فصل: باب وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ

شَكٍّ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ

وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ أَتْرَفْنَاهُمْ وَسَّعْنَاهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ومن الناس من يعبد الله على حرف‏:‏ شك‏)‏ سقط لفظ شك لغير أبي ذر، وأراد بذلك تفسير قوله‏:‏ ‏"‏ حرف ‏"‏ وهو تفسير مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم، وزاد غير أبي ذر بعد حرف ‏(‏فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة - إلى قوله - ذلك هو الضلال البعيد‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أترفناهم وسعناهم‏)‏ كذا وقع هنا عندهم، وهذه الكلمة من السورة التي تليها وهو تفسير أبي عبيدة، قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأترفناهم في الحياة الدنيا‏)‏ ‏:‏ مجازه وسعنا عليهم، وأترفوا بغوا وكفروا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيى بن أبي بكير‏)‏ هو الكرماني، وهو غير يحيي بن بكير المصري يلتبسان لكنهما يفترقان من أربعة أوجه‏:‏ أحدها النسبة، الثاني أبو هذا فيه أداة الكنية بخلاف المصري، الثالث ولا يظهر غالبا أن بكيرا جد المصري وأبا بكير والد الكرماني، الرابع المصري شيخ المصنف والكرماني شيخ شيخه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسرائيل‏)‏ كذا رواه يحيى عنه بهذا الإسناد موصولا، ورواه أبو أحمد الزبيري عن إسرائيل بهذا الإسناد فلم يجاوز سعيد بن جبير أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ عن يحيى بن أبي بكير كما أخرجه البخاري وقال في آخره‏:‏ قال محمد بن إسماعيل بن سالم هذا حديث حسن غريب‏.‏

وقد أخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير فذكر فيه ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان الرجل يقدم المدينة فيسلم‏)‏ في رواية جعفر ‏"‏ كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله‏)‏ هو بضم نون نتجت فهي منتوجة مثل نفست فهي منفوسة، زاد العوفي عن ابن عباس ‏"‏ وصح جسمه ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم‏.‏

ولابن المنذر من طريق الحسن البصري ‏"‏ كان الرجل يقدم المدينة مهاجرا فإن صح جسمه ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي رواية جعفر ‏"‏ فإن وجدوا عام خصب وغيث وولاد ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ قال‏:‏ هذا دين صالح ‏"‏ في رواية العوفي ‏"‏ رضي واطمأن وقال‏:‏ ما أصبت في ديني إلا خيرا ‏"‏ وفي رواية الحسن ‏"‏ قال لنعم الدين هذا ‏"‏ وفي رواية جعفر ‏"‏ قالوا إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن لم تلد إلخ‏)‏ في رواية جعفر ‏"‏ وإن وجدوا عام جدب وقحط وولاد سوء قالوا ما في ديننا هذا خير ‏"‏ وفي رواية العوفي ‏"‏ وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال‏:‏ والله ما أصبت على دينك هذا إلا شرا، وذلك الفتنة ‏"‏ وفي رواية الحسن ‏"‏ فإن سقم جسمه وحبست عنه الصدقة وأصابته الحاجة قال‏:‏ والله ليس الدين هذا، ما زلت أتعرف النقصان في جسمي وحالي ‏"‏ وذكر الفراء أنها نزلت في أعاريب من بني أسد انتقلوا إلى المدينة بذراريهم وامتنوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم ذكر نحو ما تقدم‏.‏

وروى ابن مردويه من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف أنها نزلت في رجل من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده، فتشاءم بالإسلام فقال‏:‏ لم أصب في ديني خيرا‏.‏

*3*باب هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هذان خصمان اختصموا في ربهم‏)‏ الخصمان تثنية خصم، وهو يطلق على الواحد وغيره، وهو من تقع منه المخاصمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَقَالَ عُثْمَانُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقسم قسما‏)‏ كذا للأكثر، ولأبي ذر عن الكشميهني ‏"‏ يقسم فيها ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزلت في حمزة‏)‏ أي ابن عبد المطلب، وقد تقدم مشروحا في غزوة بدر مستوفى، ونقتصر هنا على بيان الاختلاف في إسناده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه سفيان‏)‏ أي الثوري ‏(‏عن أبي هاشم‏)‏ أي شيخ هشيم فيه، وهو الرماني بضم الراء وتشديد الميم أي بإسناده ومتنه، وقد تقدمت روايته موصولة في غزوة بدر‏.‏

ولسفيان فيه شيخ آخر أخرجه الطبري من طريق محمد بن مجيب عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف قال‏:‏ نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏)‏ أي ابن أبي شيبة ‏(‏عن جرير‏)‏ أي ابن عبد الحميد ‏(‏عن منصور‏)‏ أي ابن المعتمر ‏(‏عن أبي هاشم عن أبي مجلز قوله‏)‏ أي موقوفا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيْ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ قَيْسٌ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قَالَ هُمْ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قيس بن عباد‏)‏ بضم المهملة وتخفيف الموحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي قال‏:‏ أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة قال قيس‏)‏ هو ابن عباد الراوي المذكور ‏(‏وفيهم نزلت‏)‏ ، وهذا ليس باختلاف على قيس بن عباد في الصحابي، بل رواية سليمان التيمي عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن علي هذا القدر المذكور هنا فقط، ورواية أبي هاشم عن أبي مجلز تقتضي أن عند قيس عن أبي ذر ما سبق، لكن يعكر على هذا أن النسائي أخرج من طريق يوسف بن يعقوب عن سليمان التيمي بهذا الإسناد إلى علي قال‏:‏ ‏"‏ فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر‏:‏ هذان خصمان ‏"‏ ورواه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من هذا الوجه وزاد في أوله ما في رواية معتمر بن سليمان، وكذا أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي، وكذا ذكر الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ أن كهمس بن الحسن رواه كلاهما عن سليمان التيمي، وأشار الدار قطني إلى أن روايتهم مدرجة وأن الصواب رواية معتمر‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان التيمي كرواية معتمر، فإن كان محفوظا فيكون الحديث عند قيس عن أبي ذر وعن علي معا بدليل اختلاف سياقهما‏.‏

ثم ينظر بعد ذلك في الاختلاف الواقع عن أبي مجلز في إرساله حديث أبي ذر ووصله، فوصله عنه أبو هاشم في رواية الثوري وهشيم عنه، وأما سليمان التيمي فوقفه على قيس، وأما منصور فوقفه على أبي مجلز، ولا يخفى أن الحكم للواصل إذا كان حافظا، وسليمان وأبو هاشم متقاربان في الحفظ فتقدم رواية من معه زيادة، والثوري أحفظ من منصور فتقدم روايته، وقد وافقه شعبة عن أبي هاشم أخرجه الطبراني، على أن الطبري أخرجه من وجه آخر عن جرير عن منصور موصولا، فبهذا التقرير يرتفع اعتراض من ادعى أنه مضطرب كما أشرت إلى ذلك في المقدمة، وإنما أعيد مثل هذا لبعد العهد به والله المستعان‏.‏

وقد روى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين، ومن طريق الحسن قال‏:‏ هم الكفار والمؤمنون، ومن طريق مجاهد هو اختصام المؤمن والكافر في البعث، واختار الطبري هذه الأقوال في تعميم الآية قال‏:‏ ولا يخالف المروي عن علي وأبي ذر لأن الذين تبارزوا ببدر كانوا فريقين مؤمنين وكفار، إلا أن الآية إذا نزلت في سبب من الأسباب لا يمتنع أن تكون عامة في نظير ذلك السبب‏.‏

*3*سورة النُّورِ

مِنْ خِلَالِهِ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ سَنَا بَرْقِهِ وَهُوَ الضِّيَاءُ مُذْعِنِينَ يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي مُذْعِنٌ أَشْتَاتًا وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا بَيَّنَّاهَا وَقَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَ الْقُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ وَسُمِّيَتْ السُّورَةُ لِأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنْ الْأُخْرَى فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِّيَ قُرْآنًا وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ الْمِشْكَاةُ الْكُوَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أَيْ مَا جُمِعَ فِيهِ فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ وَيُقَالُ لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ أَيْ تَأْلِيفٌ وَسُمِّيَ الْفُرْقَانَ لِأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ أَيْ لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا وَيُقَالُ فِي فَرَّضْنَاهَا أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً وَمَنْ قَرَأَ فَرَضْنَاهَا يَقُولُ فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا لَمْ يَدْرُوا لِمَا بِهِمْ مِنْ الصِّغَرِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أُولِي الْإِرْبَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَرَبٌ وَقَالَ طَاوُسٌ هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يُهِمُّهُ إِلَّا بَطْنُهُ وَلَا يَخَافُ عَلَى النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة النور - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ‏(‏من خلاله‏)‏ من بين أضعاف السحاب، هو قول أبي عبيدة، ولفظة أضعاف أو بين مزيدة فإن المعنى ظاهر بأحدهما، وروى الطبري من طريق ابن عباس أنه قرأ ‏"‏ يخرج من خلله ‏"‏ قال هارون أحد رواته‏:‏ فذكرته لأبي عمرو فقال‏:‏ إنها لحسنة ولكن خلاله أعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سنا برقه وهو الضياء‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏يكاد سنا برقه‏)‏ مقصور أي ضياء، والسناء ممدود في الحسب‏.‏

وروى الطبري من طريق ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏يكاد سنا برقه‏)‏ يقول‏:‏ ضوء برقه‏.‏

ومن طريق قتادة قال‏:‏ لمعان البرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مذعنين يقال للمستخذي مذعن‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏يأتوا إليه مذعنين‏)‏ أي مستخذين، وهو بالخاء والذال المعجمتين‏.‏

وروى الطبري من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏مذعنين‏)‏ قال‏:‏ سراعا‏.‏

وقال الزجاج‏:‏ الإذعان الإسراع في الطاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشتاتا وشتى وشتات وشت واحد‏)‏ هو قول أبي عبيدة بلفظه‏.‏

وقال غيره‏:‏ أشتات جمع ومفرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ لو إذا خلافا‏)‏ وصله الطبري من طريقه، واللواذ مصدر لاوذت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سعد بن عياض الثمالي‏)‏ بضم المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد، وهو كوفي تابعي، ذكر مسلم أن أبا إسحاق تفرد بالرواية عنه، وزعم بعضهم أن له صحبة ولم يثبت، وما له في البخاري إلا هذا الموضع، وله حديث عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، قال ابن سعد‏:‏ كان قليل الحديث‏.‏

وقال البخاري‏:‏ مات غازيا بأرض الروم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المشكاة الكوة بلسان الحبشة‏)‏ وصله ابن شاهين من طريقه، ووقع لنا بعلو في ‏"‏ فوائد جعفر السراج ‏"‏ وقد روى الطبري من طريق كعب الأحبار قال‏:‏ المشكاة الكوة والكوة بضم الكاف وبفتحها وتشديد الواو وهي الطاقة للضوء، وأما قوله بلسان الحبشة فمضى الكلام فيه في تفسير سورة النساء‏.‏

وقال غيره‏:‏ المشكاة موضع الفتيلة رواه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏كمشكاة‏)‏ قال‏:‏ يعني الكوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ سورة أنزلناها بيناها‏)‏ قال عياض‏:‏ كذا في النسخ والصواب ‏(‏أنزلناها وفرضناها‏)‏ بيناها، فبيناها تفسير فرضناها، ويدل عليه قوله بعد هذا‏:‏ ‏"‏ ويقال في فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة ‏"‏ فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير آخر انتهى‏.‏

وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏وفرضناها‏)‏ يقول بيناها، وهو يؤيد قول عياض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ سمي القرآن لجماعة السور، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى‏.‏

فلما قرن بعضها إلى بعض سمي قرآنا‏)‏ هو قول أبي عبيدة قاله في أول ‏"‏ المجاز‏"‏‏.‏

وفي رواية أبي جعفر المصادري عنه‏:‏ سمي القرآن لجماعة السور، فذكر مثله سواء وجوز الكرماني في قراءة هذه اللفظة - وهي الجماعة - وجهين‏:‏ إما بفتح الجيم وآخرها تاء تأنيث بمعنى الجميع، وإما بكسر الجيم وآخرها ضمير يعود على القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقوله إن علينا جمعه وقرآنه‏:‏ تأليف بعضه إلى بعض إلخ‏)‏ يأتي الكلام عليه في تفسير سورة القيامة إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال ليس لشعره قرآن أي تأليف‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال للمرأة ما قرأت بسلاقط، أي لم تجمع ولدا في بطنها‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا قاله في ‏"‏ المجاز ‏"‏ رواية أبي جعفر المصادري عنه، وأنشد قول الشاعر ‏"‏ هجان اللون لم يقرأ جنينا ‏"‏ والسلا بفتح المهملة وتخفيف اللام، وحاصله أن القرآن عنده من قرأ بمعنى جمع، لا من قرأ بمعني تلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ‏(‏فرضناها‏)‏ أنزلنا فيها فرائض مختلفة، ومن قرأ فرضناها يقول فرضنا عليكم وعلى من بعدكم‏)‏ فيها كذا وقال الفراء‏:‏ من قرأ ‏(‏فرضناها‏)‏ يقول فرضنا فيها فرائض مختلفة، وإن شئت فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة، قال‏:‏ فالتشديد بهذين الوجهين حسن‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فرضناها‏)‏ حددنا فيها الحلال والحرام، وفرضنا من الفريضة‏.‏

وفي رواية له ومن خففها جعلها من الفريضة قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشعبي‏:‏ ‏(‏أولي الإربة‏)‏ من ليس له أرب‏)‏ ثبت هذا للنسفي، وسيأتي بعضه في النكاح، وقد وصله الطبري من طريق شعبة عن مغيرة عن الشعبي مثله‏.‏

ومن وجه آخر عنه قال‏:‏ الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورة النساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس‏:‏ هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثله‏.‏

قوله ‏(‏وقال مجاهد لا يهمه إلا بطنه ولا يخاف على النساء‏)‏ ‏(‏أو الطفل الذين لم يظهروا لم يدروا لما بهم من الصغر‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏أو التابعين غير أولي الإربة‏)‏ قال‏:‏ الذي يريد الطعام ولا يريد النساء، ومن وجه آخر عنه قال‏:‏ الذين لا يهمهم إلا بطونهم ولا يخافون على النساء‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء‏)‏ قال‏:‏ لم يدروا ما هي من الصغر قبل الحلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ

فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله عز وجل‏:‏ ‏(‏والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء‏)‏ الآية‏)‏ ذكر فيه حديث سهل بن سعد مطولا وفي الباب الذي بعده مختصرا، وسيأتي شرحه في كتاب اللعان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا قَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلَاعَنَهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا فَطَلَّقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ

الشرح‏:‏

وقوله في أول الباب‏:‏ ‏"‏ حدثنا إسحاق حدثنا محمد بن يوسف‏.‏

هو الفريابي وهو شيخ البخاري لكن ربما أدخل بينهما واسطة، وإسحاق المذكور وقع غير منسوب ولم ينسبه الكلاباذي أيضا، وعندي أنه إسحاق بن منصور، وقد بينت ذلك في المقدمة‏.‏

*3*بَاب وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ التَّلَاعُنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُضِيَ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ قَالَ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا شَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏ ‏.‏

*3*باب وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ويدرأ عنها العذاب الآية‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة المتلاعنين من رواية عكرمة عنه، وقد ذكره في اللعان من رواية القاسم بن محمد عنه، وبينهما في سياقه اختلاف سأبينه هناك، وأقتصر هنا على بيان الراجح من الاختلاف في سبب نزول آيات اللعان دون أحكامه فأذكرها في بابها إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ عن هشام بن حسان حدثنا عكرمة ‏"‏ هكذا قال ابن عدي عنه‏.‏

وقال عبد الأعلى ومخلد بن حسين ‏"‏ عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس ‏"‏ فمنهم من أعل حديث ابن عباس بهذا ومنهم من حمله على أن لهشام فيه شيخين، وهذا هو المعتمد، فإن البخاري أخرج طريق عكرمة، ومسلما أخرج طريق ابن سيرين، ويرجح هذا الحمل اختلاف السياقين كما سنبينه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏البينة أو حد في ظهرك‏)‏ قال ابن مالك‏:‏ ضبطوا البينة بالنصب على تقدير عامل أي أحضر البينة‏.‏

وقال غيره‏:‏ روي بالرفع والتقدير إما البينة وإما حد‏.‏

وقوله في الرواية المشهورة‏:‏ ‏"‏ أو حد في ظهرك ‏"‏ قال ابن مالك‏:‏ حذف منه فاء الجواب وفعل الشرط بعد إلا والتقدير وإلا تحضرها فجزاؤك حد في ظهرك، قال‏:‏ وحذف مثل هذا لم يذكر النحاة أنه يجوز إلا في الشعر، لكن يرد عليهم وروده في هذا الحديث الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال هلال‏:‏ والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه‏:‏ والذين يرمون أزواجهم‏)‏ كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية، وفي حديث سعد الماضي أنها نزلت في عويمر ولفظه ‏"‏ فجاء عويمر فقال‏:‏ يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فأمرهما بالملاعنة ‏"‏ وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع‏:‏ فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا في وقت واحد‏.‏

وقد جنح النووي إلى هذا، وسبقه الخطيب فقال‏:‏ لعلهما اتفق كونهما جاآ في وقت واحد‏.‏

ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مثل رواية هشام بن حسان بزيادة في أوله ‏"‏ لما نزلت ‏(‏والذين يرمون أزواجهم‏)‏ الآية قال سعد بن عبادة‏:‏ لو رأيت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي أربعة شهداء، ما كنت لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته، قال‏:‏ فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية ‏"‏ الحديث‏.‏

وعند الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلا فيه نحوه وزاد ‏"‏ فلم يلبثوا أن جاء ابن عم له فرمى امرأته ‏"‏ الحديث‏.‏

والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل بن سعد في الباب الذي قبله‏.‏

وأخرج الطبري من طريق الشعبي مرسلا قال‏:‏ ‏"‏ لما نزلت ‏(‏والذين يرمون أزواجهم‏)‏ الآية قال عاصم بن عدي‏:‏ إن أنا رأيت فتكلمت جلدت، وإن سكت سكت على غيظ ‏"‏ الحديث، ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول‏.‏

وروى البزار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر‏:‏ لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به‏؟‏ قال‏:‏ كنت فاعلا به شرا‏.‏

قال‏:‏ فأنت يا عمر‏؟‏ قال‏:‏ كنت أقول لعن الله الأبعد، قال‏:‏ فنزلت ‏"‏ ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال‏:‏ ‏"‏ فنزل جبريل ‏"‏ وفي قصة عويمر ‏"‏ قد أنزل الله فيك فيؤول قوله‏:‏ قد أنزل الله فيك أي وفيمن كان مثلك ‏"‏ وبهذا أجاب ابن الصباغ في الشامل قال‏:‏ نزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر‏:‏ ‏"‏ قد نزل فيك وفي صاحبتك ‏"‏ فمعناه ما نزل في قصة هلال، ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى قال‏:‏ ‏"‏ أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته ‏"‏ الحديث، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال‏:‏ وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن، قال القرطبي‏:‏ أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب وقال‏:‏ هو خطأ، والصحيح أنه عويمر‏.‏

وسبقه إلى نحو ذلك الطبري وقال ابن العربي‏:‏ قال الناس‏:‏ هو وهم من هشام بن حسان، وعليه دار حديث ابن عباس وأنس بذلك‏.‏

وقال عياض في ‏"‏ المشارق ‏"‏ كذا جاء من رواية هشام بن حسان ولم يقله غيره، وإنما القصة لعويمر العجلاني، قال‏:‏ ولكن وقع في ‏"‏ المدونة ‏"‏ في حديث العجلاني ذكر شريك‏.‏

وقال النووي في مبهماته‏:‏ اختلفوا في الملاعن على ثلاثة أقوال عويمر العجلاني، وهلال بن أمية، وعاصم بن عدي‏.‏

ثم نقل عن الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر‏.‏

وكلام الجميع متعقب أما قول ابن أبي صفرة فدعوى مجردة، وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان الجمع‏؟‏ وما نسبه إلى الطبري لم أره في كلامه‏.‏

وأما قول ابن العربي إن ذكر هلال دار على هشام بن حسان، وكذا جزم عياض بأنه لم يقله غيره، فمردود لأن هشام بن حسان لم ينفرد به، فقد وافقه عباد بن منصور كما قدمته، وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري وابن مردويه موصولا قال‏:‏ ‏"‏ لما قذف هلال بن أمية امرأته ‏"‏ وأما قول النووي تبعا للواحدي وجنوحه إلى الترجيح فمرجوح لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح‏.‏

ثم قوله‏:‏ ‏"‏ وقيل عاصم بن عدي ‏"‏ فيه نظر لأنه ليس لعاصم فيه قصة أنه الذي لاعن امرأته، وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة‏.‏

ولما روى ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ طريق جرير بن حازم تعقبه بأن قال‏:‏ قد رواه القاسم بن محمد عن ابن عباس كما رواه الناس‏.‏

وهو يوهم أن القاسم سمى الملاعن عويمرا، والذي في الصحيح ‏"‏ فأتاه رجل من قومه ‏"‏ أي من قوم عاصم، والنسائي من هذا الوجه ‏"‏ لاعن بين العجلاني وامرأته ‏"‏ والعجلاني هو عويمر‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، حدثنا مقدم‏)‏ هو بوزن محمد، وهو ابن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي المقدمي الواسطي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في التوحيد وكلاهما في المتابعات‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلَاعَنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمي القاسم بن يحيى‏)‏ هو ثقة وهو ابن عم أبي بكر بن علي المقدمي والد محمد شيخ البخاري أيضا، وليس للقاسم عند البخاري سوى الحديثين المذكورين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله وقد سمع منه‏)‏ هو كلام البخاري وأشار بذلك إلى حديث غير هذا صرح فيه القاسم بن يحيى بسماعه من عبيد الله بن عمر، وأما هذا الحديث فقد رواه الطبراني عن أبي بكر بن صدقة عن يقدم بن محمد بهذا الإسناد معنعنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها‏)‏ سيأتي البحث فيه مفصلا في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ

لَا تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ أَفَّاكٌ كَذَّابٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏عذاب عظيم‏)‏ وهو أولى لأنه اقتصر في الباب على تفسير الذي تولى كبره فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفاك كذاب‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة وغيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ قَالَتْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، وقد صرح به ابن مردويه من وجه آخر عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه، ورواه عبد الرزاق عن معمر مطولا في جملة حديث الإفك، وقد تقدم في غزوة المريسيع من المغازي من رواية معمر أيضا وغيره عن الزهري، وفي القصة التي دارت بينه وبين الوليد بن عبد الملك في ذلك قوله عن عائشة‏:‏ ‏"‏ والذي تولى كبره ‏"‏ أي قالت عائشة في تفسير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت عبد الله بن أبي ابن سلول‏)‏ أي هو عبد الله، وتقدمت ترجمته قريبا في سورة براءة، وهذا هو المعروف في أن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم‏)‏ وهو عبد الله بن أبي، وبه تظاهرت الروايات عن عائشة من قصة الإفك المطولة كما في الباب الذي بعد هذا، وسيأتي بعد خمسة أبواب بيان من قال خلاف ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا إِلَى قَوْلِهِ الْكَاذِبُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا - إلى قوله - الكاذبون‏)‏ كذا لأبي ذر، وقد وقع عند غيره سياق آيتين غير متواليتين‏:‏ الأولى قوله‏:‏ ‏(‏ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا - إلى قوله - عظيم‏)‏ والأخرى وله‏:‏ ‏(‏لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء - إلى قوله - الكاذبون‏)‏ واقتصر النسفي على الآية الأخيرة‏.‏

ثم ساق المصنف حديث الإفك بطوله من طريق الليث عن يونس بن يزيد عن الزهري عن مشايخه الأربعة، وقد ساقه بطوله أيضا في الشهادات من طريق فليح بن سليمان، وفي المغازي من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري، وأورده في مواضع أخرى باختصار‏.‏

فأول ما أخرجه في الجهاد ثم في الشهادات ثم في التفسير ثم في الإيمان والنذر ثم في التوحيد من طريق عبد الله النميري عن يونس باختصار في هذه المواضع، وأخرجه في التوحيد وعلقه في الشهادات باختصار أيضا من رواية الليث أيضا، وأخرجه في التفسير والأيمان والنذور والاعتصام من طريق صالح بن كيسان باختصار في هذه المواضيع أيضا‏.‏

وأخرج طرفا منه معلقا في المغازي عن طريق النعمان بن راشد عن الزهري، ومن طريق معمر عن الزهري طرفا آخر‏.‏

وأخرجه مسلم من رواية عبد الله بن المبارك عن يونس، ومن رواية عبد الرزاق عن معمر كلاهما عن الزهري ساقه على لفظ معمر ثم ساقه من طريق فليح وصالح بإسنادهما قال‏.‏

مثله، غير أنه بين الاختلاف في ‏"‏ احتملته الحمية ‏"‏ أو ‏"‏ اجتهلته ‏"‏ وفي ‏"‏ موغرين ‏"‏ كما سيأتي‏.‏

وذكر في رواية صالح زيادة كما سأنبه عليها‏.‏

وأخرجه النسائي في عشرة النساء من طريق صالح، وأخرجه في التفسير من طريق محمد بن ثور عن معمر لكنه اقتصر على نحو نصف أوله ثم قال‏.‏

وساق الحديث‏.‏

وأخرج من طريق ابن وهب عن يونس وذكر آخر كلاهما عن الزهري بسنده ‏"‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة يستشيرهما إلى قوله - فتأتي الداجن فتأكله ‏"‏ أخرجه في القضاء‏.‏

وأخرج أبو داود من طريق ابن وهب عن يونس طرفا منه في السنة، وهو قول عائشة‏:‏ ‏"‏ ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ‏"‏ وذكره الترمذي عن يونس ومعمر وغيرهما عن الزهري معلقا عقب رواية هشام بن عروة عن أبيه، فهذه جميع طرقه في هذه الكتب‏.‏

وقد جاء عن الزهري من غير رواية هؤلاء، فأخرجه أبو عوانة في صحيحه والطبراني من رواية يحيي بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر العمري وإسحاق بن راشد وعطاء الخراساني وعقيل وابن جريج‏.‏

وأخرجه أبو عوانة أيضا من رواية محمد بن إسحاق وبكر بن وائل ومعاوية بن يحيى وحميد الأعرج، وعند أبي داود طرف من رواية حميد هذا، والطبراني أيضا من رواية زياد بن سعد وابن أبي عتيق وصالح بن أبي الأخضر وأفلح بن عبد الله بن المغيرة وإسماعيل بن رافع ويعقوب بن عطاء، وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن عيينة وعبد الرحمن بن إسحاق كلهم وعدتهم ثمانية عشر نفسا عن الزهري، منهم من طوله ومنهم من اختصره، وأكثرهم يقدم عروة على سعيد وبعد سعيد علقمة ويختم بعبيد الله، وقدم معمر ويونس من رواية ابن وهب عنه، وعقيل وابن إسحاق في رواية معاوية وزياد وأفلح وإسماعيل ويعقوب سعيد بن المسيب على عروة، وقدم ابن وهب علقمة على عبيد الله، وقدم ابن إسحاق في رواية علقمة وثنى بسعيد وثلث بعروة وأخر عبيد الله، وقدم عطاء الخراساني عبيد الله على عروة في رواية وحذف من أخرى سعيدا، وكذا قدم صالح بن أبي الأخضر عبيد الله لكن ثنى بأبي سلمة بن عبد الرحمن بدل سعيد وثلث بعلقمة وختم بعروة، واقتصر بكر على سعيد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا تَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَ وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ

فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا قَالَتْ أَيْ هَنْتَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ قَالَتْ قُلْتُ وَمَا قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ فَقُلْتُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا قَالَتْ فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا قَالَتْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْوُدِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ بَرِيرَةُ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ قَالَتْ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ قَالَتْ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ

قَالَتْ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي قَالَتْ فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا

قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَتْ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ فَقَالَتْ أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ قَالَتْ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسِبُوهُ الْعَشْرَ الْآيَاتِ كُلَّهَا فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا قَالَتْ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ

الشرح‏:‏ غير موجود

*3*باب قَوْلِهِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَلَقَّوْنَهُ يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ تُفِيضُونَ تَقُولُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم‏)‏ في رواية أبي ذر بعد قوله‏:‏ ‏(‏أفضتم فيه‏)‏ الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفضتم قلتم‏)‏ ثبت هذا لأبي نعيم في رواية ‏"‏ المستخرج ‏"‏‏:‏ وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ أفضتم أي خضتم فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تفيضون فيه تقولون‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد تلقونه يرويه بعضكم عن بعض‏)‏ وصله الفريابي من طريقه وقال‏:‏ معناه من التلقي للشيء وهو أخذه وقبوله، وهو على القراءة المشهورة، وبذلك جزم أبو عبيدة وغيره‏.‏

وتلقونه بحذف إحدى التاءين، وقرأ ابن مسعود بإثباتها، وقراءة عائشة ويحيى بن يعمر ‏"‏ تلقونه ‏"‏ بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق بسكون اللام وهو الكذب‏.‏

وقال الفراء‏:‏ الولق الاستمرار في السير وفي الكذب، ويقال للذي أدمن الكذب الألق بسكون اللام وبفتحها أيضا‏.‏

وقال الخليل‏:‏ أصل الولق الإسراع، ومنه جاءت الإبل تلق، وقد تقدم في غزوة المريسيع التصريح بأن عائشة قرأته كذلك، وأن ابن أبي مليكة قال‏:‏ هي أعلم من غيرها بذلك لكونه نزل فيها‏.‏

وقد تقدم فيه أيضا الكلام على إسناد حديث أم رومان المذكور في هذا الباب، والمذكور هنا طرف من حديثها وقد تقدم بتمامه هناك، وتقدم شرحه مستوفى في الباب الذي قبله في أثناء حديث عائشة‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ هذا الذي ذكره من حديث أم رومان لا يتعلق بالترجمة، وهو كما قال‏.‏

إلا أن الجامع بينهما قصة الإفك في الجملة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمِّ رُومَانَ أُمِّ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا

الشرح‏:‏

وقوله في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان عن حصين ‏"‏ كذا للأكثر، وسليمان هو ابن كثير أخو محمد الراوي عنه، وللأصيلي عن الجرجاني سفيان بدل ‏"‏ سليمان ‏"‏ قال أبو علي الجياني‏:‏ هو خطأ والصواب سليمان‏.‏

وهو كما قال‏.‏

*3*باب إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ‏(‏إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى ‏(‏عظيم‏)‏ وقد ذكرت ما فيه في الذي قبله‏.‏

*3*باب وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ باب ‏(‏ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى ‏(‏عظيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لجي، اللجة معظم البحر‏)‏ ثبت هذا لأبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وهو قول أبي عبيدة، قال في قوله‏:‏ ‏(‏في بحر لجي‏)‏ يضاف إلى اللجة وهي معظم البحر‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ينبغي أن يكون هذا في أثناء التفاسير المذكورة في أول السورة، وأما خصوص هذا الباب قلا تعلق له بها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ مَغْلُوبَةٌ قَالَتْ أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ فَقِيلَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ قَالَتْ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدِينَكِ قَالَتْ بِخَيْرٍ إِنْ اتَّقَيْتُ قَالَ فَأَنْتِ بِخَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنْ السَّمَاءِ وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلَافَهُ فَقَالَتْ دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ نِسْيًا مَنْسِيًّا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهي مغلوبة‏)‏ أي من شدة كرب الموت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ أخشى أن يثنى علي، فقيل‏:‏ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأن القائل فهم عنها أنها تمنعه من الدخول للمعنى الذي ذكرته فذكرها بمنزلته، والذي راجع عائشة في ذلك هو ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، والذي استأذن لابن عباس على عائشة حينئذ هو ذكوان مولاها، وقد بين ذلك كله أحمد وابن سعد من طريق عبد الله بن عثمان هو ابن خثيم عن ابن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال لها عبد الله يا أمتاه إن ابن عباس من صالح بيتك يسلم عليك ويودعك، قالت‏:‏ ائذن له إن شئت ‏"‏ وادعى بعض الشراح أن هذا يدل على أن رواية البخاري مرسلة، قال‏:‏ لأن ابن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه من ابن عباس حال قوله لعائشة لعدم حضوره انتهى‏.‏

وما أدري من أين له الجزم بعدم حضوره وسماعه، وما المانع من ذلك‏؟‏ ولعله حضر جميع ذلك وطال عهده به فذكره به ذكوان، أو أن ذكوان ضبط منه ما لم يضبطه هو، ولهذا وقع في رواية ذكوان ما لم يقع في رواية ابن أبي مليكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كيف تجدينك‏)‏ في رواية ابن ذكوان ‏"‏ فلما جلس قال‏:‏ أبشري‏.‏

قالت‏:‏ وأيضا‏.‏

قال‏:‏ ما بينك وبين أن تلقي محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بخير إن اتقيت‏)‏ أي إن كنت من أهل التقوى، ووقع في رواية الكشميهني أبقيت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنت بخير إن شاء الله تعالى، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكح بكرا غيرك‏)‏ في رواية ذكوان ‏"‏ كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يحب إلا طيبا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونزل عذرك من السماء‏)‏ يشير إلى قصة الإفك، ووقع في رواية ذكوان ‏"‏ وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات‏.‏

جاء به الروح الأمين، فليس في الأرض مسجدا إلا وهو يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فنزل التيمم، فوالله إنك لمباركة ‏"‏ ولأحمد من طريق أخرى فيها رجل لم يسم عن ابن عباس أنه قال لها‏:‏ ‏"‏ إنما سميت أم المؤمنين لتسعدي، وإنه لاسمك قبل أن تولدي ‏"‏ وأخرجه ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن سابط عن ابن عباس مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودخل ابن الزبير خلافه‏)‏ أي على عائشة بعد أن خرج ابن عباس فتخالفا في الدخول والخروج ذهابا وإيابا، وافق رجوع ابن عباس مجيء ابن الزبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وددت إلخ‏)‏ هو على عادة أهل الورع في شدة الخوف على أنفسهم، ووقع في رواية ذكوان أنها قالت لابن عباس هذا الكلام قبل أن يقوم ولفظه ‏"‏ فقالت دعني منك يا بن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر هنا خصوص ما يتعلق بالآية التي ذكرها في الترجمة صريحا، وإن كان داخلا في عموم قول ابن عباس‏:‏ ‏"‏ نزل عذرك من السماء ‏"‏ فإن هذه الآية من أعظم ما يتعلق بإقامة عذرها وبراءتها رضي الله عنها، وسيأتي في الاعتصام من طريق هشام بن عروة ‏"‏ وقال رجل من الأنصار‏:‏ سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك الآية ‏"‏ وسأذكر تسميته هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن عون‏)‏ هو عبد الله ‏(‏عن القاسم‏)‏ هو ابن محمد بن أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ابن عباس رضي الله عنه استأذن على عائشة نحوه‏)‏ في رواية الإسماعيلي عن الهيثم بن خلف وغيره عن محمد بن المثنى شيخ البخاري فيه فذكر معناه، قال المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ يعني قوله‏:‏ ‏"‏ أنت زوجة رسول الله ونزل عذرك‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وقد أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق حماد بن زيد عن عبد الله بن عون ولفظه ‏"‏ عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها اشتكت‏.‏

فاستأذن ابن عباس عليها وأتاها يعودها فقالت‏:‏ الآن يدخل علي فيزكيني فأذنت له فقال‏:‏ أبشري يا أم المؤمنين، تقدمين على فرط صدق، وتقدمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر، قالت‏:‏ أعوذ بالله أن تزكيني ‏"‏ وقد تقدم في مناقب عائشة عن محمد بن بشار عن عبد الوهاب بإسناد الباب بلفظ ‏"‏ أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال‏:‏ يا أم المؤمنين، تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ‏"‏ فالذي يظهر أن رواية عبد الوهاب مختصرة، وكأن المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ نحوه ومعناه ‏"‏ بعض الحديث لا جميع تفاصيله‏.‏

ثم راجعت ‏"‏ مستخرج الإسماعيلي ‏"‏ فظهر لي أن محمد بن المثنى هو الذي اختصره لا البخاري، لأنه صرح بأنه لا يحفظ حديث ابن عون، وأنه كان سمعه ثم نسيه، فكان إذا حدث به يختصره، وكان يتحقق قولها‏:‏ ‏"‏ نسيا منسيا ‏"‏ لم يقع في رواية ابن عون وإنما وقعت في رواية ابن أبي مليكة‏.‏

وأخرج ذلك الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه عن محمد بن المثنى وأخرجه من طريق حماد بن زيد عن عبد الله بن عون فساقه بتمامه كما بينته، فهذا الذي أشار إليه ابن المثنى والله أعلم‏.‏

وفي هذه القصة دلالة على سعة علم ابن عباس وعظيم منزلته بين الصحابة والتابعين، وتواضع عائشة وفضلها وتشديدها في أمر دينها، وأن الصحابة كانوا لا يدخلون على أمهات المؤمنين إلا بإذن، ومشورة الصغير على الكبير إذا رآه عدل إلى ما الأولى خلافه، والتنبيه على رعاية جانب الأكابر من أهل العلم والدين، وأن لا يترك ما يسحقونه من ذلك لمعارض دون ذلك في المصلحة‏.‏

*3*باب يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا الآية‏)‏ سقط لغير أبي ذر لفظ ‏"‏ الآية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا قُلْتُ أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا قَالَتْ أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَالَ سُفْيَانُ تَعْنِي ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ لَكِنْ أَنْتَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ جاء حسان بن ثابت يستأذن عليها‏)‏ فيه التفات من المخاطبة إلى الغيبة‏.‏

وفي رواية مؤمل عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ كنت عند عائشة فدخل حسان، فأمرت فألقيت له وسادة، فلما خرج قلت‏:‏ أتأذنين لهذا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ أتأذنين لهذا‏)‏ في رواية مؤمل ‏"‏ ما تصنعين بهذا ‏"‏ وفي رواية شعبة في الباب الذي يليه ‏"‏ تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله‏:‏ والذي تولى كبره منهم ‏"‏ وهذا مشكل لأن ظاهره أن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏والذي تولى كبره منهم‏)‏ هو حسان بن ثابت وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أبي وهو المعتمد، وقد وقع في رواية أبي حذيفة عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ وهو ممن تولى كبره ‏"‏ فهذه الرواية أخف إشكالا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ أو ليس قد أصابه عذاب عظيم‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ قالت‏:‏ وأي عذاب أشد من العمى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ تعني ذهاب بصره‏)‏ زاد أبو حذيفة ‏"‏ وإقامة الحدود ‏"‏ ووقع بعد هذا الباب في رواية شعبة تصريح عائشة بصفة العذاب دون رواية سفيان، ولهذا احتاج أن يقول ‏"‏ تعني‏"‏‏.‏

وسفيان المذكور هو الثوري، والراوي عنه الفريابي، وقد روى البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان عن الأعمش شيئا غير هذا، ومحمد بن يوسف فيه هو البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة بخلاف الذي هنا‏.‏

ووقع عند الإسماعيلي التصريح بأن سفيان هنا هو الثوري ومحمد بن يوسف هو الفريابي‏.‏

*3*بَاب وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ وَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ لَسْتَ كَذَاكَ قُلْتُ تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَتْ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى وَقَالَتْ وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فشبب‏)‏ بمعجمة وموحدتين الأولى ثقيلة أي تغزل، يقال شبب الشاعر بفلانة أي عرض بحبها وذكر حسنها، والمراد ترقيق الشعر بذكر النساء، وقد يطلق على إنشاد الشعر وإنشائه ولم يكن فيه غزل كما وقع في حديث أم معبد ‏"‏ فلما سمع حسان شعر الهاتف شبب يجاريه ‏"‏ أخذ في نظم جوابه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حصان‏)‏ بفتح المهملة قال السهيلي‏:‏ هذا الوزن يكثر في أوصاف المؤنث وفي الإعلام منها كأنهم قصدوا بتوالي الفتحات مشاكلة خفة اللفظ لخفة المعني ‏"‏ حصان ‏"‏ من الحصين والتحصين يراد به الامتناع على الرجال ومن نظرهم إليها، وقوله‏:‏ ‏"‏ رزان ‏"‏ من الرزانة يراد قلة الحركة، ‏"‏ وتزن ‏"‏ بضم أوله ثم زاي ثم نون ثقيلة أي ترمى، وقوله‏:‏ ‏"‏ غرثى ‏"‏ بفتح المعجمة وسكون الراء ثم مثلثة أي خميصة البطن أي لا تغتاب أحدا، وهي استعارة فيها تلميح بقوله تعالى في المغتاب‏:‏ ‏(‏أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا‏)‏ ‏.‏

و ‏"‏ الغوافل ‏"‏ جمع غافلة وهي العفيفة الغافلة عن الشر، والمراد تبرئتها من اغتياب الناس بأكل لحومهم من الغيبة، ومناسبة تسمية ‏"‏ الغيبة ‏"‏ بأكل اللحم أن اللحم ستر على العظم، فكأن المغتاب يكشف ما على من اغتابه من ستر‏.‏

وزاد ابن هشام في السيرة في هذا الشعر على أبي زيد الأنصاري‏:‏ عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطل وفيه عن ابن إسحاق‏:‏ فإن كنت قد قلت الذي زعموا لكم فلا رفعت سوطي إلي أناملي فكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل وزاد فيه الحاكم في رواية له من غير رواية ابن إسحاق‏:‏ حليلة خير الخلق دينا ومنصبا نبي الهدى والمكرمات الفواضل رأيتك وليغفر لك الله حرة من المحصنات غير ذات الغوائل و ‏"‏ الخيم ‏"‏ بكسر المعجمة وسكون التحتانية الأصل الثابت، وأصله من الخيمة يقال خام يخيم إذا أقام بالمكان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت عائشة‏:‏ لست كذاك‏)‏ ذكر ابن هشام عن أبي عبيدة أن امرأة مدحت بنت حسان بن ثابت عند عائشة فقالت‏:‏ حصان رزان البيت‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ لكن أبوها‏.‏

وهو بتخفيف النون، فإن كان محفوظا أمكن تعدد القصة ويكون قوله في بعض طرق رواية مسروق ‏"‏ يشبب ببنت له ‏"‏ بالنون لا بالتحتانية، ويكون نظم حسان في بنته لا في عائشة، وإنما تمثل به، لكن بقية الأبيات ظاهرة في أنها في عائشة، وهذا البيت في قصيدة لحسان يقول فيها‏:‏ فإن كنا قد قلت الذي زعموا لكم فلا رفعت سوطي إلي أناملي وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر بل قيل امرئ متماحل قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ لكن أنت‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ قالت‏:‏ لست كذاك ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ وقالت‏:‏ قد كان يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وتقدم في المغازي من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ أنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ودل قول عائشة‏:‏ ‏"‏ لكن أنت لست كذلك ‏"‏ على أن حسان كان ممن تكلم في ذلك، وهذه الزيادة الأخيرة تقدمت هناك من طريق عروة عن عائشة أتم من هذا، وتقدم هناك أيضا في أثناء حديث الإفك من طريق صالح بن كيسان عن الزهري ‏"‏ قال عروة‏:‏ كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول‏:‏ إنه الذي قال‏:‏ فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏باب ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم‏)‏ ذكر فيه بعض حديث مسروق عن عائشة، وقد بينت ما فيه في الباب الذي قبله، وقوله في أول السند‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سليمان ‏"‏ صلى الله عليه وسلم كذا للأكثر غير منسوب وهو سليمان بن كثير أخو محمد الراوي عنه صرح به، ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد كالجماعة، وعن الجرجاني سفيان بدل سليمان، قال أبو علي الجياني‏:‏ وسليمان هو الصواب‏.‏

*3*باب إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ تَشِيعُ تَظْهَرُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ كَذَبْتَ أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنْ الْأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ أَيْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ وَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ تَعَسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا أَيْ أُمِّ أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ فَسَكَتَتْ ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّالِثَةَ فَقَالَتْ تَعَسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ فَقُلْتُ فِي أَيِّ شَأْنِي قَالَتْ فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ فَقُلْتُ وَقَدْ كَانَ هَذَا

قَالَتْ نَعَمْ وَاللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ فَقَالَتْ أُمِّي مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي قُلْتُ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي مَا شَأْنُهَا قَالَتْ بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ لَا وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَبَلَغَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَتْ وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَقَدْ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ

قَالَتْ وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَهِيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ فَقُلْتُ أَلَا تَسْتَحْيِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ لَهُ أَجِبْهُ قَالَ فَمَاذَا أَقُولُ فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ أَجِيبِيهِ فَقَالَتْ أَقُولُ مَاذَا فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ قَالَتْ وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا فَقَالَ لِي أَبَوَايَ قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُكُمَا وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ قَالَتْ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ يَعْنِي مِسْطَحًا إِلَى قَوْلِهِ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية إلى قوله‏:‏ رءوف رحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى رءوف رحيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تشيع تظهر‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر وحده، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏تشيع الفاحشة‏)‏ تظهر يتحدث به، ومن طريق سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏(‏أن تشيع الفاحشة‏)‏ يعني أن تفشو وتظهر والفاحشة الزنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين - إلى قوله - والله غفور رحيم‏)‏ سقط لغير أبي ذر فصارت الآيات موصولا بعضها ببعض فأما قوله‏:‏ ‏(‏ولا يأتل‏)‏ فقال أبو عبيدة‏:‏ معناه لا يفتعل من آليت أي أقسمت، وله معنى آخر من ألوت أي قصرت، ومنه ‏(‏لا يألونكم خبالا‏)‏ وقال الفراء الائتلاء الحلف، وقرأ أهل المدينة ‏"‏ ولا يتأل ‏"‏ بتأخير الهمزة‏.‏

وتشديد اللام، وهي خلاف رسم المصحف، وما نسبه إلى أهل المدينة غير معروف وإنما نسبت هذه القراءة للحسن البصري، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولا يأتل‏)‏ يقول لا يقسم، وهو يؤيد القراءة المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة إلخ‏)‏ وصله أحمد عنه بتمامه، وقد ذكرت ما فيه من فائدة في أثناء حديث الإفك الطويل قريبا، ووقع في رواية المستملي عن الفربري ‏"‏ حدثنا حميد بن الربيع حدثنا أبو أسامة ‏"‏ فظن الكرهاني أن البخاري وصله عن حميد بن الربيع، وليس كذلك بل هو خطأ فاحش فلا يغتر به‏.‏