي يعلى من الزيادة ‏"‏ قال أبو سعيد كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب لما نعلم من قوته وجلده ‏"‏ ووقع في صحيح مسلم عقب رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‏"‏ قال أبو إسحاق‏:‏ يقال إن هذا الرجل هو الخضر ‏"‏ كذا أطلق فظن القرطبي أن أبا إسحاق المذكور هو السبيعي أحد الثقات من التابعين ولم يصب في ظنه فإن السند المذكور لم يجر لأبي إسحاق فيه ذكر، وإنما أبو إسحاق الذي قال ذلك هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد راوي صحيح مسلم عنه كما جزم به عياض والنووي وغيرهما وقد ذكر ذلك القرطبي في تذكرته أيضا قبل، فكأن قوله في الموضع الثاني السبيعي سبق قلم، ولعل مستنده في ذلك ما قاله معمر في جامعه بعد ذكر هذا الحديث ‏"‏ قال معمر بلغني أن الذي يقتل الدجال الخضر ‏"‏ وكذا أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق عن معمر قال ‏"‏ كانوا يرون أنه الخضر ‏"‏ وقال ابن العربي سمعت من يقول‏:‏ إن الذي يقتله الدجال هو الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها‏.‏

قلت‏:‏ وقد تمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عبيدة بن الجراح رفعه في ذكر الدجال ‏"‏ لعله أن يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي ‏"‏ الحديث‏.‏

ويعكر عليه قوله في رواية لمسلم تقدم التنبيه عليها ‏"‏ شاب ممتلئ شبابا ‏"‏ ويمكن أن يجاب بأن من جملة خصائص الخضر أن لا يزال شابا، ويحتاج إلى دليل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ

الشرح‏:‏

حديث نعيم عن أبي هريرة ‏"‏ على أنقاب المدينة ملائكة ‏"‏ تقدم شرحه في فضائل المدينة أواخر ‏"‏ كتاب الحج ‏"‏ وتقدم هناك من حديث أنس ‏"‏ ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ‏"‏ وكذا وقع في حديث جابر ‏"‏ يسيح في الأرض أربعين يوما يرد كل بلدة غير هاتين البلدتين مكة والمدينة حرمهما الله تعالى عليه يوم من أيامه كالسنة ويوم كالشهر ويوم كالجمعة وبقية أيامه كأيامكم هذه ‏"‏ أخرجه الطبراني وهو عند أحمد بنحوه بسند جيد ولفظه ‏"‏ تطوى له الأرض في أربعين يوما إلا ما كان من طيبة ‏"‏ الحديث وأصله عند مسلم من حديث النواس بن سمعان بلفظ ‏"‏ قلنا يا رسول الله فما لبثه في الأرض‏؟‏ قال‏:‏ أربعون يوما ‏"‏ فذكره وزاد ‏"‏ قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم، قال‏:‏ لا أقدروا له قدره‏.‏

قلنا‏:‏ يا رسول الله وما إسراعه في الأرض‏؟‏ قال‏:‏ كالغيث استدبرته الريح ‏"‏ وله عن عبد الله بن عمرو ‏"‏ يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما ‏"‏ الحديث، والجزم بأنها أربعون يوما مقدم على هذا الترديد، فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بلفظ ‏"‏ يخرج - يعني الدجال - فيمكث في الأرض أربعين صباحا يرد فيها كل منهل إلا الكعبة والمدينة وبيت المقدس ‏"‏ الحديث ووقع في حديث سمرة المشار إليه قبل ‏"‏ يظهر على الأرض كلها إلا الحرمين وبيت المقدس فيحصر المؤمنين فيه ثم يهلكه الله ‏"‏ وفي حديث جنادة بن أبي أمية ‏"‏ أتينا رجلا من الأنصار من الصحابة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أنذركم المسيح ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ يمكث في الأرض أربعين صباحا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول ومسجد الأقصى والطور ‏"‏ أخرجه أحمد ورجاله ثقات‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا فَلَا يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ قَالَ وَلَا الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

الشرح‏:‏

حديث أنس، قوله ‏(‏يأتيها الدجال‏)‏ أي المدينة ‏(‏فيجد الملائكة يحرسونها‏)‏ في حديث محجن بن الأدرع عند أحمد والحاكم في ذكر المدينة ‏"‏ ولا يدخلها الدجال إن شاء الله كلما أراد دخولها تلقاه بكل نقب من أنقابها ملك مصلت سيفه يمنعه عنها ‏"‏ وعند الحاكم من طريق أبي عبد الله القراظ سمعت سعد بن مالك وأبا هريرة يقولان ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لأهل المدينة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ إلا أن الملائكة مشتبكة بالملائكة، على كل نقب من أنقابها ملكان يحرسانها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ‏"‏ قال ابن العربي‏:‏ يجمع بين هذا وبين قوله ‏"‏ على كل نقب ملكان ‏"‏ أن سيف أحدهما مسلول والآخر بخلافه‏.‏

قوله ‏(‏فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله‏)‏ قيل هذا الاستثناء محتمل للتعليق ومحتمل للتبرك وهو أولى، وقيل إنه يتعلق بالطاعون فقط وفيه نظر، وحديث محجن بن الأدرع المذكور آنفا يؤيد أنه لكل منهما‏.‏

وقال القاضي عياض‏:‏ في هذه الأحاديث حجة لأهل السنة في صحة وجود الدجال وأنه شخص معين يبتلي الله به العباد ويقدره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله وظهور الخصب والأنهار والجنة والنار واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء فتمطر والأرض فتنبت وكل ذلك بمشيئة الله، ثم يعجزه الله فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ثم يبطل أمره ويقتله عيسى بن مريم وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية فأنكروا وجوده وردوا الأحاديث الصحيحة، وذهب طوائف منهم كالجبائي إلى أنه صحيح الوجود لكن كل الذي معه مخاريق وخيالات لا حقيقة لها، وألجأهم إلى ذلك أنه لو كان ما معه بطريق الحقيقة لم يوثق بمعجزات الأنبياء، وهو غلط منهم لأنه لم يدع النبوة فتكون الخوارق تدل على صدقه، وإنما ادعى الإلهية وصورة حاله تكذبه لعجزه ونقصه فلا يغتر به إلا رعاع الناس إما لشدة الحاجة والفاقة وإما تقية وخوفا من أذاه وشره مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث حتى يتأمل الضعفاء حاله، فمن صدقه في تلك الحال لم يلزم منه بطلان معجزات الأنبياء، ولهذا يقول له الذي يحييه بعد أن يقتله ‏"‏ ما ازددت فيك إلا بصيرة‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ولا يعكر على ذلك ما ورد في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه أنه ‏"‏ يبدأ فيقول أنا نبي، ثم يثنى فيقول أنا ربكم ‏"‏ فإنه يحمل على أنه، إنما يظهر الخوارق بعد قوله الثاني‏.‏

ووقع في حديث أبي أمامة المذكور ‏"‏ وإن من فتنته أن يقول للأعرابي‏:‏ أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك‏؟‏ فيقول نعم، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه يقولان له‏:‏ يا بني اتبعه فإنه ربك، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، ويمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت فتمطر وتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظم وأمدة خواصر وأدرة ضروعا‏"‏‏.‏