فصل: سورة الْحَدِيدِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحُورُ السُّودُ الْحَدَقِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَقْصُورَاتٌ مَحْبُوسَاتٌ قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ قَاصِرَاتٌ لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ

الشرح‏:‏

قول ‏(‏باب حور مقصورات في الخيام‏)‏ أي محبوسات، ومن ثم سموا البيت الكبير قصرا لأنه يحبس من فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس حور سود الحدق‏)‏ في رواية ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس‏:‏ الحور سواد الحدقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ مقصورات محبوسات، قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن، قاصرات لا يبغين غير أزواجهن‏)‏ وصله الفريابي وتقدم في بدء الخلق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الْآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه‏)‏ هو أبو موسى الأشعري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن في الجنة خيمة‏)‏ أي المراد بقوله في الآية ‏(‏في الخيام‏)‏ والخيام جمع خيمة، والمذكور في الحديث صفتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجوفة‏)‏ أي واسعة الجوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كل زاوية منها أهل‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أهل للمؤمن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستون ميلا‏)‏ تقدم الكلام عليه في صفة الجنة‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال‏:‏ الخيمة ميل في ميل، والميل ثلث الفرسخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يطوف عليهم المؤمنون‏)‏ قال الدمياطي‏:‏ صوابه المؤمن بالإفراد وأجيب بجواز أن يكون من مقابلة المجموع بالمجموع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجنتان من فضة‏)‏ هذا معطوف على شيء محذوف تقديره هذا للمؤمن، أو هو من صنيع الراوي‏.‏

وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ جنتان إلخ ‏"‏ وقد تقدم شرح ذلك في الباب الذي قبله

*3*سورة الْوَاقِعَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ رُجَّتْ زُلْزِلَتْ بُسَّتْ فُتَّتْ لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ الْمَخْضُودُ الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا لَا شَوْكَ لَهُ مَنْضُودٍ الْمَوْزُ وَالْعُرُبُ الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ ثُلَّةٌ أُمَّةٌ يَحْمُومٍ دُخَانٌ أَسْوَدُ يُصِرُّونَ يُدِيمُونَ الْهِيمُ الْإِبِلُ الظِّمَاءُ لَمُغْرَمُونَ لَمَلُومُونَ مَدِينِينَ مُحَاسَبِينَ رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَرَيْحَانٌ الرَّيْحَانُ الرِّزْقُ وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ وَقَالَ غَيْرُهُ تَفَكَّهُونَ تَعْجَبُونَ عُرُبًا مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ الْعَرِبَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ وَقَالَ فِي خَافِضَةٌ لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ وَ رَافِعَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ مَوْضُونَةٍ مَنْسُوجَةٍ وَمِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ وَالْكُوبُ لَا آذَانَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ وَالْأَبَارِيقُ ذَوَاتُ الْآذَانِ وَالْعُرَى مَسْكُوبٍ جَارٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مُتْرَفِينَ مُمَتَّعِينَ مَا تُمْنُونَ مِنْ النُّطَفِ يَعْنِي هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ لِلْمُقْوِينَ لِلْمُسَافِرِينَ وَالْقِيُّ الْقَفْرُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَيُقَالُ بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ مُدْهِنُونَ مُكَذِّبُونَ مِثْلُ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ فَسَلَامٌ لَكَ أَيْ مُسَلَّمٌ لَكَ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأُلْغِيَتْ إِنَّ وَهُوَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ كَقَوْلِكَ فَسَقْيًا مِنْ الرِّجَالِ إِنْ رَفَعْتَ السَّلَامَ فَهُوَ مِنْ الدُّعَاءِ تُورُونَ تَسْتَخْرِجُونَ أَوْرَيْتُ أَوْقَدْتُ لَغْوًا بَاطِلًا تَأْثِيمًا كَذِبًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الواقعة‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، والمراد بالواقعة القيامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد رجت زلزلت‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بست‏:‏ سمعت ولتت كما يلت السويق‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد بنحوه، وعند أبي عبيدة بست كالسويق المبسوس بالماء‏.‏

وعند ابن أبي حاتم من طريق منصور عن مجاهد قال‏:‏ لتت لتا، ومن طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ فتت فتا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المخضود لا شوك له‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره‏:‏ المخضود الموقر حملا، ويقال أيضا إلخ تقدم بيانه في صفة الجنة من بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منضود الموز‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في صفة الجنة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعرب المحببات إلى أزواجهن‏)‏ تقدم في صفة أهل الجنة أيضا‏.‏

وقال ابن عيينة في تفسيره‏:‏ حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏عربا أترابا‏)‏ قال‏:‏ هي المحببة إلى زوجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلة أمة‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد به‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ الثلة الجماعة، والثلة البقية‏.‏

وعند ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران في قوله‏:‏ ‏(‏ثلة‏)‏ قال‏:‏ كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحموم دخان أسود‏)‏ وصله الفريابي أيضا كذلك، وأخرجه سعيد بن منصور والحاكم من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس مثله‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وظل من يحموم‏)‏ ‏:‏ من شدة سواده، يقال أسود يحموم فهو وزن يفعول من الحمم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصرون يديمون‏)‏ وصله الفريابي أيضا لكن لفظه ‏"‏ يدمنون ‏"‏ بسكون الدال بعدها ميم ثم نون، وعند ابن أبي حاتم من طريق السدي قال‏:‏ يقيمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الهيم الإبل الظماء‏)‏ سقط هنا لأبي ذر، وقد تقدم في البيوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لمغرمون لملزمون‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن قتادة، وعند الفريابي من طريق مجاهد‏:‏ ملقون للشر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدينين محاسبين‏)‏ تقدم في تفسير الفاتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏روح جنة ورخاء‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد تقدم في صفة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وريحان الرزق‏)‏ تقدم في تفسير الرحمن قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره تفكهون تعجبون‏)‏ هو قول الفراء، قال في قوله تعالى ‏(‏فظلتم تفكهون‏)‏ أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم، قال ويقال‏:‏ معناه تندمون‏.‏

قلت‏:‏ وهو قول مجاهد، أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرجه ابن المنذر من طريق الحسن مثله، وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ هو شبه المتندم‏.‏

قلت‏:‏ تفكه بوزن تفعل وهو كتأثم أي ألقى الإثم، فمعنى تفكه أي ألقى عنه الفاكهة، وهو حال من دخل في الندم والحزن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عربا مثقلة واحدها عروب إلى قوله الشكلة‏)‏ سقط هنا لأبي ذر، وتقدم في صفة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وننشئكم فيما لا تعلمون، أي في أي خلق نشاء‏)‏ تقدم في بدء الخلق، وسقط ‏(‏فيما لا تعلمون‏)‏ هنا لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض‏)‏ هو قول مجاهد، وتقدم أيضا في صفة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والكوب إلخ وكذا قوله مسكوب جار‏)‏ سقط كله لأبي ذر هنا، وتقدم في صفة الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏موضوبة منسوجة، ومنه وضين الناقة‏)‏ سقط هنا لأبي ذر، وقد تقدم في صفة الجنة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال في ‏(‏خافضة‏)‏ لقوم إلى النار و ‏(‏رافعة‏)‏ لقوم إلى الجنة‏)‏ قال الفراء في قوله تعالى ‏(‏خافضة رافعة‏)‏ قال‏:‏ خافضة لقوم إلى النار، رافعة لقوم إلى الجنة‏.‏

وعن محمد بن كعب‏:‏ خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرتفعين، ورفعت أقواما كانوا في الدنيا منخفضين، وأخرجه سعيد بن منصور‏.‏

وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏خافضة رافعة‏)‏ قال‏:‏ شملت القريب والبعيد، حتى خفضت أقواما في عذاب الله ورفعت أقواما في كرامة الله‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس نحوه، ومن طريق عثمان بن سراقة عن خاله عمر بن الخطاب نحوه، ومن طريق السدي قال‏:‏ خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مترفين متنعمين‏)‏ كذا للأكثر بمثناة قبل النون وبعد العين ميم، وللكشميهني ‏"‏ متمتعين ‏"‏ بميم قبل المثناة من التمتع، كذا في رواية النسفي والأول هو الذي وقع في ‏"‏ معاني القرآن للفراء ‏"‏ ومنه نقل المصنف‏.‏

ولابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ منعمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما تمنون هي النطف يعني في أرحام النساء‏)‏ تقدم في بدء الخلق، قال الفراء‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏أفرأيتم ما تمنون‏)‏ يعني النطف إذا قذفت في أرحام النساء، أأنتم تخلقون تلك النطف أم نحن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للمقوين للمسافرين والقي القفر‏)‏ سقط هنا لأبي ذر، وقد تقدم في بدء الخلق أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمواقع النجوم بمحكم القرآن‏)‏ قال الفراء‏:‏ حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو قال‏:‏ قرأ عبد الله ‏(‏فلا أقسم بمواقع النجوم‏)‏ قال‏:‏ بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما‏.‏

وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏بمواقع النجوم‏)‏ قال‏:‏ بمنازل النجوم‏.‏

قال وقال الكلبي‏:‏ هو القرآن أنزل نجوما انتهي‏.‏

ويؤيده ما أخرج النسائي والحاكم من طريق حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن جميعا ليلة القدر إلى السماء، ثم فصل فنزل في السنين، وذلك قوله‏:‏ ‏(‏فلا أقسم بمواقع النجوم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن ومواقع وموقع واحد‏)‏ هو كلام الفراء أيضا بلفظه، ومراده أن مفادهما واحد وإن كان أحدهما جميعا والآخر مفردا، لكن المفرد المضاف كالجمع في إفادة التعدد، وقرأها بلفظ الواحد حمزة والكسائي وخلف ‏"‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ مواقع النجوم مساقطها حيث تغيب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدهنون مكذبون مثل‏:‏ لو تدهن فيدهنون‏)‏ قال الفراء في قوله‏:‏ ‏(‏أفهذا الحديث أنتم مدهنون‏)‏ ‏:‏ أي مكذبون، وكذلك في قوله‏:‏ ‏(‏ودوا لو تدهن فيدهنون‏)‏ أي لو تكفر فيكفرون، كل قد سمعته قد أدهن أي كفر‏.‏

وقال أبو عبيدة مدهنون واحدها مدهن وهو المداهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسلام لك أي مسلم لك‏.‏

إنك من أصحاب اليمين وألغيت إن وهو معناها كما تقول أنت مصدق ومسافر عن قليل إذا كان قد قال إني مسافر عن قليل‏)‏ هو كلام الفراء بلفظه لكن قال‏:‏ أنت مصدق مسافر بغير واو وهو الوجه، والتقدير أنت مصدق أنك مسافر، ويؤيد ما قال الفراء ما أخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ تأتيه الملائكة من قبل الله، سلام لك من أصحاب اليمين‏:‏ تخبره أنه من أصحاب اليمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد يكون كالدعاء له كقولك فسقيا من الرجال، إن رفعت السلام فهو من الدعاء‏)‏ هو كلام الفراء أيضا بلفظه، لكنه قال ‏"‏ وإن رفعت السلام فهو دعاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تورون تستخرجون، أوريت أوقدت‏)‏ سقط هنا لأبي ذر، وقد تقدم في صفة النار من بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لغوا باطلا، تأثيما كذبا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏(‏لغوا‏)‏ باطلا‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏(‏ولا تأثيما‏)‏ قال‏:‏ كذبا

*3*بَاب قَوْلُهُ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ إن في الجنة شجرة ‏"‏ وقد تقدم شرحه في صفة الجنة من بدء الخلق

*3*سورة الْحَدِيدِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ مُعَمَّرِينَ فِيهِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ مِنْ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ مَوْلَاكُمْ أَوْلَى بِكُمْ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُقَالُ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا أَنْظِرُونَا انْتَظِرُونَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الحديد والمجادلة‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره الحديد حسب، وهو أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ جعلكم مستخلفين معمرين فيه‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

وقال الفراء ‏(‏مستخلفين فيه‏)‏ ‏:‏ يريد مملكين فيه، وهو رزقه وعطيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الظلمات إلى النور‏.‏

من الضلالة إلى الهدى‏)‏ سقط هذا أيضا لأبي ذر، وقد وصله الفريابي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه بأس شديد ومنافع للناس‏:‏ جنة وسلاح‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه بهذا، وجنة بضم الجيم وتشديد النون أي ستر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مولاكم أولى بكم‏)‏ قال الفراء في قوله تعالى ‏(‏مأواكم النار هي مولاكم‏)‏ يعني أولى بكم وكذا قال أبو عبيدة، وفي بعض نسخ البخاري ‏(‏هو أولى بكم‏)‏ وكذا هو في كلام أبي عبيدة، وتعقب‏.‏

ويجاب عنه بأنه يصح على إرادة المكان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنظرونا انتظرونا‏)‏ قال الفراء‏:‏ قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة أنظرونا بقطع الألف من أنظرت والباقون على الوصل، ومعنى أنظرونا انتظرونا، ومعنى أنظرونا - يعني بالقطع - أخرونا، وقد تكون العرب أنظرني - يعني بالقطع - يريد انتظرني قليلا، قال الشاعر‏:‏ أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا قوله‏:‏ ‏(‏لئلا يعلم أهل الكتاب‏:‏ ليعلم أهل الكتاب‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ العرب تجعل ‏"‏ لا ‏"‏ صلة في الكلام إذا دخل في أوله جحد أو في آخره جحد كهذه الآية كقوله‏:‏ ‏(‏ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك‏)‏ انتهى‏.‏

وحكى عن قراءة ابن عباس والجحدري ‏"‏ ليعلم ‏"‏ وهو يؤيد كونها مزيدة، وأما قراءة مجاهد ‏"‏ لكيلا ‏"‏ فهي مثل لئلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال الظاهر على كل شيء علما إلخ‏)‏ يأتي في التوحيد وأنه كلام يحيى الفراء

*3*سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ يُحَادُّونَ يُشَاقُّونَ اللَّهَ كُبِتُوا أُخْزُوا مِنْ الْخِزْيِ اسْتَحْوَذَ غَلَبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة المجادلة‏)‏ كذا للإسماعيلي وأبي نعيم، وللنسفي المجادلة، وسقط لغيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحادون يشاقون‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏يحادون الله‏)‏ قال‏:‏ يعادون الله ورسوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كبتوا أخزنوا‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

وفي رواية النسفي أحزنوا وكأنها بالمهملة والنون، ولابن أبي حاتم من طريق سعيد عن قتادة خزوا كما خزي الذين من قبلهم، ومن طريق مقاتل بن حيان أخزوا‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ كبتوا أهلكوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استحوذ غلب‏)‏ أي غلبهم الشيطان، هو قول أبي عبيدة، وحكى عن قراءة عمر رضي الله عنه استحاذ بوزن استقام‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يذكر في تفسير الحديد حديثا مرفوعا، ويدخل فيه حديث ابن مسعود ‏"‏ لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ‏(‏ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله‏)‏ إلا أربع سنين ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه عن عمه، وكذا سورة المجادلة ولم يخرج فيها حديثا مرفوعا، ويدخل فيها حديث التي ظاهر منها زوجها، وقد أخرجه النسائي، وأورد منه البخاري طرفا في كتاب التوحيد معلقا

*3*سُورَةُ الْحَشْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الحشر‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

*3*باب الْجَلَاءَ الْإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الجلاء الإخراج من أرض إلى أرض‏)‏ هو قول قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد عنه‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ يقال الجلاء والإجلاء، جلاه أخرجه وأجليته أخرجته، والتحقيق أن الجلاء أخص من الإخراج لأن الجلاء ما كان مع الأهل والمال، والإخراج أعم منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ التَّوْبَةِ قَالَ التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا قَالَ قُلْتُ سُورَةُ الْأَنْفَالِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ قَالَ قُلْتُ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم‏)‏ تقدم هذا الحديث مختصرا بإسناده ومتنه في تفسير سورة الأنفال مقتصرا على ما يتعلق بها، وتقدم في المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة التوبة‏؟‏ قال‏:‏ التوبة‏؟‏‏)‏ هو استفهام إنكار بدليل قوله هي الفاضحة، ووقع في رواية الإسماعيلي من وجه آخر عن هشيم ‏"‏ سورة التوبة‏؟‏ قال بل سورة الفاضحة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما زالت تنزل ومنهم ومنهم‏)‏ أي كقوله‏:‏ ‏(‏ومنهم من عاهد الله - ومنهم من يلمزك في الصدقات - ومنهم الذين يؤذون النبي‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تبق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ لن تبقى ‏"‏ وهي أوجه لأن الرواية الأولى تقتضي استيعابهم بما ذكر من الآيات بخلاف الثانية فهي أبلغ‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ أنه لا يبقى‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الحشر‏؟‏ قال قل سورة النضير‏)‏ كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة، وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏ما قطعتم من لينة‏)‏ نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ما قطعتم من لينة‏)‏ ‏:‏ أي من نخلة، وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام، وعند الترمذي من حديث ابن عباس ‏"‏ اللينة النخلة ‏"‏ في أثناء حديث، وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال‏:‏ اللينة ما دون العجوة‏.‏

وقال سفيان‏:‏ هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏ما قطعتم من لينة‏)‏ نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ما قطعتم من لينة‏)‏ ‏:‏ أي من نخلة، وهي من الألوان ما لم تكن عجوة أو برنية إلا أن الواو ذهبت بكسر اللام، وعند الترمذي من حديث ابن عباس ‏"‏ اللينة النخلة ‏"‏ في أثناء حديث، وروى سعيد بن منصور من طريق عكرمة قال‏:‏ اللينة ما دون العجوة‏.‏

وقال سفيان‏:‏ هي شديدة الصفرة تنشق عن النوى‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ما أفاء الله على رسوله‏)‏ تقدم في تفسير الفيء والفرق بينه وبين الغنيمة في أواخر الجهاد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري‏)‏ ووقع في رواية مسلم من رواية ابن ماهان عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بغير ذكر الزهري، وهو خطأ من الناسخ وثبت لباقي الرواة بذكر الزهري، وقد تقدم الكلام على حديث الباب مبسوطا في فرض الخمس

*3*باب وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وما آتاكم الرسول فخذوه‏)‏ أي وما أمركم به فافعلوه، لأنه قابله بقوله‏:‏ ‏(‏وما نهاكم عنه فانتهوا‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ فَقَالَ وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ قَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا قَالَتْ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ قَالَتْ فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ قَالَ فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا فَقَالَ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود قال ‏"‏ لعن الله الواشمات ‏"‏ سيأتي شرحه في كتاب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب‏)‏ لا يعرف اسمها، وقد أدركها عبد الرحمن بن عباس كما في الطريق التي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما قرأت ‏(‏وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‏)‏ قالت بلى، قال فإنه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قد نهى‏)‏ بفتح الهاء وإنما ضبطت هذا خشية أن يقرأ بضم النون وكسر الهاء على البناء للمجهول على أن الهاء في إنه ضمير الشان لكن السياق يرشد إلى ما قررته، وفي هذا الجواب نظر، لأنها استشكلت اللعن ولا يلزم من مجرد النهي لعن من لم يمتثل، لكن يحمل على أن المراد في الآية وجوب امتثال قول الرسول، وقد نهى عن هذا الفعل، فمن فعله فهو ظالم، وفي القرآن لعن الظالمين‏.‏

ويحتمل أن يكون ابن مسعود سمع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلمكما في بعض طرقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهلك يفعلونه‏)‏ هي زينب بنت عبد الله الثقفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تر من حاجتها شيئا‏)‏ أي من الذي ظنت أن زوج ابن مسعود تفعله‏.‏

وقيل كانت المرأة رأت ذلك حقيقة وإنما ابن مسعود أنكر عليها فأزالته، فلهذا لما دخلت المرأة لم تر ما كانت رأت قبل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما جامعتها‏)‏ يحتمل أن يكون المراد بالجماع الوطء، أو الاجتماع وهو أبلغ، ويؤيده قوله في رواية الكشميهني ‏"‏ ما جامعتنا ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ ما جامعتني‏"‏‏.‏

واستدل بالحديث على جواز لعن من اتصف بصفة لعن رسول الله صلى الله عليه وسلممن اتصف بها لأنه لا يطلق ذلك إلا على من يستحقه، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم فإنه قيد فيه بقوله ‏"‏ ليس بأهل ‏"‏ أي عندك، لأنه إنما لعنه لما ظهر له من استحقاقه، وقد يكون عند الله بخلاف ذلك، فعلى الأول يحمل قوله ‏"‏ فاجعلها له زكاة ورحمة ‏"‏ وعلى الثاني فيكون لعنه زيادة في شقوته‏.‏

وفيه أن المعين على المعصية يشارك فاعلها في الإثم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود قال ‏"‏ لعن الله الواشمات ‏"‏ سيأتي شرحه في كتاب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب‏)‏ لا يعرف اسمها، وقد أدركها عبد الرحمن بن عباس كما في الطريق التي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما قرأت ‏(‏وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‏)‏ قالت بلى، قال فإنه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قد نهى‏)‏ بفتح الهاء وإنما ضبطت هذا خشية أن يقرأ بضم النون وكسر الهاء على البناء للمجهول على أن الهاء في إنه ضمير الشان لكن السياق يرشد إلى ما قررته، وفي هذا الجواب نظر، لأنها استشكلت اللعن ولا يلزم من مجرد النهي لعن من لم يمتثل، لكن يحمل على أن المراد في الآية وجوب امتثال قول الرسول، وقد نهى عن هذا الفعل، فمن فعله فهو ظالم، وفي القرآن لعن الظالمين‏.‏

ويحتمل أن يكون ابن مسعود سمع اللعن من النبي صلى الله عليه وسلمكما في بعض طرقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهلك يفعلونه‏)‏ هي زينب بنت عبد الله الثقفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تر من حاجتها شيئا‏)‏ أي من الذي ظنت أن زوج ابن مسعود تفعله‏.‏

وقيل كانت المرأة رأت ذلك حقيقة وإنما ابن مسعود أنكر عليها فأزالته، فلهذا لما دخلت المرأة لم تر ما كانت رأت قبل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما جامعتها‏)‏ يحتمل أن يكون المراد بالجماع الوطء، أو الاجتماع وهو أبلغ، ويؤيده قوله في رواية الكشمهيني ‏"‏ ما جامعتنا ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ ما جامعتني‏"‏‏.‏

واستدل بالحديث على جواز لعن من اتصف بصفة لعن رسول الله صلى الله عليه وسلممن اتصف بها لأنه لا يطلق ذلك إلا على من يستحقه، وأما الحديث الذي أخرجه مسلم فإنه قيد فيه بقوله ‏"‏ ليس بأهل ‏"‏ أي عندك، لأنه إنما لعنه لما ظهر له من استحقاقه، وقد يكون عند الله بخلاف ذلك، فعلى الأول يحمل قوله ‏"‏ فاجعلها له زكاة ورحمة ‏"‏ وعلى الثاني فيكون لعنه زيادة في شقوته‏.‏

وفيه أن المعين على المعصية يشارك فاعلها في الإثم

*3*باب وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب والذين تبوءوا الدار والإيمان‏)‏ أي استوطنوا المدينة، وقيل نزلوا، فعلى الأول يختص بالأنصار وهو ظاهر قول عمر، وعلى الثاني يشملهم ويشمل المهاجرين السابقين‏.‏

ذكر فيه طرفا من قصة عمر عند مقتله وقد تقدم المناقب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ بِالْأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب والذين تبوءوا الدار والإيمان‏)‏ أي استوطنوا المدينة، وقيل نزلوا، فعلى الأول يختص بالأنصار وهو ظاهر قول عمر، وعلى الثاني يشملهم ويشمل المهاجرين السابقين‏.‏

ذكر فيه طرفا من قصة عمر عند مقتله وقد تقدم المناقب‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ

الْخَصَاصَةُ الْفَاقَةُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِالْخُلُودِ وَالْفَلَاحُ الْبَقَاءُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ عَجِّلْ وَقَالَ الْحَسَنُ حَاجَةً حَسَدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏ويؤثرون على أنفسهم‏)‏ الآية‏.‏

الخصاصة فاقة‏)‏ ولغير أبي ذر ‏"‏ الفاقة ‏"‏ وهو قول مقاتل بن حيان أخرجه ابن أبي حاتم من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المفلحون الفائزون بالخلود والفلاح البقاء‏)‏ هو قول الفراء، قال لبيد‏:‏ نحل بلادا كلها حل قبلنا ونرجو فلاحا بعد عاد وحمير وهو أيضا بمعنى إدراك الطلب، قال لبيد أيضا ‏"‏ ولقد أفلح من كان عقل ‏"‏ أي أدرك ما طلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حي على الفلاح عجل‏)‏ هو تفسير حي، أي معنى ‏"‏ حي على الفلاح ‏"‏ أي عجل إلى الفلاح قال ابن التين‏:‏ لم يذكره أحد من أهل اللغة، وإنما قالوا معناه هلم وأقبل‏.‏

قلت‏:‏ وهو كما قال، لكن فيه إشعار بطلب الإعجال، فالمعنى أقبل مسرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن حاجة حسدا‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه بهذا، ورويناه في الجزء الثامن من ‏"‏ أمالي المحاملي ‏"‏ بعلو من طريق أبي رجاء عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏ولا يجدون في صدورهم حاجة‏)‏ قال‏:‏ الحسد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا قَالَتْ وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ قَالَ فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ ضَحِكَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير‏)‏ هو الدورقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا الرجل هو أبو هريرة، وقع مفسرا في رواية الطبراني، وقد نسبته في المناقب إلى تخريج أبي البختري الطائي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأبو البختري لا يوثق به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يضيف هذا رحمة ‏"‏ بالتنوين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجل من الأنصار‏)‏ تقدم شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار أنه أبو طلحة، وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى أبا طلحة، وتقدم أيضا قول من قال إنه ثابت بن قيس‏.‏

ولكن أردت التنبيه هنا على شيء وقع للقرطبي المفسر ولمحمد بن علي بن عسكر في ذيله على تعريف السهيلي، فإنهما نقلا عن النحاس والمهدوي أن هذه الآية نزلت في أبي المتوكل، زاد ابن عسكر‏:‏ الناجي، وأن الضيف ثابت بن قيس‏.‏

وقيل إن فاعلها ثابت بن قيس حكاه يحيى بن سلام انتهى، وهو غلط بين، فإن أبا المتوكل الناجي تابعي مشهور، وليس له في القصة ذكر، إلا أنه رواها مرسلة أخرجها من طريق إسماعيل القاضي كما تقدم هناك‏.‏

وكذا ابن أبي الدنيا في كتاب ‏"‏ قرى الضيف ‏"‏ وابن المنذر في تفسير هذه السورة كلهم من طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل ‏"‏ أن رجلا من المسلمين مكث ثلاثة أيام لا يجد شيئا يفطر عليه، حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد تبع ابن عسكر جماعة من الشارحين ساكتين عن وهمه، فلهذا نبهت عليه، وتفطن شيخنا ابن الملقن لقول ابن عسكر إنه أبو المتوكل الناجي فقال‏:‏ هذا وهم، لأن أبا المتوكل الناجي تابعي إجماعا انتهى‏.‏

فكأنه جوز أنه صحابي يكنى أبا المتوكل وليس كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونطوي بطوننا الليلة‏)‏ في حديث أنس عند ابن أبي الدنيا ‏"‏ فجعل يتلمظ وتتلمظ هي حتى رأى الضيف أنهما يأكلان‏"‏‏.‏

قول ‏(‏ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في حديث أنس ‏"‏ فصلى معه الصبح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد عجب الله عز وجل، أو ضحك‏)‏ كذا هنا بالشك‏:‏ وذكره مسلم من طريق جرير عن فضيل ابن غزوان بلفظ ‏"‏ عجب ‏"‏ بغير شك، وعند ابن أبي الدنيا في حديث أنس ‏"‏ ضحك ‏"‏ بغير شك‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ إطلاق العجب على الله محال ومعناه الرضا، فكأنه قال إن ذلك الصنيع حل من الرضا عند الله حلول العجب عندكم، قال‏:‏ وقد يكون المراد بالعجب هنا أن الله يعجب ملائكته من صنيعهما لندور ما وقع منهما في العادة‏.‏

قال وقال أبو عبد الله‏:‏ معنى الضحك هنا الرحمة‏.‏

قلت‏:‏ ولم أر ذلك النسخ التي وقعت لنا من البخاري، قال الخطابي‏:‏ وتأويل الضحك بالرضا أقرب من تأويله بالرحمة، لأن الضحك من الكرام يدل على الرضا فإنهم يوصفون بالبشر عند السؤال‏.‏

قلت‏:‏ الرضا من الله يستلزم الرحمة وهو لازمه، والله أعلم‏.‏

وقد تقدم سائر شرح هذا الحديث في مناقب الأنصار‏.‏

*3*سورة الْمُمْتَحِنَةِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هَذَا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الممتحنة‏)‏ سقطت البسملة لجميعهم، والمشهور في هذه التسمية فتح الحاء، وقد تكسر وبه جزم السهيلي، فعلى الأول هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها، والمشهور فيها أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وقيل سعيدة بنت الحارث، وقيل أميمة بنت بشر، والأول هو المعتمد كما سيأتي إيضاحه في كتاب النكاح‏.‏

ومن كسر جعلها صفة للسورة كما قيل لبراءة الفاضحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ لا تجعلنا فتنة للذين كفروا لا تعذبنا بأيديهم إلخ‏)‏ وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه بلفظه وزاد ‏"‏ ولا بعذاب من عندك ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ ما أصابهم مثل هذا ‏"‏ وكذا أخرجه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، والطبري من طريق أخرى عن ورقاء عن عيسى عن ابن أبي نجيح كذلك، فاتفقوا كلهم على أنه موقوف عن مجاهد‏.‏

وأخرج الحاكم مثل هذا من طريق آدم بن أبي إياس عن ورقاء فزاد فيه ابن عباس وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، وما أظن زيادة ابن عباس فيه إلا وهما لاتفاق أصحاب ورقاء على عدم ذكره‏.‏

وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ‏"‏ لا تجعلنا فتنة للذين كفروا لا تسلطهم علينا فيفتنونا ‏"‏ وهذا بخلاف تفسير مجاهد، وفيه تقوية لما قلته‏.‏

وأخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏لا تجعلنا فتنة للذين كفروا‏)‏ قال‏:‏ لا تظهرهم علينا فيفتنونا يرون أنهم إنما ظهروا علينا بحقهم، وهذا يشبه تأويل مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعصم الكوافر، أمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بفراق نسائهم كن كوافر بمكة‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد، وأخرجه الطبري من طريقه أيضا ولفظه ‏"‏ أمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بطلاق نسائهم كوافر بمكة قعدن مع الكفار، ولسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي قال‏:‏ نزلت في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فتكفر فلا يمسك زوجها بعصمتها قد برئ منها انتهى‏.‏

والكوافر جمع كافرة والعصم جمع عصمة‏.‏

وقال أبو علي الفارسي قال لي الكرخي‏:‏ الكوافر في الآية يشمل الرجال والنساء، قال فقلت له‏:‏ النحاة لا يجيزون هذا إلا في نساء جمع كافرة، قال‏:‏ أليس يقال طائفة كافرة انتهى‏.‏

وتعقب بأنه لا يجوز كافرة وصفا للرجال إلا مع ذكر الموصوف فتعين الأول‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏)‏ سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر، والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه، وقوله‏:‏ ‏(‏تلقون إليهم بالمودة‏)‏ تفسير للموالاة المذكورة، ويحتمل أن يكون حالا أو صفة، وفيه شيء لأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا، والتقييد بالصفة أو الحال يوهم الجواز عند انتفائهما، لكن علم بالقواعد المنع مطلقا فلا مفهوم لهما، ويحتمل أن تكون الولاية تستلزم المودة، فلا تتم الولاية بدون المودة فهي حال لازمة‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ قَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ فِيهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ قَالَ لَا أَدْرِي الْآيَةَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي هَذَا فَنَزَلَتْ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ الْآيَةَ قَالَ سُفْيَانُ هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو مَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا وَمَا أُرَى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حسن بن محمد بن علي‏)‏ أي ابن أبي طالب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تأتوا روضة خاخ‏)‏ بمعجمتين، ومن قالها بمهملة ثم جيم فقد صحف، وقد تقدم بيان ذلك في ‏"‏ باب الجاسوس ‏"‏ من كتاب الجهاد وفي أول غزوة الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لنلقين‏)‏ كذا فيه، والوجه حذف التحتانية، وقيل إنما أثبتت لمشاكلة لتخرجن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت امرءا من قريش‏)‏ أي بالحلف، لقوله بعد ذلك ‏"‏ ولم أكن من أنفسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت امرءا من قريش ولم أكن من أنفسهم‏)‏ ليس هذا تناقضا، بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم، وقد ثبت حديث ‏"‏ حليف القوم منهم ‏"‏ وعبر بقوله ‏"‏ ولم أكن من أنفسهم ‏"‏ لإثبات المجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه قد صدقكم‏)‏ بتخفيف الدال أي قال الصدق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر‏:‏ دعني يا رسول الله فأضرب عنقه‏)‏ إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه‏.‏

وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة ‏"‏ فقال أليس قد شهد بدرا‏؟‏ قال‏:‏ بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك‏"‏‏.‏

قول ‏(‏فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك‏)‏ أرشد إن علة ترك قتله بأنه شهد بدرا فكأنه قيل‏:‏ وهل يسقط عنه شهوده بدرا هذا الذنب العظيم‏؟‏ فأجاب بقوله ‏"‏ وما يدريك إلخ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعل الله عز وجل اطلع على أهل بدر‏)‏ هكذا في أكثر الروايات بصيغة الترجي، وهو من الله واقع، ووقع في حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة بصيغة الجزم، وقد تقدم بيان ذلك واضحا في ‏"‏ باب فضل من شهد بدرا ‏"‏ من كتاب المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏ كذا في معظم الطرق، وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة ‏"‏ فإني غافر لكم ‏"‏ وهذا يدل على أن المراد بقوله ‏"‏ غفرت ‏"‏ أي أغفر، على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه‏.‏

وفي ‏"‏ مغازي ابن عائذ ‏"‏ من مرسل عروة ‏"‏ اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم ‏"‏ والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة، وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ ليس هذا على الاستقبال، وإنما هو على الماضي، تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر، قال‏:‏ لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم، ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح، ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول‏:‏ يا حذيفة، بالله هل أنا منهم‏؟‏ وتعقبه القرطبي بأن ‏"‏ اعملوا ‏"‏ صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال، ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء، وقوله ‏"‏اعملوا ما شئتم ‏"‏ يحمل على طلب الفعل، ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي، ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة‏.‏

قال‏:‏ وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف، تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة، وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة، ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه‏.‏

وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك، فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا، ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلي‏.‏

ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ فقد غفرت لكم ‏"‏ أي ذنوبكم تقع مغفورة، لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب‏.‏

وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور، فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع‏.‏

وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر، ونذكر بقية شرح هذا الحديث في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وهو موصول بالإسناد المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏)‏ سقط ‏"‏ أولياء ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ لا أدري الآية في الحديث، أو قول عمرو‏)‏ هذا الشك من سفيان بن عيينة كما سأوضحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن المديني ‏(‏قال قيل لسفيان في هذا فنزلت ‏(‏لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏)‏ الآية‏؟‏ قال سفيان‏:‏ هذا في حديث الناس‏)‏ يعني هذه الزيادة، يريد الجزم برفع هذا القدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا، وما أرى أحدا حفظه غيري‏)‏ وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه ابن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث ‏"‏ قال وفيه نزلت هذه الآية ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر وعمرو الناقد، وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح، والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان، واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه، ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع، وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا، وهذا منتف من غير حاطب، فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه‏.‏

وقد بين سياق على أن هذه الزيادة مدرجة‏.‏

وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان وبين أن تلاوة الآية من قول سفيان‏.‏

ووقع عند الطبري من طريق أخرى عن على الجزم بذلك، لكنه من أحد رواة الحديث حبيب بن أبي ثابت الكوفي أحد التابعين، وبه جزم إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر عن عروة في هذه القصة، وكذا جزم به معمر عن الزهري عن عروة‏.‏

وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال ‏"‏ لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مشركي قريش كتب إليهم حاطب بن أبي بلتعة يحذرهم ‏"‏ فذكر الحديث إلى أن قال ‏"‏ فأنزل الله فيه القرآن ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء‏)‏ الآية ‏"‏ قال الإسماعيلي في آخر الحديث أيضا ‏"‏ قال عمرو - أي ابن دينار -‏:‏ وقد رأيت ابن أبي رافع وكان كاتبا لعلي‏"‏‏.‏

*3*باب إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات‏)‏ اتفقوا على نزولها بعد الحديبية، وأن سببها ما تقدم من الصلح بين قريش والمسلمين على أن من جاء من قريش إلى المسلمين يردونه إلى قريش، ثم استثنى الله من ذلك النساء بشرط الامتحان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثي إسحاق أنبأنا يعقوب‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ حدثنا يعقوب ‏"‏ فأما إسحاق فهو ابن منصور وكلام أبي نعيم يشعر بأنه ابن إبراهيم، وأما يعقوب بن إبراهيم فهو ابن سعد، وابن أخي ابن شهاب اسمه محمد ابن عبد الله بن مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة قالت عائشة‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وسيأتي الكلام على شرحه في أواخر النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد بايعتك‏.‏

كلاما‏)‏ أي يقول ذلك كلاما فقط، لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا والله‏)‏ فيه القسم لتأكيد الخبر، وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية‏.‏

فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة قال ‏"‏ فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال‏:‏ اللهم اشهد ‏"‏ وكذا الحديث الذي بعده حيث قال فيه ‏"‏ قبضت منا امرأة يدها ‏"‏ فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن، ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة، وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ عن الشعبي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال‏:‏ لا أصافح النساء ‏"‏ وعند عبد الرزاق من طريق إبراهيم النخعي مرسلا نحوه، وعند سعيد بن منصور من طريق قيس بن أبي حازم كذلك‏.‏

وأخرج ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه عن أبان بن صالح أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يغمس يده في إناء، وتغمس المرأة يدها فيه ‏"‏ ويحتمل التعدد‏.‏

وقد أخرج الطبراني أنه بايعهن بواسطة عمر، وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر ‏"‏ أن أميمة بنت رقيقة - بقافين مصغر - أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع، فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك، قال، إني لا أصافح النساء، ولكن سآخذ عليكن، فأخذ علينا حتى بلغ‏:‏ ولا يعصينك في معروف، فقال‏:‏ فيما طقتن واستطعتن، فقلن‏:‏ الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ‏"‏ وفي رواية الطبري ‏"‏ ما قولي لمائة امرأة إلا كقولي لامرأة واحدة ‏"‏ وقد جاء في أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي، وفي المغازي لابن إسحاق عن أبان بن صالح ‏"‏ أنه كان يغمس يده في إناء فيغمسن أيديهن فيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يونس ومعمر وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري‏)‏ أما متابعة يونس فيأتي الكلام عليها في كتاب الطلاق، وأما متابعة معمر فوصلها المؤلف في الأحكام، أما متابعة عبد الرحمن بن إسحاق فوصلها ابن مردويه من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة وعمرة‏)‏ يعني عن عائشة، جمع بينهما، وصله الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ عن عتاب بن بشير عن إسحاق بن راشد به، وفي هذا الحديث أن المحنة المذكورة في قوله ‏"‏ فامتحنوهن ‏"‏ هي أن يبايعهن بما تضمنته الآية المذكورة‏.‏

وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يمتحن من هاجر من النساء‏:‏ بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبا لله ورسوله ‏"‏ وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه وزاد ‏"‏ ولا خرج بك عشق رجل منا، ولا فرار من زوجك‏"‏، وعند ابن مردويه وابن أبي حاتم والطبراني من حديث ابن عباس نحوه وسنده ضعيف، ويمكن الجمع بين التحليف والمبايعة والله أعلم‏.‏

وذكر الطبري وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المرأة من المشركين كانت إذا غضبت على زوجها قالت‏:‏ والله لأهاجرن إلى محمد، فنزلت ‏"‏ فامتحنوهن‏"‏‏.‏

*3*باب إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا جاءك المؤمنات يبايعنك‏)‏ سقط ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر، وذكر فيه أربعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَنَهَانَا عَنْ النِّيَاحَةِ فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ يَدَهَا فَقَالَتْ أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية‏)‏ كذا قال عبد الوارث عن أيوب‏.‏

وقال سفيان بن عيينة ‏"‏ عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أم عطية ‏"‏ أخرجه النسائي، فكأن أيوب سمعه منهما جميعا، وقد تقدم شرح هذا في الجنائز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا ‏(‏أن لا يشركن بالله شيئا‏)‏ ونهانا عن النياحة‏)‏ في رواية مسلم من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت ‏(‏لما نزلت هذه الآية ‏(‏يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا - ولا يعصينك في معروف‏)‏ كان منه النياحة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقبضت امرأة يدها‏)‏ في رواية عاصم ‏"‏ فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد من أن أسعدهم ‏"‏ لم أعرف آل فلان المشار إليهم‏.‏

وفي رواية النسائي ‏"‏ قلت إن امرأة أسعدتني في الجاهلية ‏"‏ ولم أقف على اسم المرأة‏.‏

وتبين أن أم عطية في رواية عبد الوارث أبهمت نفسها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها‏)‏ وللنسائي في رواية أيوب ‏"‏ فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك ‏"‏ والإسعاد قيام المرأة مع الأخرى في النياحة تراسلها، وهو خاص بهذا المعنى، ولا يستعمل إلا في البكاء والمساعدة عليه، ويقال إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه عند التعاون على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلقت ورجعت، فبايعها‏)‏ في رواية عاصم فقال ‏"‏ إلا آل فلان ‏"‏ وفي رواية النسائي ‏"‏ قال فاذهبي فأسعديها، قالت‏:‏ فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعت ‏"‏ قال النووي‏:‏ هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان كما هو ظاهر الحديث، وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء، فهذا صواب الحكم في هذا الحديث‏.‏

كذا قال، وفيه نظر إلا إن ادعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا، وفيه بعد، وإلا فليدع مشاركتهم لها في الخصوصية، وسأبين ما يقدح في خصوصية أم عطية بذلك‏.‏

ثم قال‏:‏ واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة، ومقصودي التحذير من الاغترار بها، فإن بعض المالكية قال‏:‏ النياحة ليست بحرام، لهذا الحديث، وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك، قال‏:‏ والصواب ما ذكرناه أولا وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة انتهى‏.‏

وقد تقدم في الجنائز النقل عن غير هذا المالكي أيضا أن النياحة ليست بحرام، وهو شاذ مردود، وقد أبداه القرطبي احتمالا ورده بالأحاديث الواردة في الوعيد على النياحة، وهو دال على شدة التحريم، لكن لا يمتنع أن يكون النهي أولا ورد بكراهة التنزيه، ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن لمن ذكر وقع في الحالة الأولى لبيان الجواز ثم وقع التحريم فورد حينئذ الوعيد الشديد‏.‏

وقد لخص القرطبي بقية الأقاويل التي أشار إليها النووي، منها دعوى أن ذلك قبل تحريم النياحة، قال‏:‏ وهو فاسد لمساق حديث أم عطية هذا، ولولا أن أم عطية فهمت التحريم لما استثنت‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده أيضا أن أم عطية صرحت بأنها من العصيان في المعروف وهذا وصف المحرم‏.‏

ومنها أن قوله ‏"‏ إلا آل فلان ‏"‏ ليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة، فيمكن أنها تساعدهم باللقاء والبكاء الذي لا نياحة معه‏.‏

قال وهذا أشبه مما قبله‏.‏

قلت‏:‏ بل يرد عليه ورود التصريح بالنياحة كما سأذكره، ويرد عليه أيضا أن اللقاء والبكاء المجرد لم يدخل في النهي كما تقدم في الجنائز تقريره، فلو وقع الاقتصار عليه لم يحتج إلى تأخير المبايعة حتى تفعله‏.‏

ومنها يحتمل أن يكون أعاد ‏"‏ إلا آل فلان ‏"‏ على سبيل الإنكار كما قال لمن استأذن عليه فقال له‏:‏ من ذا‏؟‏ فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ أنا أنا‏.‏

فأعاد عليه كلامه منكرا عليه‏.‏

قلت‏:‏ ويرد عليه ‏[‏ما ورد‏]‏ على الأول‏.‏

ومنها أن ذلك خاص بأم عطية، قال‏:‏ وهو فاسد فإنها لا تختص بتحليل شيء من المحرمات انتهى‏.‏

ويقدح في دعوى تخصيصها أيضا ثبوت ذلك لغيرها، ويعرف منه أيضا الخدش في الأجوبة الماضية، فقد أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس قال ‏"‏ لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم‏:‏ يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية، وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرج الترمذي من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء بنت يزيد قالت ‏"‏ قلت يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ولا بد من قضائهن، فأبى قالت‏:‏ فراجعته مرارا فأذن لي، ثم لم أنح بعد‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال ‏"‏ أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ فأخذ علينا ولا ينحن، فقال عجوز‏:‏ يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا، وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم، قال‏:‏ فاذهبي فكافئيهم‏.‏

قالت‏:‏ فانطلقت فكافأتهم‏.‏

ثم إنها أتت فبايعته ‏"‏ وظهر من هذا كله أن أقرب الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قَالَ إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي‏)‏ هو جرير بن حازم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الزبير‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ الزبير بن خريت ‏"‏ وهو بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة قوله‏:‏ ‏(‏في قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعصينك في معروف‏)‏ قال‏:‏ إنما هو شرط شرطه الله للنساء‏)‏ أي على النساء‏.‏

وقوله ‏"‏فبايعهن ‏"‏ في السياق حذف تقديره‏:‏ فإن بايعن على ذلك، أو فإن اشترطن ذلك على أنفسهن فبايعهن‏.‏

واختلف في الشرط فالأكثر على أنه النياحة كما سبق، وقد تقدم عند مسلم ما يدل لذلك‏.‏

وأخرج الطبري من طريق زهير بن محمد قال في قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعصينك في معروف‏)‏ ‏:‏ لا يخلو الرجل بامرأة‏.‏

وقد جمع بينهما قتادة، فأخرج الطبري عنه قال ‏"‏ أخذ عليهن أن لا ينحن ولا يحدثن الرجال، فقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ إن لنا أضيافا وإنا نغيب عن نسائنا، فقال‏:‏ ليس أولئك عنيت ‏"‏ وللطبري من حديث ابن عباس المقدم ذكره ‏"‏ إنما أنبئكن بالمعروف الذي لا يعصينني فيه، لا تخلون بالرجال وحدانا، ولا تنحن نوح الجاهلية ‏"‏ ومن طريق أسيد بن أبي أسيد البراد عن امرأة من المبايعات قالت ‏"‏ كان فيما أخذ علينا أن لا نعصيه في شيء من المعروف، ولا نخمش وجها، ولا ننشر شعرا، ولا نشق جيبا، ولا ندعو ويلا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَاهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ الْآيَةَ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فِي الْآيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري حدثناه‏)‏ هو من تقديم الاسم على الصيغة، والضمير للحديث الذي يريد أن يذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ آية النساء‏)‏ أي آية بيعة النساء وهي ‏(‏يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا‏)‏ الآية، وقد قدمت في كتاب الإيمان بيان وقت هذه المبايعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ قرأ في الآية ‏"‏ والأول أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن أصاب منها‏)‏ أي من الأشياء التي توجب الحد، في رواية الكشميهني ‏"‏ من ذلك شيئا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبد الرزاق عن معمر‏)‏ زاد المستملي ‏"‏ في الآية‏"‏، ووصله مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عقب رواية سفيان وقال له آخره ‏"‏ وزاد الحديث‏:‏ فتلا علينا آية النساء أن لا يشركن بالله شيئا ‏"‏ وقد تقدم شرحه ومباحثه في كتاب الإيمان مستوفى‏.‏

وقوله ‏"‏ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ‏"‏ فيه عدة أقوال‏:‏ منها أن المراد بما بين الأيدي ما يكتسب بها وكذا الأرجل، الثاني هما كناية عن الدنيا والآخرة، وقيل عن الأعمال الظاهرة والباطنة، وقيل الماضي والمستقبل، وقيل ما بين الأيدي كسب العبد بنفسه وبالأرجل كسبه بغيره، وقيل غير ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ شَهِدْتُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلَالٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَةِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَدْرِي الْحَسَنُ مَنْ هِيَ قَالَ فَتَصَدَّقْنَ وَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب قال وأخبرني ابن جريج‏)‏ قلت‏:‏ نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين بالنسبة لابن جريج، فإنه يروي عن ابن جريج بواسطة رجل واحد كأبي عاصم ومحمد بن عبد الله الأنصاري ومكي بن إبراهيم وغيرهم، نزل فيه درجة بالنسبة لابن وهب فإنه يروي عن جميع من أصحابه كأحمد بن صالح وأحمد بن عيسى وغيرها، وكأن السبب فيه تصريح ابن جريج في هذه الطريق النازلة بالإخبار‏.‏

وقد أخرج البخاري طرفا من هذا الحديث في كتاب العيدين عن أبي عاصم عن ابن جريج بالعلو، وهو من أوله إلى قوله ‏"‏ قبل الخطبة ‏"‏ وصرح فيه ابن جريج بالخبر، فلعله لم يكن بطوله عند ابن أبي عاصم ولا عند من لقيه من أصحاب ابن وهب، وقد علاه أبو ذر في روايته فقال ‏"‏ حدثنا علي الحربي حدثنا ابن أبي داود حدثنا محمد بن مسلمة حدثنا ابن وهب‏"‏، ووقع للبخاري بعلو في العيدين لكنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، وتقدم شرحه هناك مستوفى، وقول ابن وهب ‏"‏ وأخبرني ابن جريج ‏"‏ معطوف على شيء محذوف‏.‏