فصل: باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُعْتَقَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُعْتَقَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر العتق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ إِنَّ أَهْلِي لَا يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلَائِي قَالَتْ لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ فَقَالَ اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا قَالَتْ فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة بريرة قد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر العتق‏.‏

*3*باب الشُّرُوطِ فِي الطَّلَاقِ

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ إِنْ بَدَا بِالطَّلَاقِ أَوْ أَخَّرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشروط في الطلاق‏)‏ أي تعليق الطلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المسيب والحسن وعطاء‏:‏ إن بدأ‏)‏ أي بهمزة ‏(‏أو أخر فهو أحق بشرطه‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن وابن المسيب في الرجل يقول امرأته طالق وعبده حر إن لم يفعل كذا يقدم الطلاق والعتاق، قالا إذا فعل الذي قال فليس عليه طلاق ولا عتاق وعن ابن جرير عن عطاء مثله وزاد‏:‏ قلت له فإن ناسا يقولون هي تطليقة حين بدأ بالطلاق، قال‏:‏ لا، هو أحق بشرطه‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في الرجل يحلف بالطلاق فيبدأ به قالا‏:‏ له ثنياه إذا وصله بكلامه، وأشار قتادة بذلك إلى قول شريح وإبراهيم النخعي‏.‏

إذا بدأ بالطلاق قبل يمينه وقع الطلاق، بخلاف ما إذا أخره وقد خالفهم الجمهور في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلْأَعْرَابِيِّ وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَنَهَى عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ التَّصْرِيَةِ تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ نُهِيَ وَقَالَ آدَمُ نُهِينَا وَقَالَ النَّضْرُ وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ نَهَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو سلمان الأشجعي، وقد تقدم الكلام على حديث أبي هريرة هذا في البيوع مفرقا في مواضعه، والغرض منه قوله‏:‏ ‏"‏ ولا تشترط المرأة طلاق أختها ‏"‏ لأن مفهومه أنها إذا اشترطت ذلك فطلق أختها وقع الطلاق لأنه لو لم يقع لم يكن للنهي عنه معنى قاله ابن بطال، ويأتي الكلام على ما يتعلق منه بالطلاق في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه معاذ‏)‏ أى ابن معاذ العنبري ‏(‏وعبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث، والمعنى أنهما تابعا محمد بن عرعرة في تصريحه برفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إسناد النهي إليه صريحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غندر وعبد الرحمن‏)‏ أي ابن مهدي ‏(‏نهي‏)‏ يعني أنهما روياه أيضا عن شعبة فأبهما الفاعل، وذكره بضم النون وكسر الهاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال آدم‏)‏ أي ابن أبي إياس يعني عن شعبة‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ أي ولم يسم فاعل النهي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النضر‏)‏ أي ابن شميل ‏(‏وحجاج بن منهال‏)‏ يعني عن شعبة أيضا ‏(‏نهى‏)‏ أي بفتح النون والهاء ولم يسميا فاعل النهي، أيضا‏.‏

وهذه الروايات قد وقعت لنا موصولة‏:‏ فأما رواية معاذ فوصلها مسلم ولفظه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي ‏"‏ الحديث، وأما رواية عبد الصمد فوصلها مسلم أيضا وقال فيها‏.‏

‏"‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ‏"‏ بمثل حديث معاذ، وكذلك أخرجه النسائي من طريق حجاج بن محمد وأبو عوانة من طريق يحيي بن بكير وأبي داود الطيالسي كلهم عن شعبة، لكن شك أبو داود هل هو نهي أو نهى، وأما رواية غندر فوصلها مسلم أيضا قال حدثنا أبو بكر بن نافع حدثنا غندر وقال في روايته نهى كما علقه البخاري، وكذلك أخرجه مسلم من طريق وهب بن جرير وأبو عوانة من طريق أبي النضر كلاهما عن شعبة‏.‏

وأما رواية عبد الرحمن بن مهدي فوصلها وأما رواية آدم فرويناها في نسخته رواية إبراهيم بن يزيد عنه، أما رواية النضر بن شميل فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه، أما رواية حجاج بن منهال فوصلها البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عنه، وقرنها برواية حفص بن عمر عن شعبة، وأخرجه أبو عوانة من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت فقال فيه ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولم يشك‏.‏

وقوله في هذا المتن‏:‏ ‏"‏ وأن يبتاع المهاجر للأعرابي ‏"‏ المراد بالمهاجر الحضري، وأطلق عليه ذلك على عرف ذلك الزمان، والمعنى أن الأعرابي إذا جاء السوق ليبتاع شيئا لا يتوكل له الحاضر لئلا يحرم أهل السوق نفعا ورفقا، وإنما له أن ينصحه ويشير عليه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ أن يبتاع ‏"‏ أن يبيع فيوافق الرواية الماضية‏.‏

*3*باب الشُّرُوطِ مَعَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشروط مع الناس بالقول‏)‏ ذكر فيه طرقا من حديث ابن عباس عن أبي بن كعب في قصة موسى والخضر، والمراد منه قوله‏:‏ ‏"‏ كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا ‏"‏ وأشار بالشرط إلى قوله‏:‏ ‏(‏إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني‏)‏ والتزام موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدا‏.‏

وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دل عليه الشرط، فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط‏:‏ ‏(‏هذا فراق بيني وبينك‏)‏ ولم ينكر موسى عليه السلام ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا كَانَتْ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشروط مع الناس بالقول‏)‏ ذكر فيه طرقا من حديث ابن عباس عن أبي بن كعب في قصة موسى والخضر، والمراد منه قوله‏:‏ ‏"‏ كانت الأولى نسيانا والوسطى شرطا والثالثة عمدا ‏"‏ وأشار بالشرط إلى قوله‏:‏ ‏(‏إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني‏)‏ والتزام موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدا‏.‏

وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دل عليه الشرط، فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط‏:‏ ‏(‏هذا فراق بيني وبينك‏)‏ ولم ينكر موسى عليه السلام ذلك‏.‏

*3*باب الشُّرُوطِ فِي الْوَلَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشروط في الولاء‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث عائشة في قصة بريرة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في آخر كتاب العتق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ

الشرح‏:‏

تقدم الكلام عليه مستوفي في آخر كتاب العتق‏.‏

*3*باب إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا اشترط في المزارعة‏:‏ إذا شئت أخرجتك‏)‏ كذا ذكر هذه الترجمة مختصرة، وترجم لحديث الباب في المزارعة بأوضح من هذا فقال‏:‏ ‏"‏ إذا قال رب الأرض‏:‏ أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما ‏"‏ وأخرج هناك حديث ابن عمر في قصة يهود خيبر بلفظ ‏"‏ نقركم على ذلك ما شئنا ‏"‏ وأورده هنا بلفظ ‏"‏ نقركم ما أقركم الله ‏"‏ فأحال في كل ترجمة على لفظ المتن الذي في الأخرى، وبينت إحدى الروايتين مراد الأخرى وأن المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ ما أقركم الله ‏"‏ ما قدر الله أنا نترككم فيها فإذا شئنا فأخرجناكم تبين أن الله قدر إخراجكم، والله أعلم‏.‏

وقد تقدم في المزارعة توجيه الاستدلال به على جواز المخابرة، وفيه جواز الخيار في المساقاة للمالك لا إلى أمد، وأجاب من لم يجزه باحتمال أن المدة كانت مذكورة ولم تنقل، أو لم تذكر لكن عينت كل سنة بكذا، أو أن أهل خيبر صاروا عبيدا للمسلمين ومعاملة السيد لعبده لا يشترط فيها ما يشترط في الأجنبي، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مَرَّارُ بْنُ حَمُّويَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلَاءَهُمْ فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَامَلَنَا عَلَى الْأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا فَقَالَ عُمَرُ أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ فَقَالَ كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير مسمى ولا منسوب، ولابن السكن في روايته عن الفربري ووافقه أبو ذر ‏"‏ حدثنا أبو أحمد مرار بن حمويه ‏"‏ وهو بفتح الميم وتشديد الراء، وأبوه بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم، قال ابن الصلاح أهل الحديث يقولونها بضم الميم وسكون الواو وفتح التحتانية، وغيرهم بفتح الميم والواو وسكون التحتانية وآخرها هاء عند الجميع، ومن قاله من المحدثين بالتاء المثناة الفوقانية بدل الهاء فقد غلط‏.‏

قلت‏:‏ لكن وقع في شعر لابن دريد ما يدل على تجويز ذلك وهو قوله‏:‏ ‏"‏ إن كان نفطويه من نسلي ‏"‏ وهو همذاني بفتح الميم ثقة مشهور، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وكذا شيخه، وهو من فوقه مدنيون‏.‏

وقال الحاكم‏:‏ أهل بخاري يزعمون أنه أبو أحمد محمد بن يوسف البيكندي‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء، فإن أبا عمر المستملي رواه عنه عن أبي غسان انتهى، والمعتمد ما وقع في ذلك عند ابن السكن ومن وافقه، وجزم أبو نعيم أنه مرار المذكور وقال‏:‏ لم يسمه البخاري والحديث حديثه‏.‏

ثم أخرجه من طريق موسى بن هارون عن مرار‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه الدار قطني في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ من طريقه، ورواه ابن وهب عن مالك بغير إسناد، وأخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ أي ابن علي الكاتب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدع‏)‏ بفتح الفاء والمهملتين، الفدع بفتحتين زوال المفصل، فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما‏.‏

وقال الخليل‏:‏ الفدع عوج في المفاصل، وفي خلق الإنسان الثابت إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرف الساق فهو الفدع‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق، هذا الذي في جميع الروايات وعليها شرح الخطابي وهو الواقع في هذه القصة‏.‏

ووقع في رواية ابن السكن بالغين المعجمة أي فدغ وجزم به الكرماني، وهو وهم لأن الفدغ بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري، ولم يقع ذلك لابن عمر في القصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعدي عليه من الليل‏)‏ قال الخطابي‏:‏ كأن اليهود ‏(‏سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه، كذا قال، ويحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل في هذه الرواية‏.‏

ووقع في رواية حماد بن سلمة التي علق المصنف إسنادها آخر الباب بلفظ ‏"‏ فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تهمتنا‏)‏ بضم المثناة وفتح الهاء ويجوز إسكانها، أي الذين نتهمهم بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رأيت إجلاءهم‏.‏

فلما أجمع‏)‏ أي عزم‏.‏

وقال أبو الهيثم‏:‏ أجمع على كذا أي جمع أمره جميعا بعد أن كان مفرقا، وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر إياهم، وقد وقع لي فيه سببان آخران‏:‏ أحدهما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال‏:‏ ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ لا يجتمع بجزيرة العرب دينان ‏"‏ فقال‏:‏ من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له، وإلا فإني مجليكم‏.‏

فأجلاهم‏.‏

أخرجه ابن أبي شيبة وغيره‏.‏

ثانيهما رواه عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال‏:‏ لما كثر العيال - أي الخدم - في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر‏.‏

ويحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم‏.‏

والإجلاء الإخراج عن المال والوطن على وجه الإزعاج والكراهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحد بني أبي الحقيق‏)‏ بمهملة وقافين مصغر، وهو رأس يهود خيبر، ولم أقف على اسمه‏.‏

ووقع في رواية البرقاني ‏"‏ فقال رئيسهم لا تخرجنا ‏"‏ وابن أبي الحقيق الآخر هو الذي زوج صفية بنت حيي أم المؤمنين، فقتل بخيبر وبقي أخوه إلى هذه الغاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تعدو بك قلوصك‏)‏ بفتح القاف وبالصاد المهملة‏:‏ الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقبل أول ما يركب من إناث الإبل وقيل الطويلة القوائم، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى إخراجهم من خيبر وكان ذلك من إخباره بالمغيبات قبل وقوعها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان ذلك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ كانت هذه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هزيلة‏)‏ تصغير الهزل وهو ضد الجد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مالا‏)‏ تمييز للقيمة، وعطف الإبل عليه وكذلك العروض من عطف الخاص على العام، أو المراد بالمال النقد خاصة والعروض ما عدا النقد، وقيل ما لا يدخله الكيل ولا يكون حيوانا ولا عقارا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله‏)‏ بالتصغير هو العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحسبه عن نافع‏)‏ أي أن حمادا شك في وصله، وصرح بذلك أبو يعلى في روايته الآتية، وزعم الكرماني أن في قوله ‏"‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قرينة تدل على أن حمادا اقتصر في روايته على ما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة من قول أو فعل دون ما نسب إلى عمر‏.‏

قلت‏:‏ وليس كما قال، وإنما المراد أنه اختصر من المرفوع دون الموقوف، وهو الواقع في نفس الأمر، فقد رويناه في ‏"‏ مسند أبي يعلى ‏"‏ و ‏"‏ فوائد البغوي ‏"‏ كلاهما عن عبد الأعلى بن حماد عن حماد بن سلمة ولفظه ‏"‏ قال عمر‏:‏ من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها، فقال رئيسهم لا تخرجنا ودعنا كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال له عمر‏:‏ أتراه سقط علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشأم يوما ثم يوما ثم يوما، فقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية ‏"‏ قال البغوي هكذا رواه غير واحد عن حماد، ورواه الوليد بن صالح عن حماد بغير شك، قلت‏:‏ وكذا رويناه في مسند عمر النجار من طريق هدبة بن خالد عن حماد بغير شك وفيه قوله‏:‏ ‏"‏ رقصت بك ‏"‏ أي أسرعت في السير، وقوله‏:‏ ‏"‏ نحو الشام ‏"‏ تقدم في المزارعة ‏"‏ أن عمر أجلاهم إلى تيماء وأريحاء‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع للحميدي نسبة رواية حماد بن سلمة مطولة جدا إلى البخاري، وكأنه نقل السياق من ‏"‏ مستخرج البرقاني ‏"‏ كعادته وذهل عن عزوه إليه، وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا، وقد أشرت إلى بعض ما في روايته قبل، قال المهلب‏:‏ في القصة دليل على أن العداوة توضح المطالبة بالجناية كما طالب عمر اليهود بفدع ابنه، ورجح ذلك بأن قال‏:‏ ليس لنا عدو غيرهم، فعلق المطالبة بشاهد العداوة‏.‏

وإنما لم يطلب القصاص لأنه فدع وهو نائم فلم يعرف أشخاصهم‏.‏

وفيه أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله محمولة على الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز‏.‏